رمضان والشكر

إبراهيم بن محمد الحقيل
عناصر الخطبة
  1. مكانة الشكر وفضله .
  2. شكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
  3. معوقات الشكر .
  4. من دعائه عليه الصلاة والسلام في الشكر .
  5. النعمة الحقيقية المغفول عنها .
  6. رمضان وشكر نعمة الله تعالى علينا به .
  7. القانون الإلهي في شكر النعم وكفرها .

اقتباس

.. وشهر رمضان وما فيه من أنواع العبادات، وما يقع فيه من الخير والإحسان هو من أعظم النعم التي امتن الله تعالى بها على أمة الإسلام، واستحضار هذه النعم يقود إلى شكرها، كما يقود إلى إعطاء رمضان ما يستحقه من العبودية لله تعالى، والاجتهاد فيه بالأعمال الصالحة؛ ولذا فإن الله تعالى علل فرض الصوم وما شرع فيه من الرخص والتيسير على من لا يطيقونه .. علل ذلك بالشكر ..

 

الحمد لله الغفور الشكور؛ قسم عباده إلى أهل هدى، وأصحاب ضلالة، فالمهتدون هم الشاكرون،والضالون هم الكافرون (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان:3] نحمده على ما هدانا واجتبانا، ونشكره على ما أعطانا وأولانا فلم يعطنا من حاجة إلينا، ولم يمنعنا من عجز عن كفايتنا، بل هو مالك الملك، ومدبر الأمر، وبيده خزائن كل شيء، يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة، وهو العليم الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يرضى الشكر من عباده، وهو سبحانه غني عن الكافرين منهم (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزُّمر:7]وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أعلم الناس بالله تعالى وأكثرهم رضاً عنه وشكراً له صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا من دنياكم لآخرتكم، ومن صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم؛ فإن العبد لا يدري ما ينزل به، وإن الشيطان يَعِدُه ويُمنيه، فيؤخر التوبة حتى يدهمه الموت (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120].

أيها الناس: مقام الشكر أجلُّ مقام وأعلاه؛ إذ تندرج تحته العبودية والرضا ويزيد هو عليها، فلا يكون الإنسان شكوراً لله تعالى إلا وقد أذعن بالعبودية له، ورضي به جل جلاله ورضي عنه، وزاد على ذلك شكراً له.

ومن تأمل آيات الشكر في القرآن عجب من كثرتها، ومن تعدد موضوعاتها، ومن تنوع أساليب الحض على الشكر فيها؛ مما يدل على مكانته في الدين، وعظيم منزلته عند رب العالمين؛ فالشكر من صفات الله تعالى، وُصف به في القرآن (وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء:147] وتكرر اسمه الشكور في أربع آيات أخرى.

لقد جاء في القرآن ذكر الهداية والمغفرة والتوبة والرزق والغنى وكشف الكرب، وعلقت جميعها بمشيئة الله تعالى؛ ففي الهداية (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [النور:46] وفي المغفرة (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ) [آل عمران:129] وفي التوبة (وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) [التوبة:15] وفي الرزق (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) [الشُّورى:19] وفي الغنى (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) [التوبة:28] إلا الشكر فإن الله تعالى أخبر أنه يجازي به دون أن يعلقه بالمشيئة (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144] وفي آية أخرى (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:145]. وجزاء الله تعالى للشاكرين يكون في الدنيا وفي الآخرة.

وكثيراً ما تُعَلَّل الأحكام الشرعية، أو يُعلَّلُ بيانها للناس، أو التيسير عليهم فيها بالشكر، وكثيراً ما يُعلِّل الله تعالى نعمَه على الناس في أنفسهم، وما سخر لهم في الأرض والسموات بالشكر؛ ولذا نجد في القرآن متكرراً قول الله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران:123] (أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس:35].

ووصف الله سبحانه بالشكر نوحاً وإبراهيم -عليهما السلام- وهما من أولي العزم فقال سبحانه في نوح (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء:3] وقال في الخليل: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ) [النحل:121] وأمر تعالى بالشكر أخص أوليائه، وأفضل أصفيائه؛ فخاطب كليمه موسى -عليه السلام- بقوله: (فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف:144] وأمر به داود وذريته من النبيين والصالحين عليهم السلام (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا) [سبأ:13] ولما آتى الله تعالى سليمان -عليه السلام- الملك، وعلمه الحكمة ومنطق الطير نظر إلى عظيم نعمة الله تعالى عليه فسأله أن يرزقه شكرها (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) [النمل:19] كما أمر سبحانه بالشكر لقمان لما آتاه الحكمة (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لله) [لقمان:12] وخاطب سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الزُّمر:66] كما أمر المؤمنين بالشكر، وحضهم عليه (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152].

ومن أهم وصاياه سبحانه لعباده وصيتهم بشكره سبحانه (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان:14].

ومن بلغ الأربعين من عمره قُطعت عنه المعذرة، وتأكد في حقه شكر الله تعالى على الإمهال والإمداد (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) [الأحقاف:15].

ولعظيم مقام الشكر، وشدة القيام به، وعسره على الناس -لكثرة النعم، وغلبة الهوى- كان الشكر قليلاً فيهم (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13] وفي القرآن أربع آيات أخرى ختمت بقوله سبحانه: (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [الأعراف:10] وتعددت الآيات التي تنفي الشكر عن أكثر الناس (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [البقرة:243] وفي آيات أخرى (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) [يونس:60].

ووظيفة إبليس هي صرف الناس عن شكر الله تعالى كما قال -أعاذنا الله تعالى منه-: (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:17].

ولذا كان من عون الله تعالى للعبد أن يعينه على الشكر، ومن التوفيق أن يوفقه له، ومن إلهامه -سبحانه- أن يلهمه الدعاء به، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم اجْعَلْنِي لك شَاكِرًا " وفي رواية "رَبِّ اجْعَلْنِي لك شَكَّارًا " رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب معاذ بن جبل رضي الله عنه فأوصاه فقال صلى الله عليه وسلم:" أُوصِيكَ يا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صَلَاةٍ تَقُولُ: اللهم أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " رواه أبو داود.

والشكر هو أعظم عطاء يُعطى العبد؛ لأن قانون الله تعالى أن الشكر يزيد النعم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7] يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: " الخير الذي لا شر فيه العافية مع الشكر؛ فكم من منعَم عليه غير شاكر ". وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: " عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم".

وأعظم شرف استحقه المؤمنون أن الله تعالى لما ذبَّ عنهم سخرية المشركين نعتهم بالشكر؛ ذلك أن الإيمان من الشكر، قال المشركون: (أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) يعنون المؤمنين؛ تصغيراً لهم، وتحقيراً لشأنهم، فأجابهم الله تعالى بقوله: (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام:53]. وواجب على أهل الإيمان أن يكونوا أهلاً لهذا الشرف العظيم الذي بوأهم الله تعالى إياه حين وصفهم بالشاكرين، وذلك بتحقيق الإيمان والسعي في كماله، وإتباع القول بالعمل، والدوام على الشكر ظاهراً وباطناً؛ فإن الشكر هو ظهور أثر نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة.

إن أكثر الناس يلحظ النعم الدنيوية؛ من توافر الأمن، وتمام الصحة، وسعة الرزق، وكثرة الولد، ورغد العيش، ويشكرون الله تعالى على ما أعطاهم، وفعلهم حسن جداً، ويجازيهم الله تعالى زيادة على شكرهم، لكنهم يغفلون عما هو أعظم وأجل وأكبر ألا وهي نعمة الهداية للدين، والانتظام في سلك المؤمنين الطائعين .. تلك النعمة العظيمة التي من حازها حاز سعادة الدارين، وفاز بالحسنتين؛ ولما منَّ قوم على النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم بيَّن الله تعالى أن المنة له سبحانه في هدايتهم (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17]وأهل الجنة يوم القيامة يقولون: (الحَمْدُ لله الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ) [الأعراف:43] وهي النعمة التي أمر الله تعالى بالفرح بها (قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58] فما أعظمها من نعمة يَذكر كثير من الناس غيرها وينسونها، ويشكرون سواها ويتركونها، وقليل منهم من يقدرها حق قدرها، ويعطيها مستحقها، ويشكرها حق شكرها، فاللهم لك الحمد على ما هديتنا وعلمتنا، اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين.

وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه، ونشكره على نعمه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإنكم تستقبلون شهر التقوى، فأروا الله تعالى من أنفسكم خيراً يؤتكم خيراً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].

أيها المسلمون: إنْ استحضَرَ بعضُ المسلمين نعمة الله تعالى عليهم بالهداية على الدوام، وشكروا الله تعالى عليها آناء الليل وآناء النهار - فإن كثيراً من هؤلاء الشاكرين يغيب عنهم استحضار نعمة الله تعالى عليهم بفروع الشريعة وتفصيلاتها التي ما شرعها الله تعالى إلا لمصالحهم في الدنيا والآخرة.

وشهر رمضان وما فيه من أنواع العبادات، وما يقع فيه من الخير والإحسان هو من أعظم النعم التي امتن الله تعالى بها على أمة الإسلام، واستحضار هذه النعم يقود إلى شكرها، كما يقود إلى إعطاء رمضان ما يستحقه من العبودية لله تعالى، والاجتهاد فيه بالأعمال الصالحة؛ ولذا فإن الله تعالى علل فرض الصوم وما شرع فيه من الرخص والتيسير على من لا يطيقونه ... علل ذلك بالشكر فقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].

فمن نعم الله تعالى علينا التي تستوجب الشكر أنه سبحانه اختصنا برمضان، وفرض فيه الصيام، وشرع القيام، وهدانا للعمل الصالح فيه؛ فكم في الأرض من بشر ما هُدوا للإيمان برمضان ولا وفقوا لصيامه وقيامه؛ فهل نشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة؟!

ومن موجبات شكر رمضان ما جعل الله تعالى فيه من تكفير السيئات، وزيادة الحسنات، واستجابة الدعوات، والعتق من النار، وكل ذلك جاءت به الأحاديث.

ومن أعظم ما يوجب شكر الله تعالى على رمضان أنه سبحانه يتولى جزاء الصائمين كما في الحديث القدسي: "الصَّوْمُ لي وأنا أَجْزِي بِهِ" متفق عليه، والشكور يجزي على الشكر شكراً أعظم وقد قال سبحانه (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:145]وإعانة الصائمين على أنفسهم وشياطينهم بسلسلتها في رمضان، وفتح أبواب الجنة، وغلق أبواب النار، كل ذلك مما يوجب شكر الله تعالى على هذه النعم.

ومن أعظم نعم الله تعالى على الصائم ما يجد من فرحة عند فطره بقضاء فرضه، وعند لقاء ربه بتحصيل أجره.

وما اختص الله تعالى به أمة الإسلام من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر نعمة عظيمة يعجز العباد عن شكرها مهما عملوا، من وُفق لقيامها مرة فكأنه قام نيفاً وثمانين سنة، فكيف بمن وافقها كل عام؟! وأعظم من ذلك أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وهكذا من قام رمضان إيماناً واحتساباً، ومن صامه إيماناً واحتساباً؛ فأيُّ أفضال الله تعالى علينا برمضان نحصي، وأيُّ الأجور والمكفرات فيه نعدد؛ فما أعظم فضل الله تعالى علينا.

ثم إن هذا التكليف بصيام النهار إنما كان في أيام معدودات فرض الله تعالى صيامها، وشرع قيامها، وشكر العباد على قيامهم بأمره سبحانه بما رتبه من ثواب عظيم، وأجر كبير.

ومن أعظم النعم التي تستوجب الشكر ما منَّ الله تعالى به على الأحياء من إدراك رمضان وقد فات غيرهم فهم في قبورهم مرتهنون بأعمالهم، يجزون بها ولا يعملون..

كل هذه النعم في رمضان -وغيرها كثير وكثير- تستوجب شكر الله تعالى عليها، وشكره سبحانه عليها يكون بالقلب إيماناً واحتساباً، ويكون باللسان ذكراً وشكراً، ويكون بالأفعال جداً في العبادة واجتهاداً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام من الليل حتى تورمت قدماه وقيل له في ذلك قال صلى الله عليه وسلم:" أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " متفق عليه.

ولا بد أن نعلم أن قانون الله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7] يكون في أمور الدين كما يكون في أمور الدنيا؛ فمن شكر الله تعالى على نعمة إدراك رمضان فعَمَرَهُ بالأعمال الصالحة - تأذن الله تعالى له بالزيادة في أعمال البر ففتح له منها أبواباً لا تخطر له على بال.

ألا وإن من كفر نعم الله تعالى على العباد في رمضان أن ينساقوا لشياطين الإنس في فضائياتهم ومجالسهم التي تمتلئ بالجهل والزور، والرضا بما يعرضونه فيها من الزور وقبيح الكلام، والصور المحرمة في الأفلام والأغاني والمسلسلات وغيرها مما يَعِدون به الناس في كل سنة؛ ليكونوا عوناً للشيطان على إفساد صيام الصائمين وقيامهم، وأعظم من ذلك مما تتضمنه مسلسلاتهم من السخرية بدين الله تعالى وعباده، والراضي كالفاعل؛ وأيُّ رضاً أعظم من غشيان تلك المجالس، والسمر على هذه المشاهد، والتفكه بها؟! وما هكذا يشكر الله تعالى على نعمة رمضان. ومن قابل نعمة الله تعالى بكفرها فقد أتى أسباب زوالها (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

وصلوا وسلموا..

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي