عباد الله: نعيش هذه الأيام حياة صعبة ومريرة، مليئة بالأحداث والمآسي، فانظروا -عباد الله-: كيف اجتمع أعداء الإسلام علينا، وأعداء الإسلام لا يجتمعون على أمر واحد إلا إذا كان لمحاربة هذا الدين، والقائمين عليه، فهل سألنا أنفسنا: لماذا أصبحوا يسوموننا سوء العذاب؟! أو لسنا من عباد الله وأتباع رسوله الكريم؟! إذًا، لماذا اجتمعوا علينا وقطعوا أوصالنا؟! تعالوا -أيها المسلمون-: لنعيش في رحاب أصحاب...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
أما بعد:
فإن خير الهدي هدي نبينا محمد، وخير الأخلاق الحسنة الخلق الأعظم، وخير الخلق هو الصلة بالله طريقه الأعظم، ولهذا قال الله -عز وجل- تقييمًا للأول والآخر في الكتاب تلك المكارم والمفاخر: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ) [الأحزاب: 21].
وعظم الله -سبحانه وتعالى- باتباع سنته الزكية.
والواجب علينا -إخوة الإيمان-: الاتباع والاقتداء بسنة خير الأنام، ففيها السعادة والنجاة، وكل ما نتمناه، ونرجو من الله -سبحانه وتعالى- أن يحقق لنا ولكم جميعا السعادة في الدنيا والآخرة.
عباد الله: نعيش هذه الأيام حياة صعبة ومريرة، مليئة بالأحداث والمآسي، فانظروا -عباد الله-: كيف اجتمع أعداء الإسلام علينا، وأعداء الإسلام لا يجتمعون على أمر واحد إلا إذا كان لمحاربة هذا الدين، والقائمين عليه، فهل سألنا أنفسنا:
لماذا أصبحوا يسوموننا سوء العذاب؟! أو لسنا من عباد الله وأتباع رسوله الكريم؟! إذًا، لماذا اجتمعوا علينا وقطعوا أوصالنا؟!
تعالوا -أيها المسلمون جميعاً-: لنعيش في رحاب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلم البشرية، وهادي الإنسانية، وكل أصحاب نبينا يقتدى بهم؛ لأنهم تعلموا منه، وقدموا ما يستطيعون لهذا الدين لإعلاء كلمة التوحيد، حياتهم كلها كانت لله، لم يعرفوا النفاق والملل، كانوا يحملون فكرا سليما، وعقيدة صحيحة، وقوة لم تعرف البشرية لها مثيلاً من قبل، فرفعوا راية الله في كل مكان؛ منهم:
سيد الشهداء حمزة عم الرسول، والذي ضرب أبا جهل على وجهه فشجه إكراما لرسول الله [أخرجه ابن إسحاق؛ كما في السيرة النبوية لابن هشام (1/291-292) قال: حدثني رجل من أسلم كان واعية أن أبا جهل مرَّ برسول الله عند الصفا فآذاه وشتمه...وذكر القصة].
وخالد بن الوليد الذي خاض جميع معارك الإسلام، وفتح الله على يديه المشارق والمغارب، ومع ذلك مات على سريره، فهل يتعظ الجبناء؟!
ومنهم: عمرو بن الجموح الذي قال عنه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "يطأ الجنة بعرجته"[أخرجه أحمد وابن شبة في تاريخ المدينة ، وابن عبد البر في التمهيد من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله، فقال: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحةً في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله: "نعم" فقتلوه يوم أحد هو وابن أخيه ومولى له، فمرَّ عليه رسول الله فقال: "كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة" فأمر رسول الله بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد. هذا لفظ أحمد، وحسنه الحافظ في الفتح ].
ومنهم: أنس بن النضر الذي نزل فيه قول الله -تعالى-: (مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23].
ومنهم: أم أنس بن مالك التي رفضت الزواج من أغنى أغنياء قريش إلا بعد أن يعلن كلمة التوحيد، وجعلتها مهرا لها.
عباد الله: أريد أن أقول لكم كلمة، وأرجو أن تحفظوها جيداً: إن أخطر ما يواجه الأمة أن يصبح المعروف منكرا، ويصبح المنكر معروفا، إذا أصيبت الأمة بهذا الكلام فعليها السلام.
أيها المصلون: هل أصبحت الفضيلة في نظر الناس رذيلة واختلط الأمر عليهم؟!
فموائد القمار انتشرت في كل مكان، البارات تفتح أبوابها، والسرقات أصبحت في كل مكان حتى أصبح الناس لا يأمنون على أموالهم وأنفسهم، نسمع كل يوم عن هذه السرقات، حتى في رحاب المسجد الأقصى، كم عانينا في شهر رمضان من حوادث السرقات التي طالت النساء المؤمنات اللواتي جئن يصلين في المسجد الأقصى، شوارعنا انتشر فيها الفساد، وأولادنا انغمسوا في الملذات والشهوات، فتركوا الصلوات فلا رقيب ولا حسيب.
ربوا البنين على الفضائل فإنها *** في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسـة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
إذا أصيب الإنسان في ماله فإن المال راجع، وإذا أصيب في جسمه فالمرض زائل، أما إذا أصيب في دينه فكبر عليه أربعا لوفاته.
عباد الله: ما سبب كل هذا؟ وما الطريق الصحيحة للخروج من هذه المحن؟
الجواب واضح كل الوضوح: فكلنا يعرف السبيل، وذلك بالرجوع إلى الله: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيراً) [الإسراء: 9].
ويقول تعالى: (وَأَنَّ هَـذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّـاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
والحل في قوله تعالى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
والسؤال مرة ثانية: من يتبع هذا المذهب الرباني؟! ومن يؤمن إيمانا قاطعا ويخلص لله؟! من يجاهد في الله حق جهاده ويعمل لمصلحة الإسلام ويتوجه لله وحده؟! من منا أعماله صالحة ونيته خالصة لله وحده؟!
أيها المؤمنون -عباد الله-: الصحابي الجليل مصعب بن عمير أرسله نبينا الكريم للمدينة المنورة ليعلم أعداء الإسلام، فتوجه وهو يحمل رسالة الله، وكان يتسلح بالقرآن، إنه هداية الله، إنه صراطه المستقيم ونوره المبين، فلم يترك بيتا في المدينة إلا وأدخل فيه الإسلام، وأناره بالقرآن.
لقد أُرسل لقبائل المدينة صحابي جليل واحد نشر الإسلام في أرض المدينة، ولم يكن معه سوى القرآن، وكفى بكتاب الله واعظا ومرشدا.
إخوة الإسلام: لم يكن يريد من حطام الدنيا الفانية شيئًا؛ مصعب الذي أعطاه النبي الكريم اللواء يوم أحد، ونزل المعركة وهو يلبس ثوباً رثاً، وكل رقعة فيه أفضل من تيجان ملوك الأرض اليوم، أصبح مصعب في جنان النعيم، كان يلبس الحرير في الجاهلية، فحمل راية الإسلام في أحد بثياب رثة، وقاتل قتالا مريرًا، ولم يعرف الخوف، ولم يرجع خطوة واحدة للوراء، تقدم بثبات وشجاعة، فضرب بالسيف فقطعت يمينه، فحمل الراية بمشاله فضربت شماله فقطعت، فحمل الراية بين عضديه فضرب فخر شهيدا، فرآه النبي –صلى الله عليه وسلم- وصحابته، فماذا يفعلون؟
إن الشهيد لا يكفن، ليقوم يوم القيامة ونوره بين يديه، ودمه لون الدم، وريحه ريح المسك.
الشهيد يكفن بثيابه، لتكون له شفيعا يوم القيامة.
الشهيد لا يصلى عليه صلاة الجنازة؛ لأن الصلاة على الأموات والشهيد حي لا يموت: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) [البقرة: 154].
الشهادة شرف لا ينالها إلا من أخلص لله.
فدفن مصعب في ثيابه ولم تغط قدميه، فقال لهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم: "غطوا رأسه بثيابه، وقدميه بنباتات خضراء"[أخرجه البخاري في المناقب ، ومسلم في الفضائل من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه– بنحوه].
أيها المؤمنون: استشهد مصعب ومات ميتة الرجال الأبطال، فهل عرف المسلمون اليوم كيف يحملون راية الإسلام ويحمونه ويدافعون عنه؟! هل عرفوا كيف يسيرون إلى نهج الله ولا يلتفون حول قوة ظالمة؟!
إن أمريكا لن تغني عنكم من الله شيئا، لا يستطيعون أن يرفعوا الظلم عنكم، أو يدافعوا عن أنفسهم، ففروا إلى الله فما النصر والعزة إلا من الله، فهو وحده القادر على كل شيء، فهو خير المولى ونعم النصير.
ادعوا الله، واستغفروه إن الله غفور رحيم.
الحمد لله الذي يرفع عنا الغمة، وأنعم علينا وأكرمنا بخير نبي فكنا به خير أمة، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المؤمنين، وناصر المظلومين، وقاهر الجبارين.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي قال: "خير أمتي الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يبعث قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويظهر فيهم السمن"[أخرجه البخاري في المغازي (4047)، ومسلم في الجنائز (940) من حديث خباب بن الأرتّ -رضي الله عنه- بلفظ: "غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر"].
ومعنى: "السمن" في قوله هو جمع المال، صلى الله عليك يا نبي الله، وعلى صحبك أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون: تتحدث الأنباء عن خطة إسرائيلية جديدة لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية، وهي خطة قديمة عقيمة، يقصد منها إلهاء الفلسطينيين، والله يعلم إذا كانت رغبة إسرائيل جادة بإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة.
إن طرح الأفكار الإسرائيلية القديمة بغطاء جديد يزيد من معاناة شعبنا المسلم المرابط في أرضه ومقدساته.
والواقع المر هو: أن إسرائيل بطرحها الخطة الإسرائيلية تريد تسوية النزاع، وفي الوقت نفسه استمرار الاحتلال.
إن الذي يريد إقامة دولة فلسطينية في المناطق الخاضعة للسيادة الفلسطينية تحت ما يسمى بـ: "أ، ب" وإسقاط حق اللاجئين في العودة وغور الأردن والقدس، في الوقت الذي يجب على الفلسطينيين الاعتراف صراحة بالدولة الإسرائيلية قبل الحديث عن مراحل الانسحاب من مناطق الضفة الغربية.
إن العودة إلى نقطة الصفر والتي انطلقت من أجلها انتفاضة الأقصى هي بالغة الخطورة، فاستمرار الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيظل قائماً طالما أن العالم بأسره يغفل طبيعة هذا الصراع، أو أنهم يعرفون ولا يريدون أن يتحركوا.
عباد الله: إن قضيتنا تختلف في جوهرها عن أي قضية أخرى، فهي قضية إسلامية مركزية تهم الأمة الإسلامية، وتحاول إسرائيل تغيير فحواها، وتحويلها لتكون فلسطينية إسرائيلية؛ فقد قامت إسرائيل بمساعدة أمريكا بإعلان حرب قذرة ضد الإسلام والمسلمين، والحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
أمريكا استخدمت أشد القنابل فتكا في أفغانستان، وأنفقت ما يقارب سبعة وثلاثين مليار دولار على حربها ضد الإسلام.
أصبحت اليوم محجًا لبعض زعماء العرب والمسلمين تستخدم في الأمم المتحدة حق النقض الفيتو والامتناع عن التصويت في ما يسمى بالجمعية العامة ضد أي قرار سياسي يخص فلسطين، فهل نتوقع إنصافنا؟!
بريطانيا المجرمة، والتي كان لها السبب في إيجاد هذا الكيان المجرم في أرض فلسطين، فإنها تطالب الفلسطينيين بتصفية الجماعات الإسلامية، ونسيت أنها قمة الإرهاب والحقد على الإسلام والمسلمين.
أما روسيا فتريد أن تقوي نفسها على حساب بعض جماعات الإسلام، فانبرت تدافع عن إسرائيل.
أيها المسلمون: في ظل الضغط على الفلسطينيين لوقف الانتفاضة، وعدم الدفاع عن المقدسات يأتي في ظل تقاعس الحكام العرب، وتخاذلهم عن الدفاع عن الفلسطينيين.
إن إسرائيل والإعلام الصهيوني في كل العالم يصعِّد من وتيرة دعوته لضرب العراق وسوريا وإيران باعتبارها دولاً تهدد أمن إسرائيل، ومن هنا، من هذا المكان الطاهر، ومن هذه الرحاب المقدسة، ومن علياء هذا المنبر الشريف نقول للمسلمين: أفيقوا يا مسلمون من غفلتكم، ووحدوا صفوفكم، فبعد أفغانستان سيأتي الدور على كل دولة من دولكم، وبدلا من هذه الدول المتعددة اتحدوا في جماعة واحدة وفي دولة واحدة، وفي أمة واحدة، مهما كان الثمن.
فأعداء الإسلام يريدون كسر شوكتكم، حتى إذا انتهكت الحرمات والمقدسات لا يجدون من يقول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
لا نملك إلا أن نقول من هنا: استيقظوا يا مسلمون؛ فقد طال سباتكم.
أفيقوا يا حكام المسلمين: فقد نخر عظامَنا شخيرُكم، كفاكم لهوا ولعبا، واتعظوا بكلام الله -جل وعلا-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي