فاتقوا الله -عباد الله-، وإياكم والكذب والوقوع في مزالقه واستسهال أمره، كالكذب مازحًا لإضحاك الناس، أو كذب الأم على طفلها أو الكذبة البيضاء أو كذبة أبريل، وليس في الكذب ما هو أبيض، فكله أسود مظلم حالك مهلك يجر الويل والنكبات، فكل هذا حرام، فإن الإسلام لم يرض وسيلة لذلك إلا في حدود الصدق المحض، وإن في الصدق والحلال مندوحة عن الكذب والبعد عن الحرام، قال رسول الله: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له، ويل له، ويل له"...
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله، وعليكم بالصدق والاستمساك بالصدق في كل شأن، وتحرِّي الصدق في كل قضية، والمصير إليه في كل حكم، والالتزام بالصدق مهما كانت الظروف والأحوال، فإن الصدق -أخي المسلم- يعتبر دعامة أساسية في خلق الإنسان المسلم، وصبغة ثابتة في سلوكه، وعلى هذا أمر الله به عباده المؤمنين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
وإن الاعتصام بالله -جل وعلا- والالتزام بالصدق امتثالاً لأمر الله -سبحانه وتعالى- كانت المعالم الأولى للجماعة المسلمة التي رباها معلم البشرية ومرشدها، صدق الحديث، ودقة الأداء، وضبط الكلام، وكانت خصلة الكذب من أوضع الخصال والرذائل، وأمارة من أمارات النفاق المرذولة في المجتمع المسلم، فإن الإنسان المسلم من الرجال والنساء مأمورون بالترفّع عن الكذب الذي يجعل صاحبه يتردّى في حمأة الرّذيلة، بل لم يكن هناك عذر لمن يتّخذ الكذب خلُقًا له حيث قال رسول الله: "يُطبَع المؤمن على الخلال كلِّها إلا الخيانة والكذب"، وكفى به من ضعة وهوان. وقد سئل رسول الله: أيكون المؤمن جبانًا؟! قال: "نعم"، قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟! قال: "نعم"، قيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟! قال: "لا".
وهذا لا يعني -رحمكم الله- تسويغ البخل أو تهوين الجبن، ولكنها إشارة لبيان بعض نوازع الضعف البشري التي تخامر الإنسان، ولكنه بعد ذلك يتغلب عليها، كما أنها إشارة لخطر الكذب، وأنه من أقبح المنكرات التي تسلخ من اتّصف بها من المجتمع الإسلامي، وتجعله في مصافّ المنافقين، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، بل وأخطر من ذلك على الكاذب قول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ) [النحل:105]، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
فاتقوا الله -عباد الله-، وإياكم والكذب والوقوع في مزالقه واستسهال أمره، كالكذب مازحًا لإضحاك الناس، أو كذب الأم على طفلها أو الكذبة البيضاء أو كذبة أبريل، وليس في الكذب ما هو أبيض، فكله أسود مظلم حالك مهلك يجر الويل والنكبات، فكل هذا حرام، فإن الإسلام لم يرض وسيلة لذلك إلا في حدود الصدق المحض، وإن في الصدق والحلال مندوحة عن الكذب والبعد عن الحرام، قال رسول الله: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له، ويل له، ويل له"، كررها لعظم شأن الأمر وخطورته، وعن أسماء بنت يزيد قالت: يا رسول الله: إن قالت إحدانا بشيء تشتهيه: لا أشتهيه، يعد ذلك كذبًا؟! قال: "إن الكذب يكتب كذبًا حتى تكتب الكذيبة كذيبة".
فلتتق الله كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر بأن لا تكذب، وأن تربي أولادها على الصدق والبعد عن الكذب.
فالحذر الحذر -أيها المسلمون- من التردي والوقوع في حبائل الكذب والتلوث به في أي شكل من أشكاله، واعلموا أن مدح الناس والمبالغة في الثناء عليهم ضرب من الكذب المحرم، والحيف في الشهادة من أشنع الكذب، فما عليك -أخي المسلم- إلا أن تزن كلامك قبل التحدث به، فتتحرى الصدق مهما هجس في نفسك من المخاوف، فالجدير بالمسلم أن يكون شجاعًا فيقول الصدق مهما كانت نتائجه، فإن رسول الله يقول: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا".
إن الصدق درجة عالية، يرفع صاحبه إلى مصاف الصديقين فيفوز بالجنة، وإن الكذب يورث المهالك والخسران المبين.
واعلموا -أيها الناس- أن الصدق في الأقوال يؤدي بصاحبه إلى الصدق في الأعمال والصلاح في الأحوال، ثم يكون مآله أحسن وأفضل وأعظم مآل، وإن حرص الإنسان على التزام الصدق في أقواله يكون سببًا في صلاح أعماله، ويجعل الحق يسطع على قلبه وفكره، ويضمن فوزه في الدنيا والآخرة، ويوفقه خالقه -جل وعلا- إلى سداد القول وطيب الكلام، ولذلك يقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70، 71]، أكرم به من قول، وأعظِم به من فوز!!
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بالتزام الصدق الذي هو قمة في الإسلام ودرجة الرشد والخير التي لا يرقى إليها إلا أولو العزم من الرجال، والابتعاد عن رذيلة الكذب والإدمان عليه، ففيه ضياع الإيمان، وهو خسارة فادحة في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ) [النحل:105].
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله، واعلموا أن معلم البشرية وهاديها -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى أمته بغرس فضيلة الصدق في نفوس أطفالها، حتى تتأصل في نفوسهم ويشبوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأفعالهم من خلال البيئة التي يتربون فيها والمجتمع الذي يعيشون فيه، وعلى الأم بالذات مسؤولية عظيمة إن أحسنت القيام في بيتها في تنشئة أطفالها على الصدق، فعن عبد الله بن عامر قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أردت أن تعطيه؟!"، قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنكِ لو لم تعطيه شيئًا كتبت عليك كذبة".
خذي -أيتها المرأة- درسًا، واغرسي الصدق في أولادك غرسًا، وحذار من تعويدهم على الكذب أو السكوت عليهم أو مجاراتهم فيه مهما تكن الظروف، والأم راعية مسوولة أمام الله -جل وعلا-.
فانظروا -عباد الله- كيف يعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأهل تنشئةَ الأولاد على الصدق، والتنزه عن الكذب الشين البشع -أعاذنا الله منه-.
وللأسف الشديد فإن الآباء والأمهات لم يأخذوا بوصية نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، بل عملوا بخلافها؛ فهم يكذبون أمام أطفالهم، ويكذبون عليهم، بل يستخدمونهم أحيانًا ليكذبوا على ألسنتهم إلا ما شاء الله، ونعوذ بالله من الكذب سره وعلنه، ظاهره وباطنه ومزحه.
فعليكم -عباد الله- بالعودة إلى مصدر دينكم وعزتكم، والأخذ بوصايا نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فألزموا أنفسكم بالصدق، وربوا أولادكم على الصدق كذلك، فإن الصدق هو قمة الخير ونجاح الأمم، وقد جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا".
فاتق الله -أخي المسلم- واتقي الله -أيتها المسلمة- في الكذب بصفة عامّة، وكفى بالمرء إثمًا أن يحدث أخاه حديثًا هو له مصدّق وهو فيه كاذب، عياذًا بالله، والله المستعان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي