إن الاعتذار -أيها الكرام- لا يكلفنا كثيراً سوى كلمتين، لكن هاتين الكلمتين عند من يستصغر نفسه وعند من يحتقر الآخرين يرى أن النطق بهما أثقل عليه من أن يحمل جبلاً عظيماً، إنها كلمة: أعتذر، أنا أعتذر، أو أنا آسف لما بدر مني، هذه الكلمات التي ربما لا ينطق بها إلا الشجعان من الناس، لو نطقنا بهاتين الكلمتين بصدق لداوينا بهما قلباً منكسراً، لكانتا بلسمًا لكرامة مجروحة، لعادت مياه العلاقات المنقطعة إلى مجراها...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن هذه الحياة التي نعيشها تطل علينا بأيام سعيدة وتمطرنا بأخرى مليئة بالأحزان، نتعامل معها من خلال مشاعرنا: فرح وتعاسة، نعيش معها في ضيق وحزن، ومحبة وكره، ورضا وغضب، في ظل هذه المتناقضات في الحياة قد تخرج من أحدنا كلمة أو يصدر فعل تكون هذه الكلمة أو هذا الفعل جارحًا لمن حولنا من الناس إن لم يستقبله صدر رحب يغض الطرف ويكظم الغيظ ويعفو عن مثل هذه الإساءة، فإن الحياة تنقلب إلى جحيم، فربما فسدت الحياة بينك وبين أبيك أو بينك وبين أمك أو بينك وبين إخوانك أو بينك وبين زوجك أو بينك وبين أبنائك أو صديقك أو بين من حولك من الناس، وهذه المتناقضات التي يعيشها الإنسان مع تلك الأحداث لا تعطينا العذر في أن نتجاهل مشاعر الآخرين.
جميل -أيها الإخوة- أن الإنسان يتعايش ويتفاعل مع ما يختلج في ضميره ومع ما يدور في داخله، لكن هذا لا يجيز لنا إطلاقاً أن نجرح مشاعر الآخرين أو نتعدى على حقوقهم أو ندوس على كرامتهم، إن ما يؤسف له أن هذا ما يحدث من الكثير منا؛ ذلك لأن كل واحد منا يعتقد أنه مركز الحياة، وعلى الآخرين أن يتحملوا ما يصدر منه.
إن الإنسان بطبعه خطاء ومخطئ، من يظن أنه لا يخطئ؟! يقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، إذاً فكلنا يخطئ في تصرفاته، سواء أكان ذلك في أقواله أم أفعاله، وكل واحد منا يجد المبررات ويجد الأسباب التي أوقعته في ذلك الخطأ، وكل إنسان ما لم يكن شجاعاً وما لم يكن جريئاً يلقي باللائمة على غيره، ويحمل الأسباب لغيره، ويحاول أن يخرج نفسه سالماً مبرّأ من كل خطأ يصدر منه، القليل هم أولئك الذين يعتذرون، وإن من المؤسف حقاً أن نجهل أساليب الاعتذار، والأدهى من ذلك هو أننا نكابر ونتعالى ونعتبر الاعتذار هزيمة أو ضعفاً، وكأننا في هذه الحياة نعيش في حرب دائمة مع الغير، إن من لا يحسن الاعتذار في حرب دائمة، ليس مع نفسه فحسب، وإنما مع الآخرين، لذلك تجد أن الأم تنصح ابنتها ألا تعتذر من زوجها بحجة أنه سيرفع رأسه وسيشمخ بأنفه، وتجد الأب يحذر ابنه من أن يعتذر من زوجته لأنها ستدوس على رقبته وكرامته، ولأنها ستمرغ أنفه، نجد كذلك الأب لا يعتذر من أبنائه كونه أباً وكونه له حق أعظم من حق أبنائه، وهذا وإن كان صحيحاً إلا أن ذلك لا يعفيه عن الاعتذار، فإذا كان الأب لا يحسن الاعتذار فالأبناء من باب أولى لا يتعلمون الاعتذار، ولا يمكن أن يعتذر لأبيه أو أمه، فالبيت هو المدرسة الأولى لتلقي القيم الرفيعة والنبيلة، فما لم يكن الأب مبادراً للاعتذار من أبنائه، من بناته، من زوجته، أمام أبنائه وبناته، لا يمكن أن يتعلم الأبناء هذا الفن وهذا الخلق الرفيع وهذا الأدب، لا يمكن أن يتعلمه الأبناء إذا لم يكن الآباء هم من يغرسون هذا الخلق النبيل في هؤلاء الأبناء، هكذا أيضاً نجد أن المسؤول في مؤسسته أو في مصنعه لا يتنازل بأن يعترف بالتقصير، أو يعتذر عن خطأ بدر منه أو إساءة لأحد موظفيه؛ كونه يعتبر أن مركزه لا يسمح له بذلك، المعلّم لا يعتذر لأحد طلبته الذين أساء إليهم في قاعة الدراسة؛ كونه يرى أن ذلك سيكسب الطلبة عدم احترامه، أو سيسقط من نظرهم، الرئيس كذلك لا يعتذر لشعبه ولا يفيق إلا على ثورة عارمة تقلب به وتطيح به وبنظامه.
إن الاعتذار -أيها الكرام- لا يكلفنا كثيراً سوى كلمتين، لكن هاتين الكلمتين عند من يستصغر نفسه وعند من يحتقر الآخرين يرى أن النطق بهما أثقل عليه من أن يحمل جبلاً عظيماً، إنها كلمة: أعتذر، أنا أعتذر، أو أنا آسف لما بدر مني، هذه الكلمات التي ربما لا ينطق بها إلا الشجعان من الناس، لو نطقنا بهاتين الكلمتين بصدق لداوينا بهما قلباً منكسراً، لكانتا بلسمًا لكرامة مجروحة، لعادت مياه العلاقات المنقطعة إلى مجراها، كم تمر علينا من المشاكل التي تأخذ وقتاً طويلاً كي تحل سواء كانت في أوساط الأسر أم في أوساط القبائل، أم كانت بين الزوجين أم بين الأب وابنه، أم ما شاكل ذلك، تأخذ وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، وتكال التهم من هنا وهناك، ويتعذر هذا ويتعذر ذاك، وكل ذلك هروب من كلمة أنا أعتذر، أو أنا آسف، ومع هذا لو حلت مثل هذه القضايا لا يمكن أن تعود المياه إلى مجراها نظيفة نقية، بل إن عادت فستعود معكرة إلى حد ما، ربما قنبلة موقوتة تنفجر في أي لحظة من اللحظات، السبب في ذلك أنه من الصعب علينا الاعتراف بالمسؤولية تجاه أنفسنا؛ لأننا نعتبر أننا لا نخطئ، وأن غيرنا هو الذي يخطئ.
أيها الكرام: الاعتذار منهج نبوي، وهو مهارة من مهارات الاتصال، ويتكون من ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الشعور بالندم عما بدر من هذا الإنسان.
ثانياً: أن يتحمل هذا الشخص المسؤولية تجاه سلوكه وتجاه تصرفه.
الثالث: أن تكون لدينا الرغبة في إصلاح ذات البين أو إصلاح الوضع.
إن فن الاعتذار دليل على تميُّز الشخص ونبله وشجاعته الأدبية، الاعتذار لا يتسم به إلا الكبار ولا يتخلق به إلا العظماء، الاعتذار -أيها الإخوة- من أخلاق الإسلام، وعلامة من علامات الثقة بالنفس، الاعتذار خلق اجتماعي جميل يدعو للتعايش ويمحو التوتر الذي يصيب العلاقات، الاعتذار ينفي عن صاحبه صفة التعالي والكبر، ويمنحه المصداقية والثقة في قلوب الآخرين، ويزيل الأحقاد والاحتقانات التي حلت بالنفوس، ويدفع عن صاحبه سوء الظن بالآخرين، فهل نعي هذه الحقيقة؟! وهل يمكن لأحدنا أن يعتذر إذا أساء لربه، أن يعتذر لنبيه، أن يعتذر لأبيه وأمه، أن يعتذر لزوجه، أن يعتذر لأبنائه، أن يعتذر لصديقه، أن يكون شجاعاً فيعترف بكل خطأ بدر منه!!
وليس العيب أن يقع الإنسان في الخطأ، ولكن العيب ألا يعتذر أو يستمر على خطئه.
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الحمد لله ولي الصالحين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وبعد:
تكلمنا فيما مضى من الوقت عن هذا الخلق الرفيع الذي يندر أن يتصف به الناس، هذا الخلق النبوي الذي ربى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه الكرام -رضوان الله عليهم–، قليل هم أولئك الذين يعتذرون وتجري كلمة الاعتذار على ألسنتهم، ربما الكثير من الناس الذين يعتذرون عن سفاسف الأمور التي تحدث أحياناً عفوياً ويشعر بالارتياح أنه اعتذر، لكن المواقف التي تخدش المشاعر وتكسر القلوب وتفصم العلاقة في المجتمع قليل هم الذين يعتذرون من تلك التصرفات أو تلك الأفعال التي تبدر منهم، فلربما سمعت كثيراً في الأسواق حينما يضايق إنسان في الطريق بغير قصد فيعتذر ويتأسف، ربما تسمع من كثير من الناس يحدث منه شيء عارض فيعتذر، لكنه يترفع وتأخذه الأنفة والكبر والعظمة إذا أخطأ في حق أبيه أو حق أمه أو حق زوجه أو حق أبنائه أو حق صديقه في قضية ربما تكون كاسرة للقلوب، يندر من ينطق بالاعتذار، هذا أمر، الأمر الآخر قليل هم أيضاً أولئك الذين يقبلون الاعتذار؛ ذلك لأن بعض الناس يريدون أن يذلوا من أساء إليهم، وهذا ليس من خلق المسلمين، بل الخلق الرفيع أن تكون معتذراً وأن تقبل الاعتذار ممن اعتذر منك، فقبول الاعتذار كما هو من أخلاق الكبار فقبوله أيضاً من أخلاق الكبار، إن قابل الاعتذار يقدم درساً عملياً لمن حوله بأن يقدموا الاعتذار، لكن إذا كان من يقدَّم إليه الاعتذار يصد ولا يقبل الاعتذار فإنه يعلم الناس أن يتكبروا وألا يعتذروا وألا يتأسفوا وألا يتندموا، فإذا بادرنا بأن نقبل الاعتذار من المعتذرين فإننا نلقنهم درساً ونعلمهم كيف يعتذرون، إنها دروس عملية قد تكون أبلغ من الدروس القولية واللفظية؛ صدق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حين قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى".
الأنبياء -أيها الكرام- يعتذرون؛ هذا آدم وأمنا حواء حينما عصيا ربهما وأكلا من الشجرة يقدم أبونا آدم الاعتذار لربه -عز وجل-: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
هذا موسى -عليه السلام- حينما قتل نفساً من بني إسرائيل خطأً اعتذر لربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [القصص: 16].
هذه ملكة سبأ تعتذر لربها -عز وجل- حينما رأت آياته ورأت ملك سليمان: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [سبأ: 44]، وهذا نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- يعتذر لأصحابه في حديث مسلم بن طلحة عن أبيه قال: مررت أنا والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والصحابة يؤبرون النخل كي تثمر ثمراً جيداً، وهذا كان معتاداً عندهم، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا"، فترك الناس التأبير، فجاء الثمر ضعيفاً، فأتوا إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقالوا: يا رسول الله: جاء الثمر ضعيفاً، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي، فإنما أنا بشر".
وفي قصة سواد -ذلك الصحابي الجليل- في يوم أحد حينما كان -صلى الله عليه وآله وسلم- يصف الصفوف، وإذا بهذا الرجل متقدمًا على الصف، فيؤخره -صلى الله عليه وآله وسلم- ويقول له: "استوِ يا سواد"، فيتأخر ويتقدم، فيراه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مرة أخرى، فيأتي إليه ويأخذ سواكه -صلى الله عليه وآله وسلم- ويطعن هذا الرجل ببطنه ويقول: "استوِ يا سواد"، فيقول: لقد أوجعتني يا رسول الله، أقدني من نفسك، فيقوم -صلى الله عليه وآله وسلم- ويكشف عن بطنه ويقول: "اقتص لنفسك" فيقبل هذا الصحابي على بطن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تقبيلاً لها وتمريغاً لوجهه ويقول: والله يا رسول الله ما قصدت إلا أن يكون آخر شيء مني هو التصاق جسدي بجسدك، أي لعل الموت والشهادة تدركني وأنا في هذا الموقف، وهذا كله اعتراف من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه آذى هذا الصحابي الجليل.
وهذا أبو موسى الأشعري يأتيه قوم من الأشعريين ويقولون له: تعال معنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو لا يدري ما المراد!! فلما أتوا إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قالوا: يا رسول الله: إنا نطلب منك أن تأمرنا، فيعتذر منهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- اعتذاراً لطيفاً، لكنهم أظهروا أبا موسى على أنه جاء معهم شفيعاً كي يوظفهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فيصاب بخجل شديد، قال: فيعتذر من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- اعتذارًا شديدًا، قال: فيقبل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عذره.
هذا الخلق العظيم، إنه في الحقيقة يحتاج منا إلى ممارسات، وأن نلزم أنفسنا كي نتعود على هذا الخلق العظيم، على الاعتراف بالذنب والخطأ، أن تعتذر للآخرين، أن نراعي مشاعرهم، أن نجبر قلوبهم أياً كان هؤلاء الناس، وأن نضيف إلى تأسفنا واعتذارنا ما هو أهم وخاصة مع ربنا -جل وعلا- ومع نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- مع أبوينا، مع من هم أقرب الناس إلينا، ألا تأخذنا الأنفة والكبر في أن نعتذر من هؤلاء جميعاً، وأفضل الاعتذار أن يكون مباشرة، وإذا كان الاعتذار مباشرة قاسياً فليس أقل من أن يعتذر الإنسان ضمنيًا، وذلك بعدة وسائل؛ فيمكن أن يكون ذلك عبر رسالة بالهاتف، أو عبر هدية، فربما تحدث قطيعة بينك وبين أحد أقاربك زمناً طويلاً، وربما زاد هذا البعد في مرض القلب وقسوته وحنقه من هذا الإنسان الذي أساء إليك، لكن إذا سمعت رنين هاتفك من هذا الإنسان فإياك أن توصد الباب أمامه، إنها أولى علامات الاعتذار، فعليك أن تتجاوب معه، على المرأة أن تتجاوب مع زوجها، وعلى الزوج أن يتجاوب مع زوجته، وعلى الوالد أن يتجاوب مع ابنه، وعلى الابن أن يتجاوب مع أبيه، وعلى الصديق أن يتجاوب مع صديقه ولو بعد حين، وصدق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما قال: "لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، وليس فوق ثلاث.
المدح والثناء والإطراء علامة من علامات الاعتذار، ولو كان هذا بين الناس بعيداً عن مسامعك، لكن بمجرد أن تسمع أن فلاناً أثنى عليك في المجلس الفلاني فاعلم أنه متندم وأنه متأسف وأنه يعتذر، لكن ربما أصابته أنفة أو كان الاعتذار المباشر قاسياً عليه.
أخيراً -أيها الإخوة- من يرد أن يصبح وحيداً فليستكبر وليعش في مركز الحياة الذي لا يراه سواه، ومن يرد أن يعيش مع الناس ويرتقي بهم فليتعلم فن الاعتذار، لذلك أقول -ولعلكم تقولون معي-: يا رب: إننا نعتذر إليك عن إساءة أو عن ذنب اقترفناه، طغت علينا شهواتنا وأنفسنا، يا رب: نعتذر إليك عما بدر منا، ونسألك أن تعفو عنا وأن تغفر لنا زلاتنا.
كذلك نعتذر إليك -يا نبينا- عن كل تقصير حدث منا، سواء كان ذلك من خلال العمل بسنتك، أم الدفاع عن شرعك وعن أصحابك أيضاً، نعتذر من آبائنا وأمهاتنا إن بدرت منا أية إساءة في أية مرحلة من مراحل أعمارنا، نعتذر أيضاً من أزواجنا إذا أسأنا في حقهم في يوم من الأيام، ولنعزم من الآن على أن يكون الاعتذار من برامجنا اليومية، تعتذر أولاً بأول، وألا نجعل هوة بيننا وبن من نعيش معهم، نعتذر من كل إنسان أسأنا إليه، سواء كان في الماضي أم الآن، بقصد أو بغير قصد.
نسأل الله تعالى أن يعفو عنا، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق، وأن يصرف عنا سيئها.
والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي