نفع الناس وفضله

عبد الله بن علي الطريف
عناصر الخطبة
  1. السعي في نفع الآخرين هو أعظم الأخلاق .
  2. فضائل المشي في حوائج المسلمين .
  3. صور مضيئة من سلف هذه الأمة .

اقتباس

إن من أعظم الأخلاق التي يتحلى بها الإنسان سعيه في نفعِ الآخرين وفعلِ الخير لهم، وقد قرنه سبحانه بأعظمِ عباده فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77]، قال الشيخ السعدي: "يأمر تعالى عباده المؤمنين بالصلاة، وخص منها الركوع والسجود، لفضلهما وركنيتهما، وعبادته التي هي قرة العيون، وسلوة القلب المحزون، وأن ربوبيته وإحسانه على العباد، يقتضي منهم أن يخلصوا له العبادة، ويأمرهم بفعل الخير عمومًا".

الخطبة الأولى:

أيها الأحبة: سرحت طرفي متأملاً للمعاني الضخمة التي يدل عليها قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ"، وفي رواية: "فَلْيَنْفَعْهُ".

فتملك نفسي العجب من هذا الحديث الذي لا يملك الإنسان أن يمر به دون أن يقف عنده ويتدبر بعض معانيه.

ولقد اشتمل هذا الحديث على معانٍ رائعة تأخذ بالألباب، ذلك أن الحركة النفسية التي تحدث في نفس المسلم وهو يهم بنفع إخوانه بأي نفع مهما صغر وقل منبعها ودافعها وغايتها واحدة في جميع الأحوال، ألا وهي أن يكون الخير ونفع الآخرين هو المسيطر على حياة البشرية.

إن من أعظم الأخلاق التي يتحلى بها الإنسان سعيه في نفعِ الآخرين وفعلِ الخير لهم، وقد قرنه سبحانه بأعظمِ عباده فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77]، قال الشيخ السعدي: "يأمر تعالى عباده المؤمنين بالصلاة، وخص منها الركوع والسجود، لفضلهما وركنيتهما، وعبادته التي هي قرة العيون، وسلوة القلب المحزون، وأن ربوبيته وإحسانه على العباد، يقتضي منهم أن يخلصوا له العبادة، ويأمرهم بفعل الخير عمومًا".

وعلّق تعالى الفلاح على هذه الأمور فقال: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، أي: تفوزون بالمطلوب المرغوب، وتنجون من المكروه المرهوب، فلا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق، والسعي في نفع عبيده، فمن وفق لذلك، فله القدح المعلى، من السعادة والنجاح والفلاح.

وقال عن أصفيائه عليهم السلام: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) [الأنبياء:73]. أي: يفعلونها ويدعون الناس إليها، وهذا شامل لجميع الخيرات، من حقوق الله، وحقوق العباد.

أيها الأحبة: وسَمَا من ينفعُ عبادَ الله إلى درجة عظيمة ومكانة عالية؛ حيث أخبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما سُئل: أي الناس أحب إلى الله؟! فقال: "أحبّ النّاس إلى اللّه تعالى أنفعهم للنّاس"، حديث صحيح رواه الطبراني.

وجعل من يتصف بنفع الأمة خير الناس فقال: "المؤمن يألف ويُؤلفُ، ولا خيرَ فيمن لا يألفُ ولا يؤلف، وخيرُ الناس أنفعهم للناس".

أيها الإخوة: ولقد جعل رسولنا -صلى الله عليه وسلم- تقديم الخير والنفع للمسلمين من الصدقات، وهذه الصدقات منها ما ظاهره السهولة واللطف؛ لكنَّ أثره يتغلغل في أعماق النفس وقرار الوجدان فيهزها هزاً، تأملوا قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ". رواه الترمذي وصححه الألباني. وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ". رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ.

أيها الأخ المبارك: إن تبسمك في وجه أخيك الذي يبدو لك هيناً، حتى إنك ربما ترى أنه ما يصح أن يوضع في الصدقات، لهو أشق شيء على النفس التي لم تتعود الخير ولم تتجه إليه، فهناك أناس لا يتبسمون أبداً، ولا تنفرج أساريرهم ولا ينطلق محياهم وهم يلقون غيرهم من الناس! ووجوههم عابسة ونفوسهم منقبضة، وينابيع الخير فيها مغلقة وعليها أقفالها!

وإن هذه الابتسامة على الوجه الطلق لتعمل عمل السحر. جربها! نعم جربها. جرب أن تلقى الناس بوجه طلق وعلى فمك ابتسامةٍ مشرقة، ولن تندم على التجربة أبدًا.

إنها لتستطيع وحدها، نعم وحدها، أن تفتح مغاليق النفوس، وتنفذ إلى الأعماق، لتنفذ إلى القلب! إلى الطاقة المكنونة في الكيان البشري، فتربط بينها وبينك برباط الجاذبية.

لنتخيل أننا جميعاً في هذا المسجد عزمنا أن نتلقى الناس بوجه طلق وابتسامة مشرقة بعد خروجنا منه ولو لساعة، ماذا سيقع من الخير؟! وماذا سيندفع من الشر؟!

أيها الإخوة: ومن الأمثلة على نفع الناس ما رواه ابن عمر -رضي اللّه عنهما- قال: إنّ رجلاً جاء إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فقال: يا رسول اللّه: أيّ النّاس أحبّ إلى اللّه تعالى؟! وأيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه؟! فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "أحبّ النّاس إلى اللّه تعالى أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى اللّه تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرًا". وغير ذلك كثير في السنة.

والأجر في نفع المسلمين عظيم؛ فقد جاء في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". زاد ابن أبي الدنيا بسند حسن: "ومن مشى مع مظلوم حتى يُثبت له حقه ثبَت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام". وفي حديث آخر: "ومن كفّ غضبه ستر اللّه عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ اللّه قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتّى تتهيّأ له أثبت اللّه قدمه يوم تزول قدمه". رواه وصححه.

وكان سلف الأمة يهتم كثيرًا بهذا الباب العظيم من أبواب الخير، فهذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رحمه الله- يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام، فلما مات فقدوا ذلك، فعلم هؤلاء الفقراء أنه هو الذي كان يتصدق عليهم.

وقال ابن القيم -رحمه الله- في وصف شيخ الإسلام ابن تيميه: "كان شيخ الإسلام يسعى سعيًا شديداً لقضاء حوائج الناس".

وحدث أحد كُتّاب الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بأن الشيخ كان يترك صيام النافلة في بعض الأيام ويقول: لأنه يضعفني عن القيام بحوائج الناس، لأن الشيخ يأتيه المستفتون وأصحاب الحاجات والشفاعات وغيرهم. ولعل الشيخ -رحمه الله- رأى أن الصيام نفعه شخصي له، أما الأعمال الأخرى المتعدية فيكون نفعها للناس.

وفقكم الله لكل خير وجعلنا مباركين أينما كنا.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: ما أجمل مجتمع المسلمين وهو ينفع بعضه بعضًا، ويسعى كل فرد فيه إلى نفع إخوانه، تعلو وجوه الناس فيه الابتسامة، وتنطلق فيه أساريرهم لبعضهم، فإن كان أحدهم في مجال البيع والشراء وجدته ناصحًا لأخيه لا يغشه ولا يغالي بالثمن، وإن كان في مجال التعليم وجدته حريصاً على طلابه أو جماعته يعلمهم ويرشدهم ويستفرغ وسعه في ذلك، وإن كان في وظيفته وجدته منجزاً لأعمالهم متهللاً في تعامله وناصحاً لهم، سعيداً مبتسماً لكل مراجع يأتيه لحاجته، وإن كان ذا صنعة وجدته جادًا فيها متقناً لها، حريصاً على تجويد عمله، يراقب الله في ذلك، وإن كان وإن كان، المهم أن يكون دافعه وهمه نفع الناس وقضاء حوائجهم، وإن تقاضى على عمله أجرة.

وبعد:

أيها الأحبة: مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة جعلها الله لمن يقدم النفع لعباده مهما قل، من الابتسامة حتى أكبر نفع تتخيله العقول وتصل إليه الأفهام.

أما من لم تسمُ نفسه وتنفع فلا أقل من أن تكف أذاها عن عباد الله، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقُلت: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، فقَالَ: "يُؤْمِنُ بِاللَّهِ"، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ مَعَ الْإِيمَانِ عَمَلًا؟! قَالَ: "يَرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ"، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا لَا شَيْءَ لَهُ؟! قَالَ: "يَقُولُ مَعْرُوفًا بِلِسَانِهِ"، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ عَيِيًّا لَا يُبْلِغُ عَنْهُ لِسَانُهُ؟! قَالَ: "فَيُعِينُ مَغْلُوبًا"، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا قُدْرَةَ لَهُ؟! قَالَ: "فَلْيَصْنَعْ لِأَخْرَقَ"، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ أَخْرَقَ؟! قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: "مَا تُرِيدُ أَنْ تَدَعَ فِي صَاحِبِكَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ، فَلْيَدَعِ النَّاسَ مِنْ أَذَاهُ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ تَيْسِيرٍ؟! فقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا، يُرِيدُ بِهَا مَا عِنْدَ اللَّهِ، إِلَّا أَخَذَتْ بِيَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ". رواه ابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره.

وفي حديث آخر عند مسلم عنه بعدما ذكر له رسول الله بعض فضائل الأعمال قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟! قَالَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ". اللهم اجعلنا من أنفع عبادك للناس، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي