فضل الصلاة ومنزلتها وشروطها

محمد بن مبارك الشرافي
عناصر الخطبة
  1. فضائل الصلاة .
  2. الصلاة راحة للهموم ومجلبة للسعادة .
  3. شروط الصلاة .

اقتباس

الصَّلاةُ هِيَ الْعِبَادَةُ الْوَحِيدَةُ التِي فَرَضَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَلَّمَهُ كِفَاحَاً مِنْ غَيْرِ تُرْجُمَان، فِي لَيْلَةٍ عَظَيِمَةٍ مَرَّتْ عَلَى الرَّسُولِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ-، حِينَ عُرِجَ بِهِ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى بَلَغَ مَكَانَاً سَمِعَ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ، فَرَضَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- خَمْسِينَ صَلاةً، ثُمَّ خَفَّفَهَا حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا فِي الْعَدِدِ وَلَكِنَّهَا خَمْسُونَ فِي الأَجْرِ وَالْمِيزَانِ...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الصَّلاةَ عِمَادَ الدِّين، وَجَعَلَها كِتَابَاً مَوْقُوتَاً عَلَى الْمُؤْمِنِين، وَأَلْزَمَ بِهَا وَحَثَّ عَلَيْهَا فِي الذِّكْرِ الْمُبِين، فَقَالَ تَعَالَى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتَ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَقَومُوا للهِ قَانِتِين).

أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُتَفَضِّلُ الْبَرُّ الْجَواد، وَأَشْكُرُهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى إِنْعَامِهِ الذِي مَا لَهُ مِنْ نَفَاد! وَأَشْهُدُ أَنْ لا إِلَهَ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً أَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ يَوْمَ الْمَعَادِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه ُالْقَائِلُ: "رَأْسُ الأَمْرِ الإسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذَرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ".

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالرَّحْمَةِ وَاللِّين، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِين، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين، وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ عِبَادَةً هِيَ أَهَمُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَأَوْلاهَا، وَهِيَ أَشْرَفُ الأَوَامِرِ الإلَهِيَّةِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَأَزْكَاهَا، وَخَيْرُ مَا عَمَرَ الْعَبْدُ أَوْقَاتَهُ فِيهِ وَأَمْضَاهَا، إِنَّهَا الصَّلاة.

الصَّلاةُ هِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإسْلامِ، وَهِيَ الْمَبْنَى الثَّانِي مِنْ مَبَانِيهِ الْعِظَام.

الصَّلاةُ هِيَ أَوَّلُ مَا فُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ التَّوْحِيد، وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبَ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْمَزِيدِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ أوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإنْ صَلَحَتْ، فَقَدْ أفْلَحَ وأَنْجَحَ، وَإنْ فَسَدَتْ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِر". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي.

الصَّلاةُ هِيَ الْعِبَادَةُ الْوَحِيدَةُ التِي فَرَضَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَلَّمَهُ كِفَاحَاً مِنْ غَيْرِ تُرْجُمَان، فِي لَيْلَةٍ عَظَيِمَةٍ مَرَّتْ عَلَى الرَّسُولِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ-، حِينَ عُرِجَ بِهِ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى بَلَغَ مَكَانَاً سَمِعَ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ، فَرَضَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- خَمْسِينَ صَلاةً، ثُمَّ خَفَّفَهَا حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا فِي الْعَدِدِ وَلَكِنَّهَا خَمْسُونَ فِي الأَجْرِ وَالْمِيزَانِ، فَفِيِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي حَدِيثِ الإسْرَاءِ الطَّوِيلِ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَبَيْنَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ: إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاة".

الصَّلاةُ لا تَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ لا حَضَراً وَلا سَفَرًا، لا فِي الْحَرْبِ وَلا فِي السِّلْمِ، لا فِي الصِّحَّةِ وَلا فِي الْمَرَضِ؛ فَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الصَّلاةُ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَبَّرَ كَشَفَ اللهُ الْحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّي وَخَاطَبَهُ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ- فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِه". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الصَّلاةُ فَضَائِلُهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَر، فَمَنَ أَتَى بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الذِي أُمِرَ بِهِ أَثَّرَتْ فِي حَيَاتِهِ، وَرَدَّتْهُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ، قَالَ الله تَعَالَى: (إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ).

الصَّلاةُ مَطْهَرَةٌ لِلْعَبْدِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَنْقِيَةٌ لَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَها، وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوب مَا لَمْ تُؤتَ كَبِيرةٌ، وَذلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الصَّلاةَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ الْقَلْبِيَّةِ وَالرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ، وَلا سِيَّمَا صَلاة الْفَجْرِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ، ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ، فَإن اسْتَيقَظَ فَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى انحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإنْ تَوَضّأ انْحَلّتْ عُقدَةٌ، فَإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإلاَّ أصْبحَ خَبيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ". متفقٌ عَلَيْهِ.

إِنَّ الصَّلاةَ رَاحَةٌ مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا وَغُمُومِهَا حَتَّى لأَشْرَفِ الْخَلْقِ -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ-، فَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِهَا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ، وَقَطْرَةٌ مِنْ بَحْرٍ، وَغَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ مِنْ فَضَائِلِ الصَّلاةِ وَمَحَاسِنِهَا، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنَ حَافَظَ عَلَيْهَا وَقَامَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الأكْمَلِ.

أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ شَرِيعَةَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- جَاءَتْ بِشُرُوطٍ لِلصَّلاةِ لا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا، فَمَنْ أَتَى بِالصَّلاةِ بِشُرُوطِهَا رُجِيَ لَهُ الْقَبُولُ وَالأَجْرُ، وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَرَّضَ صَلاتَهُ لِلْبُطَلانِ وَعَمَلَهُ لِلرَّدِ.

وَشُرُوطُ الصَّلاةِ تِسْعَةٌ، وَهِيَ: الإِسْلامُ، وَالْعَقْلُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَرَفْعُ الْحَدَثِ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَالنِّيَّةُ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: فَأَمَّا الإسْلَامُ: فَهُوَ شَرْطٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ، فَلا تُقْبَلُ عِبَادَةٌ مِنْ كَافِرٍ لأَنَّ عَمَلَهُ كُلَّه مَرْدَودٌ.

وَأَمَّا الْعَقْلُ: فَضِدُّهُ الْجُنُونُ، فَالْمَجْنُونُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ، فَلا يُحَاسَبُ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ طَاعَةٍ أَوْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ إِذَا وَصَلَ أَحَدُهُمَا إِلَى حَدِّ التَّخْرِيفِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ عَلَيْهِ وَلا صَوْمَ، وَيُرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمُ، وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الصَّلاةِ وَلا غَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ.

وَأَمَّا التَّمْيِيزُ: فَحَدُّهُ سَبْعُ سَنَوَاتٍ فِي الْغَالِبِ، فَإِذَا وَصَلَهُ الصَّبِيُّ أَوِ الْفَتَاةُ أُمِرَ بِالصَّلاةِ وَعُوِّدِ عَلَيْهَا وَعُلِّمَ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ وَكَيْفَ يُصَلِّي، لَكِنَّهُ يُؤْمَرُ شَيْئَاً فَشَيْئَاً مِنْ غَيْرِ إِهْمَالٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَضْيِيقٍ عَلَيْهِ، بَلْ يُشَجَّعُ وَتُرْفَعُ مَعْنَوِيَّاتُهِ حَتَى يُحِبَّ الصَلاةَ وَيَعَتَادَهَا، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ زِيدَ فِي الأَمْرِ وَحُوسِبَ عَلَى تَضْيِيعِ الصَّلاةِ وَالإخْلالِ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِمْ حَالُهُ إِلَّا بِالتَّأْدِيبِ بِالضَّرْبِ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، حَتَّى يَنْشَأَ وَالصَّلاةُ مُهِمَّةٌ فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا وَصَلَ حَدَّ التَّكْلِيفِ إِذَا الأَمْرُ عَلَيْهِ سَهْلٌ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ فَهُوَ الوَضُوءُ الْمَعْرُوفُ، فَلا تَصِحُّ صَلاةُ الْعَبْدِ حَتَّى يَرْفَعَ حَدَثَهُ بِالْوُضُوءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا النَّجَاسَةُ: فَهِيَ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ، فَتُشْتَرَطُ إِزَالَتُهَا مِنَ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ التِي يُصَلِّي عَلَيْهَا، فَلا يُصَلِّي حَتَّى يُزِيلَهَا، فَإِنْ نَسِيَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلاتُهُ وَعُذِرَ بِالنِّسْيَانِ، بِعَكْسِ الْوُضُوءِ؛ فَلَوْ صَلَّى نَاسِيَاً مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ مَا صَحَّتْ صَلاتُهُ.

وَأَمَّا عَوْرَةُ الرَّجُلِ الْبَالِغِ فَهِيَ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فِي الصَّلاةِ، فَلا بُدَّ مِنَ السَّتْرِ لِلْعَوْرَةِ لِتَصِحَّ صَّلاتُها.

وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى اشْتَرَاطِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وَلِكُلِّ صَلاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقْتٌ مُحَدَّدٌ لا يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ.

أُمَّةَ الإِسْلامِ: الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللهِ الْحَرَامُ، هِيَ قِبْلَتُنَا أَحَيَاءً وَأَمْوَاتَاً، فَمَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ عِلْمِهِ مَا صَحَّتْ صَلاتُهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ مُسَافِرَاً رَاكِبَاً مُتَنِفِّلاً فَتَصِحُّ وَلَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَرِيِّةٍ وَلَمْ يَسْتَطِعْ مَعْرِفَتَهَا فَتَصِحُّ صَلاتُهُ لِلْعُذْرِ: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).

وَأَمَّا النَّيَّةُ: فَهِيَ شَرْطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

هَذِهِ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- نُبْذَةٌ عَنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ، مَعْرِفَتُهُا ضَرُورِيَّةٌ لَكُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ لِتَصِحَّ صَلاتُهُ، وَتَسْتَقِيمَ عِبَادَتُهُ.

جَعَلَنَا اللهُ جَمِيعاً مِمَّن اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ، وَرَزَقَنَا الْقَبُولَ مِنْهُ وَالرِّضَا، إِنَّهُ سَمْيعٌ  قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً وَعَمْلاً صَالِحاً وَرِزْقاً حَسَناً مُبَارَكاً، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَتَرْحَمَنَا، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنَا غَيْرَ مَفْتُونِينَ، وَنَسْأَلُكُ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمْلٍ يُقِرِّبُنَا إِلَى حُبِّكَ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي