إن عاقرَ الناقة، أو قاتل الأنبياء، أو قاتلَ علي، أو قاتل دعاة الحق والعدل من العلماء والمصلحين قد باءُوا بإثم عظيم؛ لأنهم يظنون أنهم سيوقفون مسيرةَ الإصلاح والخيرِ والبناء، وقد قُتل أنبياءُ وعلماءُ ودعاةٌ ومصلحون، وبقيت الدعوة، وبقي العلم يَشع ويُضيء للناسِ طريقهم، ويسمو في السماء، وخسِأت وبُترت وفُضحت تلك الأيدي الآثمةُ ال...
المقدمة والوصية بالتقوى:
معشر المؤمنين: يقول الله -تعالى-: (إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا) [الشمس: 12].
ويقول جل ذكره: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[آل عمران: 21-22].
أما الآية الأولى، فهي في الحديث عن عاقر الناقة قدارِ بن سالف، وكان أشقى قومه، ويضرب به المثل، فيقال: "أشأمَ من قدار".
وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعلي -رضي الله عنه-: "أتَدْرِي مَنْ أشْقَى الأوَّلِين؟َ" قُلْتُ: الله وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ، قال: "عَاقِرُ النَّاقَةِ" فقال: "أتَدْرِي مَنْ أَشْقَى الآخِرِينَ؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "قَاتِلُكَ"[رواه الطبراني والبزار بإسناد جيد].
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا" [رواه أحمد والطبراني والبزار بإسناد حسن].
ولا شك أن من أعظمِ الناس جرما من قتلَ أتباعِ الأنبياء، وهم العلماء والدعاة إلى الله –تعالى-.
إن عاقرَ الناقة، أو قاتل الأنبياء، أو قاتلَ علي، أو قاتل دعاة الحق والعدل من العلماء والمصلحين قد باءُوا بإثم عظيم؛ لأنهم يظنون أنهم سيوقفون مسيرةَ الإصلاح والخيرِ والبناء، وقد قُتل أنبياءُ وعلماءُ ودعاةٌ ومصلحون، وبقيت الدعوة، وبقي العلم يَشع ويُضيء للناسِ طريقهم، ويسمو في السماء، وخسِأت وبُترت وفُضحت تلك الأيدي الآثمةُ القاتلة.
إخوة الإسلام والإيمان: أما الآية الثانيةُ، فنزلت في اليهود، ولكن العبرةَ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ كما يقول المفسرون: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران: 21].
فكل من قتلَ من يأمرُ الناسَ بالمعروفِ وينهاهم عن المنكرِ، فهو داخلٌ في الآية، قال الحسن البصري: "تدل الآيةُ على أن القائمَ بالأمرِ بالمعروف تلي منزلتُه في العِظَم منزلةَ الأنبياء".
وفي أثر عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "بئس القومُ قومٌ يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، بئس القومُ قومٌ لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، بئس القومُ قومٌ يمشي المؤمن بينهم بالتقية".
ويظهر أن اليهودَ لم يقتلوا واحدًا من الأنبياء والمرسلين، والدعاة والمصلحين فقط، بل كانوا يقتلون النبيين كلما خالفوهم، لا يرعون مقامهم من الله -تعالى-.
ولذلك كان التعبير في الآية بالمضارع: (يقتلون) الدال على التكرار، وكأن قتل النبيين كان عادة لهم وشأنًا من شئونهم؛ لتغلغل الكفر والعصيان في نفوسهم، واستمرائهم الباطل والعصيان.
يقول المبرد: كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيون، فدعوهم إلى الله، فقتلوهم، فقام أناسٌ من بعدهم من المؤمنين، فأمروهم بالإسلام، فقتلوهم، ففيهم نزلت الآية.
وقوله: (فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) حَقِيقَةُ التَّبْشِيرِ: الْإِخْبَارُ بِمَا يُظْهِرُ سُرُورَ الْمُخْبَرِ: "بِفَتْحِ الْبَاءِ" وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي ضِدِّ حَقِيقَتِهِ، إِذْ أُرِيدَ بِهِ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِ الْعَذَابِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِحُزْنِ الْمُخْبَرِينَ.
فَاستعمل البشارة في الشّر، والأصل أن تكون في الخير للتهكم، ويسمى: "الأسلوب التهكمي" وَحَبَطُ الْأَعْمَالِ إِزَالَةُ آثَارِهَا النَّافِعَةِ مِنْ ثَوَابِ، ونعيم فِي الْآخِرَةِ، وَحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ فِي الدُّنْيَا، وَإِطْلَاقُ الْحَبَطِ عَلَى ذَلِكَ تَمْثِيلٌ بِحَالِ الْإِبِلِ الَّتِي يُصِيبُهَا الْحَبَطُ، وَهُوَ انْتِفَاخٌ فِي بُطُونِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ، يَكُونُ سَبَبَ مَوْتِهَا، فِي حِينِ أَكَلَتْ مَا أَكَلَتْ لِلِالْتِذَاذِ بِهِ، فَلَا جَرَمَ تَحْبَطُ أَعْمَالُهُمْ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِثَوَابِهَا فِي الْآخِرَةِ، وتكون هباءً منبثاً، ويعذبون عليها، وَلَا بِآثَارِهَا الطَّيِّبَةِ فِي الدُّنْيَا، بل يبقى الذمُّ واللعنة عليهم،، وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ مَا لَهُمْ مَنْ يُنْقِذُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ.
إنه لن يغتفر التاريخ جرائمَ قتلةِ أهل الحق، والدفاع عن القيم الدينية، وعن مصالح الأوطان، وحماية البلاد، ولن ينجو قتلةُ الأنبياء وقتلةُ أهل المعروف من العقاب الشديد في الآخرة.
وهؤلاء المجرمون بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وما لهم في الآخرة من ناصرين ولا شفعاء؛ لأنهم حَرموا المجتمعَ والأمةَ من الخير والاهتداء بهدي اللّه ودينه، وصدّوا عن قولِ الحق، وتبليغِ الرسالة للناس، وآذَوا بالقتل وغيرِه كلَّ من آزر المصلحين ونصرهم، ونصحهم، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر من أهل العلم والعدل.
قال الإمام الطبري -رحمه الله-: (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) [آل عمران: 56] فإنه يعني: وما لهؤلاء القوم من ناصر ينصرهم من الله، إذا هو انتقم منهم بما سلف من إجرامهم واجترائهم عليه، فيستنقذُهم منه.
عباد الله: إن اغتيالَ فضيلةِ الشيخِ علي بن سالم بن يعقوب باوزير يعد تحولاً في مجرى الصراع، وهو من الخطورة العظيمة الكبيرة، بأن يُقتل العلماء والدعاة إلى الله -عز وجل-، إنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره المجرمون.
ونقول لهم: "كلنا الشيخ علي باوزير".
إذا مات فينا سيدٌ قام سيدٌ *** قؤولٌ بما قال الكرامُ فعولُ
إننا ندعوهم إلى التوبة إلى الله -تعالى-، وإلا فإن العدالةَ ستلاحقهم، والله -تعالى- لهم بالمرصاد، والتاريخ لا يرحم أحداً بغى وتجبر وتمرد: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج: 10].
إنني أحذر مما حذر منه العلماء من خلط الأوراق، والاصطياد في الماء العكر، والسعي للفتنة والفساد، نحذرهم من التآمر على هذه البلاد، على حضرموت وأهلها، وإن حضرموت فيها من الرجال الصادقين الشرفاء الذين يستطيعون كشف هذه الألاعيب القذرة، والأفعال الرذيلة.
علينا -إخوتي الكرام-: أن نقف يداً واحدةً لتفويت الفرصةِ على أعداء هذا البلد، على أعدائِنا جميعاً، وإن اختلفت آراؤنا ومشاربُنا، ولكن الوقتَ وقتُ وحدة الصف، ونصرةُ المظلوم، والقيامُ لله، والعملُ لهذا البلد بإخلاصٍ وصدق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي