فليعلم الساخرون المتنقصون أن الاستهزاء سياسة صهيونية، مبرمجة لإضعاف شوكة المسلمين، والقضاء النفسي على رموزهم، وعلمائهم، ودعاتهم؛ جاء في "البروتوكول" السابع عشر من "بروتوكولات حكماء صهيون"، ما نصه: "وقد عُنينا عناية عظيمة، بالحط من كرامة رجال الدين، من الأميين -وهم غير اليهود- في أعين الناس، وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم، التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤودًا في طريقنا".
عرفنا في الجمعة الماضية قيمة الدين في حياة المغاربة، واعتزازهم بالانتساب للإسلام، رمز وحدتهم، وسبيل نصرتهم وعزتهم، وتبيَّنا كيف أن بعض فئام من الناس، تحاول التشويش على هذا الاعتقاد الراسخ، وإحداثَ البلبلة بتبخيس قدسية الدين، والاعتساف على ثوابت المغاربة المسلمين، وكان من أعظم المكائد التي انتهجوها: الاستهزاء بالمتدينين، والسخرية من معتقداتهم، والاستخفاف بالتزامهم وتشبعهم بسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-.
والاستهزاء مأخوذ من مادة "هزأ" التي تدل على السخرية والتنقيص. وقد أجمع العلماء أن السخرية والاستهزاء بالمسلم من كبائر الذنوب، ولذلك ذكرت هذه المادة في القرآن الكريم ستًّا وثلاثين مرة، تشنيعًا على أصحاب هذا الفعل الدنيء، وتبكيتًا لهم على هذا الصنيع الوضيع.
فليعلم الساخرون المتنقصون أن الاستهزاء سياسة صهيونية، مبرمجة لإضعاف شوكة المسلمين، والقضاء النفسي على رموزهم، وعلمائهم، ودعاتهم؛ جاء في "البروتوكول" السابع عشر من "بروتوكولات حكماء صهيون"، ما نصه: "وقد عُنينا عناية عظيمة، بالحط من كرامة رجال الدين، من الأميين -وهم غير اليهود- في أعين الناس، وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم، التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤودًا في طريقنا".
والاستهزاء بالمسلمين نوعان: أولاً: الاستهزاء بعيب خَلْقي، كالتعيير بالطول، أو القصر، أو العَرَج، أو العمى والعَوَر، أو بعيب خُلُقي، كالغضب، والبلاهة، والعجلة، والحماقة. وهذا حكمه التحريم، وهو من كبائر الذنوب. قال وهب بن منبه -رحمه الله-: "إن أعظم الذنوب عند الله بعد الشرك بالله: السخريةُ بالناس".
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ). قال الضحاك: "نزلت في وفد بني تميم؛ استهزؤوا بفقراء الصحابة، مثل عمار، وخباب، وابن فُهَيْرة، وبلال، وصهيب، وسلمان، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم، لمِا رأوا من رثاثة حالهم".
وقال مجاهد: "هو سخرية الغني من الفقير".
وقال ابن زيد: "لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة".
وقيل: نزلتْ في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلمًا، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا: "ابن فرعون هذه الأمة". فشكا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلت: (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ).
ولقد علّق الإمام القرطبي على هذه الأقوال بقوله: "وبالجملة، فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه، إذا رآه رث الحال، أو ذا عاهة في بدنه، أو غير لبق في محادثته، فلعله أخلص ضميرًا وأنقى قلبًا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقَّره الله، والاستهزاء بمن عظمه الله". ثم قال: "ولقد بلغ بالسلف إفراطُ توقيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلاً يرضع عنزًا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع".
وقال الأعمش: سمعت إبراهيم يقول: "إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلّم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله".
إذا شئت أن تحيا سليمًا من الأذى *** وحظك موفور وعرضك صَيِّنُ
فلا ينطقـن منك اللسان بسوأة *** فكلـك سوءات وللناس ألسنُ
وعينك إن أبـدت إليـك معايبًا *** فصُنها وقل يا عين للناس أعينُ
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسنُ
فحري بهؤلاء أن ينشغلوا بعيوبهم عن عيوب الناس، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه". صحيح الجامع.
ورحم الله بكر بن عبد الله الذي قال: "إذا رأيتم الرجل موكّلاً بعيوب الناس، ناسيًا لعيوبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ به".
قبيح من الإنسان ينسى عيوبه *** ويذكرَ عيبًا في أخيه قد اختفى
ولو كان ذا عقل لما عاب غيره *** وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى
ثانيًا: الاستهزاء بما صار به المسلم مسلمًا، مثل عقيدته، وعبادته، وما شرعه الله من أحكام ومعاملات، وهذا النوع أخطر من الأول، إذ يعتبر اعتقاده كفرًا مخرجًا من الملة، لا يمحى إلا بالتوبة منه، وعدم الرجوع إليه؛ قال تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 64 - 66].
نقل المفسرون -في بيان سبب نزول هذه الآيات- عن زيد بن أسلم أن رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: "ما أرى قُرَّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء". فقال له عوف: "كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذهب عوف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه". قال زيد: قال عبد الله بن عمر: "فنظرت إليه -أي: إلى المنافق- متعلقاً بِحَقَبِ ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تَنْكُبُهُ الحجارة يقول: "إنما كنا نخوض ونلعب". فيقول له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ).
وعن قتادة قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير في غزوته إلى تبوك، وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها، هيهات هيهات. فأطلع الله نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فسألهم، فقالوا: يا نبي الله: إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله -تبارك وتعالى- فيهم ما تسمعون".
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) [المطففين: 29 - 33].
قال الزمخشري: "هم مشركو مكة: أبو جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأشياعهم، كانوا يضحكون من عمار، وصهيب، وخباب، وبلال، وغيرهم من فقراء المؤمنين، ويستهزئون بهم".
وقد فعلوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من ذلك، فأذاقوه من أذى السخرية، وأليم الاستهزاء، ما لا يصبر عليه إلا من عظم إيمانه، وقوي في الله اعتقاده.
روى البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: "أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟! فانبعث أشقى القوم -عقبة بن أبي معيط- فجاء به، فنظر حتى سجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووضعه على ظهره بين كتفيه، فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض". متفق عليه. هؤلاء دعا عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقُتلوا جميعًا في غزوة بدر، جزاء مكرهم واستهزائهم.
وهاهم حفدتهم من أبناء هذا الزمان من غير المسلمين يمعنون في السخرية من ديننا، فتارة يصورون النبي -صلى الله عليه وسلم- في شكل رسومات كاريكاتورية مضحكة، وتارة يحرقون المصاحف داخل كنائسهم -كما فعل قس أمريكي مؤخرًا-، وتارة يحكمون بمنع زي المسلمات، اللواتي اخترن الستر والصيانة على التفسخ والسفور، وتارة بتحريم ذبح الأنعام على الطريقة الإسلامية -كما يجري الإعداد للتصويت عليه هذا الشهر- في برلمان هولندا، التي بها مليون مسلم.
ومن إخواننا من يهزأ باللغة العربية، ويصفها بالجمود والتحجر، ثم يدعو للعامية أو اللاتينية بديلاً عن لغة القرآن، ومنهم من ينشر النكات السخيفة، يجعل مادتها من القرآن الكريم، ويؤلف كلمات الأغاني الراقصة الماجنة، ينسجها من ألمع لحظات تاريخ المسلمين، ومن يستحل تمثيل الأنبياء والصحابة، ليصغر قدرهم في نفوس الناس، وتتلاشى قداستهم من قلوبهم.
قال تعالى: (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الزخرف: 6، 7].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي