إننا نأسف كثيراً حين نرى في واقعنا بعض المظاهر السيئة التي تدل على ضعف التعاون، وقلة التكاتف، وغياب الاستشعار بالآخرين، وتجاهل مصائبهم، وما وقع عليهم من البلايا والمصائب. فهذا مريض يئن، ويعرف الناس أنه مريض، ويسمع الكل عنه أنه قد حلّ به المرض الفلاني، وأنه في حاجة إلى الإعانة للعلاج، والسفر للخارج، ونبقى كلنا إلا من رحم الله نطالع أخباره، ونسمع عن مصيبته، دون أن نفكر في ماذا نقدم له؟ وهل بإمكاننا خدمته، أو السعي له، أو التحرك لأجله، أو...
عباد الله: يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
إن هذه الآية الكريمة: تأمرنا بالتعاون والتناصر، والتكاتف والتآزر، وأن يكون مجتمعنا الإسلامي مجتمعاً متوحداً متعاوناً يعين بعضهم بعضاً، وينصر أحدهم الآخر، ويقف كل واحد منهم مع أخيه المسلم، خاصة في وقت الملمات، وعد حلول الشدائد والنكبات، وفي وقت الملمات والأزمات.
لقد حذرنا الله -تبارك وتعالى- من التقاعس عن النصرة، ونهانا عن المواقف السلبية مع الآخرين، وقت الحاجة، فقال سبحانه وتعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)[الماعون: 4-7].
والماعون هو: أن يمنع المسلم عن أخيه المسلم الأشياء التي يحتاجها منه، أو يطلبها من عنده وقت حاجته إليها.
إن من الأخطاء الجسيمة التي ابتلينا بها، ونقع كثيراً فيها: أن يتعرض أحد من إخواننا الذين نعرف حاجتهم، وفقرهم لآفة، أو عاهة، أو مرض يصيبه، أو نازلة تحل به، أو مصيبة جسيمة تقع عليه، فنبقى نتفرج عليه، ولا يجد من إخوانه غير الكلام عن مصيبته، وتداول الأخبار عن مرضه وحاجته، ولا يرى منهم من يسانده، ويقف إلى جانبه، ويلمس منه الموقف الإيجابي المشرف، ولو لم يقدم له شيئاً، سوى السعي له، والاهتمام به، والوقوف بالأفعال لا بالأقوال معه.
ألم يقل الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10].
فأين إخوة الإيمان حينما نرى أخانا المؤمن تعصف به العواصف، وتنزل به النوازل، ونحن ننظر له ونتفرج عليه، ولا نسانده ولا نقف معه في مصيبته ومحنته، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ"[مسلم (2564)].
ويقول عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
إننا نأسف كثيراً حين نرى في واقعنا بعض المظاهر السيئة التي تدل على ضعف التعاون، وقلة التكاتف، وغياب الاستشعار بالآخرين، وتجاهل مصائبهم، وما وقع عليهم من البلايا والمصائب.
فهذا مريض يئن، ويعرف الناس أنه مريض، ويسمع الكل عنه أنه قد حلّ به المرض الفلاني، وأنه في حاجة إلى الإعانة للعلاج، والسفر للخارج، ونبقى كلنا إلا من رحم الله نطالع أخباره، ونسمع عن مصيبته، دون أن نفكر في ماذا نقدم له؟ وهل بإمكاننا خدمته، أو السعي له، أو التحرك لأجله، أو المساهمة في تخفيف معاناته.
قد يقول بعضنا وكم ستسمع؟ وكم من مرضى؟ وكم من تقارير؟ وكم؟ وكم ممن يئن ويصيح؟ صحيح هذا، لكننا نتكلم عن محيطنا ومجتمعنا وبيئتنا وإخواننا الذين نعرفهم ويعرفوننا، أو يكونون أقرباء لنا، أو قريبين منا، أو ممن هم منا وفينا، أو تجمع بيننا وبينهم صلة، أو رابط؟
كم نسمع من شخص فقير أو مريض، وهناك من أهله وأقربائه وأصدقائه ممن هو ميسور الحال، وعنده ما يغنيه، ومع ذلك يقف مع أخيه أو صاحبه موقفاً سلبياً، ولا يقدم له شيئاً يذكر، وإن قدّم له شيئاً قدم له كما يقدم له الأباعد والغرباء؟
أليس هذا إخلالاً للمسئولية، وضعفاً لاستشعار معنى الأخوة، وتقديم يد العون والمساندة للآخرين، وخاصة من الأقرباء الذين قال الله عنهم: (وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [الأحزاب: 6].
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة، وصلة".
كم من إخواننا، ومن أهل حارتنا، وأبناء مجتمعنا، من يصاب بمرض مزمن، أو يقرر له الطبيب سفراً عاجلاً إلى الخارج، فيبقى يدور بتقريره هنا وهناك، ومن مسجد إلى مسجد، ويتعرض عند ذلك للمذلة والإهانة، وكأن البلاد خلت من المحسنين والتجار الكبار، فأين دورهم؟ وأين تذهب الثروات والزكوات؟ كم وكم في البلاد من جمعيات ومؤسسات ورجال المال والأعمال؟
ومع ذلك كله ربما يبقى المريض أشهراً يجمع المال درهماً درهماً، وريالاً ريالاً، لكي يعالج به، ويسافر لأجل مرضه، بل ربما -نسأل الله العافية- مات قبل أن يستكمل المبلغ المطلوب، خاصة إذا كان مبلغاً كبيراً، أو مكلفاً، أو سفراً للمستشفيات في الخارج.
وربما يأثم الجميع بذلك إذا حصل التفريط والتقصير في ذلك؛ لأن هذا من فروض الكفايات التي إذا قام بعضها البعض سقط الإثم عن الآخرين.
إن الأخ لا يلجأ إلى إخوانه في المسجد، ويطلب منهم مساعدته وإعانته غالباً إلا لأن الأبواب أوصدت في وجهه، وتم تجاهل أمره من قبل الكبار والتجار، فلجأ إلى إخوانه المساكين مثله، يستغيث بهم ويستعين بهم، فمن العيب والتفريط: أن نتجاهله، أو نتغاضى عنه، أو لا نقدم له ولو شيئاً بسيطاً ويسيراً.
إن المفروض على كل واحد منا أن يقدم له شيئاً ولو بسيطاً يقدر عليه، أو يعينه بمبلغ يسير، أما أن يخرج الأكثرون من المسجد دون تقديم شيء، أو يمرون إلى جنبه دون التفات له، أو لتقريره، فهذا في حقنا مذمة وتفريط؛ لأن مثل هذه الحالات غالباً تكون حالات معروفة ومعلومة، وأصحابها فعلاً في حاجة، ولا يقارن حالهم بحال من يقوم يطلب في المسجد، ويسأل الناس دون أن يعرف الناس من هو، ولا يعرفون حاله؛ كما هو حال المتسولين الذين نراهم يقومون عقب الفروض والصلوات في المساجد.
إن الذي جعلني أتكلم عن هذا الموضوع، وأطرق هذا الباب، وأضع على مسامعكم هذا الأمر: أننا نرى المبالغ التي يتم جمعها عند الإعلان عن إعانة شخص، أو مساعدة مريض، أو إغاثة ملهوف، تكون مبالغ بسيطة جداً، وليست بحجم العدد الموجود في المسجد، أو غالبيتهم.
صحيح أننا كلنا منهكون، وكلنا متعبون، وكلنا لدينا التزامات ومسئوليات، وربما ديون، لكن لا بد مع هذا كله من البنيان المرصوص، والتكاتف والتعاون، وإظهار الأخوة، واليد الواحدة، والأيام دول، فيوم لك ويوم عليك.
والصدقة من الفقير والمسكين خير عند الله من الصدقة التي يتصدق بها صاحب الغنى، وميسوري الحال؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى".
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 280].
ويقول: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103].
عباد الله: إن معاناة الناس تزداد، وظروفهم تشتد تعسراً، وأكثر ما يؤرق كثيراً من الأسر اليوم هو: الوضع الاقتصادي المتردي؛ فالبطالة بلغت مستويات عالية، والأزمات المعيشية وصلت إلى درجات غير مسبوقة، والأعمال والأشغال تتآكل وتتقلص شيئاً فشيئاً، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلاً.
وقد أشارت التقارير الإنسانية إلى أن ملايين الأفراد اليمنيين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، وأن أكثر من نصف الشعب اليمني يعيشون تحت خط الفقر، فكيف إذا اجتمع الفقر مع المرض؟ وكيف إذا كان المرض مزمناً ويحتاج إلى علاج في الخارج، ولا يجد في بلده الرعاية الصحية التامة، ولا يجد من الدولة اهتماماً به يذكر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
كل هذا –يا عباد الله-: لا علاج له إلا بالتكاتف والتعاون، والتآزر والتناصر، والإحساس بالمسئولية الأخوية، واستشعار الأخوة الدينية، وحمل هموم الآخرين، ودعم المؤسسات الصحية، والجمعيات الطبية المتخصصة في دعم المرضى وعلاجهم.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ"[رواه مسلم].
وعن أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ في سَفَرٍ إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلةٍ لهُ، فَجعَلَ يَصْرِفُ بَصَرهُ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَقَالَ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ، فَلْيعُدْ بِهِ عَلَى منْ لا ظَهر لَهُ، ومَنْ كانَ لَهُ فَضلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا زَادَ لَهُ" فَذَكَرَ مِنْ أَصْنافِ المَالِ مَا ذَكَرَهُ، حَتى رَأَينَا أَنَّهُ لاَ حقَّ لأحَدٍ مِنَّا في فضْلٍ [رواه مسلم].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي