عباد الله: لقد امتن الله على عباده: أن وهبهم ما يكسون به عوراتهم، ويوارون به سوآتهم، من اللباس الكاسي المجمل للبدن: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26]. فالله -جل وعلا-: وهبنا اللباس الذي يواري سوآتنا، ونتجمل به، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي ما من خير إلا ودل الأمة عليه، ولا شر إلا وحذرهم منه، وقد بين لنا أحكام اللباس، وقد أمر الله -سبحانه- الناس بأخذ الزينة عند كل صلاة: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31]. من هذا المنطلق -عباد الله-: سنتحدث عن...
إن الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه، واستعملوا نعمه عليكم في محابه ومراده، واحذروا مخالفته باستخدامها في ما يغضبه، فتسلب النعم، وتزول إلى الأبد.
عباد الله: لقد امتن الله على عباده: أن وهبهم ما يكسون به عوراتهم، ويوارون به سوآتهم، من اللباس الكاسي المجمل للبدن: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26].
وقال سبحانه: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل: 81].
وقال تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) [الأنبياء: 80].
فالله -جل وعلا-: وهبنا اللباس الذي يواري سوآتنا، ونتجمل به، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي ما من خير إلا ودل الأمة عليه، ولا شر إلا وحذرهم منه، وقد بين لنا أحكام اللباس، وقد أمر الله -سبحانه- الناس بأخذ الزينة عند كل صلاة: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].
من هذا المنطلق -عباد الله-: سنتحدث عن حالنا واللباس.
نعم، اللباس؛ إنه النعمة التي كفرت عند كثير من الناس، وإذا أردنا أن نعرف قيمة هذه النعمة، فلنتصور أننا نعيش عراةً بلا لباس، فكيف سيكون حالنا في شئون حياتنا؟
معاشر المسلمين: إن كثيرا من الناس لا يعرف عن اللباس إلا أنه أداةٌ يتجمل بها، ويستر عورته، ولا يعرف أحكام اللباس، وهدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في اللباس.
ولهذا سنبدأ خطبتنا بذكر شيء من هدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في اللباس، ثم نختم بمخالفات الناس في اللباس، علنا أن نهتدي بهدي سيد المرسلين -عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
وقبل البدء في حديثنا لا بد أن نعرف: ما المراد بالثوب في اللغة؟
يطلق على اللباس، فكل ما لبس فهو ثوب، فالعمامة ثوب، ويعدلها في وقتنا الحاضر الغترة والشماغ.
وكذلك السراويل ثياب، وكذلك المشلح ثوب، وهكذا كلما لبس على البدن فهو ثوب.
أيها المؤمنون: إن من هدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في اللباس: أنه كان يحب لباس البياض من الثياب، وكان يأمر بلبسه، وتكفين الموتى فيه؛ أخرج أبو داود في سننه من حديث ابن عباس قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم".
فهو يحب الأبيض من الثياب، ويأمر بلبسه، وتكفين الموتى فيه، وكان أحيانا يلبس غيرها من الألوان ليبين للناس الجواز؛ ففي الصحيحين من حديث أبي جحيفة: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لبس حلة حمراء.
وعند أبي داود وغيره من حديث أبي رمثة: أنه صلى الله عليه وآله وسلم: لبس ثوبين أخضرين.
وعند مسلم من حديث جابر: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لبس عمامة سوداء.
وكان عليه الصلاة والسلام يحب من الثياب القميص؛ فقد أخرج أبو داود وغيره من حديث أم سلمة قالت: "كان أحب الثياب إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- القميص".
يعني مثل ثيابنا الآن ذاتِ أكمام.
والناس في زمن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان أغلبَ لباسهم الإزارُ والرداء؛ كحال المحرمين في زمننا هذا.
وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يلبس مثلهم غير أنه كان يحب لبس القميص، ولعله لكونه أسترَ للعورة من غيره.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبا جديدا، يدعو بذكر معين؛ كما أخرج أبو داود وغيره من حديث أبي سعيد: كان إذا استجد ثوبا سماه باسمه: قميصا، أو عمامة، أو رداءً، ثم يقول: "اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره، وشر ما صنع له".
وكان إذا رأى أحدَ أصحابه قد لبس جديدا دعا له؛ أخرج أحمد وغيره من حديث ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال لعمر بن الخطاب لما رآه لبس ثوبا جديدا: "البس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا، ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة".
وكان عليه الصلاة والسلام إذا لبس ثيابه بدأ بميامنه، بمعنى أنه يدخل يده اليمنى في الكم الأيمن قبل اليسرى؛ كما أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت: "كان صلى الله عليه وآله وسلم يحب التيامن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله".
وكان عليه الصلاة والسلام يحب النظافة في الثياب، وينكر على من أهمل في نظافة ثيابه، سواء كسلا أو تزهدا؛ أخرج الطبراني في معجمه من حديث عمران بن حصين: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: يا رسول الله: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: "إن الله جميل يحب الجمال: الكبر بطر الحق، وغمط الناس".
والمعنى لا بأس بالتجمل مالم يكن فيه سرف، وليس ذلك من الكبر، وليس التواضع بالإهمال في الملبس، ولبس القذر المتسخ، ولهذا قال: "إن الله جميل يحب الجمال".
والناس على طرفي نقيض في الملبس، وخيرهما الوسط:
فالذين يمتنعون عما أباح اللَّهُ مِن الملابس والمطاعم والمناكح تزهُّداً وتعبُّداً، بإزائهم طائفةٌ قابلوهم، فلا يلبَسُون إلا أشرفَ الثياب، ولا يأكلون إلا ألينَ الطعام، فلا يرون لَبِسَ الخَشنِ، ولا أكله تكبُّراً وتجبُّراً.
وكلا الطائفتين هديُه مخالِفٌ لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا قال بعض السلف: "كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب: العالي، والمنخفضِ".
ومن تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم: أنه أحيانا كان يطلق أزارير جيبه فلا يغلقه؛ كما أخرج أبو داود وغيره من حديث معاوية بن قرة عن أبيه قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في رهط من مزينة لنبايعه، وإن قميصه لمطلق، أو قال زر قميصه مطلق".
عباد الله: هذا هدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في لبسه للثياب، كان يواري به عورته، ويتجمل به أحيانا في الجمع والأعياد، ولم يكن وسيلة للكبر، ولا صفة للزهد، وكان يحب النظافة، ويكره القذر في الملبس.
ألا فلنقتد بسيد الأولين والآخرين.
اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك قابليها.
أقول قولي هذا...
الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله واستعملوا نعمه في طاعته، وإياكم والتنكب عن الشكر باستخدامها في معاصيه.
عباد الله: لقد ضل فريق من الناس في صفة لبسهم، إما جهلا، وإما عنادا، واستهتارا -أعاذنا الله وإياكم من حالهم-: نمر سريعا على بعض ما يخالفون فيه الشرع في لبسهم.
فمن ذلك: تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال؛ فتجد بعض الرجال يلبس من الملابس ما يخص النساء، فالبعض منهم يلبس الخاتم من الذهب، أو يلبس الأساور والتعاليق، ولربما لبس القمص الصغيرة، وهي ما تسمى بالبلايز التي خصصت للنساء.
ومن ذلك: لبس الرجل الحرير الطبيعي؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد اللّه بن عمر: أن أباه رأى حلة سيراء -يعني حرير- عند باب المسجد، فقال عمر: يا رسول اللّه لولا اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدم عليك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس قال صلى الله عليه وآله وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".
وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء".
وأخرج أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأةَ تلبس لبسة الرجل".
ولله در القائل:
وما عجبٌ أن النساء ترجلت *** ولكن تأنيث الرجال عجيب
أيها المؤمنون: إنا الحديث عن لبس الرجال والنساء هذه الأيام لا ينقضي، فانظر إلى لبس الشباب في الشوارع والأسواق، تجد أن التشبه بالكفار ظاهر عليهم، فلا يلبسون إلا بنطالا، وله صفة معينة، كأن يكون قصيرا، أو واسعا كله، أو واسعا أعلاه، وضيقا من أسفله، أو ضيقا من أعلاه، وواسعا من أسفله.
وانظر إلى اللباس تجد عليه عبارات باللغة الأجنبية، أو صورا لممثلين ومغنيين، ومالا يأتي عليه الحصر من المخالفات في اللباس، ناهيك عن القبعات وتنوعها وأشكالها.
وأما النساء، فالمرء لا يملك عينيه إذا سمع بما يلبس النساء في المناسبات، أو في الأسواق، فالفتيات في السن الزهور تلبس البنطال في المناسبات، بل في الأسواق، وكذلك تلبس القصير، وأما لبس العاري فحدث ولا حرج، فلا تكاد تنجوا منه امرأة إلا من رحم الله.
فبالله عليكم: أين الرقيب؟ بل أين الغيرة والقوامة التي وهبها الله الرجال؟
لما سقطت، وصارت الكلمة للنساء، أصبح المجتمع يهوي في الرذيلة والانحلال، ويكفيك استهتارا أن العباءة التي شرعها الإسلام لتستر المرأة أصبحت أداة جمال وفتنة -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
ومن المخالفات في اللباس: لبس الثياب التي تخالف أعراف البلد، حتى يصبح اللابس لها معروفا بهذه اللبسة، شاذا بها، فقد أخرج أهل السنن من حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ، ثُمَّ تَلَهَّبُ فيه النَّارُ".
وهذا لأنه قصد به الاختيال والفخر، فعاقبه اللّه بنقيضِ ذلك، فأَذَلَّه.
ومن المخالفات التي عمت وطمت –وللأسف-: إسبال الرجال للثياب أسفل من الكعبين، وهذا من كبائر الذنوب، والناس فيها على نوعين: منهم من يسبل خيلاء، فهذا أثمه أعظم، وذلك أن الله لا ينظر إليه يوم القيامة؛ ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
وأخرج أهل السنن من حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: "الإِسْبَالُ في الإِزَار، وَالقَمِيصِ وَالعِمَامَةِ، مَنْ جَرَ شَيْئَاً مِنْهَا خُيَلاَءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
ومنهم: من يسبل ثوبه، ولا يقصد به الخيلاء، وهذا محرم أيضا، وقد توعد صاحبه أن الله يعذب ذلك الجزء بالنار؛ أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار".
وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إزرة المؤمن إلى عضلة ساقيه، ثم إلى الكعبين، فما كان أسفل من ذلك ففي النار".
ولنعلم: أنه قلَّ إن ينفك المسبل من الخيلاء؛ أخرج أبوداود من حديث جابر بن سليم قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إياك وإسبال الإزار، فإنه من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة".
معاشر الشباب والآباء والنساء: لنعرف قيمة اللباس، ولنستعمله في طاعة الله، ولا نكن من أهل الكبر اللذين استحوذ عليهم الشيطان في لباسهم
اللهم لك الحمد على نعمة اللباس، اللهم أتمها علينا، واستر عوراتنا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وأهدهم سبل السلام.
اللهم أنج المستضعفين...
اللهم أنت الله لا إله أنت...
ربنا آتنا في الدنيا حسنة...
سبحان ربك رب العزة...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي