قبلَ مائةِ عامٍ تقريباً، لم تكن امرأةٌ مُسلِمةٌ على وجهِ الأرضِ تكشِفُ وجهَها، والصُّورُ الموجودةُ للمسلمينَ في الهندِ وألبانيا ودولُ شمالِ أفريقيا وتركيا والشامُ، فضْلاً عن جزيرةِ العربِ كلُّها تشهدُ بذلك، حتى في الأندلسِ؛ كما قالَ أبو حيَّانِ الأندَلسي في البحرِ المُحيطِ: "وكذا عادةُ أهلِ الأندلسِ لا يَظهرُ من المرأةِ إلا عينَها". بل حركاتِ التحريرِ؛ كما يزعمونَ والتي يفتخرونَ بها، تُثبتُ أن النِّساءَ كُنَّ مُستَتراتٍ مُتحجِّباتٍ، حتى...
الحمدُ للهِ الذي خصَّنا بخيرِ رسلِه، وأنزلَ علينا أكرمَ كُتبِه، وشرعَ لنا أكملَ شرائعِه، أحمدُه سبحانه وأشكرُه، لا أُحصي ثناءً عليه، أكملَ لنا الدِّينَ، وأتمَّ علينا النعمةَ، فقالَ جَلَّ مِنْ قائلٍ كريمٍ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ.
أما بعد:
(وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
جاءَ في السيرةِ: أَنّ امْرَأَةً مِنْ المُسْلِمينَ قَدِمَتْ بشيءٍ تُريدُ أن تبيعَه بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ يَهُوديٍّ بالسُّوقِ، فَجَعَل اليَهُودُ يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ المُسْلِمةُ، فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ عَورتُها، فَضَحِكُوا منهَا، فَصَاحَتْ؛ فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ؛ فحَاصَرَهم رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَالَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ؛ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْسِلْنِي" وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-، حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلاً، ثُمّ قَالَ: "وَيْحَك أَرْسِلْنِي" قَالَ: لا وَاَللّهِ لا أُرْسِلْكَ حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ، أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ دَارِعٍ، قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هُمْ لَك".
فأنزلَ اللهُ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)[المائدة: 51-52].
ولا زالَ الكُفَّارُ وأتباعُهم من المنافقينَ يتآمرونَ، ويَسْعَونَ سعيَّاً حَثِيثاً؛ لِكَشفِ وَجْهِ المرأةِ المُسلمةِ.
ولكنَّ أذكياءَهم استفادوا من درسِ غَزوةِ بني قَيْنُقَاعَ بأنَّ القوَّةَ لَيستْ هي الطَّريقةُ الصَّحيحةُ في نَشرِ السُفورِ في بلادِ المُسلمينَ؛ فأصبحوا يُفَكِّرونَ في الطُّرقِ المُناسبةِ في جَعلِ كَشفِ المرأةِ المُسلمةِ لوجهِها ثَقافةً شائعةً، تقتنعُ بها المرأةُ، ويرضى بها الوَليُّ، ويَقْبَلُ بها المُجتمعُ: (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم: 46].
فمن خُطَطِهم الخَبيثةِ: التَّدَرجُ في نَشرِ صُوَرِ المُسلماتِ السَّافِراتِ في الإعلامِ العَربيِّ، حتى لا يَشعرُ المُجتمعُ المُسلمُ بهذا التَّغيير؛ لأنه يُنكرُ ذلك، حتى إذا سرى هذا الوباءُ الخطيرُ في جسدِ الإعلامِ لا يَجدُ الناسُ بعد ذلك إلا الرضا التسليمَ.
بل يأتي زمانٌ يُنتَقدُ فيه من أنكرَ ظهورَ المرأةِ كاشِفةً وجهَها في الإعلامِ، وهذه من شُيوعِ المُنكراتِ؛ كما في قولِه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النــور: 19].
فقَلِّبْ بَصرَك في إعلامِنا العربيِّ صَحافةً وتلفزيوناً ترى العَجَبَ العُجَابِ؛ فلم يقتصرْ الأمرُ على كَشْفِ وُجوهِ النِّساءِ، بل وصلَ إلى مَرحلةٍ لم يكن يتوَقَّعُها الأعداءُ.
ومن أفكارِهم الشَّيطانيَّةِ: إظهارُ صُورِ الكاشِفاتِ المَشهوراتِ في الإعلامٍ في بمناسبةٍ وغيرِ مناسبةٍ؛ فمرةً في حفلِ تكريمٍ، ومرةً في لِقاءٍ صحفيٍّ، ومرةً في مؤتَمرٍ رسميٍّ، ومرةً في اجتماعٍ إداريٍّ، والأعظمُ من ذلك هو إيهامُ الفتياتِ أن هؤلاءِ هُنَّ القُدُوَاتِ، وكأنَّه لا طريقَ للنَّجاحِ والشُّهرةِ إلا بخَلعِ النِّقابِ، وتَخفيفِ الحِجابِ.
والأعظمُ من ذلك والأكبرُ، حينما يُريدونَ أن يُضيفوا لكشفِ الوجهِ صِبغةً دينيَّةً، ويقولوا: إن تغطيةَ الوجهِ من العاداتِ والتقاليدِ، وليستْ من الدِّينِ في شيءٍ، والبعضُ يأتي بما يَزعمُ أنَّه خِلافٌ للعُلَماءِ.
وإليكم البيانُ -أيها العُقلاءُ-:
قبلَ مائةِ عامٍ تقريباً، لم تكن امرأةٌ مُسلِمةٌ على وجهِ الأرضِ تكشِفُ وجهَها، والصُّورُ الموجودةُ للمسلمينَ في الهندِ وألبانيا ودولُ شمالِ أفريقيا وتركيا والشامُ، فضْلاً عن جزيرةِ العربِ كلُّها تشهدُ بذلك، حتى في الأندلسِ؛ كما قالَ أبو حيَّانِ الأندَلسي في البحرِ المُحيطِ: "وكذا عادةُ أهلِ الأندلسِ لا يَظهرُ من المرأةِ إلا عينَها".
بل حركاتِ التحريرِ؛ كما يزعمونَ والتي يفتخرونَ بها، تُثبتُ أن النِّساءَ كُنَّ مُستَتراتٍ مُتحجِّباتٍ، حتى جاءَ من خدعَهنَّ في نزعِ الحِجابِ وكشفِ الوجهِ؛ يقولُ ابنُ حجرٍ -رحمه الله- المُتوَفى سنةَ اثنتينِ وخمسينَ وثمانِمائةٍ: "وَلَمْ تَزَلْ عَادَةُ النِّسَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَسْتُرْنَ وُجُوهَهَنَّ عَنِ الْأَجَانِبِ".
ثم اسمعْ إلى قولِ اللهُ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب: 59].
يقولُ ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- تُرجمانِ القُرآنِ: "أَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فِي حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُؤوسِهِنَّ بِالْجَلَابِيبِ وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَةً".
يقولُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ -رضي الله عنه-: "خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَذَكَرْتُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: "هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟" قُلْتُ: لا، قَالَ: "فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا" فَأَتَيْتُهَا وَعِنْدَهَا أَبَوَاهَا، وَهِيَ فِي خِدْرِهَا، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، قَالَ: فَسَكَتَا، قَالَ: فَرَفَعَتِ الْجَارِيَةُ جَانِبَ الْخِدْرِ، فَقَالَتْ: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ أي أجعلكَ في حَرَجٍ وإثمٍ-، إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلِيَّ لَمَا نَظَرْتَ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَأْمُرْكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلِيَّ، فَلا تَنْظُرْ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَزَوَّجْتُهَا، قَالَ: فَمَا وَقَعَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ بِمَنْزِلَتِهَا".
فلو كانَ كشفُ الوجهِ جائزاً، فلماذا هذا السكوتُ من الوالدينِ عندما أخبرَهما أنه يريدُ النظرَ إلى وجهِ ابنتِهم؟
ولماذا قالتْ: إنك في إثمٍ لو نظرتَ إلى وجهي ولم يكن أمرَك رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟.
وقد يقولُ قائلٌ: هذه الجاريةُ في خُدْرِها لا تخرجُ من البيتِ فهي تستحي!.
فنقولُ: اسمع لقصةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَرَى مِنْهَا مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَفْعَلْ".
قَالَ جَابِرٌ: فَلَقَدْ خَطَبْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ أَيْ أَخْتَفِي فِي أُصُولِ النَّخْلِ، حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا يُعْجِبُنِي فَخَطَبْتُهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا، فها هو يختفي لها في البُستانِ الذي تخرجُ إليه، وتضعُ حجابَها فيه لأمنِها من وجودِ الرِّجالِ الأجانبِ حتى رأى وجهَها؛ فلماذا هذا الاختباءُ، لو كانت تمشي دونَ غِطاءٍ؟.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: "يُرْخِينَ شِبْرًا" فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ؟ قَالَ: "فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ".
فيا أيها الفُضلاءُ: أيُعقلُ أن شرعاً يأمرُ بتغطيَّةِ أقدامِ النساءِ حتى لا يراها الرِّجال، ثم يسمحُ بكشفِ وجهٍ اجتمعت فيه صِفاتُ الجَمالِ؟
وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- في قولِه تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)[النــور: 31].
هُوَ أَنْ تَقْرَع َالخَلْخَالَ بِالْآخَرِ عِنْد الرِّجَالِ، وَيَكُونُ فِي رِجْلَيْهَا خَلَاخِلُ فَتُحَرِّكهُنَّ عِنْد الرِّجَال، فَنَهَى اللَّه -سبحانه وتعالى- عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ.
فيا أيها العُقلاءُ: إذا كانَ إظهارُ صوتِ الخَلخالِ المَستورِ ممنوعاً عندَ الرِّجالِ الأغرابِ، فكيفَ بإظهارِ الوجهِ وما فيه من الحُسنِ الذي يَذهبُ بالألبابِ؟.
إذا لم يكن النِّقابُ موجوداً في عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فلماذا قال: "لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ".
ألا يدلُ ذلك أن عادةَ المرأةِ أنها تنتقبُ في ذلك الزمانِ، ومع ذلك تُغطي وجهَها وهي مُحرمةٌ عن الرِّجالِ بغيرِ النِّقابِ؛ تقولُ عائشةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ".
والأدلةُ في ذلك كثيرةٌ.
وما استدلَ به المُخالفُ فبعضهُ قبلَ فرضِ الحجابِ في السَّنةِ الخامسةِ، وبعضه صحيحٌ غيرُ صريحٍ في كشفِ الوجهِ، وبعضه صريحٌ غيرُ صحيحٍ.
ومن نظرَ إلى الواقعِ عرفَ خُطورةِ كشفِ المرأةِ لوجهِها، وما يؤدي إلى نتائجَ مُحزنةٍ، وعواقبَ وَخيمةٍ، وأضرارٍ خطيرةٍ على المرأةِ والرَّجلِ والمُجتمَعاتِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحمدُ للهِ الذي حرَّمَ الفسادَ في الأرضِ ونهى عن اتِّباعِ خُطواتِ الشيطانِ، أحمدُه سبحانه يدعو إلى دارِ السَّلامِ، ويبشِّرُ المتّقينَ بنزولِ رَفيعِ الجِنانِ.
وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، نصحَ الأمَّةَ وحذَّرَها مِن أسبابِ الخيبَةِ والخُسرانِ، وسَخطِ الرحمنِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى آلهِ وصحبِه والتابعينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ.
أما بعد:
فمن يتأمل في آيةِ الحجابِ في سورةِ الأحزابِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب: 59].
ثم يأتي بعدَها مباشرةً قولُه تعالى: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا)[الأحزاب: 60-61].
سيعلمُ ذلك الترابطَ العجيبَ، بينَ الحجابِ والمنافقينَ؛ وأنَّه متى وُجدَ الحجابُ في زمانٍ أو مكانٍ، كانَ للمنافقينَ فيه مَكرٌ وكَيدٌ وبُهتانٌ؛ لذلك جاءِ الوعيدُ: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ .. لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) [الأحزاب: 60].
ومن تَدَّبرَ قولَه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النــور: 19].
ثم يأتي بعدَها قولُه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النــور: 21].
عَرَفَ أن إشاعةَ الفواحشِ في المُجتمعاتِ، يَصلُ إليه الشَّيطانُ وأتباعُه من خِلالِ خُطُواتٍ.
ومن قرأَ التاريخَ: عَلِم أن أولَ الخُطُواتِ هو كشفُ وجهِ المرأةِ.
يقولُ الشيخُ عليٌ الطنطاوي -رحمه الله تعالى-: "كانَ أعداءُ الحِجابِ يقولونَ أنَّ اللِّواطَ والسِّحاقَ، وتلك الانحرافاتِ الجنسيةَ سببُها حَجبُ النِّساءِ، ولو مَزَّقتُم هذا الحجابَ وألقيتموه لخلَصْتُم منها، ورَجعتُم إلى الطَّريقِ القَويمِ، وكنَّا من غفلتِنا ومن صفاءِ نُفوسِنا نُصدِّقُهم، ثم لما عرفناهم وخبرَنا خَبرَهم، ظَهرَ لنا أن القائلينَ بهذا أكذبُ من مُسيلمةَ، فإن كانَ الحجابُ مصدرَ هذا الشذوذِ، فَخبِّروني هل نساءُ ألمانيا وبريطانيا محجباتٍ الحجابَ الشرعيَ؟ فكيفَ إذن نرى هذا الشذوذَ منتشراً فيهم حتى سَنُّوا قانوناً يجعلُه من المباحاتِ؟".
كلماتٌ صادِقاتٌ من عالِمٍ عاصرَ أجيالاً وأحوالاً.
وإذا كانَ يُحزنُنا انخداعَ بعضِ الفَتيَّاتِ بما يُثيرُه أهلُ النِّفاقِ حولَ الحجابِ من شُبُهاتٍ، نفرحُ بالعَودةِ القوِّيةِ للحِجابِ حولَ العالَم رغمَ كثرةِ الصُّعوباتٍ، وشِدَّةِ العُقوباتِ.
اللهم احفظَ نساءَ المسلمينَ من كُلِّ شرٍ.
اللهم اجعلهنَّ مُستَتراتٍ قانتاتٍ تائباتٍ.
اللهم عليك بالمنافقينَ الذين يُفسدونَ في الأرضِ ولا يُصلحونَ.
اللهم اهتك سترَهم، وافضح سرَّهم، وأبطل كيدَهم، وفرِّق كلمَتهم، اللهم لا تحقق لهم غايةً، ولا ترفع لهم رايةً.
اللهم أصلح ولاةَ أمرِنا، واجمع كلمتَهم، ووفِّقهم لكلِ خيرٍ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي