على الزوج إذا أراد السعادة أن ينظر إلى زوجته على أنها سكن له، تركن إليها نفسه، وتكمن في جوارها طمأنينته، وترتبط بالحياة الكريمة معها سعادته، هي تكملة للزوج، يكون بدونها فقيراً من دوافع الاستقرار والطمأنينة. ولأن المرأة هي مصنع الرجال، ومربية الأجيال، وراعية الزوج، وسرُّ نجاحه، وهي في نفس الوقت ضعيفة رقيقة. أمرنا الله -تعالى- بصيانتها ورعايتها ومعرفة مكانها، و...
الحمد لله...
أما بعد:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
فعلى الزوج إذا أراد السعادة أن ينظر إلى زوجته على أنها سكن له، تركن إليها نفسه، وتكمن في جوارها طمأنينته، وترتبط بالحياة الكريمة معها سعادته، هي تكملة للزوج، يكون بدونها فقيراً من دوافع الاستقرار والطمأنينة.
ولأن المرأة هي مصنع الرجال، ومربية الأجيال، وراعية الزوج، وسرُّ نجاحه، وهي في نفس الوقت ضعيفة رقيقة.
أمرنا الله –تعالى- بصيانتها ورعايتها ومعرفة مكانها، وحفظ حقوقها، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ".. وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا".
وفي حجة الوداع، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبته يوم عرفة: ".. فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ.."[رواه مسلم].
ومن أعظم حقوق النساء: رعايتهن في دينهن، وحثهن على طاعة الله ورسوله، ومتابعتهن في أداء حقِّ الله والصبر على ذلك، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا)[طه:132].
وأثنى الله على نبيه إسماعيل -عليه الصلاة والسلام - فقال: (كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)[مريم:55].
فمن حقهنَّ -عباد الله-: تعليمهنَّ ما ينفعُهن في دينِهِن ودنيَاهُن، ومتابعتِهن فيما افترِضَ عليهن، وتفقد أحوالِهِن مع الصلاة، وصِلَتِهن بكتاب الله، والتزامِهن باللِّباس الشرعي، والحجاب الشرعي، وبرهِنَّ بوالدِيهن، وصِلَتِهن لأرحامِهن، وتشجيعهن على النفقة وأداء العمرة، والمحافظة على الأذكار والاستكثار من الخيرات، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6].
ومن حقهن -أيها المسلمون-: الإنفاق عليهن بالمعروف، بلا إسراف ولا تقتير، على قدر الطاقة والإمكان، قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق:7].
ومن حقهن: العشرة بالمعروف، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].
فلا يجوز أن يضرب الرجل أمرأته ضرباً مبرحاً، بل ولا يلجأ للضرب إلا بعد استنفاد كل وسائل الإقناع والوعظ والإصلاح قبله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34].
ولا يضرب المرأة لأتفه الأسباب إلا رجل دنيء، سيئ الخلق، ناقص العقل والفهم، قاصر التفكير والتأمل، غير عارف بدين الله الصحيح، وقد قيل: "ما أهانهن إلا لئيم، وما أكرمهن إلا كريم".
ولا يجوز استخدام أساليب التجريح في معاملتهن، ومخاطبتهن بالكلمات القاسية، والألفاظ النابية، والأوامر الصارمة، والتهديدات الفاضحة، وإهانتِهن، وإهدار كرامَتِهن، وتحقيرهن، والسخرية منهن، ونبزهن، فذلكم وأشباهَهُ ينهى عنه الشرع الحنيف.
سأل معاوية بن حَيْدَة القُشَيْرِي -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تُطْعِمَها إذا طَعِمْتَ، وتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ أو اكْتَسَبْتَ، ولا تَضْرِبِ الوَجْهَ، ولا تُقَبِّحْ، ولا تَهْجُرْ إلا في البَيْتِ".
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" أَوْ قَالَ: "غَيْرَهُ".
قال الشوكاني: "فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها زوجها".
عباد الله: ومن أعظم حقوقهن: الانبساط معهن في البيوت، فيهش الرجل للقاء زوجه، ويظهر استمتاعه بسماع حديثها، ويمازحها، ويداعبها، تطييباً لقلبها، وإيناساً لها، وإشعاراً لها بمكانتها من نفسه، وقربها من قلبه.
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو العابد الخاشع، القائد الحاكم، النبي المعلم، أفكه الناس مع زوجاته -صلى الله عليه وسلم-، وأحسنهم خلقاً معهن؛ كان يمازحهن بما يدخل السرور إلى قلوبهن، ويقص لهن القصص، ويستمع إلى قصصهن، وكان يسابق عائشة -رضي الله عنه-، ويرسل لها بعض بنات الأنصار يلعبن معها مراعياً صغَرَ سِنِّها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلي".
وقال عليه الصلاة والسلام: "..وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ .."[رواه البخاري ومسلم].
ومن حقهن: التلطف والدلال معهن، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: "يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ"[متفق عليه].
ومن حقوقهن: أن يستشرن, وأن يقبل رأيهنَّ إذا ظهر سداده، وقد جاءت أحاديث صحيحة في الوصية بهن، وبيان حقوقهن، والتحذير من القصور فيها: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله...
أما بعد:
من حقهن -عباد الله-: أن يتزين الزوج لزوجته كما يحب أن تتزين له، سئلت عائشة -رضي الله عنه-: "بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: "بِالسِّوَاكِ"[رواه مسلم].
قال بعضهم: لعله يستقبل زوجاته بالتقبيل.
وابن عباس -رضي الله عنه- يقول: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي؛ لأن الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة: 228].
دخل رجل فيه شعَثٌ وغُبْرَة، زوجته تطلب الطلاق، على عمر -رضي الله عنه- فلما رآه قال: يا هذا! اذهب واغتسل وتجمَّل، وأصلح من حالك. فلما عاد إليه رأته زوجته، قال: أتطلبين الطلاق؟ قالت: لا.
ومن حقهن: التبسم في وجوههن، وإظهار القلق عليهن إذا غابت أو تأخرت إحداهن، ومن حقهن التجاوز عن أخطائهن، وستر عيوبهن، فكل بني أدم خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائين التوابون، أخطأ آدم فأخطأت ذريته
عباد الله: ليس البيت السعيد الذي خلا من المشاكل، بل الذي عرف كيف يعالجها ويتعامل معها، أخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنه-، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ –أم سلمة -رضي الله عنه -رضي الله عنه- بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: "غَارَتْ أُمُّكُمْ" ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ".
وهكذا عالج الموقف -عليه الصلاة والسلام- بلا تشنج ولا انزعاج، وبلا غضب.
وتأمل لو حدث هذا الموقف مع واحد منا، كيف كانت رِدَّة ذلك؟
فلابد أن يكون لنا في رسول الله أسوة حسنة.
أسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح الأزواج لزوجاتهم، والزوجات لأزواجهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي