وعلى قدر ما رغّب الإسلام في صحبة الأخيار وأخوَّتهم على قدر ما حذّر من صحبة الأشرار والقرب منهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "قال تعالى: "المتحابون في جلالي على منابر من نور، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهدا؛ء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله تعالى". فقال الصحابة: من هم يا رسول الله؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور...
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
خلق الله الإنسان بفطرته ليعيش مع غيره، وما سُمِّي الإنسان إنسانًا إلا لأنه يأنس ويستأنس بالغير، ولا يستطيع أن يعيش وحده أبدًا، والأصل في الإنسان أنه يعايش الآخرين ويعاشرهم لنيل معاشه ويسعد في معاده، والطريق إلى الله يحتاج إلى مجهود ومغالبة للنفس والشيطان.
وخالف النفس والشيطان واعصهما *** وإن هما محّضاك النصح فاتَّهِمِ
ومن ثم كان لزامًا للمسلم أن يكون له في هذه الدنيا صديق صالح يعينه على الطاعة ويبعده عن المعاصي؛ قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف: 28].
وعلى قدر ما رغّب الإسلام في صحبة الأخيار وأخوَّتهم على قدر ما حذّر من صحبة الأشرار والقرب منهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "قال تعالى: "المتحابون في جلالي على منابر من نور، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهدا؛ء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله تعالى". فقال الصحابة: من هم يا رسول الله؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يفزعون إذا فزع الناس". وقد أعطى أبو بكر -رضي الله عنه- أروع نموذج وأحسن مثال للصحبة حين قال: "شرب رسول الله حتى ارتويت". عندما سقاه في الغار وهو عطشان.
عباد الله: إن أحدث النظريات في العلوم البشرية: علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التواصل: تؤكد أن المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام، تعالج كل الأدواء المستعصية، ولا شك أن ذنوب الناس لو كانت لها رائحة لما استطعنا أن نعيش على الأرض من نتنها.
أيها المسلم: صاحِب أخاك بصدق وصافحه، فقد جعل الرسول الأكرم المصافحة من الأخ لأخيه وسيلة لتساقط الذنوب ومغفرتها، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا لقي المسلم أخاه المسلم، فأخذ بيده تحاتت ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف".
فتصافحوا -أيها المسلمون- فيما بينكم، وإن اختلفت آراؤكم، فقد أكد على ذلك نبيكم –صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا".
واعلموا -أيها المسلمون- أن المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل، فانظر -أخي المسلم- إلى من تصاحب، فإذا كنت تحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعليك بمصاحبة من يحبه ويقتدي به من أهل الصدق والحياء وأ هل الوفاء والإيمان، عليك بمصاحبة الأخيار لجلب المنافع ودفع الأضرار، وابتعد عن أهل الغدر والغش والكذب والزور، وعن المتتبعين لعورات المسلمين وأهل الفسق والفجور وأهل الفساد من الفارغين، قال -صلى الله عليه و سلم-: "إن مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة".
فإياك ثم إياك -أيها المسلم- أن تصاحب كذابًا، أو سارقًا، أو زانيًا، أو ذا الوجهين، أو خائنًا لأمانات الله والناس، أو شاهد زور، أو آمرًا به؛ فإن الطباع تؤثر.
وإذا أحببت إنسانًا فأخبره بمحبتك له، وقدموا الهدايا بعضكم لبعض، فإنها تزيد من روابط المحبة والمودة بينكم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام سيد الأولين والآخرين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال: آمين.
الحمد لله الذي يؤلف بين قلوب عباده الصالحين، والحمد لله على أن جعلنا من المسلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد.
أيها المسلمون: إن للصحبة في الإسلام آدابًا وفوائد؛ فحينما دعا الإسلام إلى أخوة الصالحين وضع لها قيودًا؛ منها: أن تكون قائمة على الإيمان والتقوى، أن تقوم على التناصح والتكافل والتغافر، أن يخبر الإنسان من يحبه في الله بذلك، وقد أعطت هذه الآداب ولادة لمجتمع متآلف كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
ومن فوائد صحبة الصاحين:
أولاً: التعاون على الطاعة؛ فلا تصاحب إلا من إذا ذكرت الله أعانك، وإذا نسيت أعانك.
ثانيًا: المعاونة على نوائب الدهر، فقد قيل: إنما الصديق عند الشدة، فقد قضى محمد بن سيرين دَيْن أخيه شعبة، وقضى شعبة دَيْن أخيه سيرين دون أن يشعر أحدهما بالآخر.
تكثّر من الإخوان ما استطعت فإنهم *** عون إذا ما استنجدتهم وظهور
ومـا بكثـيرٍ ألفُ خِـلٍّ وصاحبٍ *** وإن عـدوا واحـدًا لكثـير
ثالثًا: الإرشاد إلى الخير والصواب؛ لأن الأخ مرآة أخيه، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عن أبي بكر وعمر: "هذان السمع والبصر".
رابعًا: الفوز بصالح دعائه؛ فقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لكثير من أصحابه، فكان دعاؤه سببًا لما نالوه من خيري الدنيا والآخرة، كدعائه لأنس بن مالك بطول العمر وكثرة الذرية، ودعائه لابن عباس بالتفقه في الدين.
كما حذّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صحبة السوء فقال: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي". لماذا؟! لأن الصديق يتردد على بيت صديقه، فإن لم يكن من أهل الصلاح والتقوى فقد يخون صديقه في العرض والمال؛ ولأن صديق السوء يسد طريق الهداية بالتثاقل والتثبيط، ولأن أصدقاء السوء لا يستفاد منهم في الدنيا والآخرة، بل يتبرأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضًا: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الأَسْفَلِينَ).
فالوصية الوصية، والنصح النصح، خاصة للشباب أن يحسنوا اختيار الأصدقاء. ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا إلى حسن الصحبة، ويرزقنا صحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- في الجنة.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي