إنه حبُّ الخلاعةِ والمجونِ والفجورِ، إنه حب الأشقياء، إنه حب اللاهين عن ذكر الله ومنهج الله، إنه حب المخدوعين بالحضارة الغربية المعاصرة، إنه حب المشوشين في الفكر والسلوك، إنه حب الغافلين عن حقيقة هذا الدين وتعاليمِه العظيمة. يومُ الفلنتاين يجتمع فيه أبناء المسلمين ببنات المسلمين، بعرض المسلمين، بشرف المسلمين؛ يتبادلون كلماتِ الحب والغرام والعشق والفجور والفسق بحجة (الحب البريء)، يتبادلون بينهم الأزهار الحمراء...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [سورة الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "لتركبن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وباعًا بباع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب دخلتم، وحتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم".
أيها الإخوة الكرام: عاش بعض أبناء الأمة المحمدية، بعضُ شباب هذه الصحوة، حماةُ الدين وحراسُ الملة؛ عاشوا يوم أمس يومًا من أهم الأيام عندهم، أتدرون ما هو؟! يومًا يسمونه "عيد الفلنتاين" وما أدراك ما عيد الفلنتاين!!
إن المتأمل في أحوال شبابِنا المعاصر بل في أحوال المسلمين يجدهمُ يعيشون اليوم في حالة مرضية عجيبة لم تكن في أسلافهم، إن بعض المسلمين لم يزل في غيبوبة تامة والبعضَ الآخر لم يستفقْ الاستفاقة الكاملة، فما زال يترنحُ من هول الصدمات، ويكبو من كثرة العثرات، ويعيشُ بين الفجر الكاذب والصادق؛ ولكي تصحوَ هذه الفئةُ الصحوةَ التامة وتسيرَ على المنهج الرباني المستقيم لا بد لها بعد تقوى الله من الاتباعِ المنهجي لا الابتداع، والتمسكِ بدينها وعدمِ الالتفات إلى ما هو مستورد من الأفكار والمبادئ والمنكرات والمحرمات التي يروج لها العلمانيون وأعداءُ هذا الدين، ليغووا أبناء وبنات هذه الأمةِ المحمدية ويُغرقوهم في محيطات الضلالة وبحارِ الفجور وأنهارِ العار والخزي.
على هذه الأمةِ التثبتُ والتبينُ قبل المسير، وإعمالُ العقل والبصيرة قبل العاطفة والحماس، والتأني والتفكرُ قبل التسرع؛ حتى لا يتكررَ السقوط ولا تندم ولات حين مندم.
ما زلتُ -أيها الأحبة الكرام- لا أدري سببَ تأثر بعض المسلمين بعادات الغرب ومنهجهم في الحياة رغم أننا نحن أمةُ الإسلام عندنا: أعظمُ منهج، وأنبلُ قيم، وأرقى أخلاقٍ، وأكرمُ معلم، وأشملُ دستورٍ نستطيع من خلاله أن نُسَيّرَ حياتَنا بل حياة َالعالم كلِه. ولكن صدق الشاعر عندما قال:
قد تُنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمد *** وقد ينكر الفمُ طعمَ الماء من سقم
وصدق من قال:
ألا إن ريح المسك ينكرها *** من تعود شمَّ الثومِ والبصل
لقد تمت صفقةٌ تجارية بيننا -نحن المسلمين- وبين أوروبا، وكان لهم نصيبُ الأسد في هذه المقايضة، حيث استوردوا من عندنا الأخلاقَ الإسلامية الحميدة وحسنَ التعامل والرأفةَ والرحمةَ، بينما استوردنا نحن من عندِهم عاداتِهم وتقاليدَهم وفلسفتَهم في الحياة بحجة التطور ومواكبة العصر، تاركين وراء ظهورنا العاداتِ الإسلامية الكريمة، وصدق -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم"، قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: "فمن؟!". رواه البخاري. وفي رواية أخرى لابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "لتركبن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه". والحديث صحيح. صحيح الجامع الصغير. وفي رواية أخرى: "حتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم". الصحيحة. صدق رسول لله -صلى الله عليه وسلم-.
من هذه العاداتِ التي تم استيرادُها (عيد الفلنتاين) الذي صادف يومَ أمس، ما هو عيد الفلنتاين ومن أين أتانا؟! إن هذا العيد وغيرَه من الأعياد مستوردة لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وبكل صراحة استطاع الغرب أن يدخلونا بسربهم الضال المتجهِ إلى ظلمات بعضها فوق بعض.
عيد الفلنتاين هو عيد العشاق، هو عيد الحب، ولكن حب مَن؟! هل هو حب الله؟! حب نبيه؟! حب المؤمنين؟! حب الصالحين؟!
كلا؛ إنه حبُّ الخلاعةِ والمجونِ والفجورِ، إنه حب الأشقياء، إنه حب اللاهين عن ذكر الله ومنهج الله، إنه حب المخدوعين بالحضارة الغربية المعاصرة، إنه حب المشوشين في الفكر والسلوك، إنه حب الغافلين عن حقيقة هذا الدين وتعاليمِه العظيمة.
يومُ الفلنتاين يجتمع فيه أبناء المسلمين ببنات المسلمين، بعرض المسلمين، بشرف المسلمين؛ يتبادلون كلماتِ الحب والغرام والعشق والفجور والفسق بحجة (الحب البريء)، يتبادلون بينهم الأزهار الحمراء التي بلغ ثمن الوردة الواحدة خمسة دنانير وعشرة دنانير في المناطق الشعبية، أما في غيرها من المناطق فضمة الورد بل الوردة بخمسين دينارًا، فقد استغل التجار هذا اليوم استغلالاً لا مثيل له.
في عيد الفلنتاين يلبس (الحبيبة) ثيابًا حمراء، سألت أحدَهم: ما السرُ في ذلك اللون؟! أجاب قائلاً: هو تعبير عن اندماج القلبين، وتضحية الحبيب لمحبوبته وتضحية المحبوبة لمحبوبها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أبناء من هؤلاء؟! أليسوا أبناءنا؟! أليسوا أبناء المسلمين؟! وأعراض من هؤلاء الفتيات اللواتي يخرجن مع الشباب ويتسكعن في الشوارع؟!
كم من فتاة يظن أبوها أنها في المدرسة وهي مع صديقها في المتنزهات والحدائق والمطاعم والمقاهي!!
هل تابعنا أبناءنا وبناتنا؟! هل تفقدنا أحوالهم؟! هل تتبعنا حركاتهم وسكناتهم؟!
ما هي أسباب هذه الظاهرة ظاهرة الفلنتاين وغيرها من ظواهر السوء التي تشبث بها أبناؤنا؟!
إذا عرفنا الداء وكان السعيُ صادقًا لتناول الدواء؛ شُفينا -بإذن الله تعالى- من أمراضنا، وعندئذ ينصرنا الله ويمكننا؛ فإن نصرهَ سبحانه مشروطٌ بالصحة والعافية: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ).
السبب الأول: ضعفُ التربية الإسلامية لدى النشء، وهذا يقع على عاتق أولياء الأمور؛ إذ إن على الآباء والأمهات مسؤوليةَ ربطِ أبنائهم -منذ الصغر- بأصول الإيمان، وتعويدِهم -منذ تفَهمِهم- أركان الإسلام، وتعليمِهم -من حين تمييزهم- مبادئ الشريعةِ الغراء؛ حتى ينشؤوا على الإسلام عقيدةً وعبادة، ويتصلوا به منهجًا ونظامًا، فلا يعرفون سوى الإسلامِ دينًا والقرآنِ دستورًا والنبي -صلى الله عليه وسلم- إمامًا وقائدًا وقدوة، وبالتالي ينشأ الولدُ على أوامر الله، فيُرَوضُ على امتثالِها وعلى اجتناب نواهيه، وحين يتفهمُ الولدُ منذُ نعومة أظفارِه أحكامَ الحلالِ والحرام، ويرتبطُ منذ صغرِه بأحكام الشريعة، فبالتالي لا يعرفُ إلا الإسلام ومبادئَه وعاداتِه.
فما أجدرَ الآباء والأمهات أن يربوا أبناءهم على هذه الأسس ويسلكوا معهم هذه الوسائلَ ليضمنوا سلامةَ عقيدتِهم من الزيغ والانحراف.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوّده أبوه
***
قد ينفع الأدبُ الأولادَ في صغر *** وليس ينفعهم من بعده أدبُ
إن الغصونَ إذا عَدَّلتَها اعتدلت *** ولا يلين ولـو ليّنتَه الخشبُ
قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". رواه مسلم. ولكن إذا كان الخللُ عندنا -نحن الكبار، نحن الآباء، نحن المربين- فهذه والله هي الكارثة الكبرى والمعضلة العظمى، متى يستقيم الظل والعود أعوج؟!
وليس النبتُ ينبت في جنان *** كمِثْل النبتِ ينبتُ في الفلاةِ
وهل يرجى لأطفالٍ كمالٍ *** إذا ارتضعوا ثدي الناقصاتِ
السبب الثاني: ضعفُ الوازع الديني لدى الأبناء والشباب، وهذا أمر بدهي ولازم عند فقدان التربية الإيمانية منذ الصغر، فإذا تُرك الولدُ من غير توجيهٍ وتربية ومراقبة حثيثة في البيت فليس إلا تربيةُ الشارع، ولا شك أنه في هذه الحالة سيرضعُ لبنَ الفسادِ ويتربى على أسوأ الأخلاق، ويتلقى مبادئَ الكَفرةِ والفُسّاق، وسرعانَ ما سيتحولُ الوازعُ الديني إلى بيتٍ خرب، وعندئذ يتسعُ الخرقُ على الراقع، ويَصعبُ رده إلى جادة الصواب وإلى سبيلِ الإيمان والهدى. إذا علِمت هذا فلا تستهجن من بعض الآباء وهم يشكون إليك أبناءهم.
السبب الثالث: وسائلُ الإعلام، وخاصةً التلفاز، ذلك اللص الذي اقتحم كل البيوت؛ فهو المسؤولُ الأولُ عن نقل أخلاق وعادات ومشاكل البيئات المنحرفة الشاذة إلى بيئات المشاهد النظيفة الطاهرة، ويزيد الطينَ بِلة والأمرَ علة أننا نعيش عصرَ الجنون الإعلامي بوسائله وتفشي الجنس والشهوة وأفلام العشق والحب والغرام. فبعد الانفتاح الإعلامي ودخول الستلايت أصبحت كلمات الحب والغرام والعشق، بل ومُشَاهدة صوره الحية تغزونا من كل جهة، ناهيك عن العادات الاجتماعية الخاطئة التي ينادون بها: كإباحة الاختلاط والزيارات العائلية المختلطة أو الأفكار الهدامة التي بغيتها خرق العقيدة الإسلامية، فتفتحت الأبصار، وتفتقت الأذهان عن طريق هذه الوسائل الهدامة. والإنسان بفطرته مُولَعٌ بتقليد غيره خاصة إذا ظهر غيرُه بصورة محببة وجذابة للنفس البشرية.
فكل منصف يقول: إن التلفاز مليء بالمحظورات الشرعية والمواضيع المسممة لعقول الشباب والشابات؛ فأفسد عليهم دينهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الرابع: انتشار الهواتف الخلوية في أوساط الشباب والشابات، أتساءل دائمًا سؤالاً لا أجد له جوابًا: لماذا يحمل طلبة في المراحل الثانوية والأساسية الهواتف الخلوية؟! وما هي حاجتهم إلى ذلك؟! ومن الذي يسمح لهم بذلك؟! ومن الذي يشتري لهم هذه الأجهزة التي يصل ثمنُ بعضِها إلى ثلاثمائة دينار وأكثر؟!
لقد تم ضبطُ كثيرٍ من الطلبة بل قل: عدد هائل من الطلبة في المرحلة الثانوية والإعدادية لهم علاقاتُ حب وغرام مع طالبات من نفس العمر، وذلك بعد مصادرةِ الهواتف الخلوية التي يمتلكونها ويستعملونها داخلَ أسوارِ المدارسِ، ولقد ضُبطتْ مكالماتُ حب وعشق وغرام مسجلةً للذكرى على نفس الأجهزة، بل وصور العشيقةِ أيضًا في بعض الحالات.
إن هناك إحصائيات للسلوكيات اللا أخلاقية وللعلاقات غير الشرعية والمحرمة في بعض مدارس البنات ليشيب منها الرضيع، وليبكي منها الصادق الغيور.
هذا على نطاق مدارسنا، أما إذا عرجنا إلى جامعاتنا فعجب عجاب لو ترى عيناك، فهذه مسؤولية من؟! أين الآباء والأمهات؟! أين واجبنا تجاه أبنائنا؟! أين التوجيه؟! أين المراقبة؟! أين المحاسبة؟!
السبب الخامس: الرفقةُ السيئة، فالإنسان مولع بمحاكاة من حولَه، شديد التأثر بمن يصاحبه، وقد قيل: الصاحب ساحب، وقل لي من تصاحب أقل لك من أنت.
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم *** ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينـه *** فكـل قـرين بالمُقَـارنِ يقتـدي
فالصحبة السيئة تحسّن القبيح وتقبح الحسن، وتجر المرء إلى الرذيلة وتبعده عن كل خير وفضيلة:
ولا تصحب أخا السوء وإياك وإياه *** فكم من جاهل أردى حكيمًا حين آخاه
فلا خير في صحبة الأشرار، ولا نفع يرجى من ورائهم؛ إذ كيف ينفعون غيرهم وهم لم ينفعوا أنفسهم؟!
قد هيؤوك لأمر لو فطنتَ لـه *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
وبعد:
اعلموا -أيها المسلمون- أن للأمة الإسلامية كيانَها المستقل وشخصيتَها المميزة وثوابتَها النبيلة وتاريخها العميق وتراثها الإسلامي الأصيل، الذي يجب علينا أن لا نتخلى عنه مهما لاقينا من ضغوطات، ومهما تعرضنا للشهوات، ومهما رأينا من مغريات.
إنه لا يمكن لنا البقاء برفعة ومهابة وكرامة بين الأمم إلا إذا بقينا متمسكين بمبادئنا الإسلامية العظيمة، مطبقين لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مذعنين لأوامر رب العالمين.
أيها المسلمون: قيمتنا تكمن في ديننا، كيف كان المسلمون قبل الإسلام؟! كانوا أعرابًا مشرّدين وقبائلَ مفرقة متناحرة فيما بينها، لا قيمةَ لها ولا اعتبارَ لها بين الأمم الأخرى، لكن لما جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- بالإسلام، هدى الله على يديه قلوبًا غلفًا وعيونًا عميًا وآذانًا صمًا، فتحول هؤلاء الأعراب والموالي والرقيق من أناس فقراء مستضعفين إلى كتائب تزلزل الدنيا بلا إله إلا الله.
وأصبح عابد الأصنام قِدْمًا *** حماةَ البيت والركنِ اليماني
يدخل رِبْعِيّ بن عامر على رستم زعيمِ الفرس، يسير على فرسه بثوبه الخَلِق، يتوكأ على رمحه، يزج النمارق والبسط، فما ترك لهم بساطًا إلا أفسده وتركه مخرقًا، فلما دنا من رستم جلس على الأرض وركز رمحه بالبسط، فقالوا: ما حملك على هذا؟! قال: "إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه"، فقال له رستم: ما جاء بكم؟! قال: "الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
إن الأمة الإسلامية لا تقوم لها قائمة، ولن يقومَ لها قائمة إلا إذا رجعوا إلى دينهم والتزموا بسنة نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وما ضل الضالون وما انحرف المنحرفون وما كفر الكافرون وما أشرك المشركون إلا بعد ابتعادهم عن أوامر بارئهم وتوجيه أنبيائهم؛ لذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله". رواه مالك في الموطأ وهو حسن.
على هذا عاش سلفنا الصالح، فأعزهم الله، وفتح لهم البلاد وقلوب العباد، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي