في ظلِّ النوازِل والأزمات، وفيما تتعرَّضُ له أمةُ الإسلام من أحداثٍ ونكَبَاتٍ، تشتدُّ الحاجةُ إلى ما يربطُها بالفقهِ العميق، والمنهج المُستمدِّ من نور الوحي الإلهيِّ، ومن الهدي النبوي السديد، وإلا فبِدون هذا النهجِ الإلهيِّ الوضَّاء تزِلُّ الأقدام، وتضِلُّ الأفهام، وتتخبَّط الأقلام، وتُخطِئُ الفتاوى المسالِكَ الحقَّ، والطريقَ المُستقيم. فالله -جل وعلا- يقول: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123]. ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدين".
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: خيرُ ما نتواصَى به: تقوى الله -جل وعلا- وطاعته؛ فبها يحصُل المخرج من كل ضيقٍ، وبها يُفرِّجُ الله الهُموم والغُموم.
عباد الله: في ظلِّ النوازِل والأزمات، وفيما تتعرَّضُ له أمةُ الإسلام من أحداثٍ ونكَبَاتٍ، تشتدُّ الحاجةُ إلى ما يربطُها بالفقهِ العميق، والمنهج المُستمدِّ من نور الوحي الإلهيِّ، ومن الهدي النبوي السديد، وإلا فبِدون هذا النهجِ الإلهيِّ الوضَّاء تزِلُّ الأقدام، وتضِلُّ الأفهام، وتتخبَّط الأقلام، وتُخطِئُ الفتاوى المسالِكَ الحقَّ، والطريقَ المُستقيم. فالله -جل وعلا- يقول: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123]. ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدين".
إخوة الإسلام: وهذه أصولُ معالمٍ تحفَظُ الأمةَ -بإذن الله- من الشقاء، وتصُونُها من العناء، وتقودُها إلى شاطِئِ السلامة والنجاة، وإلى ساحلِ الأمن والأمان.
المعلَم الأول: أن تتكاتَف الدعوات من الجميع إلى الدعوة لتصحيح ما فسَد من مناهِج تُخالِفُ التوحيد الخالِصَ، وتُناقِضُ العقيدةَ الصافِيةَ، وأن نجتمِع جميعًا -من الحُكَّام والمحكومين، من العلماء والدعاة- لتصحيح المسار وفقَ عقيدة التوحيد التي دلَّ عليها قولُه -جل وعلا-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) [الأنعام: 162، 163].
فمتى أسلَمنا لله -جل وعلا- الإسلام الكاملَ عقيدةً ومنهجًا، حُكمًا وتحاكُمًا، عملاً ومسلَكًا تحقَّق للأمة الأمنُ بشتَّى صُوره، وفازَت بالأمان بمُختلَف أشكالِه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
ويقولُ ربُّنا -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38]، ويقول -عزَّ شأنُه-: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51].
وفي القاعدة التي رسمَها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لحفظِ الأمة حينما قال لابن عباس: "احفَظ الله يحفَظك".
المعلَمُ الثاني: أن تعلم الأمةُ أن من أسباب الشقاء بأنواعه المُتعدِّدة: فُشُوَّ المعاصِي، وانتِشارَ الفواحِش، والله -جل وعلا- يقول لنا: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
إن سبيلَ الرخاء والسرَّاء هو أن تستقيم مُجتمعات المسلمين على طاعة الله -جل وعلا-، وأن تسير على سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فتقوى الله -جل وعلا- وطاعتُه والتِزامُ أمره، والسيرُ على نهج رسولِه -صلى الله عليه وسلم- أعظمُ حصنٍ في الأزَمات، وأمتَنُ ذخيرةٍ في المُلِمَّات، وفي جميع الأزمِنة والأوقات: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
فحرِيٌّ بالمسلمين وهم يُعانون الويلات أن يرجِعوا إلى مُحاسَبَة النفوس، أن يُصلِحوا القلوبَ، أن يُسيِّروا حياتَهم بجميع مناشطِها على وفق مرضاة الله -جل وعلا-، وأن يُحدِثوا توبةً صادِقةً نصُوحًا، وأوبةً صادِقةً مُخلِصةً، فإلى ربِّنا الملجأُ والمعاذ، وإليه المهرَبُ والملاذ، وإلا فبِدون ذلك تتخبَّطَُنا الفتنُ من كل جانبٍ.
إخوة الإسلام: ومن المعالِم: أن على أبناء الأمة الإسلامية -مهما اختلفَت مُستوياتُهم- أن يتَّقوا الله -جل وعلا- في أمَّتهم، وأن يحرِصُوا على تقوية روابِط الاتِّحاد والوِئام، ونبذِ التنازُع والتفرُّق والخِصام؛ فمآلُ التنازُع والتفرُّق على هذه الدنيا الفانِية هو الضعفُ والهوان، وجلبُ الشرور والعُدوان، ثم بعد ذلك أشرُّ الشرور: معصيةُ الرحمن.
الله -جل وعلا- يقول: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].
على الجميع أن يبتعِد عن الهوى، وعن محبَّة النفوس، وعن الأنانيَّة المُفرِطة، وعن تتبُّع العثَرات، وجحد الحسَنات، ونحو ذلك مما يُورِثُ الفُرقةَ والشَّتات بين أفراد أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
معاشر المؤمنين: ومن المعالِم أيضًا: أن على عُلماء الإسلام والدُعاة والخُطباء أن يُوجِّهوا الأمةَ بكل ما يتَّفِقُ مع الحكمة ودرء الفتنة، وأن ينظُروا في العواقِب ومآلات الأمور، وأن تكون مُنطلقاتُهم مما ينُصُّ عليه كتابُ ربِّهم وسُنَّةُ نبيِّهم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
ثم ليعلَموا أن النظرَ إلى مآلات الأمور قاعدةٌ كُبرى عند علماء الإسلام مُتقدِّميهم ومُتأخِّريهم، وعلى الجميع -خاصَّةً وقت الفتن- أن يحذَروا من الاجتهادات الفردية، والفتاوى الأحادية في نوازِل الأمة، مما قد جرَّ ويُجرُّ إلى فتنٍ عمياء، ومِحَنٍ شتَّى، لا تخدمُ دينًا ولا تُقيم دُنيا، والتاريخُ أعظمُ عِظةٍ في ذلك.
لا بُدَّ من تغليب الحكمة والأناة، واستِجلاب الكياسَة والحصافَة، فلا تنفعُ العواطِف، ولا تنفعُ ظواهِرُ محبَّة الأمور بدون تقليبِها وفقَ المنظورِ العامِّ للمقاصِد الشرعيَّة والقواعد المرعيَّة، لاسيَّما إذا اتَّقَدت العواطِف، والتهبَت المشاعِر، فالحاجةُ للرأي الرشيد والقول السديد ماسَّة.
ورحِم الله بعضَ المُحقِّقين من عُلماء هذه الأمة حينما أرجعَ أحكام الإسلام لقاعدةٍ واحدةٍ كُبرى، وهي: جلبُ المنافع والمصالِح، ودرء الشُّرور وسدِّ الأضرار.
إخوة الإسلام: في أوقات الفتن تزداد الحاجةُ إلى الالتِفات إلى القيادات من أولِي الأمر المسلمين، والعُلماء الربَّانيين الذين تقدَّموا في العلم عِتِيًّا، وفي العلم شأنًا كبيرًا، وحينئذٍ إذا عُدِل عن هذا المنهج حصلَ ما لا يُحمَد عُقباه، وما يُخالِفُ قولَ ربِّنا: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].
ومن تلك المعالِم -عباد الله-: أنه في غَمرة أحداث الفتن المُتسارِعة واجبٌ على أبناء أمةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الحذرُ من كل سببٍ يجلِبُ العداوةَ، ويشرِخُ الصفَّ، ويكون سببًا للتحريش بين المُسلمين؛ فالشيطان حريصٌ أن يُحرِّشَ بين المُصلِّين خاصَّةً في جزيرة العرب.
الله -جل وعلا- يقول: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) [الإسراء: 53].
فعلينا جميعًا الحذرُ من شائعات الإعلام المُغرِض، وأكاذِيب تواصُل الشبكات الاجتماعية مما يُؤدِّي إلى مفاسِد خطيرة تُهدِّد بُنيان المُجتمع، وتُقوِّضُ بناء الأمة.
فالمسلم شأنُه الالتزامُ بالأصل الشرعيِّ الذي أصَّلَه نبيُّ الرحمة والخير والعدل والإصلاح حينما قال: "المسلم من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه". متفق عليه.
ومن المعالِم -أيها الأحبَّة-: أن نعلم أن من الفتن العمياء التي امتُحِن المسلمون بها عبر التاريخ، وذاقَت من مرارتها شرًّا مُستطيرًا: فتنةُ التكفير؛ أي: تكفير من ظهر إسلامُه، والتسارُع في ذلك، لا بحُجَّةٍ ولا بُرهان؛ بل بإلزاماتٍ تُشبه الهباءَ في الهواء، والسرابَ في الصحراء.
في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حذَّر أمَّتَه فقال: "أيُّما امرئٍ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهما، إن كان كما قال، وإلا وجبَت عليه". وفي صحيح البخاري: "من رمَى مُؤمنًا بكُفرٍ فهو كقتلِه".
فحُرُمات المسلمين في أديانهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم، كل ذلك مصونٌ بشريعة الإسلام.
يقول الغزالي -رحمه الله-: "والذي ينبغي الاحترازُ من التكفير ما وُجِد إليه سبيلاً"، ثم قال: "والخطأُ في تكفير ألف كافرٍ في الحياة أهونُ من الخطأ في سفك دمٍ مسلمٍ".
وقال الشيخ المُجدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "وبالجُملة فيجبُ على كل من ينصحُ نفسَه ألا يتكلَّم في هذه المسألة إلا بعلمٍ وبُرهانٍ من الله، ويحذر من إخراج رجلٍ من الإسلام بمُجرَّد فهمِه واستِحسان عقلِه؛ فإن إخراجَ رجلٍ من الإسلام أو إدخالَه من أعظم أمور الدين، وقد أشركَ الشيطانُ أكثرَ الناس في هذه المسألة".
حفِظَنا الله جميعًا والمسلمين من عواصِبِ الشرور والفتن، ومن أسباب الفساد والمِحَن.
أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
أيها المسلمون: إننا في هذه البلاد المُباركة -بلاد الحرمين- ننعَمُ بنعمٍ كثيرةٍ أجلِّها عقيدة التوحيد الخالِص، وتحكيم الشريعة، وما تبِعَها من آثارٍ كريمةٍ عادَت بالأمن والأمان، والرخاء والازدِهار في عالمٍ ضربَ الخوفُ فيه أطنابَه.
ألا وإن الواجِبَ على أبناء هذه البلاد أن يشكرُوا الله -جل وعلا-، وأن يُسارِعوا إلى مرضاته، وأن يلتزِموا أمرَه، وأن يحرِصُوا على التكاتُف والتعاوُن على ما يُرضِي الله -جل وعلا-، وعلى ما يحفظُ الأمن والأمان، ويكون للاستقرار سبيلاً، وللصلاح والإصلاح طريقًا، وفق مبادِئ المحبَّة الإيمانية، والأُخوَّة الإسلامية، وحفظ حقوق الراعي والرعيَّة، وفق قول ربِّنا -جل وعلا-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
وهذا الواجبُ واجبٌ على كل أهل بلدٍ في أي مصرٍ من أمصار الإسلام أن يتَّقوا الله -جل وعلا-، وأن تكون كلمتُهم سواء على ما يُرضِي الله -جل وعلا-، وعلى ما يتَّفق مع كتاب الله -سبحانه-، وما يسيرُ على نهج رسولِه -صلى الله عليه وسلم-. فبذلك يحصُلُ الفلاح والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
ثم إن الله -جل وعلا- أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيِّدنا وحبيبِنا ونبيِّنا وقُرَّة عيونِنا نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآل وسائر الصحابة أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي