وقد أدرك العلماء والعقلاء أثر الصاحب على صاحبه، فحثوا على صحبة الأخيار، وحذروا من صحبة الأشرار؛ قال مالك بن دينار -رحمه الله-: "إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الحلوى مع الأشرار"، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "لصاحب صالح خير من الوحدة، والوحدة خير من صاحب السوء". ومن كلام علي -رضي الله عنه-:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، واعلموا أن الله تعالى لنافذ قدرته، وبالغ حكمته، خلق الخلق بتدبيره وفطرهم بتقديره، فكان من لطيف ما دبَّر وبديع ما قدر، أن خلق الإنسان مطبوعاً على الافتقار إلى جنسه، راغباً في مصاحبة من هم على شاكلته، ميالاً إلى مخالطة أفراد نوعه ومجالسة بني جلدته.
وقد جاءت شريعة أحكم الحاكمين ملبية لهذه الحاجة الفطرية التي يصلح بها معاش الناس ومعادهم، ولكنها بينت أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان، فحثت على صحبة المتقين الأبرار، ونهت وحذرت عن صحبة أهل المعاصي والأشرار، وذلك لما للأصحاب من أثر على دينه وعقله وخلقه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
وقد أدرك العلماء والعقلاء أثر الصاحب على صاحبه، فحثوا على صحبة الأخيار، وحذروا من صحبة الأشرار؛ قال مالك بن دينار -رحمه الله-: "إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الحلوى مع الأشرار"، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "لصاحب صالح خير من الوحدة، والوحدة خير من صاحب السوء". ومن كلام علي -رضي الله عنه-:
فلا تصحب أخا الجهل *** وإيـاك وإيـاه
فكم من جاهل أردى *** حليماً حين يلقاه
يقـاس المـرء بالمرء *** إذا مـا هو ماشاه
أيها المؤمنون: الزموا صحبة الأخيار ومودة المتقين الأبرار الذين تزيدكم صحبتهم استقامة وصلاحاً، فإن صحبة هؤلاء تورث الخير في الدنيا والآخرة، ولها ثمرات طيبة، وآثار مباركة؛ ولذا أمر الله سبحانه نبيه بها، فقال -جل ذكره-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً).
فمن ثمار صحبة الأخيار: ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة"، فأنت لا تعدم من جليس صالح خيراً.
ومن ثمار صحبة الأخيار: أن حضور مجالس الخير معهم سبب لمغفرة الذنوب، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في الحديث الطويل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر"، وفي الحديث أن الله -سبحانه وتعالى- يسألهم عن مجالس هؤلاء وما يقولون فيها، فتقول الملائكة: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول الله في آخر الحديث: "أشهدكم أني قد غفرت لهم"، قال: فيقول ملك من الملائكة: فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول الله -تبارك وتعالى-: "وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
فلله ما أعظم صحبة الأخيار وأطيب عاقبتها!
أيها المؤمنون: إن من ثمار صحبة الأخيار: محبتهم، ومحبتهم سبب لمشاركتهم في خير الدنيا ونعيم الآخرة، ففي الصحيحين عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم؟! قال: -صلى الله عليه وسلم-: "المرء مع من أحب".
ومن ثمار صحبة الأبرار: التأثر بهم والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله"، وقد صدق القائل:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم *** ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
ومن ثمار صحبة الطيبين: أنها تذكره بالله تعالى، فيفيده ذلك في عقله ودينه؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذكر الله"، فرؤية الأبرار تذكّر بالله، فكيف بمصاحبتهم ومجالستهم؟! قال بعض السلف: "إن كنت لألقى الرجل من إخواني فأكون بلقياه عاقلاً أياماً"، وقال آخر: "كنت أنظر إلى أخ من إخواني فأعمل على رؤيته شهراً".
ومن ثمار صحبة هؤلاء: ما قاله علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "عليكم بالإخوان؛ فإنهم عدة في الدنيا والآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)". فمن فوائد صحبة المؤمنين الأخيار: ما حدث به النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المؤمنين بعد اجتيازهم للصراط: "حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحدٍ بأشدَّ مُناشَدَةً لله في استقصاء الحق من الله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتُحَرَّم على صورهم النار، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه".
فالله أكبر!! ما أعظم الصحبة الطيبة وأحسن عاقبتها! وما أكثر فوائدها وأطيب ثمارها! ولو لم يكن فيها إلا أنها سبب للخروج من النار لكان ذلك كافياً في الحرص عليها والاستكثار منها.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا مصاحبة الفساق وأهل المعاصي والأشرار، الذين يزينون لكم معصية الله تعالى، ويعينونكم على تضييع حقوق الله تعالى بارتكاب المعاصي وترك الواجبات.
احذروا هؤلاء أشد الحذر؛ فإنهم قطاع طريق الهداية، يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، فعن المسيب -رضي الله عنه- قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أي عم: قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وصاحبه: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه ويعودان في تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. نعوذ بالله من الخذلان ومن جلساء السوء.
فانظر -بارك الله فيك -كيف أثّر جليسا السوء على هذا حتى حالا بينه وبين الجنة وأسلماه إلى النار والعياذ بالله، فاحذروا -أيها المؤمنون- جلساء السوء فإنهم لا يقر لهم قرار، ولا تسكن لهم ساكنة حتى يوقعوكم في معصية الله تعالى ويورطوكم في ترك ما فرض الله عليكم، فصحبة الفساق والأشرار قطعة من النار تعقب الضغائن، وتورث الحسرات وتجرئ على المعاصي والسيئات، قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً).
فليحذر كل واحد منا صغيراً أو كبيراً مصاحبة أهل السوء والريب، فإن الصاحب ساحب والطبع سراق.
ولا يغرنّك من أصحاب السوء وأهل المعاصي طيب معشرهم أو حلاوة ألسنتهم، فالماء قد يصفو منظره وطعمه خبيث، قال الأول:
ألم تر أن الماء يخبث طعمه *** وإن كان لون الماء أبيض صافيًا
قال الشيخ عبد الرحمن السعديُ -رحمه الله-: "بالجملة فمصاحبة الأشرار مضرة من جميع الوجوه على من صاحبهم، وشر على من خالطهم، فكم هلك بسببهم أقوام! وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون". انتهى كلامه -رحمه الله-.
فاحذروا -أيها المؤمنون- مصاحبة هؤلاء في أنفسكم، وجنبوا أولادكم وأهليكم مصاحبة أهل الشر البطالين؛ فإنهم أكبر أسباب ضياعهم وفسادهم.
اللهم إنا نسألك أن تجنبنا الشر وأهله، وأن تحفظنا من المعاصي وأهلها.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي