لا يقول أحدنا لا شأن لنا بدماج؛ فإن الشيعة قادمون إلينا، ومن سكت عن الترحيل اليوم سيرحل هو غدًا، فأنتم أمام أكبر عصابة تاريخية تستعد لإحياء الدولة الرسولية التي سلبت منهم، والتي أذاقت اليمن في ظل حكمها أشد أنواع القمع الطائفي والعرقي. بل هم يطمعون في الجزيرة العربية كلها، يريدون أن يَحكموها، ويصيِّروها تابعة للفرس، كما كان بعض العرب في الجاهلية، وقد ذكرت التقارير أن الحوثيين يخططون أن تكون صنعاء كلها عام 2017م تبعاً لهم. وقد يزحفون على الجميع بعد أن يسيطروا على بعض المناطق في الجنوب. وها نحن نسمع عن بعض...
المقدمة، والوصية بالتقوى:
معشر المؤمنين: تابعنا جميعاً ما حصل لإخواننا أهل السنة في دماج من نكبةٍ عظيمة، ومأساةٍ كبيرة، وفاقرةٍ من فواقر الدهر، تُضاف إلى الفواقر الأخرى في سوريا وميانمار، وغيرها من بلاد المسلمين، تهجيرٌ من بيوتهم وبلدهم، ومزارعهم التي ولدوا فيها، وعاشوا، واقتاتوا منها!.
تصوّر -عبدَ الله- أنك تُخرجُ من بيتك، من أرضك، من بلدك، قسراً على أيدي قتلةٍ ظلمة، وتهجّرُ من وطنك، بمؤامرة حقيرة من حكومتك التي كان يجب عليها أن تحميَك، وتذود عنك، وبمؤامرةٍ من دول إقليمية ودولية، ثم تجد نفسك مطروداً مخرجاً من بيتك تحمل أمتعتك إلى بلد آخر.
ولقد صبر إخواننا أشهرا، وهذه البقعة تدك بأنواع مختلفة من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة!.
ومساجدها تفجر بالمتفجرات مع هتافات: "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل".
وحال هذه المساجد تبكي حالها، وتنظر يمينا شمالا! فلا تجد أيَ علاقة لها بأمريكا ولا بإسرائيل.
إن هذا الحدث الجلل يجب أن لا يمر علينا مرور الكرام، ويذهب ذهاب الرياح، بل يجب أن نقف عنده ونستخلص العبر والعظات منه؛ حتى لا يتكرر معنا، أو مع إخواننا أهل السنة في بلدة أخرى من بلاد اليمن؛ ثم نقول: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
وقد قال الله -تعالى-: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2].
وقال جل ذكره: (فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ) [النــور: 44].
ومن تلك العبر:
العبرة الأولى: قال تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140].
وقد نزل ذلك في أعقاب غزوة أحد عندما حصل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- ما حصل من هزيمة، واستشهاد سبعين من الصحابة، وشج رأسه صلى الله عليه وسلم، وكسر رباعيته، فأنزل الله تلك الآيات في سورة آل عمران، ومنها هذه الآية: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[آل عمران: 140].
(نُدَاوِلُهَا) أي: نصرفها بينهم تدليل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى؛ كقول الشاعر:
فَيَوْماً عَلَيْنَا وَيَوماً لَنَا *** وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ
والمداولة كالمعاودة، يقال: داولت الشيء بينهم فتداولوه، فتارة يكون النصر لكم وتارة لعدوكم، ولكن العاقبة لكم.
يقول الرازي -رحمه الله- في تفسيره: واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن الله -تعالى- تارة ينصر المؤمنين، وأخرى ينصر الكافرين؛ وذلك لأن نصرةَ الله منصِبٌ شريف، وإعزاز عظيم، فلا يليق بالكافر.
بل المراد من هذه المداولة: أنه تارة يشدد المحنةَ على الكفار، وأخرى على المؤمنين، والفائدة فيه من وجوه:
الأول: أنه تعالى لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات، وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الاضطراري بأن الايمان حق، وما سواه باطل.
فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الايمان، وأخرى على أهل الكفر ليثبت أهل الإيمان ويتمحصوا، ويغتر أهل الكفر ويتمادوا.
والثاني: أن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي، فيكون عند الله تشديد المحنة عليه في الدنيا أدباً له، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبًا من الله عليه.
والثالث: وهو أن لَذَّاتَ الدنيا وآلامَها غيرُ باقية، وأحوالَها غير مستمرة، وإنما تحصل السعادات المستمرة في دار الآخرة، ولذلك فإنه تعالى يميت بعد الأحياء، ويسقم بعد الصحة، فاذا حسُن ذلك فلمَ لا يحسن أن يبدل السراء بالضراء، والقدرة بالعجز.
وهكذا الحرب بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وما حصل في دماج هي من ذلك، حرب بين الحق وأهل الحق الذين هم أهل السنة، وأهل الباطل والضلال وهم الحوثيون الروافض!.
وإذا عملنا بسنن الله -تعالى- في النصر، وانتصرنا للحق، فإن العاقبة للحق وأهله، وقد وعد الله -عز وجل- المؤمنين بالنصر، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحـج: 39].
ويقول عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحـج: 38].
إخوة الإسلام والإيمان: العبرة الثانية: "لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ"[وهذا حديث متفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-].
والمقصود: أن لا نُخدعَ بالحكام الخونة، الذين باعوا بلادهم وشعوبهم لأعداء الله -عز وجل-!.
فمن المؤسف أن إخواننا في دماج كانوا يُحسنون الظنَّ بالرئيس المخلوع الذي رعى الحوثيين، ودعمهم وما زال يدعمهم، ثم جاءت هذه الحكومة العميلة بامتياز، فأكملت الباقي، وسلمت مقاليدَ الأمورِ لأمريكا وغيرها من دول الغرب، فما عليهم إلا أن يأمروا والرئيس وهو الذي يوقع، ولهذا لما فوّضه إخوانُنا في دماج أخبرهم أن قوىً إقليميةً ودولية تريد خروجهم، وأنهم متآمرون عليهم ونصحهم، وبئس الناصح بأن يخرجوا من دماج.
ولقد حذرنا الله -تعالى- من عداوة الكفار ومؤامراتهم، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].
المقدمة، والوصية بالتقوى:
أيها الناس: قد يقول قائل: ومالنا وحربُ دماج؟! ما شأنُنا في أهل دماج؟! إنها حرب سياسيةٌ بالوكالةِ بين السعودية وإيران.
فأقول:
أولاً: إن دماج هي دار علم يتعلم فيه الطلاب الكتاب والسنة، منذ ما يقرب من خمسٍ وثلاثين سنة، أي من عام 1979م، ولم يعلم عنهم أنهم قتلوا أو اعتدوا على أحد.
وقد تقاطر الطلاب عليها من اليمن وغير اليمن لطلب العلم فقط، وقد كانوا يعيشون مع الزيدية قبل أن يأتي الحوثيون بسلام؛ وقد رأيناهم عندما يُهجَّرون يحملون الكتب معهم، وليس معهم أسلحة متنوعة؛ كما هو عند الحوثيين.
ثانياً: إن جذور هذه الحرب عقدية بين السنة والرافضة، نعم يديرها السياسيون، ويتلاعب بها المتآمرون، ولكنها حرب من أجل العقيدة والحق، وفي الحرب الأخيرة كل الدول تآمرت على السنة مع الرافضة بدءاً بأمريكا، وحتى السعودية واليمن.
أما إيران، فهي الداعم الرسمي، والحامي والمدرب للحوثيين، والمستفيد الأول من هذه الحرب.
ثالثاً: زعم الحوثيون: أن هناك أجانب مسلحين في دماج، وهذا كما يقال: "رمتني بدائها وانسلت".
فالمعروف أن الأجانب في دماج طلاب علم لا شأن لهم بالسياسة، فضلاً عن مقاتلة أحد.
وأما الحوثيون فقد ثبت أن هناك أجانب إيرانيين ولبنانيين من حزب اللات، يمدونهم بالتدريب العسكري واللوجستي.
ثم إن الحوثيين لا شأن لهم بالأجانب، فهناك دولة هي مسؤولة عن ذلك، ثم هم قد دخلوا بجوازات سفر مشروعة إلى اليمن.
رابعاً: لا يقول أحدنا لا شأن لنا، فإن الشيعة قادمون إلينا، ومن سكت عن الترحيل اليوم سيرحل هو غدًا، فأنتم أمام أكبر عصابة تاريخية تستعد لإحياء الدولة الرسولية التي سلبت منهم، والتي أذاقت اليمن في ظل حكمها أشد أنواع القمع الطائفي والعرقي.
بل هم يطمعون في الجزيرة العربية كلها، يريدون أن يَحكموها، ويصيِّروها تابعة للفرس، كما كان بعض العرب في الجاهلية، وقد ذكرت التقارير أن الحوثيين يخططون أن تكون صنعاء كلها عام 2017م تبعاً لهم.
وقد يزحفون على الجميع بعد أن يسيطروا على بعض المناطق في الجنوب.
وها نحن نسمع عن بعض أناسٍ من أهل حضرموت قد انتحلوا التشيع!.
نعم هنا في المكلا بعض الأسر والأشخاص قد أصبحوا رافضة، بل قال لي أحدهم بكل وقاحة: "إنه حوثي".
وقد فرحوا وطربوا بهزيمة إخواننا في دماج!.
وهؤلاء سيشكلون طابوراً خامساً للرافضة والحوثيين، وسينخرون في جسد أهل السنة في حضرموت!.
فحذاري حذاري من الغفلة، حذارِي مما يروجه البعض: أن لا شأن لنا؛ فإننا سُنفاجئُ كما فوجئ أهل دماج بالحصار، ودك مساجدنا ودُورنا إذا بقينا على غفلتنا وسذاجتنا، ولم ننتبه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أخيراً: هناك عبر كثيرة وعظات ودروس، ولكن الوقت أزف على الرحيل.
أسأل الله أن ينصر الحق وأهله...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي