إنها مأساة عظيمة، وظاهرة خطيرة، وفتنة عويصة، كنا نظن أنها ظاهرة نادرة وشاذة، ولا يتعلق بها ويدمنها إلا شواذ الناس وسفلة الخلق وأراذلهم، ولكن الأرقام والإحصائيات والقصص الكثيرة بينت أنها ظاهرة يفوق انتشارها الخيال، وتتسع دائرة ضررها وخطرها يوماً بعد يوم، خاصة بعد انتشار وسائل التقنية وظهور عالم الإنترنت وانتشاره وسهولة الحصول على صفحات خاصة في عدد من مواقعه الاجتماعية الشهيرة كالفيس بوك واليوتيوب وتويتر وغيرها.
عباد الله: حديثنا اليوم إليكم عن موضوع مهم وخطير، ومنكر شنيع وفعل فظيع، وعمل مستقذر قبيح، راج وانتشر للأسف الشديد بين بعض أبنائنا وشبابنا.
ولولا أن مصيبته حلّت بنا وانتشرت في أوساطنا وبين شبابنا لما تكلمنا فيه أو طرقنا الحديث عنه، وقد ترددت كثيراً في الكلام فيه، ولكننا رأينا أن قبحه يزداد، وشره يستشري وينتشر، ونتنه يتعاظم ويستفحل.
إنها الأفلام الإباحية، ومشاهدة الصور الجنسية وتحميلها من الإنترنت وتبادلها عبر البلوتوث والجوالات، ونسخها من أجهزة الحاسوب والكمبيوتر، ومشاهدتها على القنوات الفضائية والمحطات الإعلامية.
إنها مأساة عظيمة، وظاهرة خطيرة، وفتنة عويصة، كنا نظن أنها ظاهرة نادرة وشاذة، ولا يتعلق بها ويدمنها إلا شواذ الناس وسفلة الخلق وأراذلهم، ولكن الأرقام والإحصائيات والقصص الكثيرة بينت أنها ظاهرة يفوق انتشارها الخيال، وتتسع دائرة ضررها وخطرها يوماً بعد يوم، خاصة بعد انتشار وسائل التقنية وظهور عالم الإنترنت وانتشاره وسهولة الحصول على صفحات خاصة في عدد من مواقعه الاجتماعية الشهيرة كالفيس بوك واليوتيوب وتويتر وغيرها.
بل وفي ظل وجود عدد من المحلات والاستديوهات والفنادق التي يوجد فيها مثل هذا البلاء، وتنتشر بين أروقتها بث وتوزيع مثل هذه الأفلام، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
لقد أشارت إحصائيات محركات البحث في قوقل -موقع البحث الشهير والمعروف على الإنترنت- إلى ارتفاع مؤشرات البحث عن كلمتين أستحيي من ذكرها في هذا المسجد المبارك، وأترفع بتنزيه أسماعكم عن مجرد سماعها، وبينت الإحصائية أن الأرقام الفعلية لعدد الأشخاص الذين قاموا بالبحث عن هاتين الكلمتين في تزايد مستمر وارتفاع هائل في الدول العربية.
وبينت هذه الإحصائية المرة أن الشعب اليمني -وللأسف الشديد- احتل المرتبة الأولى في البحث عن هاتين الكلمتين في العام 2010م، وفي العام 2012م كانت أكثر الشعوب العربية بحثاً عن هاتين الكلمتين هو الشعب الليبي بمائة نقطة في المرتبة الأولى، يليه الشعب اليمني بأربع وتسعين نقطة في المرتبة الثانية.
خطر ماحق، وسمعة سيئة، وإحصائية مرة، ومؤشرات خطيرة، وأرقام مخيفة تنبئ عن خلل هائل، وفجوة كبيرة، وشر عظيم، وانحدار سحيق، وخطر مستخفٍ، وانفجار مدوٍّ يهز عواطف شبابنا وأبنائنا هزاً، ويفجر مشاعرهم ويثير شهواتهم ويحرك عواطفهم.
وبيّنت عدد من الشركات المسؤولة عن حجب المواقع الإباحية أن هناك شبابًا محترفين يسعون بكل قوتهم وجهدهم إلى تحطيم هذه الحجب، وفك هذه الشفرات، وتجاوز هذا الإغلاق لهذه الموقع الإباحية الخبيثة.
كما أشارت إحصائيات الفنادق هنا في اليمن إلى أن بعض النزلاء الذين يرتادون الفنادق يرتادون الفنادق التي تبث مثل هذه السموم، ويقبلون عليها ويسكنون فيها ولو لساعات قصيرة، يشاهدون فيها القنوات الإباحية المشفرة، ويتصفحون المواقع المخلة على الشبكة العنكبوتية، ويبحثون على الصفحات التي تنشر الأفلام العاهرة والصور العارية ومقاطع الفيديو السيئة الممتلئة بالعهر والفجور.
وذكرت أن مشاهدتها من قبلهم يعرضهم إلى ممارسة الرذيلة وارتكابها، وفعل الأفعال التي تخل بالمروءة والشرف، ما يجعلهم الأكثر عرضة للأمراض الجنسية والأضرار النفسية والاكتئاب والهم والقلق.
وصدق الله -تبارك وتعالى- إذ يقول: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا -مجرد الاقتراب- إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، ويقول: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، ويقول: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ).
يحدث أحد الفضلاء أنه وجد جوالاً على قارعة الطريق قريباً من المدرسة التي يدرس فيها، وعند مطالعته لما يحتويه والنظر فيما فيه للتعرف على صاحبه رأى فيه عدداً من المقاطع المخزية المتفجرة بالفجور في ذاكرة الجوال، والغريب أن صاحب الجوال لم يتصل به ولم يسأل عن جواله، وبعد مرور أيام قام بتوسيط شخص آخر لطلب الجوال والاعتذار عما فيه ومحاولة التبرير لذلك بأن هناك من يضع فيه هذه المقاطع دون موافقته، وظهر أن هذا الجوال لإحدى المدرسات في المدرسة التي يدرس فيها هذا الشخص، ويرى أنها من خيرة المدرسات وأفضلهن في لباسها وحجابها. والله المستعان.
فإذا كان هذا الفعل صادراً من متعلمة فكيف بالجاهلة!! وإذا كان من كبيرة فكيف بالصغيرة!!
ومن عجائب الأخبار وغرائبها هنا في اليمن أن امرأة يمنية تقدمت برفع دعوى على زوجها إلى المحكمة تطالب فيها بإلزام زوجها بتحديد وقت متساوٍ بينها وبين برنامج الواتس أب -برنامج المحادثة الشهير-، وسبب رفعها لهذه الدعوى انشغال زوجها بتلك المحادثات والإفراط فيها والتحدث مع غيرها من البنات والنساء، ما أغارها وتسبب في التقصير في حقها والإهمال في أداء واجباتها الزوجية وحقوقها الأسرية.
بل ويصرح بعض الشباب أن أكثر أصدقائهم يشاهدون مثل هذا النوع من الأفلام، وأن جوالاتهم وذاكرات حواسيبهم ممتلئة بمثل هذه المقاطع الجنسية والأفلام الإباحية والصور المحرمة، وأنهم يدمنون مشاهدتها وتبادلها ومتابعة الجديد فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والأدهى والأمر من هذا كله أن تدخل مقهى من مقاهي الإنترنت فترى أولاداً صغاراً وشباباً في مستقبل أعمارهم يشاهدون مثل هذه الأفلام علانية أمام الناس الموجودين في المحل، بلا حياء ولا حشمة ولا رقيب ولا حسيب، وكأننا نعيش في مجتمع غربي، أو نسكن في أمستردام أو باريس أو واشنطن، ولكنه قلة الحياء وغياب الاستحياء.
ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين ركوبها إلا الحيـاء
فكان هو الدواء لها ولكن *** إذا ذهب الحياء فلا دواء
وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت". إذا لم تستحِ من الله ولم تستحِ من عباد الله فاصنع ما شئت، وافعل ما أردت، وجاهر بما أحببت.
والمصيبة أن من نصحهم أو اعترض عليهم أو أراد أن يحول بينهم وبين هذه المجاهرة البشعة ومشاهدة هذه المشاهد المخلة ردوا عليه بأسقط الكلمات وأقبح العبارات وأنتن الألفاظ، غير مبالين بقول الله -سبحانه وتعالى-: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ)، وقوله: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
بعد أن عرفنا خطر هذا الداء الخطير والمرض الأفاك وأنه موجود بيننا ومنتشر بين شبابنا وأولادنا بصورة مذهلة وأرقام مقلقة وقصص مرعبة، أعرضنا عن ذكر الكثير منها احتراماً لحرمة المكان وقداسته؛ فالواجب علينا إذاً أن نقف لهذا الداء بالمرصاد، وأن نتصدى له ونقف في وجهه وقفة حزم وجد ومحاربة؛ لأن له أخطاراً عظيمة على دين المرء وصحته ونفسيته.
فهو ذنب ماحق، يعمي البصيرة، ويأكل الحسنات، وصاحبه إما أنه مستخفّ بنظر الله إليه أو أنه متهاون في الذنب غير مبال به، أو أن الشيطان يجرجره إلى مهاوٍ سحيقة وأودية مهلكة، حتى يعمي قلبه ويطمس بصره وبصيرته؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، ويقول: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا)، ويقول: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، ويقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)، (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
تأملوا هذه الآيات العظيمة وما فيها من دعوة واضحة إلى مراقبة الله -تبارك وتعالى- والخوف منه واستشعار رقابته وخشيته وعظمته -جل جلاله سبحانه وتعالى-.
عباد الله: إن مشاهدة هذه الأفلام والمقاطع وفتح هذه المواقع له آثار نفسية هائلة على نفسية الإنسان، فهي تتسبب في انخفاض مستوى التركيز عنده، وتجعل عملية الاستيعاب لديه بطيئة جداً، كما أنها تجعل الشخص أكثر عرضة لسرعة النسيان والذهول، وتتسبب تسبباً مباشراً في الأرق وقلة النوم وتشتت الأفكار وتخبط العقل، نتيجة إشغالها للبال، وتشتيتها للفكر، وإرهاقها للجسم وتثبيطه وخلخلته بالكسل والجمود، وحب الانفراد والانعزال والشعور بالاكتئاب والهم والغم والضيق، والإحساس بالتصادم، وما يصحب ذلك من شد عصبي وسرعة الاستثارة والشعور بالآلام في العينين والظهر وغيرها؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "وما انتشرت الفاحشة في قوم قط إلا أنزل الله عليهم الأوجاع والأمراض التي تكن معروفة في أسلافهم".
فلنتقِ الله في شبابنا وأبنائنا وبناتنا ونسائنا؛ فإنهم مسؤولية في أيدينا، وأمانة في أعناقنا، سنُسأل عنهم أمام الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].
يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول"، وفي رواية: "من يقوت".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي