الإسلام وهو يُعد المسلم سلوكيا قدم له المبادئ العامة التي تحكم علاقته بكل شيء، علاقته بربه، بنفسه، بدولته، بأمته، كيف يتعامل مع الإنسان؟ بل حتى مع الحيوان؟ بل حتى مع الشجر والحجر؟ مع المسلمين، مع غير المسلمين قال أحد الكتاب: "إن الإسلام نظم العلاقة حينما قسم الناس غير المسلمين إلى مشركين وإلى أهل كتاب". وسلوا النصارى واليهود: هل يستطيعون أن يقدموا لنا تقسيما واضحا يستند إلى حقائق؛ كالتقسيم الذي قدمه الإسلام؟! فنحن بالنسبة إلى النصارى غير...
الفرد أساس المجتمعات؛ كما يقولون، وإعداده أمر لازم وأكيد، يسعى إلى ذلك كل من أراد الإصلاح.
ولعل مصطلح: "الإعداد" -بين قوسين- أضحى اليوم مصطلح العصر.
بل إن الديانات والمذاهب والمبادئ تتسابق في طرح ما لديها حيال هذه الكلمة: "الإعداد".
ونعتقد وبكل تواضع: أن الإسلام الأفضل في تقديمه لكل مستلزمات الإعداد.
وإذا كان الإنسان ذا مستويات مختلفة، فإن إعداده أيضا ينبغي أن يكون من حيث كل هذه المستويات.
ولن نتكلم عنها كلها، لكننا سنتكلم عن إعداد الإسلام للفرد سلوكيا، عن الإعداد السلوكي.
وما أشد حاجتنا إلى ذلك في وقت يشكو العالم بأسره من ضعف سلوك الأفراد، حتى ولو ملكوا مبادئ عظيمة، وقواعد قويمة.
ولذلك فإن السلوك يبقى هو الهدف، وهو الفيصل، في مدى تحديد صحة المبادئ ونجاحها.
إن الإسلام حين أعد الفرد سلوكيا، قدم من أجل ذلك قواعد مهمة، وضرورية، وواقعية، في نفس الوقت؛ سنذكر بعضها، وسنرى بعد ذلك من الذي يستطيع أن يقدم لنا ما يماثل الإسلام فيما قدمه، في إعداد الفرد سلوكيا.
وعند ذلك سيظهر الإسلام بقوته، ويبقى أولئك الذين يبتعدون عن الإسلام يعلنون بكل صراحة من خلال ابتعادهم أنهم جاحدون، وإذا كانوا جاحدين فلا كلام لنا معهم، وسننتظر الغلبة عليهم، والله - عز وجل - هو الذي يطلب النصر منه.
أولا: الإعداد قام على عقيدة صحيحة: إن إعداد الفرد سلوكيا في الإسلام ينطلق من عقيدة سليمة، ومبادئ قويمة، وأي سلوك لا يستند على عقيدة لا يمكن لهذا السلوك أن يكون صحيحا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الكهف: 110].
بل لا يمكن تحقيق الانضباط الشرعي في السلوك إلا باستحضار الأثر العقدي المترتب عليه في الآخرة ثوابا وعقابا.
وهذا هو منهج القرآن الكريم في الأمر والنهي، لذلك نجد القرآن يربط بين الجذور العقدية والتطبيقات الشرعية، قال تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ* أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ) [المطففين: 1-4].
فعند مخاطبة من يطفف الميزان، ونهيه عن هذا الفعل المحرم لا بد من تذكيره، وإثارة شعوره بقضية عقدية مهمة، وهي قضية: البعث بعد الموت، ثم الحساب، على كل ما سبق.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيلحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
والربط هنا واضح تماما ما بين العقيدة والسلوك، فمن كان مؤمنا حقا مصدقا بالله -تعالى- واليوم الآخر، وما فيه من جزاء الأعمال، فسيدعوه ذلك الإيمان إلى الالتزام بتلك المكارم والسلوكيات الإيجابية، رغبة في ثوابها عند الله.
إن العقيدة طاقة حية، وقوة دافعة، ولذلك مثَّل الله لها بالشجرة الطيبة، عميقة الجذور، وفيرة الثمار، وارفة الفروع والظلال؛ كما قال تعالى: (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم: 24-25].
فالكلمة الطيبة، هي كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" لها أصل ثابت في قلب العبد المؤمن، من العلم واليقين، ولهذا الأصل فروع تثمر كلماً طيباً، وعملاً صالحاً، وأخلاقاً مرضية، وآداباً وسلوكيات حسنة.
ثانياً: اجتناب المظاهر السلوكية السيئة: لقد حث الإسلام المسلمين على اجتناب المظاهر السلوكية السيئة؛ فمثلا نهى الإسلام عن شرب الخمر، في حين أن القوانين الوضعية، والأديان الباطلة لم تفعل ذلك.
وهذا عجيب إذ كيف يقولون: أنهم يدعون إلى الأخلاق والفضيلة، ثم يقولون لأفرادهم: اشربوا الخمر.
في العهد القديم المقدس عند اليهود والنصارى، يقول: "أعطوا مسكرا لهالك، وخمرا لِمُرِّي النفس يشرب، وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعدُ"[الأمثال 31: 6].
أما القديس بولس الحواري الثالث عشر للمسيح، الذي عين نفسه تلميذا للمسيح، والمؤسس الحقيقي للنصرانية المحرَّفة، فينصح أحد رعاياه المتحولين حديثا إلى النصرانية ويدعى تيموناس، قائلا: "لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمرا قليلا من أجل معدتك، وأسقامك الكثيرة".
هذا ما تقوله أديانهم، بالله عليكم هل هناك دين صحيح يحث أتباعه على شرب الخمر؟
لكن هذه أديانهم!.
أما الإسلام، فهو الدين الوحيد على وجه الأرض الذي حرم الخمر بالكامل، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام".
فلا يوجد عذر لمن يرشف رشفة، أو يتناول جرعة، من أي شراب مسكر.
وأكد على ذلك القرآن الكريم بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90].
وعندما نزلت هذه الآية أفرغ المسلمون الأوائل أوعية الخمر في شوارع المدينة، ولم يعودوا إلى شربها مرة أخرى.
إن هذا التوجيه الصريح البسيط قد جعل الأمة الإسلامية أكبر تجمع من الممتنعين امتناعا تاماً عن شرب الخمر في العالم.
ثالثا: الإسلام يدعو أفراده إلى المظاهر السلوكية العبادية الإيجابية: كيف؟ الإسلام يأمر أفراده بالصلاة، والله -عز وجل- يقول: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45] أي إنه أمر أفراده بالصلاة، ولكنه في نفس الوقت أوضح لهم أن هذه الصلاة لها آثار إيجابية في اجتناب السلوكيات الفاسدة.
لذلك يقول أحد العلماء المتخصصين بمجال الأديان: "إن الإسلام أكثر من المظاهر السلوكية العبادية، ذلك لأنه يريد لأفراده أن يضمنوا سلوكيات جيدة في مجال حياتهم".
بمعنى أن الصلاة لا تستغرق من المسلم إلا بضع دقائق، لكنها تبقي في نفس الإنسان وازعاً ورادعا يحفظه من أجل أن لا يقع في منكر، حتى تأتي الصلاة الأخرى.
وهذا هو المفترض: أن يحدث مع كل مصلٍّ، فإذا وجدنا مصليا سيء الخلق، أو منحرف السلوك، فمعنى ذلك أن صلاته جثة بلا روح، وحركات جسم بلا حضور عقل، ولا خشوع قلب؛ لأن القرآن الكريم بين أن الفلاح للمؤمنين: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 2].
وهكذا يضمن الإسلام لأفراده سلوكيات جيدة من خلال أمره لهم بأن يقوموا بالشعائر العبادية الإيجابية؛ إنها روعة الإسلام!.
وبعد ذلك نطالب الآخرين ونسألهم: على أي شيء تستندون حين تدعون الناس إلى السلوكيات الصحيحة؟! كيف تضمنون؟! نحن نضمن بما نقدم لهم من حقائق الإسلام وأنتم لا ضمانة لكم؟!.
رابعاً: تقديم الاطمئنان: هناك قاعدة تقول: "إذا لم يكن الإنسان مطمئنا إلى مصيره فإن سلوكه سيبقى مهزوزا".
وقد جاء الإسلام من خلال هذه النقطة، فقال للإنسان المسلم عش مطمئنا في دائرة الالتزام بالإسلام، فإنك إن عشت ستعيش برضاء الله -عز وجل-، وإن مت فستؤول في الآخرة إلى جنة أعدت للمتقين.
وبالتالي فالذي يطمئن سيغدو سلوكه قويما، لذلك قال القرآن الكريم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
وهنا نقول للآخرين لغير المسلمين: كيف تطمئنون أتباعكم؟
على سبيل المثال، وقف نابليون مرة ليقول: "لا أريد أن يحدثني أحد عن الهزيمة، فلقد كتب في قدري أني رجل منصور! -وما أدراك- إلا أن أفراده وقفوا حوله في ساعة وجد فيها نفسه بعيدا عن الناس مُهجَّرا، ومات شر ميتة؛ لأنه لم يضمن لنفسه ما زعم من نصر!.
أما نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ذاك الإنسان العظيم كان مطمئناً إلى مصيره، وإلى مصير أمته، وكان يتلو دائما قول الله -تعالى-: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 21].
ووقف صلى الله عليه وسلم ليلة غزوة بدر، فقال وهو مطمئن واثق من نصر الله، فقال للقوم: هنا مصرع فلان، وهنا مقتل فلان، وكانت النتيجة كما قال صلى الله عليه وسلم، ولم يغادر أحد من المشركين مصرعه الذي حدده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالضبط.
أيها الإخوة: اطمئنوا إلى مصيركم غدا؛ لأن الواعد هو الله، وإذا ما وعد الله فلن يحدث ما يخالف وعده؛ لأنه يقول: (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) [الحـج: 47].
نعم بالإيمان والعمل الصالح، وعدكم الله بالجنة؛ فثقوا -أيها المؤمنون-: بهذا الوعد.
سادسا: ربط الفرد بسلوكيات التاريخ الرائعة: إن الإسلام أعد الفرد سلوكيا يربطه بالسلوكيات الرائعة في التاريخ، فأنت -أيها المسلم-: وبلسان الإسلام مرتبط بتوبة آدم، بدعاء الخليل، بكلام موسى، بكلمة الله عيسى، باصطفاء محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إن الإسلام حين أعدك سلوكيا ربطك بالسلوكيات الرائعة في التاريخ، وقال لك: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90].
ومن غير الإسلام يربط أفراده بذلك؟!
ولك أن تسأل الآخرين: بمن يرتبطون؟ بأي سلوكٍ يرتبطون؟ بمن يرتبطون بموسى أم بفرعون؟ يرتبطون بقول موسى حينما قال له ربه: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 14]؟! أم يرتبطون بقول فرعون: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات: 24]؟!
نحن نرى ونسمع اليوم دعوات للإعداد السلوكي تنبعث من توجهات وأفكار علمانية كانت أم ليبرالية أم إلحادية! أصحاب هذه الدعوات بمن يرتبطون؟ وبمن يهتدون؟ بالنمرود، بقارون، بفرعون؟! هؤلاء الذين يرفضون حكم الإسلام وشريعة الإسلام بمن يرتبطون؟ بأولئك الذين كانت نتيجتهم الموت غرقاً؟! أم كانت نهايتهم أنهم دفنوا تحت التراب؟! أم قلبت بهم مدينتهم من الأعلى إلى الأسفل؟! نقول لهم: أبهؤلاء ترتبطون أيها الملحدون؟ أم بمن؟! ما هذا الغباء؟!.
إن دعوات مشبوهة تظهر بين الحين والحين بين بعض أبناء جلدتنا! تزعم أنها تعد الإنسان سلوكيا، ولكنها لا تاريخ لها، وإن كان لبعضها تاريخ فهو تاريخ أسود؛ لأنه يرتبط بتاريخ من ألحدوا وكفروا، وكذَّبوا وكذبوا.
لقد وقف مؤسس الشيوعية يوما، وقال: إن الشيوعية ستبقى إلى الأبد!.
وكذب فقد انهارت الشيوعية، وسقطت سقوطا سريعا!.
ووقف كبار رجال الدين في الغرب، وقالوا: إن سنة ألفين ستشهد تنصير أفريقيا بالكامل!.
وكذبوا ولم يحدث ذلك!.
وبعضهم قال: إن نهاية العالم ستكون عام ألفين!.
وكذبوا ولم يحدث ذلك!.
وقال آخرون: إن نهاية العالم ستكون في الحادي والعشرين من ديسمبر 2012و!.
كذبوا ولم يحدث ذلك!.
وهنا نريد أن نطمئن شبابنا إلى دينهم، وإلى إعدادهم، ونقول لهم: إن رسولكم -صلى الله عليه وسلم- أمسك ذات يوم بالمِعوَل في غزوة الخندق، عندما عرضت للصحابة صخرة وهم يحفرون عجزوا عن تكسيرها، فأمسك رسولنا المعول، وضرب الصخرة الضربة الأولى، وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام!" وفتحت الشام!.
ثم ضرب ضربة أخرى، فقال: "الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس!" وفتحت فارس.
وفي مناسبة أخرى قال: "ستفتح القسطنطينية" وفتحت القسطنطينية تماما كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالضبط.
وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن الساعة، وأنها آتية لا ريب فيها، وأعطانا لها علامات صغرى تحقق بعضها، وبقي بعضها، وعلامات كبرى لم تحدث حتى الآن، وقال: "إذا وقعت العلامات الكبرى فانتظروا الساعة" وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أفلا يدعو ذلك إلى الثقة والاطمئنان بديننا وبرسولنا -صلى الله عليه وسلم-؟!
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...
سابعا: لقد حرص الإسلام على تميز المسلم عن غيره، وعلى أن يصطبغ بصبغة الإسلام؛ كما قال تعالى: (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ) [البقرة: 138].
لذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- محذراً أمته: "من تشبه بقوم فهو منهم".
ولأن كان هذا الحديث ينطبق على الزي والهيئة والشكل، فإنه من باب أولى ينطبق على الفكر والعقل!.
وللمسلم شخصية متميزة في الجانب العقلي الفكري، وهذا التميز لا يعني التكبر والعلو، ولكنه يعني الاستقلال في الشخصية، وعدم الذوبان في مناهج غير المسلمين؛ لذلك فتقليد الآخرين في المأكل والملبس والمشرب والتفكير، والاحتفال بأعيادهم هو انهزام داخلي، ينبغي أن يتجنبه المسلم؛ لأننا لا نريد أن نتشبه بشرق أو غرب: (لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) [النــور: 35].
بل نريد أن نكون نحن وكما أراد لنا الإسلام أن نكون.
ثامنا: الإسلام وهو يُعد المسلم سلوكيا قدم له المبادئ العامة التي تحكم علاقته بكل شيء، علاقته بربه، بنفسه، بدولته، بأمته، كيف يتعامل مع الإنسان؟ بل حتى مع الحيوان؟ بل حتى مع الشجر والحجر؟ مع المسلمين، مع غير المسلمين قال أحد الكتاب: "إن الإسلام نظم العلاقة حينما قسم الناس غير المسلمين إلى مشركين وإلى أهل كتاب".
وسلوا النصارى واليهود: هل يستطيعون أن يقدموا لنا تقسيما واضحا يستند إلى حقائق؛ كالتقسيم الذي قدمه الإسلام؟!
فنحن بالنسبة إلى النصارى غير مسيحيين، وبالتالي سنكون كغيرنا من المشركين، فلسنا بأهل الكتاب لديهم، ولسنا أصحاب تسمية، كما أسميناهم نحن.
وإن حكمنا النصارى لم نكن أهل ذمة عندهم، ولكن إن حكمناهم كانوا أهل ذمة عندنا!.
ما معنى الذمة؟
الذمة، هي: العهد والضمان والأمان، بل وتوسع الإسلام في عدله وفضله، فشرع أكثر من رابطة لحسن العلاقة بين المسلمين وأهل الذمة، فقال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 5].
ويأتي حديث نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليقول: "من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة".
.
وإذا كان الإسلام قد فرض جزءا قليلا من المال على غير المسلمين، يؤخذ باسم الجزية، فإنه قد فرض على المسلمين تبعات أكثر وأوسع، ومع ذلك أعفى من أداء هذا الجزء الصبيان والمساكين، والرهبان وذوي العاهات، فلا تجبى الجزية من امرأة أو فتاة، ولا صبي ولا فقير، ولا شيخ ولا أعمى، ولا أعرج، ولا راهب، ولا مختل في عقله.
بل زاد الإسلام في فضله، فتكفل بالإنفاق على من شاخ، أو عجز من أهل الذمة، مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بشيخ من أهل الذمة، يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبابك، ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه.
أيها الإخوة: هذه هي الدولة الدينية التي يخوفون الناس منها زوراً وبهتاناً!.
ولم تكن الجزية عقابا من المسلمين لعدم دخول الذمي الإسلام، كما يزعم البعض، ويشهد بذلك باحث انجليزي مشهور، هو السير توماس أرنولد صاحب كتاب: "الدعوة إلى الإسلام" الذي يقول ما نصه: "لم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة، يعني الجزية على المسيحيين، كما يريدنا بعض الباحثين على الظن لونا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش مقابل الحماية التي كفلتها لهم جيوش المسلمين، لذلك في المعاهدات التي أبرمها المسلمون مع غير المسلمين عبارة: "فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا".
لذلك نقول لكم -أيها الإخوة-: ارفعوا رؤوسكم بدينكم، وإن سُئلتم: من أنتم؟ فقولوا بلسان الواثق: نحن أتباع محمد!.
ولقد أثبت التاريخ أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- يُعلي قدر من ينتسب إليه!.
نعم هذا هو إسلامنا الذي هو مبتغى كل إنسان عاقل رشيد، ومن رفض هذا الإسلام فإنه يرفض الإنسانية، ومن قبل به فإنه يقبل إنسانا مستقيما.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي