لا تكونوا من الرعاع

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. المقصود بالرعاع .
  2. تفاوت الناس في خَلقهم وخُلقهم .
  3. أصناف الناس في الخير والشر .
  4. بعض تصرفات الشباب الخاطئة في الطرقات .
  5. أصناف الرعية وكيفية سياستهم .
  6. وسائل كف الرعاع عن التصرفات الخاطئة .
  7. واجبنا نحو الشباب .

اقتباس

تأمل في هذا الموقف الذي طالما تكرر وما زال يتكرر، أنت في الخط الأيسر في الطريق السريع؛ لأنك تحسب أنك تسير بسرعة كافية، فإذا بك تفاجئ بأحدهم يدنو من سيارتك في الخلف بسرعة كالمجنون، كأنما أنت واقف في الطريق من شدة سرعته، فتريد أن تبتعد عن طريقه في اليمين لتسلم من شره أنت وأسرتك؛ فإذا بآخر طاير من اليمين أيضا، فتضطر أن تبقى في خطك حتى يتجاوز هذا الآخر!

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 -71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

المعذرة -أيها الإخوة-: إن اعترض أحدكم على أن يكون للمنبر دور فيما سأطرحه اليوم -إن شاء الله-، لكن الأمور استفحلت، ولا بد أن نسهم في التشخيص والنصح.

إني أتساءل: هل يريد أحد منكم أن يصنف ضمن الرعاع؟ -حشاكم- فأنتم لستم منهم؛ ف"الرعاع" بفتح الراء، هم: السفلة من الناس، الغوغاء، أهل الفوضى!.

يقول الجويني -رحمه الله-: هم الهمج، والواحد رعاعة.

وقال الفيروز: الرعاع هم الهمل الذين لا نظام لهم.

أيها الإخوة: الناس يتفاوتون في كل شيء في أشكالهم، وعقولهم، وميولهم، وأخلاقهم، والقرآن أشار إلى تفاوت الناس في دينهم وتقواهم وأخلاقهم في أكثر من آية، يقول تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر: 32].

ويقول سبحانه: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة: 8 – 12].

وجاء في السنن: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير؛ فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه".

وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد: "الناس معادن في الخير والشر، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام؛ إذا فقهوا".

أيها الإخوة: يبتلى كل مجتمع بصنف من الناس، شرهم يفوق خيرهم، يعرفهم من يعرفهم بصفاتهم السيئة المتعدية السوء والضرر، سواء كان الضرر نفسيا، أو حسيا.

الضرر النفسي: هو عامل أساسي من عوامل الخوف، والضيق والقلق، والتعاسة في المجتمع.

وأما الحسي: فهو مصدر من مصادر الأذى والحواجز والآلام.

ومع كون الخير في كثير من الشباب إلا أن معظم هذا الصنف أيضا منهم، وهم يتفاوتون في السوء؛ منهم: من يسقط في الكبائر والموبقات؛ كالسطو والسلب والإجرام، ومنهم: من هم دون ذلك بكثير -حفظنا الله وإياكم من كل شر وأصلح الله الجميع-.

ولا شك أن لهذا التردي أسباباً، فقد يكون من أسباب هذا التردي والانتكاس الفطري بيت فقير، أو والدان سيئان، أو بيئة تربوية وحشية وعنيفة، مليئة بالعدوان والقسوة، والمشاكل العائلية، والمشاكل الأخلاقية، نشأ أولئك الشباب في أحضانها، فاكتسبوا منها تلك الصفات.

وقد تكون هناك أسباب أخرى؛ كالبطالة، أو الشعور بالإحباط والفشل والحرمان.

الحاصل أنها أسباب تؤخذ في الاعتبار، دون أن تكون مبررا وذريعة لبراءتهم من الذنب، ولا تسويغا لأفعالهم.

لكن المشكلة الأخرى -أيها الإخوة-: أن من الناس من يحمل بعض من صفاتهم دون أن يكونوا مثلهم بالكلية؛ فمع أنهم لم يمروا بتلك الظروف التي مر بها أولئك إلا أنهم يتخلقون ببعض صفاتهم؛ فإذا تكلمت عن الأدب مثلا، تراهم بعيدين عنه، لا يحترمون الكبار، ولا يرحمون الصغار، ولا يغضون البصر عن أعراض المسلمين، صراخهم وصخبهم في الشوارع يصم الآذان، وملابسهم وأشكال شعرهم؛ توحي بحبهم للتمرد على كل فضيلة.

وإذا تناولت النظافة، فلا قيمة لها عندهم سوى فيما تهواها نفوسهم؛ كمن يعتنون منهم بنظافة إطارات سياراتهم فقط، يغسلونها غسلا جيدا بالماء والصابون، لكن إذا ساروا في الطريق، فلا أسهل عندهم من رمي المخلفات في الشوارع بكل برود: قوارير، أكواب، أوراق!.

وإن جئت للنظام، فما أبعدهم عنه، فهم لا يعترفون بالقيود ولا الأنظمة مهما كانت، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، فالإشارات يقطعونها، وسياراتهم يقودنها في الطرقات بسرعة جنونية، قد تصل إلى 180 و200كيلو متر في الساعة، بل أسرع.

وبلا معنى ولا سبب! فلا شغل يضطرهم لتلك السرعة، ولا موعد هام، ولا حالة إسعاف، لا شيء من ذلك أبداً!.

لا شيء! سوى التهور الأحمق، والطبع السفيه، الذي لا ينفك عنهم.

تأمل في هذا الموقف الذي طالما تكرر وما زال يتكرر، أنت في الخط الأيسر في الطريق السريع؛ لأنك تحسب أنك تسير بسرعة كافية، فإذا بك تفاجئ بأحدهم يدنو من سيارتك في الخلف بسرعة كالمجنون، كأنما أنت واقف في الطريق من شدة سرعته، فتريد أن تبتعد عن طريقه في اليمين لتسلم من شره أنت وأسرتك؛ فإذا بآخر طاير من اليمين أيضا، فتضطر أن تبقى في خطك حتى يتجاوز هذا الآخر!

لكن هل يصبر الأول؟

لا يصبر، بل إنه يكاد يلصق سيارته بسيارتك من الخلف! في الطريق السريع! في وضع خطر جدا! وبأقصى سرعة! يريدك أن تبتعد عن طريقه الآن!.

ويحسب أن هذه مهارة! وأنه وحيد عصره في فن القيادة! وأن الناس لا شيء بجواره! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

إن هذا وأمثاله كالقنابل الموقوتة تسير في الطرقات لا تدري متى تنفجر، لا قيمة عندهم لأرواح الناس، ولا استشعار للمسئولية، ولا عقل ولا خلق!.

بل يتشبع الواحد منهم من أفلام المغامرات! وسباق السيارات في ألعاب الفيديو! وغيرها! ثم يخرج للتطبيق!.

(فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 64].

وقد يسد أحدهم بسيارته شارعا ضيقا، فيقف وسط الطريق؛ ليحدث صاحبه بكل برود، وهو في سيارته، ولا يبالي بمن حجزهم خلفه، وهم ينتظرونه!.

وبعضهم إذا أراد الانعطاف لليسار، ورأى أمامه زحاما عند الإشارة اتجه إلى يمين الطريق؛ لأنه أخف زحاما، ثم فجأة انعطف من اليسار بقوة أمام فوج من السيارات، بكل وقاحة!.

وترى معظمهم يغطي نوافذ سيارته بالسواد، حتى يضمن تمام الحرية فيما يفعله، دون أن يتعرف عليه أحد!.

وأنت -أيها المسكين- المؤدب النظامي غريب وسط أولئك الرعاع! وهو واقع مر يصعب تجاوزه؛ لأنك تصادف هذا الصنف في كل يوم من أيام حياتك!.

ألا ترى أولئك الذين يتعمدون رفع صوت المذياع بالغناء في السيارة إلى حد يصم الآذان! ثم يدورون في الشوارع بلا هدف؟!.

ولعلهم بتشجيع من أصحابهم الذين ازدحموا معهم في السيارة، يجدون متعة في إزعاج خلق الله!.

وبعضهم يهوى التخريب، كالكتابة على جدران البيوت والبنايات، بشتى أنواع العبارات، وكتكسير الزجاج، ولمبات الإضاءة!.

وهو طبع منحرف لنفس عدوانية، تحب أذى الناس، وقد تحس بنشوة حين تستعرض هذه الأخلاق العدوانية والسلوك الفوضوي أمامهم.

أيها الإخوة: إن الرعاع يوجدون في كل مجتمع، ولكن الخوف من تزايد نسبتهم إذا لم نستدرك الخطر.

إن القضية لم تعد مجرد سراب أخلاقي، أو ديني، بل أصبحت القضية اضطراب أمني!.

الإنسان السوي الذي يحترم النظام أصبح في المدينة خائفا يترقب؛ كما جاء في القرآن في قصة موسى -عليه السلام-: (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ)[القصص: 18].

لا يأمن على نفسه، ولا على أهله، ولا حتى على ماله، ولا حتى على سيارته، ولا حتى على جواله.

إنه وضع صعب، لا بد أن يكون لأهل الفضل مبادرات للنصيحة والإصلاح.

لا بد أن تتضافر الجهود، جهود: البيت، والمسجد، والمدرسة، والجهات التربوية الأخرى، والجهات الأمنية، والجهات الإعلامية؛ فالخرق قد اتسع على الراقع، والمطلوب علاج شرعي منهي.

أسأل الله -تعالى- أن يصلح الأحوال.

أقول قولي هذا، وأستغفره فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

يقول الشيرازي في كتابه: "المنهج المسلوب في سياسة الملوك" الذي ألفه لصلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- يقول: "وهم -أي الرعية- ثلاثة أصناف، ينبغي للمك أن يسوسهم بثلاث سياسات: صنف من أهل العقل والديانة والفضل، يعلمون فضل الملك وطول عنائه، ويرثون له من ثقل أعبائه، فسياسية هؤلاء تحصل في البشر عند لقائهم، واستماع أحاديثهم، وحسن الإصغاء إليهم، وصنف فيهم خير وشر، فسياسة هؤلاء تحصل بالترغيب والترهيب، وصنف هم السفلة الرعاع أتباع كل داع، فسياسة هؤلاء بإخافة غير مقتطعة، وعقوبة غير مفرطة.

أيها الإخوة: إن للسلطان القوة الأكبر والأثر الفاعل في إصلاح الناس، لا سيما الرعاع منهم!.

وإننا نأمل خيراً في ولاة الأمر أن يجعلوا هذه القضية الخطيرة هاجسا مستمرا لدى الجهات المسئولة! وأن يأمروا بتكثيف الجهود التربوية والرقابية، وأن يحثوا تلك الجهات على استغلال الإمكانات أفضل استغلال!.

كما نأمل أن يشعر الناس أيضا بمسئوليتهم، وأن يكون مفاتيح للخير، مغاليق للشر، فيمنعوا أطفالهم من قيادة السيارة؛ لأننا نرى إهمالا عجيبا من بعض البيوت عندما يتركون أبناءهم المراهقين في سن الخامسة عشر والسادس عشر، وأصغر من ذلك، أو أكبر قليلا، يقودون السيارة في الحي، فلا تكاد ترى في السيارة، وهي تسير سوى حافة رأسه، كيف يرى الطريق؟ لا أدري؟!

وقد يؤذي نفسه، ويؤذي الناس باستعراضه الأحمق في ساحات الحي، وبأصوات الفرامل بصوتها المزعج، ليلا ونهارا.

وأهله المهملون لا حس ولا خبر!.

أما الجهات الأمنية وجهاز المرور، فلا بد من تكثيفهم للدورات والتركيز على هذه الظواهر الخطيرة أكثر من غيرها، وجعلها من الأولويات، فالكل مسئول.

وفئة الشباب فئة غالية ومهمة، ومن حقهم علينا: أن نرشدهم إذا ضلوا، وننصح لهم إذا أخطئوا، ونؤدبهم إذا أذنبوا، وفي الوقت ذاته نثني عليهم، ونكافئهم، إذا أحسنوا.

إن المسلم السوي، هو: الذي يبتعد عن الخطأ، ولو انتشر في المجتمع، فلا هو يتابع المتهورين، ولا يجاري السفهاء، فالرعاع ليسوا أهلا لقيادة الأخلاق، ولا هم أهلا للتأسي.

قال تعالى في حق عباده الصالحين: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63].

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان: 72].

وقال أيضا جل وعلا: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص: 55].

وقد صح في السنن: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا".

أسأل الله -تعالى- أن يعين الجميع على الخير، وأن يصلح الشباب، وأن يهدينا وإياهم إلى أحسن الأخلاق.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي