نعم -أيها المؤمنون بالله-: ستبقى قضية الأقصى وقضية القدس قضية إسلامية قضية قرآنية، قضية عقدية قضية نبوية، ستبقى قضية أمة مسلمة مؤمنة موحدة، ستبقى قضية كل مسلم موحد، فلا أقل علينا من إظهار الاهتمام بها، والمتابعة لشؤونها، وتقديم الدعم الممكن لها، والدعاء للقائمين بأمرها. فمعركة المسجد الأقصى معركة أمة وهوية وكرامة، وشعائر إسلامية، أمامها تحديات كبيرة، تحتاج من ...
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان.
وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد:
ستبقى قضية المسجد الأقصى مسرى نبي هذه الأمة -صلى الله عليه وسلم- هي قضية الأمة الأولى في صراعها مع عدوها اللدود "اليهود" ومن وراءهم من العالم الغربي الصليبي.
وستبقى قضية الأقصى محطّ اهتمام كلّ مؤمن بالله، صادق الإيمان، وفي قلب كلّ متّبع لنبي الله -صلى الله عليه وسلم-.
وستبقى قضية الأقصى هي "رحى" المعركة مع اليهود التي لن تهدأ إلا بخروجه ذليلا صاغرا.
ولذلك منذ أن وطئت أقدام يهود النجسة أرض فلسطين المباركة، وعيونهم الخائنة؛ تتطلع إلى المسجد الأقصى، متى يزول عن الأرض، وعن خريطة فلسطين، فهو يشكل شوكة في حلوقهم والتي -بإذن الله- سيشرقون بها مهما طال الزمن.
ومنذ أن اغتصب اليهود أرض فلسطين الإسلامية المباركة، وأيديهم النجسة، تمتد إلى بناء هذا المسجد المبارك، بكلّ وسيلة ممكنة، من أجل هدمه: بالاقتحام، وبالحفريات، وبالأنفاق، وبالتضييق على المصلين، وبالحرق بالنار كما في عام 1969م، وبالتجريف حوله، وبناء المستوطنات مكان بيوت المسلمين، وغير ذلك من الأعمال الإرهابية التي تطالعنا بها وسائل الإعلام ليل نهار.
ولنا أن نتصور أنه منذ توقيع اتفاقية مدريد بلغت محاولات الاعتداء الصارخ على المسجد الأقصى أكثر من مائة محاولة.
أيها الإخوة المؤمنون: أتعلمون أين مكمن الخطر في موقف اليهود من الأقصى والقدس؟
إنه في تحويلهم وتزويرهم لقضية الأقصى والقدس: كيف ذلك؟
إنهم عملوا على تحويل قضية الأقصى والقدس داخليا وخارجيا، والترويج لها على أنها قضية دينية يهودية، لا قضية احتلال وسلب أوطان.
فجاءوا لأجل ذلك بما يسمى: بالكذب الديني، كيف لا؟ وهم معروفون بأنهم محرفون محترفون لكلام رب العالمين.
فكيف حول اليهود في نظرهم ومواقفهم واهتماماتهم وتربيتهم وسياساتهم قضية الأقصى والقدس من قضية احتلال وسياسة إلى قضية دينية شعائرية؟.
أنهم اخترعوا لأجل ذلك كذبة "هيكل سليمان" وسليمان نبي الله -عليه السلام- بريء أصلا من اليهود، ومما نسبوه إليه، حيث زعموا أن تحت المسجد الأقصى يوجد الهيكل وهو معبد اليهود، وحاكوا حوله الأساطير التي لا يتقبلها العقل، وحتى يروجوا هذه الخرافة في أوساط اليهود، ويجعلوا هدم الأقصى واجبا دينيا عليهم؛ أنشأوا جمعيات ومنظمات متخصصة بشؤون الهيكل؛ منها: رابطة إعادة بناء الهيكل، كما أنشأت الحكومة الإسرائيلية عددا من المدارس الدينية المتخصصة بتعليم الهيكل، وطقوسه وتاريخه.
ولذلك ومنذ أكثر من ثلاثين سنة والتنقيبات والحفريات جارية تحت المسجد الأقصى وحوله؛ ظنا منهم أنهم سيعثرون على الهيكل المزعوم، ومتخذين ذلك ذريعة لهدم الأقصى.
وقد أثبت علماء آثار من اليهود أنفسهم ومن أروبا وأمريكا الذين شاركوا في الحفريات والأنفاق تحت الحرم القدسي: أنه لا أثر للهيكل.
وأعلن عالم اليهود "فانشتاين" من جامعة تل أبيب: أنّ الهيكل قصة خرافية.
وقال عالم الآثار اليهودي زئيف هرتسوغ في تقريره: "التوراة: لا إثبات على الأرض": "أنه بعد سبعين عاما من الحفريات المكثفة في فلسطين توصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة: لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يشير للهيكل".
وهذا حق، فما كان لنبي الله سليمان -عليه السلام- أن يبني بيتا يُشْرَك فيه مع الله؛ لأمثال هؤلاء اليهود الكفرة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) [التوبة: 30].
نعم -أيها الإخوة-: وحاول اليهود الترويج لقضية الأقصى دينياً في نفوس أتباعهم، وعالميا من خلال كذبة: "حائط المبكى" على أساس أنه جزء من الهيكل.
وهذا كذب، فهذا الحائط يعرف بأنه حائط البراق، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى.
والآن خرجوا بكذبة دينية جديدة، وهي بناء: "حديقة الآثار التوراتية" حول ساحة المسجد الأقصى.
وهم قد جعلوا من حائط المبكى منطقة سياحية، ومنطقة زيارات للوفود الرسمية والشعبية، وغيرها، لذا هم يمنعون وظيفة المرشد السياحي في القدس لأي عربي، ليستمروا في تضليل الوفود، وإخفاء المعالم التاريخية والدينية الإسلامية لهذا المسجد، وما حوله.
نعم -أيها المسلمون-: لقد عمل اليهود على تحويل قضية الأقصى إلى قضية دينية من خلال تربية أبنائهم على يهودية الدولة الإسرائيلية، لذا يقول بن غوريون: "لا معنى لفلسطين من غير القدس، ومن غير الهيكل".
ويقول هرتزل: "إن فلسطين التي نريد هي فلسطين داود وسليمان".
نعم -أيها المسلمون-: لقد عمل اليهود على تحويل قضية الأقصى إلى قضية دينية من خلال نشر أسطورتهم المزعومة: "أرض الميعاد" وإقناع البروتستانت من النصارى بأنه بعد تجمّع اليهود في أرض الميعاد، سوف سينزل المسيح إلى الأرض، ويقيم مملكة اليهود في الأرض.
وهذا افتراء عظيم على الله وعلى نبيه عيسى بن مريم -عليه السلام-.
أيها الإخوة المؤمنون: إن كل هذه التحويرات والتزويرات للحقائق الدينية والتاريخية والواقعية، هي جزء من مكر اليهود، وكذبهم العالمي، وإجرامهم في حق غيرهم.
فأنى لليهود الأحقية بأرض الأنبياء، وبمشاعر الله، وبمساجد الله، وهم الذين تطاولوا على الذّات الإلهية؛ كما قال فيهم ربنا -سبحانه-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) [التوبة: 30]؟!
وقال تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة: 64].
هم الذين سفكوا دماء الأنبياء، قال تعالى: (وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ) [النساء: 155].
وهم الذين حرفوا كتب الله ونقضوا العهود مع الله، قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) [المائدة: 13].
أبعد كلّ هذا يريدون أن يجعلوا من قضية الأقصى والقدس قضية دينية يهودية؟!
إنّ هذا هو عين الزور والبهتان.
بل إن قضية الأقصى والقدس هي قضية إسلامية أصيلة، هي قضية أمة مؤمنة مسلمة، هي قضية نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم-.
هي قضية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
هي قضية صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-.
هي قضية أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل زمان ومكان.
هذا ما علينا أن نعيه، وهذا هو الأساس والدرس الكبير الذي لا بد أن نعيد تدريسه وإحياءه؛ لأن اليهود ومن وراءهم سعوا جاهدين إلى تحويل قضية الأقصى والقدس من قضية إسلامية عالمية تخصّ المؤمنين بالله في كل العالم إلى قضية فلسطينية ضيقة الحدود والمطالب.
ولكن ستبقى قضية الأقصى والقدس قضية إسلامية تخصّ كلّ الموحدين لله -تعالى- في مشارق الأرض ومغاربها.
لماذا؟ لنستمع ونعقل ذلك.!
أيها المؤمنون: ستبقى قضية الأقصى والقدس قضية إسلامية تخصّ كلّ الموحدين لله -تعالى- في العالم؛ لأن الله -تعالى- قد خلّد اسم المسجد الأقصى وقضيته ومسؤوليته ومستقبله في كتابه الخالد في القرآن العظيم، في آيات عديدة تتلى إلى يوم القيامة، بل وافتتح الله -تعالى- سورة الإسراء بآية تضمّن اسم المسجد الأقصى؛ مرتبطا بالسيرة النبوية؛ كما في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الإسراء:1].
وما جاء فيه من آيات أخرى حول تاريخ ومستقبل هذا المسجد، لتبقى هذه الآيات رسالة إلى كل مؤمن بالله وبكتابه العظيم، ولكل من يقرأ القرآن الكريم أن قضية المسجد الأقصى هي قضية قرآنية.
أيها المؤمنون: ستبقى قضية الأقصى والقدس قضية إسلامية تخصّ كلّ الموحدين لله -تعالى- في العالم؛ لأن الله -تعالى- قد بارك المسجد الأقصى وما حوله: (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ).
وأنّى لمسجد ومنطقة قد باركها الله -تعالى- أن يكون فيها لليهود الكفرة أحقية دينية أو واقعية؟
أيها المؤمنون: ستبقى قضية الأقصى والقدس قضية إسلامية تخص كل مسلم موحّد؛ لأن أرض المسجد الأقصى والقدس وفلسطين، هي أرض أنبياء الله -تعالى- المؤمنين، دعاة التوحيد، عاش بعضهم فيها، ودعا إلى الله فيها، ومات ودفن فيها، قال تعالى في حق إبراهيم -عليه السلام-: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71].
وقال تعالى في حق سليمان -عليه السلام-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء: 81].
وقال تعالى في حق موسى -عليه السلام-: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ) [المائدة: 21].
نعم -يا عباد الله-: إن قضية المسجد الأقصى هي قضية إيمانية وإسلامية تخص عباد الله الموحدين، لا الكفرة المشركين، وإن هذا المسجد بُنِي بأيدي الأنبياء والصالحين الموحدين؛ ليعبد الله -تعالى- وحده، ولا مكان فيه ولا تحت شمسه؛ لمخترعات اليهود وأساطيرهم الدينية وكنسهم المزعومة!.
فانظروا إلى شهادة التاريخ على إسلامية قضية الأقصى، اقرأوا ما جاء في تاريخ بناء هذا المسجد المبارك؛ فكما جاء في الصحيحين عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-: "قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الحَرَامُ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً".
قال ابن تيمية: "فالمسجد الأقصى كان في عهد إبراهيم -عليه السلام-، لكن سليمان -عليه السلام- بناه بناءً عظيما، فكل من المساجد الثلاثة بناه نبي كريم ليصلي هو والناس".
والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين، فقد جاء في الصحيحين عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ القِبْلَةِ".
والمسجد الأقصى قدر الله له أن يكون مسرى نبينا الكريم -صلوات الله عليه وسلم-، وخلد تلك الحقيقة في القرآن العظيم: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) [الإسراء: 1].
إن معنى هذا على أرض الواقع: أن نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- قد زار المسجد، ودخله ونزل أرضه، وعبد الله فيه بصلاة ركعتين.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- قد شرع أحكاما شرعية خاصة بالمسجد الأقصى، فقال صلى الله عليه سلم: "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى".
وقال صلى الله عليه وسلم مبينا عظيم أجر الصلاة في المسجد الأقصى، ومضاعفتها بخمسمائة.
والتاريخ كذلك يشهد بإسلامية قضية المسجد الأقصى، وأنها قضية أمة مسلمة، حينما تنظر في التاريخ فتجد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو من سكان جزيرة العرب، هو من فتح المسجد الأقصى، وكانت قضيته تهمه وتعنيه.
وتجد كذلك أن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- قد فتح القدس، وطهر المسجد الأقصى من رجس الصليبين، وهو قد قدم من بلاد العراق.
والتاريخ حافل بشواهد المجاهدين، والعلماء والأمراء الذين كانت لهم بصماتهم الدينية والتاريخية والعلمية في المسجد الأقصى وما حوله.
فهل بعد كل هذا يبقى لليهود قتلة الأنبياء، ومحرفة الكتب الإلهية الحق في زعمهم بيهودية قضية المسجد الأقصى والقدس؟!
وهل بعد كل هذا أيضا يجوز للمسلمين في كل بقاع الأرض التخلي عن قضية المسجد الأقصى والقدس وتركها لأهلنا المستضعفين في فلسطين يقارعون اليهود الغاصبين وحدهم؟!.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
نعم -أيها المؤمنون بالله-: ستبقى قضية الأقصى وقضية القدس قضية إسلامية قضية قرآنية، قضية عقدية قضية نبوية، ستبقى قضية أمة مسلمة مؤمنة موحدة، ستبقى قضية كل مسلم موحد، فلا أقل علينا من إظهار الاهتمام بها، والمتابعة لشؤونها، وتقديم الدعم الممكن لها، والدعاء للقائمين بأمرها.
فمعركة المسجد الأقصى معركة أمة وهوية وكرامة، وشعائر إسلامية، أمامها تحديات كبيرة، تحتاج من الأمة كلها لتجميع جهودها، والوعي بما يمكر به اليهود لها، دينيا وفكريا وعمليا.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي