أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَفِي الحَدِيثِ العَظِيمِ: بَيَانُ الإِيمَانِ، وَهُوَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِن مَرَاتِبِ الدِّينِ، وَالْمُرَادِ بِهِ هُنَا: اعْتَقَادُ القَلْبِ الذِي يَتْبَعُهُ عَمَلُ الْجَوَارِحِ، فالإِيمَانُ سِتَّةُ أَرْكَانٍ، وَنُوقِنُ بِهَا تَمَامَاً مِن غَيْرِ شَكٍّ؛ لأَنَّ الإِيمَانَ لا يَصِحُّ مَعَ الشَّكِ أَبَدَاً، فَنُؤْمِنُ بِاللهِ، وَنُؤْمِنُ بِمَلائِكَتِه الْكِرامِ، وُهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، فِي مَنَازِلَ عَالِيَةٍ وَمقَامَاتٍ سَامِيَةٍ، وَهُمْ لَهُ فِي غَايَةِ الطَّاعَةِ قَوْلاً وَفِعْلاً، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ، خَلَقَهُم اللهُ مِن نُورٍ، لَهُمْ وَظِيفَةٌ عَامَّةٌ، هِيَ: الْعِبَادَةُ، وَبَعْضُهُمْ نَعْرِفُ لَهُ، وَظَائِفَ خَاصَّةً؛ كَ...
الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار، العَزِيزِ الغَفَّار، مُكَوِّرِ النَّهَارِ عَلَى اللَّيْلِ وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَار، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ الوَاحِدُ الجَبَّار، غَلَبَ كُلَّ ظَالِمٍ مُتَجَبِّرٍ وَأَذَلَّ كُلَّ كَفُورٍ خَتَّار، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسَولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْبَرَرَةِ الأَخْيَار، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَار.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوْا اللهَ -أَيُّها الْمُسْلِمُوْنَ-: وَاسَّتَعِدُّوْا لِلِقَائِهِ بِالْعَمَلِ بِمَرْضَاتِه، وَمَعْرِفَةِ دِيْنِهِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيْحِ، فَنَحْنُ مَا خُلِقْنَا إِلَّا لِذَلِكَ، قَالَ اللهُ -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
وَإِنَّ مِنْ أَجْمَعِ الْأَحَادِيْثِ النَّبَوِيَّةِ حَدِيْثًا يَكَادُ يَحْوِي كُلَّ مَا يَحْتَاجُهُ الْعَبَدُ فِي الْعَقِيْدَةِ وَالْعَمَلِ، إِنَّه حَدِيْثُ جِبْرِيْلَ الْمَشْهُوْرِ!.
فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يعني: جالسين حوله يتعلمون العلم ويتلقون القرآن- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ -كهيئة جلوس التشهد وهذا من التأدب في مجالس العلم، وهكذا ينبغي لنا إذا حضرنا مجالس العلم والذكر فنتأدب، وهذا من أسباب تحصيل بركة العلم-.
وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الإِسْلامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً".
قَالَ: صَدَقْتَ! قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ
- تعجب الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأن العادة أن الذي يسأل عن شيء لا يكون عنده عنه علم، لكن هذا الرجل يسأل ويصدقُ الجوابَ!-.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟
قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ".
قَالَ: صَدَقْتَ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟
قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ".
-هذا هو المرتبة الثالثة من مراتب الدين وهو مرتبتان الأولى: مرتبة الرغبة أو الطلب، فيتعبد الإنسان كأنه يرى ربه فيحب أن يصل إلى مرضاته سبحانه، والثانية: مرتبة الخوف والهرب فيتعبد لله خوفاً من عقابه-
قالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ -يعني: متى تقوم؟ والساعة هي: القيامة وفي رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - الصحيحين أنه قال: متى الساعة؟-
قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ".
- يعني: لست أعلم متى تقوم كما أنك أنت لا تدري ذلك؛ لأنه لا يعلم متى تقوم القيامة إلا الله قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)[لقمان: 34] فمن ادعى معرفة علم الساعة فهو مكذب للقرآن والسنة!-
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟
-يعني: علاماتها التي تدل على قرب وقوعها!-.
قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا".
- قيل في معنى هذه الجملة: إن هذا كناية عن كثرة الفتوحات الإسلامية حتى يكثر التسري - أي كثرة الإماء- فتلد الأمة بنتاً فتكون سيدة أمها لأنها بمنزلة أبيها وهو سيد هذه الأمة، وقيل: إن هذا كناية عن العقوق حتى تعامل الفتاة أمها بقسوة كما تعامل المملوكة، وقيل غير ذلك!-.
"وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ".
-المراد أن بالعالة: الفقراء، ومعناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة يترفون وتبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان!-.
قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا.
-أي: وقتاً طويلاً، جاء في روايةٍ: ثلاثة أيام!-.
ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ! أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟".
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"[رواه مسلم].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لا يَكَادُ يَتْرُكُ شَيْئاً، فَقَدْ بَيَّنَ فِيهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَرْكَانَ الإِسْلامِ وَأَرْكَانَ الإِيمَانِ، وَبَيَّنَ الإِحْسَانَ!.
فَدِينُنُا الإِسْلامُ: إِقْرَارٌ بِتَوْحِيدِ اللهِ -عز وجل-، وَأَنَّهُ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلا اللهَ -عز وجل- وَحْدَهُ، وَهَذا هُوَ مَعْنَى كَلِمَةِ: "لا إِلَهَ إِلا اللهُ" وَهُوُ إِفْرَادُ اللهِ -سبحانه- بِالعِبِادَةِ، وَهَذَا هُوَ الأَمْرُ العَظِيمُ الذِي جَاءَتْ بِتَقْرِيرِهِ الرُّسُلُ -عليهم السلام-، قَالَ اللهُ -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25].
ثُمَّ نُقِرُّ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ اللَائِقِ بِهِ سبحانه، وَنَحْذَرُ التَّأْوِيلَ أَوْ النَّفْيَ لِصِفَاتِ اللهِ، وَنُقِرُّ بِرُبُوبِيِّتِهِ للْخَلْقِ أَجْمَعينَ، وَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُّ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْمُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ، وَمَنْ سِوَى اللهِ فُهُوَ مَخْلُوقٌ مَرْبَوبٌ ضَعِيفٌ عَاجِزٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى اللهِ فِي إِعْدَادِهِ وَإِمْدَادِهِ!.
ثُمَّ نَشْهَدُ للنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- بِالرِّسَالَةِ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقَّاً وَنَبِيُّ اللهِ صِدْقَاً، رَسُولٌ لا يُكَذَّبُ، وَعَبْدٌ لا يُعْبَدُ، بَلَّغَ الرِّسَالةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، فَمَن اتَّبَعَهُ نَجَا وَمَنْ خَالَفَهُ هَلَكَ!.
وَنُقِيمُ الصَّلاةَ؛ إقِاَمَةً صَحِيحَةً، بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا، فَنَتَوَضَّأُ لَهَا الوُضَوءَ الشَّرْعِيَّ؛ لأَنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ صَلاةَ مَنْ أَحَدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ.
وَنُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا؛ لأَنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابَاً مَوْقُوتَاً، أَيْ: مَفْرُوضَاً فِي الأَوْقَاتِ، فَكَمَا لا يَصِحُّ الحَجُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، فَكَذَلِكَ لا تَجُوزُ الصَّلاةُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا!.
وَمَنْ أَخَّرَهَا حتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ صَحِيحٍ، فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، حتَّى إِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: "إِنَّهُ يَكْفُرُ الْكُفْرَ الأَكْبَرَ".
- هذا قول الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-. وأما شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله- فيرى أنه لا يكفر حتى يتركها بالكلية.
ثُمَّ نُقِيمُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسَاجِدِ سَواءٌ فِي ذَلِكَ الْفَجْرُ أَوْ الْعَصْرُ أَوْ غَيْرُهِمَا! .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَنُؤَدِّي زَكَاةَ أَمْوَالِنَا طَيَّبَةً بِهَا نُفُوسُنَا طَاهِرَةً لَهَا قُلُوبُنَا وَنُخْرِجُهَا مِنْ الأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ، وَهِيَ: بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ وَالحُبُوبُ وَالثِّمَارُ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَنُخْرِجُهَا عَلَى الوَجْهِ الشَّرْعِي، وَلا نَتَهَاوَنُ فِي إِخْرَاجِهَا، أَوْ نَبْخَلُ بِهَا؛ لأَنَّنَا وَاثِقُونَ بِأَنَّ رَبَّنَا يُخْلِفُنَا خَيْراً مِمَّا أَخْرَجْنَا مِن أَجْلِهِ، فَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مَالٍ.
ثُمَّ نَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَنَحُجُّ بَيْتَ اللهِ الْحَرَامَ عَلَى وِفْقِ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّريِعَةُ الْمُطَهَّرَةُ!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَفِي الحَدِيثِ العَظِيمِ: بَيَانُ الإِيمَانِ، وَهُوَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِن مَرَاتِبِ الدِّينِ، وَالْمُرَادِ بِهِ هُنَا: اعْتَقَادُ القَلْبِ الذِي يَتْبَعُهُ عَمَلُ الْجَوَارِحِ، فالإِيمَانُ سِتَّةُ أَرْكَانٍ، وَنُوقِنُ بِهَا تَمَامَاً مِن غَيْرِ شَكٍّ؛ لأَنَّ الإِيمَانَ لا يَصِحُّ مَعَ الشَّكِ أَبَدَاً، فَنُؤْمِنُ بِاللهِ، وَنُؤْمِنُ بِمَلائِكَتِه الْكِرامِ، وُهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، فِي مَنَازِلَ عَالِيَةٍ وَمقَامَاتٍ سَامِيَةٍ، وَهُمْ لَهُ فِي غَايَةِ الطَّاعَةِ قَوْلاً وَفِعْلاً، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ، خَلَقَهُم اللهُ مِن نُورٍ، لَهُمْ وَظِيفَةٌ عَامَّةٌ، هِيَ: الْعِبَادَةُ، وَبَعْضُهُمْ نَعْرِفُ لَهُ، وَظَائِفَ خَاصَّةً؛ كَجِبْرِيلَ -عليه السلام- أَمِينِ الوَحْيِ، وَإِسْرَافِيلَ يَنْفُخُ فِي الصُّورِ، وَمَالِكٍ خَازِنِ جَهَنَّمَ.
وَهُنَاكَ مَلائِكَةٌ حَفَظَةٌ عَلَى النَّاسِ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَهُم، وَيَحْفَظُونَهُم مِن الشُّرُورِ -بِإِذْنِ اللهِ-، فَنُحِبُّهُم وَنَحْتَرِمُهُم، وَلَكِن نَعْلَمُ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ مِثْلُنَا لَيْسَ لَهَمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ، وَلا يَسْتَحِقُّونَ مِن العِبَادَةِ شَيْئاً!.
وَنُؤْمِنُ بِالرُّسُلِ -عليهم السلام-، وَنُؤْمُنُ بِالكُتُبِ، وَأَنَّ اللهَ أَرَسَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً، وَأَعْطَى كُلَّ رَسُولٍ كِتَابَاً كَانَ فِيهِ صَلاحُ قَوْمِهِ، وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُونَهُ فِي أَمْرِ دِينِهِم وَدُنْيَاهُم.
وَقَدْ نُسِخَتْ تِلْكَ الكُتُبُ بِالقُرْآنِ، وَخُتِمَتِ الرُّسُلُ -عليهم السلام- بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.
أَيَّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَكَذَلِكَ فَنَحْنُ نُصَّدِّقُ يَقِينَاً بِاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِكُلِّ مَا جَاءَ فِي القُرْآنِ، أَوْ صَحَّتْ بِهِ السُّنَّةُ مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِن الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحِسَابِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، نُؤْمِنُ بِهِ صِدْقَاً وَنَعْتَقِدُهُ حَقَّاً، وَنَرْجُو مِن اللهِ النَّجَاةَ يَوْمَ نُلاقِيه!.
وَنُؤْمِنُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، فَمَا يَحْصُل ُفي الكَوْنِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِنَا أَوْ بِغَيْرِنَا كُلُّهُ بِعِلْمِ اللهِ وَمَشيئَتِهِ وَقَدْ كَتَبَهُ، وَخَلَقَ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَفَعَالَهَا، وَلَو شَاءَ اللهُ مَا حَصَلَ، وَلَهُ سبحان الْحِكْمَةُ البَالِغَةُ، وَالْمَشِيئَةُ النَّافِذَةُ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون!.
إِنْ أَصَابَنَا خَيْرٌ شَكَرْنَا، وَإِنْ مَسَّنَا ضُرٌّ صَبَرْنَا؛ عَنْ صُهَيْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"[رَوَاهُ مُسْلِم].
أَقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفْرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِن أَعْظَمِ فَوائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ الذِي سَمِعْنَاهُ فِي الْخُطَبَةِ الأُولَى: الْحِرْصَ عَلَى الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، عِلْمِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الذِي بِهِ الرِّفْعَةُ فِي الدَّارَيْنِ، فَهَذَا جِبْرِيلُ -عليه السلام- أَرْسَلَهُ اللهُ -سبحانه- عَلَى هَيْئَةِ رَجُلٍ؛ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُم مِن خِلالِ الأَسْئِلَةِ التِي أَلْقَاهَا عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-!.
وَكَذَلِكَ: فَإِنَّ الصَّحَابَةَ -رضي الله عنهم- كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ مِن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَيَجْلِسُونَ حَوْلَهُ لِذَلِكَ، كَمَا عَرَفْنَا مِنْ خِلالِ هَذَا الْحَدِيث!.
فَعَلَيْنَا -أَيُّهَا الإِخْوُةُ-: أَنْ نَحْرِصَ أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى تَعَلُّمِ الْعِلْمِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَشْجِيعِ أَوْلادِنَا عَلَى تَحْصِيلِهِ، لِنُفْلِحَ -بِإِذْنِ اللهِ!-.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَإِنَّ الْعِلْمَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ-: مُيَسَّرٌ لِمَنْ أَرَادَهُ، وَرَغِبَ فِيهِ، فَالدُّرُوسُ الْعِلْمِيَّةُ تُعْقَدُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَالدَّوْرَاتُ الْعِلْمِيَّةُ السَّنَوِيَّةُ تُقَامُ فِي الْجَوَامِعِ -بِحَمْدِ اللهِ-.
وَهَذِهِ حِلَقُ الْقُرْآنِ الكَرِيمِ تَنْتَشِرُ فِي الأَحْيَاءِ للرِّجَالِ والنِّسَاءِ، فَمَا عَلَيْنَا إِلا أَنْ نُجَاهِدَ النَّفْسَ وَالهَوَى لِنَتَعَلَّمَ دِينَنَا، وَنَحْفَظَ شَرِيعَتَنَا، وَنَغِيظَ أَعْدَاءَنَا، فَإِنَّهُم لا يُرِيدُونَ للْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ دِينَهُ، وَإِنَّمَا يَرْغَبُونَ أَنْ يَبْقَى جَاهِلاً لِيَقَعَ فِي البِدَعِ وَالخُرَافَاتِ؛ كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ التِي يَكْثُرُ فِيهَا الْجَهْلُ، فَإِذَا تَعَلَّمَ النَّاسُ عَرَفُوا دِينَهُم، وَأَنَارَ اللهُ طَرِيقَهُم، وَعَبَدُوا رَبَّهمْ عَلَى نُورٍ وَبَصِيرَةٍ!.
وَإِنَّ مِن الدُّعَاءِ الذِي أَمَرَ اللهُ -سبحانه- رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَدْعُوَ بِهِ: "رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا"، قَالَ اللهُ -تعالى- فِي سُورَةِ طَهَ: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طـه: 114].
أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيمُ: أَفَبَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ يَأْتِيكَ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: أَنْتَ لَسْتَ فِي حَاجَةِ الْعِلْمِ؟
الجَوَابُ: كَلا، لَنْ نُطِيعَ الشَّيْطَانَ، وَسَوْفَ نَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ وَنُجَاهِدُ أَنْفُسَنَا عَلَى ذَلِكَ -بِإِذْنِ اللهِ!-.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً، وَعَمَلاً صَالِحَاً.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ.
اللَّهُمَّ أعطنا ولا تحرمنا، اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا، اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي