دين الطهارة والنقاء

خالد القرعاوي
عناصر الخطبة
  1. الإسلام دين الفطرة النقية .
  2. سنن الفطرة طهارة للظاهر والباطن .
  3. الحث على إسباغ الوضوء .
  4. الطهارة بين تفريط البعض وإفراطهم .
  5. الادعاء بأن حلق اللحية من الجمال .
  6. نقاء القلب من علامات الإيمان .

اقتباس

تَأَمَّلوا في أُنَاسٍ غيَّروا خَلقَ اللهِ فاستَحسَنُوا القَبَائِحَ وانحرَفُوا عن السُّلُوكِ السَّويِّ، فَصاروا عُراةً أو شِبهَ عُراةٍ يَتَهَارَشُونَ في الطُّرُقاتِ كما البَهائِمِ! لا يعرفونَ مَعروفًا ولا يُنكرونَ مُنكرًا، ولا يَهتدونَ إلى الطُّهرِ وحُسنِ المَنظَرِ سَبِيلاً، حتى انتقلت حُمَّى التَّقليدِ لِبعضِ شبَابِنا فَتَخَنَّثوا في أشكالِهم وألبِسَتِهم وأَصبَاغِهم وحَرَكَاتِهم!

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله الذي أتمَّ علينا النِّعمةَ وأكملَ لنا الدِّين، أمَرَنا باتباعِ مُحمَّدٍ سيِّدِ الأَنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ، وَنَهانا عن سَبِيلِ المُخالِفِينَ والمُشركينَ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، أحكمُ الحاكمينَ، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه المبعوثُ رحمةً وأَمَانَاً لِلعالَمِينَ. صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِه وأَصحابِهِ ومَنْ كانوا معه على صراطٍ مُستَقيمٍ.    

أمَّا بعدُ:

فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- وامتثلوا أمرَ اللهِ، واقتدوا بالمُصطفى الأَمينِ تَسعدُوا بِالدَّارينِ: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).

أيُّها المؤمنونُ: دِينُنَا دِينُ الفِطرةِ السَّليمةِ، وهي صبغةُ اللهِ التي صَبَغَ المُسلمينَ عليها: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).

قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رحمه اللهُ- ما مفادُه: "أي: الزموا صبغةَ اللهِ، وهو دينُه، فَقوموا به قِيامَا تَامًّا، بِجميعِ أَعمَالِهِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، حتى يكونَ صفةً من صِفَاتِكم، كالصِّبغِ التَّامِّ لِلثَّوبِ، فَتحصُلُ لكم السَّعادةُ الدُّنيَوِيَّةُ والأُخرَوِيَّةُ.

عبادَ اللهِ: دينُنَا دِينُ شَريعةٍ كامِلَةٍ مُيَسَّرةٍ، دِينٌ يُراعي شؤونَ حياتِنا كلِّها. ولنَتَأَمَّل في جانبٍ واحدٍ فقط سَنُدرِكُ عظمةَ هذا الدِّينِ وحِكمَةَ ربِّ العالمينَ فقد أقرَّ اللهُ لنا ما تَتَطَلَّبُهُ الفِطرةُ من سُرورٍ وفَرَحٍ، ولباسٍ وزِينَةٍ، وطُهرٍ وَنَقاءٍ، كلُّ ذلك مُحاطٌ بسياجٍ من الأدبِ الرَّفِيع والمُتعَةِ بِما أباحَ اللهُ وشرعَ، بعيدًا عن العُرِيِّ والفَسَادِ، والتَّخَنُّثِ والمُيوعَةِ، وقِلِّةِ الذَّوقِ والحياءِ، فالمسلمُ يجمعُ بين نَظَافَتَينِ وطَهَارَتَينِ: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فَمَعَ تَطهِيرِ المُعتَقَدِ أَمَرَ اللهُ بِتَطهيرِ وَتنظِيفِ المَلبَسِ والجَسَدِ.

وحينما قال رسولُ الله: "لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، فَهِمَ بَعضُ الصَّحابة -رضوانُ اللهِ عليهم- أنَّ التَّطهُّرَ والجَمَالَ وَحُسنَ المَنظرِ مِن الكِبرِ! فَقَالَ رَجُلٌ: يا رسولَ الله: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً، ونَعْلُهُ حَسَنَةً!! فقَالَ –صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ". رواه مسلمٌ.            

أيُّها المؤمنونَ: يقولُ اللهُ تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

وقد عدَّدَ النبيُّ عَشْرًا من خصالِ الفِطرة التي تَدعو إلى طَهارةِ الظَّاهِرِ والبَاطِنِ فقال: "عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ المَاءِ، وَقَصُّ الأظْفَارِ، وَغَسْلُ البَرَاجِمِ، وَنَتفُ الإبْطِ، وَحَلْقُ العَانَةِ، وَانْتِقَاصُ المَاءِ". قَالَ الرَّاوِي: وَنَسِيْتُ العَاشِرَةَ إِلاَّ أنْ تَكُونَ المَضمَضَةُ. رواه مسلم.

إي واللهِ إنِّها فِطَرُ وَسُنَنُ المُرسلينَ، وتَركُ الأخذِ بها إهمالٌ للجسمِ، وتشبُّه بِالمنحَرِفِينَ، فَدِينُنا أَمَرنا بِنَظافَةِ البَدنِ والِّلباسِ والبُقعَةِ، معَ صَفَاءِ القَلبِ وسَلامةِ الصَّدرِ.

تَأَمَّلوا -عبادَ اللهِ- في أُنَاسٍ غيَّروا خَلقَ اللهِ فاستَحسَنُوا القَبَائِحَ وانحرَفُوا عن السُّلُوكِ السَّويِّ، فَصاروا عُراةً أو شِبهَ عُراةٍ يَتَهَارَشُونَ في الطُّرُقاتِ كما البَهائِمِ! لا يعرفونَ مَعروفًا ولا يُنكرونَ مُنكرًا، ولا يَهتدونَ إلى الطُّهرِ وحُسنِ المَنظَرِ سَبِيلاً، حتى انتقلت حُمَّى التَّقليدِ لِبعضِ شبَابِنا فَتَخَنَّثوا في أشكالِهم وألبِسَتِهم وأَصبَاغِهم وحَرَكَاتِهم! وفي صحيح البخاري -رحمه الله- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَعَنَ النَّبِيُّ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ"، وَقَالَ: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ".

قال ابنُ القيِّمِ -رحمه الله-: "وقد أَنزلَ اللهُ على عبادِه الِّلباسَ والزِّينَةَ لِتَجْمُلَ ظَواهِرُهم، وَجَعَلَ لَهم التَّقوى لِتجمُلَ بَواطِنُهم".

 أيُّها المُسلِمونَ: ومِمَّا شَرعَهُ اللهُ لنا وأَمَرَنا بهِ لِطَهارَةِ الظَّاهِرِ والباطن: الطُّهُورُ لِكُلِّ صلاةِ، وقد جَعَلَهُ اللهُ شَطرَ الإيمانِ، وفي المُتَّفَقِ عَلَيْهِ عن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يقول: "أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنهِ شَيْءٌ". قالوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنهِ شَيْءٌ، قَالَ: "فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا".

اللهُ أكبرُ -عبادَ اللهِ-، إنَّهُ حثٌّ وَتَرْغِيبٌ على إتقانِ الوُضُوءِ وإسباغِهِ والإكثارِ منهُ، لِتَحصُلَ على نَظَافَةِ البَدَنِ ونَقَاءَ القَلبِ وصَفَاءِ النَّفسِ.

واعلم -يا رعاكَ اللهُ- أنَّ التَّطهرَ والنَّظافةَ ليست مَقصُورَةً على مَجَامِعِ النَّاسِ فَحسبُ! ولا على مَظهَرِكَ الخارجيِّ فقط! بل حتى في خاصَّةِ نَفسِكِ، فالطَّهارةُ والنَّظافةُ الدَّاخِلِيَّةُ سِرٌّ بينَ نَفْسِكَ وبينَ رَبِّكَ، فوجَبَ عليكَ مُلاحظَتُها، وعدمُ إهمالِها، فمن سُنَنِ الفطرَةِ الاستِحدَادُ، وهو حَلْقُ شَعْرِ العَانَةِ، وألاَّ تُهمَلَ أكثرَ من أربعينَ يَومًا! وألاَّ تَمَسَّ ذَكَرَكَ بِيَمِينِكَ أو تَستنجيَ أو تَستَجمِرَ بِيَمِينِكَ، وأن تَقُومَ بتنظِيفِ الإبطينِ، وتَفَقُّدِ ملابِسِكَ الدَّاخِلِيَّةِ، كُلُّ ذلكَ من التَّربِيَةِ على الطَّهَارَةِ والنَّقاءِ.

عباد اللهِ: هَديُ نَبِيِّنا مُحمَّدٍ أَعدَلُ هَديٍ وأَكمَلُهُ، فَكانَ يَلبَسُ الحَسَن من الثِّيابِ ويُحبُّ البياضَ وَيَتَطَيَّبُ بِالمِسِكِ والعَنبَرِ، وكانَ يُرجِّلُ شَعرَهُ وَيَتَعَاهَدُهُ، واللهُ تعالى "يحبُّ أنْ يَرَى ظُهُورَ أَثَرَ نِعمَتِهِ على عَبدِهِ"، بل كانَ رَسُولُنا يُنكِّر على من قَبُحَ مَنظَرُهُ واتَّسَخَتْ مَلابِسُهُ.

قال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عنهما-: "أتانا رسولُ الله فَرَأَى رَجُلا ثَائِرَ الرَّأْسِ، فقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا يَجِدُ هذا ما يُسَكِّن به شَعْرَه!!".

وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ!!".

حَقَّا "إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ"، فاللهمَّ طهِّر قُلُوبَنا من الشِّركِ والغِلِّ والحِقدِ والحَسَدِ، وطَهِّر أَجسَادَنَا من النَّجَسِ والقَذَرِ، وارزقنا حُسنَ القَولِ والخُلُقِ والعملِ.

وأَستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِسائِرِ المؤمِنينَ، فَاستَغفِرُوهُ، إنَّه هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.  

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الذي فَطَر خَلْقَه على مَا تَستَحسِنُهُ العُقُولُ، وأيَّدَ ذَلكَ بِمَا أَمَرَ وَعَمِلَ بِهِ الرَّسُولُ، نشهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له يَعلَمُ ما نُعلِنُ وما تُخفي الصُّدورُ، ونشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه الشَّافِعُ المُشَفَّعُ يومَ الحَشْرِ والنُّشُورِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ تَبِعهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومٍ يُبعثَرُ ما في القٌبٌورِ.

أمَّا بعدُ:

فَأوصِيكم -عبادَ اللهِ- وَنفْسِي بِتقوى اللهِ تَعالى، فالسَّعيدُ من اتَّقى رَبَّه وأَخَذ لِيومِ الحِسَابِ حِذْرَهُ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

أيُّها المؤمنونَ: لَيست الفَوضى في الِّلباسِ والمَظهَرِ من الإسلامِ في شيءِ.

وبالمُقابِل هُناكَ أناسٌ أَسرَفُوا على أنفُسِهم، فَخَالَفُوا أَمرَ اللهِ وأمرَ رَسُولِهِ، فالإسلامُ يَدعو إلى الجَمَالِ مِن غَيرِ إِسرَافٍ ولا تَكلُّفٍ، فَليسَ مِن الجَمَال إسبالُ المَلابِسِ، أيَّا كانَ نوعها فقد عدَّهُ الرسولُ كِبرًا وخُيلاءً فقَالَ: "لا يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزاره بَطَراً". متفقٌ عَلَيْهِ.

وقَالَ: "مَا أسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزْارِ فَفِي النَّارِ". رواه البخاري. ونهى رسُولُ الله الرِّجالَ عن لُبسِ الحَرِيرِ وعن التَّختُّمِ بالذَّهب وعن لُبسِ ثَوبِ الشُّهرَةِ.

عبادَ اللهِ، يا من رَضِيتم باللهِ ربَّاً وبالإسلامِ دِينَا وبِمُحمَّدِ نبيَّا ورَسُولاً: لَيسَ مِن الجَمَالِ في شَيءٍ حَلقُ الِّلحى وجَزُّها، ومن تَأَمَّلَ قولَ النَّبيِّ وعَمَلَهُ أَدْرَكَ أنَّ حَلقَ الِّلحيَةِ لَيس بِالأَمْرِ الهيِّنِ كَمَا يَظُنُّهُ بَعضُ إِخوانِنَا، نَذكُرُ ذالِكَ ونُذَكِّرُ به لأنَّ البلوى قد عمَّت بِحلْقِها، ولِقِلَّةِ إنكارِنَا فِيمَا بَينَنَا عليها، وإمامُنا يقول: "خالِفُوا المُشركين: وَفِّروا اللِّحى، وأَحْفُوا الشَّوارِبَ".

ومنْ أكرَمَها ظَاهِرا فَحَرِيٌ أنْ يَكونَ مُكرِمًا لها بِأخلاقه وآدابِه لِيتطابقَ المَظهَرُ معَ الجَوهَرِ: "فإِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".

يا مؤمنونَ: إنَّ نقاءَ القَلْبِ من الغِلِّ والحقدِ، والبغي والحسدِ من علاماتِ كمالِ الإيمانِ، وممَّا دعانا إليهِ رَبُّنا في مُحكمِ القرآنِ وربَّانا عليه النَّبيُّ العَدنَانُ، فلا نجاةَ يوم القيامة إلاَّ لِمَنْ سَلِمَ قَلبُهُ من الشِّركِ وطهَّرهُ من الغلِّ، يقول -جلَّ من قائل-: (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

وحين قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟! قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ"، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟! قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ، وَلاَ بَغْيَ، وَلاَ غِلَّ، وَلاَ حَسَدَ". صححَّهُ الألبانيُّ.

حدَّثَ رَسُولُ اللهِ يوماً أصحابَهُ فَقَال: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِفَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ، قَدْ عَلَّقَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ مَرَّتِهِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى، فَتَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَبَاتَ مَعَهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ بِكَثِيرِ عَمَلٍ! فَسَأَلَهُ: مَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ؟! فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ من عَمَلٍ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، قَالَ: فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لا تُطَاقُ" رواه الإمامُ أحمدُ بإسناد صحيح.

ألا فَتَّقُواْ اللَّهَ -يا مؤمنونَ- وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ، وطَهِّروا أيضاً قُلُوبَكَم وقولوا: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِكَ مُحمَّدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم ارزقنا اتباعه ظاهرًا وباطنًا.

اللهمَّ جمِّل بَوَاطِنَنَا بالإخلاص والتقوى، وظَواهِرَنا بالطُّهرِ والنَّقَاءِ والنَّظافَةِ، اللهمَّ طهِّر قُلُوبَنا من النِّفَاقِ وأَعمَالَنا من الرِّياء وألسِنَتَنَا من الكَذِبِ وأَعينَنَا من الخِيانَةِ يا ربَّ العالمينَ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي