أنواع من الابتلاءات والفتن

خالد بن عبد الله المصلح
عناصر الخطبة
  1. الدنيا دار ابتلاء وامتحان .
  2. غفلة الناس عن ابتلاءات الدنيا .
  3. صور ابتلاء الله لعباده .
  4. التمسك بالكتاب والسنة يعصم من البلاء .

اقتباس

إن هذه الدارَ التي تسكنون ليست دارَ قرارٍ ولا مقامٍ، بل هي دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ واختبارٍ، كلنا فيها مختبَرٌ ممتحنٌ، قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ). فأنت في امتحانٍ واختبارٍ، ابتدأَ من حينِ جريانِ قلمِ التكليفِ عليك ببلوغِك سنَّ الرُّشدِ، وينتهي هذا الابتلاءُ والاختبارُ بموتِك وخروجِ الرُّوحِ منك: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً).

الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا اللهَ ربَّكم، وراقِبوه في جميعِ أحوالِكم، فيما تسمعون وتبصِرون وتقولون، واتقوه فيما تأتون وفيما تذرون: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).

عباد الله: إن هذه الدارَ التي تسكنون ليست دارَ قرارٍ ولا مقامٍ، بل هي دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ واختبارٍ، كلنا فيها مختبَرٌ ممتحنٌ، قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).

فأنت -يا عبدَ الله- في امتحانٍ واختبارٍ، ابتدأَ من حينِ جريانِ قلمِ التكليفِ عليك ببلوغِك سنَّ الرُّشدِ، وينتهي هذا الابتلاءُ والاختبارُ بموتِك وخروجِ الرُّوحِ منك: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً).

فمن مِنَّا -يا عبادَ الله- يستصحبُ هذا الأمرَ معه؟! من منَّا يستحضرُ أنه في اختبارٍ عظيمٍ، فيحسنُ العملَ للهِ ربِّ العالمين؟!

إنَّ أكثرَنا -أيها الناسُ- عن هذا لغافلون، وبغيرِه مشتغلون: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ).

أيها المؤمنون: إن ابتلاءَ اللهِ لعبادِه له صُوَرٌ عديدةٌ مختلفةٌ، يميزُ اللهُ بها الخبيثَ من الطيبِ والصادقَ من الكاذب.

مما يبتلي الله به عبادَه السرَّاءُ والرَّخاءُ، لينظر -جلَّ وعلا- أتشكرون أم تكفرون؟!

أتحفظون النِّعمَ بقبولِها وشُكرِها والثناءِ على المنعِمِ بها، واستعمالِها في طاعةِ ربِّكم، أم تكفرونه بالطغيانِ والاستكبارِ والجحودِ وإنكارِ إحسانِ المنعمِ بها، واستعمالِها فيما يغضِبُ اللهَ المتفضلَ بها؟!

فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، واشكروا الله على نَعمِه.

أيها المؤمنون: إنَّ مما يبتلِي الله به عبادَه: الشدةَ والضراءَ لينظرَ أتصبرون أم تجزعون؟! أتتضرعون وتنيبون أم تُصِرُّون وتستكبرون؟! (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)، (ولنبلونكمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ).

أيها المؤمنون: إن مما ابتَلى اللهُ به عبادَه: شرائعَ الدِّينِ من الواجباتِ والمنهياتِ، فإن اللهَ تعالى أمرَكم بأشياءٍ، ونهاكم عن أشياءٍ، لينظرَ أتطيعون أم تعصون؟! أتستجيبون أم تعرضون؟! فيا أيها المؤمنون (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

عبادَ الله: إن مما ابتلاكم الله به: الشهواتِ من النساءِ والأولادِ والأموالِ: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)، فإن اللهَ قد حدَّ فيها حدوداً، وفرضَ فرائضَ؛ ليرى من يخافُ مقامَ ربِّه وينهى النفسَ عن الهوى، ممن اتَّبَعَ هواه وآثرَ الحياةَ الدنيا؛ فأقبلَ على الشهواتِ، لا يراعي فيها للهِ تعالى أمراً ولا نهياً ، فالحلالُ من المالِ ما حلَّ في يدِه ولو كان بغيرِ حقٍّ، أقبلَ على المحرماتِ فزَنَت عينُه بالنظر المحرَّمِ، وزَنت أُذنُه بسماعِ المحرم، وزنت يدُه بالمسِّ المحرَّمِ، وزنت رجلُه بالمشي إلى المحرمات، والفرجُ يصدِّقُ ذلك أو يكذبُه.

فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واتقوا الدنيا، واتقوا النساءَ، وإياكم والوُلوغَ في الشهواتِ المحرمةِ، فإن النار قد حُفَّتْ بالشهواتِ، والجنةُ حُفَّت بالمكارِه.

أيها المؤمنون: إن من أعظمِ ما يبتلي اللهُ به عبادَه الشُّبُهاتِ التي يقذفُها شياطينُ الإنس والجن في قلوبِ الخلق ليشكِّكوهم في اللهِ ربِّ العالمين، وفي صدقِ محمدٍ خاتمِ النبيين، ويصدوهم عن السبيلِ، ويُزيغوا قلوبَهم عن الهدى والحقِّ المبينِ، فيَخِفُّ في قلوبِهم تعظيمُ اللهِ ربِّ العالمين، فيكذِّبون أخبارَه، ولا يسلِّمون لأحكامِه، فالحذرَ الحذرَ -يا عبادَ اللهِ- من هؤلاء المشبِّهِين المشكِّكين، فلا تسمعوا لأحاديثِهم، ولا تقرؤوا كتاباتِهم، ولا تغشوا مجالسَهم، بل فِرُّوا منهم فِرارَكم من الأسدِ: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).

 أيها المؤمنون: إنه لا نجاةَ لكم من أهلِ الزَّيغِ والشُّبُهاتِ والشُّكوكِ إلا بالاستمْساكِ بالكتابِ المبينِ، والرجوعِ إلى سنةِ خاتم النبيين في دقيقِ الأمرِ وجليلِه: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واحذروا الشبهاتِ وأهلَها، فإنهم في هذه الأزمانِ كثيرٌ، فاحذروهم سواء في كتاباتِهم أم برامجِهم أم قنواتِهم.

فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ *** وإلا فإِنِّي لا إخالُك ناجياً

فكلُّ شبهةٍ يثيرُها هؤلاء إنما ترجعُ إلى جهلٍ أو سوءِ قصدٍ: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).

فقولوا -أيها المؤمنون- لهؤلاء: رضينا باللهِ ربًّا وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا.

عبادَ الله: هذه بعضُ الابتلاءاتِ والامتحاناتِ التي يمتحِنُكم اللهُ بها، فخذوا للأمرِ عُدَّتَه، فإن نتيجةَ هذه الاختباراتِ فريقٌ في الجنةِ وفريقٌ في السعيرِ.

اللهم إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهر منها وما بطنَ، اللهم إنا نسألك الثبات.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي