إنّ الإيمان بالله مبنيّ على التعظيم والإجلال له -عزّ وجلّ-، والتعظيم والإجلال تابع للمعرفة, فعلى قدرِ معرفتك بربك يكون تعظيمُك له في القلب، ولهذا كان أعرف النّاس بالله وأشدُّهم تعظيمًا له وإجلالاً هم العلماء بالله العارفون به...
الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات، الحمد لله الذي ينزل الرحمات ويمحو السيئات، له الحمد ما تتابعت الخطوات, وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات، وعدد جميع الذرات، وعدد الحركات والسكنات، سبحانه، سبحانه، سبحانه, الطير سبحه، والوحش مجده، والموج كبرّه، والنمل تحت الصخر الأصم قدسه، الحوت ناجاه، والنحل يهتف حمداً له في خلاياه، الناس يعصونه جهرا فيسترهم والعبد ينسى وربي ليس ينساه.
وأشهد أن لا إله إلا الله مفرج الكربات، ومقيل العثرات، وسامع الأصوات، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته، وما انتصر دين إلا بحبل عزته، وما اقشعرت القلوب إلا من عظمته، وما سقط حجر من جبل إلا من خشيته.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قام في خدمته، وقضى نحبه في الدعوة لعبادته، وأقام اعوجاج الخلق بشريعته، وعاش للتوحيد ففاز بخلته، وصبر على دعوته وتبليغ رسالته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن قام بسنته.
أما بعد:
عباد الله: إن تعظيم الله -عز وجل- صمّام أمان للنفوس، ووازع خيرٍ ومانع شرٍ إذا غُرس في القلوب، وداعٍ إلى مراقبة الله، والعمل بمرضاته والبعد عن معصيته، فإنه ما جاهر مجاهر بمعصية إلا لضعف تعظيم الله في قلبه, وقلّة خوفه منه، وما ترك الصلاة ولا تخلّف عنها متخلّف إلا لضعف تعظيمه وخوفه من الله، وما غشّ غاشٌّ أخاه المسلم، ولا اعتدى على حقّه، ولا خان خائن، ولا زنى زانٍ، ولا سرق سارق، إلا لمّا ضعف تعظيم الله في نفسه، وما خرجت امرأة متبرجة سافرة إلا لقلة تعظيم الله الذي أمرها بالستر والحجاب، وربما تستحي بعض النساء من الناس أعظمَ من حيائها من الله، أو تخاف زوجَها أو أباها وتراقبه أعظم من خوفها ومراقبتها لله؛ لأنها ما قَدَرت علاّمَ الغيوب حقّ قدره، وما عظّمته حق تعظيمه.
ووالله لو علم العباد ما لله من العظمة ما عصوه، ولو علم المحبون ما لله من الجمال والكمال ما أحبُوا غيره، ولو عرف الفقراء غنى الربِ -سبحانه- ما رجوا سواه، فسبحانه جلّ في علاه هو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين.
إنّ الإيمان بالله مبنيّ على التعظيم والإجلال له -عزّ وجلّ-، والتعظيم والإجلال تابع للمعرفة, فعلى قدرِ معرفتك بربك يكون تعظيمُك له في القلب، ولهذا كان أعرف النّاس بالله وأشدُّهم تعظيمًا له وإجلالاً هم العلماء بالله العارفون به قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر : 28], وذمّ الله تعالى مَن لم يعظِّمه حقَّ عظمتِه, ولا عرَفه حقَّ معرفته، ولا وصفَه حقَّ صفته، فقال: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13], أي "ما لكم لا تعظِّمون الله حقَّ عظمته".
إن تعظيمُ الله وإجلاله لا يتحقَّق إلا بإثباتِ الصفاتِ له كما يليق به -سبحانه-، فالله -تبارك وتعالى- العظيم في ذاته، العظيم في أسمائه، العظيم في صفاته، العظيم في خلقه وأمره وتدبيره، العظيم في شرعه، العظيم في ملكه وحكمه وسلطانه، وهو -سبحانه- العظيم الذي خلق المخلوقات، وأوجد الموجودات، وصور الكائنات، وخلق الأرض والسموات, وجعل النور والظلمات يقول الله -تبارك وتعالى-: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62]، وهو -سبحانه- القدير الذي قدر الأقدار في السموات والأرض، (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد: 8]، وقال أيضاً: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد: 9].
وهو -سبحانه- القوي الذي خضعت الأعناق لعظمته، وخشعت الأصوات لهيبته، وذل الأقوياء لقوته، وقهر الخلائق بقدرته, ورغمت له الأنوف لسطوته، الملك المتفرد بالخلق والإيجاد، والتصريف والتدبير، كل يوم هو في شأن، يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، ويرفع ويخفض: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29].
هو الغني الذي يرزق الخلائق، ويهب الأولاد، ويقسم الأرزاق، ويرسل الرياح، وينزل المياه، ويجيب المضطر، ويكشف السوء، ويطعم الخلق، ويدبر الأمر, ويخلف الليل النهار, ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي يقول -تبارك وتعالى-: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) [يونس: 31]. يفعل ذلك كله متى شاء, وفي أي وقت شاء, وبأي قدر شاء, لا ينازعه ند, ولا يشير عليه شريك, وليس له نظير ولا يعلم له سمي.
هو سبحانه الكبير الذي له الكبرياء في السموات والأرض، الجبار الذي قهر الجبابرة بجبروته، وعلاهم بعظمته، القاهر فوق عباده، الفعال لما يشاء، القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه شيء، ولا يعزب عنه شيء، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، المحيط بكل شيء، العالم بكل شيء، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
أيها المسلمون: إن الله -تبارك وتعالى- له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وهو الغني الذي له خزائن السموات والأرض، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن, مشيئته نافذة, وإرادته خارقة, قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 29]، رب كل شيء ومليكه، لا إله غيره ولا رب سواه، مالك كل شيء، ورب كل شيء, هو وحده المتفرد بربوبية الخلق والإيجاد والتدبير: كما قال -تبارك وتعالى-: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]، وله وحده ربوبية التعليم والإرشاد: يقول -سبحانه وتعالى-: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1 - 4]، وقال أيضا: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خلق الإنسان مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1-5].
فما أعظم هذا الرب العظيم الكريم الرحيم الذي هذه صفته, وهذا خَلقه, وهذا صنعه, وهذا فضله, وما أكرمه, وما أرحمه بعباده!.
إن الله -جل جلاله- عظيم, ومن عظمته لا تراه العيون في الدنيا، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولا يحيط به الخلق وهو محيط بهم، (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وهو اللطيف الخبير) [الأنعام: 103]، وقال سبحانه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طـه:110].
أيها الناس: إن ربنا -عزَّ وجلَّ- هو خالق كل شيء خلق السموات والأرض، ثم استوي على العرش، إلا إنه مع خلقه كلهم يبصر أعمالهم من فوق عرشه، ويسمع كلامهم، ويعلم أحوالهم، ويدبر أمورهم، ويرى مكانهم: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7], وهذه هي المعية العامة لعموم الخلق, أما المعية الخاصة فهي لعباده المؤمنين، وتكون بالنصرة لهم، والتأييد والعون، كما قال -سبحانه- وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل:128].
هو -سبحانه- العلي العظيم، الذي علوه لا يناقض معيته، ومعيته لا تبطل عُلُوَّه، وكلاهما حق، فمعيته لعموم العباد بالعلم والإحاطة، ومعيته للمؤمنين معية القرب التي تتضمن الموالاة والنصر، والحفظ والإعانة: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج: 38] وقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 194]؛ وقال أيضاً: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]، مع أن عرشه فوق كل شيء وهو مستوى عليه وبرغم علوه على عباده إلا أنه يرى مكانهم، ويحصي أعمالهم، ويسمع كلامهم، ويدرك نواياهم، قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) [المؤمنون: 17].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الكبير المتعال، ذو النعم والإفضال، الموصف بكل جمال وكمال، عظيم في خلقه، عظيم في كونه، عظيم في أمره، عظيم في نهيه، والصلاة والسلام على خير خلقه وأفضل أنبيائه ورسله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته.
عباد الله: إن الله وحده هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، وهو المحسن إلى جميع خلقه، وهو الذي يرجى دوام إحسانه، وهو القاهر فوق عباده، القاهر لجميع مخلوقاته، فحقه سبحانه أن يُعبد وحده، وأن يُطاع أمره، وأن يترك نهيه, وأن يعظم قدره, وأن تُطاع رسله، وأن يطبق شرعه، وأن ينفذ حكمه, وأن يُشكر فلا يُكفر، ويُذكر فلا يُنسى.
وإذا أردت أن تقف على معرفة شيء من مبادئ عظمة الله وجلاله وكبريائه، فانظر في آياته ومخلوقاته في السماء والأرض، صنعاً وقدراً وعدداً وضخامة: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة: 7], ويقول -عز وجل-: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:8-11].
إن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق -سبحانه-، فاستحضر في نفسك جميع مخلوقات الله تعالى, وابدأ من نفسك واستحضر في عقلك جملة أعضائك البسيطة والمركبة، والظاهرة والباطنة، التي وهبها الله لك, والتي لفت انتباهك إلى النظر فيها, ففي خلقك عجب وفي تكوينك عبر وفي تصويرك آيات يقول -سبحانه-: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21], وقال: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6 - 8].
استحضر في عقلك جميع ما في هذا العالم من أنواع المعادن والتراب، والنبات والحيوان، والإنس والجان, وضم إليهم ما خلق الله -جل جلاله وعز كماله- من البحار والجبال، والمفاوز والتلال، وجملة ما فيها من عجائب النبات والحيوان وذرات الهواء، وتفكر في عظمة هذا الخالق العظيم.
واصل سباحاتك الروحية وجولاتك العقلية في ملكوت الله -عز وجل-، وتفكر في السماء الدنيا، وانظر إلى عظمتها وجمالها واتساعها، وكيف زينها الله -عزَّ وجلَّ- بالنجوم والكواكب المنثورة التي لا تحصى، فهل ترى فيها من فطور: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [ق: 6], ويقول الحق -جل شأنه-: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) [الذاريات: 47، 48] وقوله تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) [الحجر: 16].
ترقَّ من سماء إلى سماء لترى عظمة صنع الله الذي أتقن كل شيء، ثم ترقَّ بعقلك وفكرك حتى تصل إلى سدرة المنتهى فقد وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث المعراج، قال: "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها -أي ثمرها- مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة." قال: "هذه سدرة المنتهى" [البخاري (3887) ].
عرّج بخاطرك على اللوح والقلم، والجنة والنار، والعرش والكرسي ترى مُلكاً لا أعظم منه، وخلقاً لا أكبر منه، ثم استحضر ملائكة سماء الدنيا، وملائكة جميع السموات السبع، تجد ما في السموات من موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد لربه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ, أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ, مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ.." [ الصحيحة (722) ]، قال تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 19، 20].
استحضر كثرة الملائكة الذين يطوفون بالبيت المعمور فوق السماء السابعة، حيث ثبت من حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة" [الحاكم (3742) ].
هذه بعضُ مظاهر عظمتِه -سبحانه- مما تتحمّله عقولنا، وإلاّ فعظمة الله وجلاله أجلّ من أن يحيطَ بها عقل أو حس، فسبحانك يا ربنا ما أعظمك، وعلى من عصاك ما أحلمك، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، وما قدرناك حق قدرك، وما عظّمناك حق عظمتك، والمؤمنون بربهم المتفكرون في خلقه؛ يدركون عظمته، فيقرون بربوبيته، ويخضعون لألوهيته، ويخلصون في عبادته، ولا يشركون معه غيره، لا في محبة ولا رجاء ولا خوف، يتأملون آياته، ويتفكرون في مخلوقاته، فتخشع قلوبهم، وتقشعر أجسادهم، وتفيض بالدمع أعينهم؛ إجلالا لله تعالى وتعظيما وإخلاصا، وتلهج ألسنتهم بذكره -عز وجل- وتسبيحه وتكبيره وحمده قائلين: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191].
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعلى سبيل طاعتك وفقنا، ولتعظيمك وتوقيرك سددنا، اللهم اجعلنا ممن عظمك وقام بحق طاعتك، والتزم بهدي نبيك، وتأسي واعتبر، وخاف وانزجر، فقام وسهر، وترك المعاصي وهجر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي