دروس مهمة من قصة أصحاب السبت

مشبب القحطاني
عناصر الخطبة
  1. ملخص قصة أصحاب السبت .
  2. وقفات تربوية مع القصة .

اقتباس

السنة الربانية في حق العصاة والمجرمين في كل زمان ومكان، الذين يتجاوزن حدود الله تعالى وينهارون أمام إحدى الشهوات أو مجموعة منها، سواء شهوة البطن أم الفرج أم المال أم المنصب أم الجاه أم نحو ذلك، إن العقاب على المعصية إذا لم يتب منها هو سنة ربانية لا تتغير، وهي قريبة من العاصي وإن شعر أنه في مأمن أو في منعة، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا...).

الخطبة الأولى:

أما بعد:

أيها المسلمون: يقول المولى -تبارك وتعالى- في محكم التنزيل: (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).

أيها الإخوة: من الآيات السابقة ومن غيرها من النصوص، يتضح لنا ما حصل لإحدى قرى بني إسرائيل، تلك القرية الساحلية التي يعيش فيها مجموعة من اليهود يعبدون الله تعالى على شريعة موسى -عليه السلام-، وكان المجتمع فيها آنذاك خليطًا من العلماء والصالحين والفاسدين المفسدين.

وكان يومُ السبت هو اليومُ الذي يرتاحون فيه من شؤون المعاش، ويتفرغون فيه للعبادة، وفيه حرّم الله عليهم صيدَ البحر، ولحكمة يعلمها الله تعالى أمر الأسماك أن تتكاثر وتقرب من الساحل في يوم السبت، أما باقي أيام الأسبوع فإنها تختفي وتبعدُ عن الشاطئ.

ولما طال الأمر على بعضهم وضعفت إرادتهم أمام شهوة بطونهم، قاموا بحيلة غبية على أمر الله تعالى، فحفروا حفرة على الشاطئ، ووضعوا الشباك عليها حتى تقعَ الأسماك في الحفرة يومَ السبت، وإذا أرادت أن تعود لم تستطع ذلك.

وفي يوم الأحد يأتون ويأخذون حصيلة السبت، ولما شَعر بهم الآخرون صنعوا مثلما صنعوا، حتى اشتهر ذلك عندهم، وشجع بعضهم بعضًا.

وأمام هذا التعاون على المحرم، ومعصية الخالق -جل وعلا-، انقسم الناس في هذه القرية إلى ثلاثة أقسام:

قسم زاول المنكر ودعا إليه، وقسم أنكر هذا التصرف، وحذر قومه من العقوبة الإلهية، وقسم كره ذلك العمل، ولم ينكر عليهم.

وبعد أن استمر العصاة في غيهم وتجاوزِهم لحدود الله، ولم يستمعوا إلى نصائح العلماء والدعاة إلى الله، أنزل الله عليهم عقابًا من عنده، فقلب صورهم إلى صور قرود، فأخزاهم وأذلهم وجعلهم عبرة لمن يعتبر، ونجا الذين كانوا ينهون عن المنكر من العذاب الأليم، وبقوا على صورهم.

أيها الإخوة: وحول هذا الحدث أحب أن أقف عدة وقفات لعل الله تعالى أن ينفعنا بها.

الوقفة الأولى: حول موقفِ أهل القرية من تلك المعصية؛ لقد انقسم الناس آنذاك إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الطائفة التي فكّرت في تلك الحيلة الشيطانية ومارسوها خفية، ثم أعلنوها في الأسواق والبيوت، واستمروا على ممارسة تلك المعصية، رغم تحذير المخلصين من قومهم، هذه الطائفة ماذا حصل لها؟! وما هو مصيرها؟! هل انتصرت على أولئك المتشددين -في نظرهم-؟! هل حققوا نصرًا في الإذن لهم بممارسة ذلك المنكر؟! هل تمتعوا فعلاً بتلك اللذة المحرمة؟! الجواب: بالطبع لا.

لقد انهارت إرادتهم وضعفت عزائمهم أمام شهوة البطن، لقد تنازلوا هم عن آدميتهم حين تنازلوا عن أخص خصائصها، وهي الإرادة التي تسيطر على الرغبة، وانتكسوا إلى عالم الحيوان حين تخلوا عن خصائص الإنسان، فصيرهم الله تعالى إلى حيث أرادوا لأنفسهم من الانتكاس والهوان، قيل لهم: (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ). لقد حوّلهم الله من الشكل الإنساني إلى أشكال القردة، واستمروا على ذلك حتى ماتوا، لقد عذبهم الله بهذا العذاب النفسي والبدني إضافة إلى العذاب الأكبر يوم القيامة. فأسال الله تعالى السلامة مما وقعوا فيه.

أما القسم الثاني من أهل تلك القرية: فهم مجموعة من العلماء والمصلحين، أزعجهم مخالفة قومهم لأوامر الله تعالى، فوقفوا في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية، وتعاونوا على إنكار المنكر فقاموا بالنصح والتوجيه والإرشاد، يدفعهم إلى هذا العمل النبيل أمران:

الأول: رجاء أن يهتدي أولئك العصاةُ من قومهم، ويقلعوا عن المعصية، ويعودوا إلى طاعة الله.

الأمر الثاني: على افتراض أن قومهم استمروا على منكرهم، فإن هذه الطائفة قد أدت ما عليها من واجب النصيحة، وأعذروا إلى ربهم.

وهذه المجموعة من الناس هم الناجون الوحيدون من العذاب في الدنيا والآخرة، وقد أشاد الله تعالى بموقفهم حين قال مبينًا حال الفريقين: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).

أما الصنف الثالث: فهم أناس صالحون كرهوا ما عليه القوم من المنكرات، ووقفوا من المنكرات موقف الإنكار السلبي، بمعنى أنهم لم يقوموا بعمل إيجابي نحو أولئك العصاة فيرشدوهم وينصحوهم، بل إنهم حاولوا أن يثبطوا المصلحين عندما لاحظوا حرصَهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى مبينًا ذلك الموقف السلبي من أولئك الصالحين: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا).

ولكن المصلحين وقفوا أمامهم موقفًا مشرفًا حين قالوا: (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون).

وهذا الصنف لم يرد عن مصيره شيء في القرآن، ربما تهوينًا لشأنهم لأنهم قعدوا عن الإنكار الإيجابي، وقفوا عند الإنكار السلبي، فاستحقوا الإهمال وعدم الذكر، وإن كانوا لم يستحقوا العذاب.

أيها الإخوة في الله: لاشك أن العبر من هذه الحادثة كثيرة جدًا، ولعلنا في هذه العجالة نذكر شيئًا منها.

الفائدة الأولى: هي تلك السنة الربانية في حق العصاة والمجرمين في كل زمان ومكان، الذين يتجاوزن حدود الله تعالى وينهارون أمام إحدى الشهوات أو مجموعة منها، سواء شهوة البطن أم الفرج أم المال أم المنصب أم الجاه أم نحو ذلك، إن العقاب على المعصية إذا لم يتب منها هو سنة ربانية لا تتغير، وهي قريبة من العاصي وإن شعر أنه في مأمن أو في منعة، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُم).

وعليه فلنحذر -إخوة الإيمان- من الوقوع في المعاصي مهما كانت، خصوصًا الكبائر منها، وإذا وقعنا لسبب ما فإننا لابد أن نتوب إلى الله تعالى فورًا، ولا نرجع إليها مرة أخرى، مخافة أن يقع علينا العذاب ونحن لا نشعر كما حصل لمن كان قبلنا، كما قال تعالى: (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته".

كما علينا -إخوة الإيمان- ألا نغتر بكثرة المنكرات واشتهارها، وكثرةِ العاملين لها وقوتِهم، فهذا ليس دليلاً على صحة ما يقومون به، ولننظر إلى الناجي كيف نجا، ولا ننظر إلى الهالك كيف هلك!!

الفائدة الثانية: هي أن نُكَون من أنفسنا دروعًا تقي المجتمع من عقوبة الله تعالى، نتزود بالعلم، وننخرط في صفوف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الحريصين على مصلحة أمتهم، نمارس هذه المهمة النبيلة تلقائيًا في البيوت والأسواق والأعمال كما قام بها أفضل خلق الله من الرسل والأنبياء والشهداء والصالحين، ليكن هدفنا النصيحة، لا الفضيحة، وليكن هدفنا حب الآخرين، لا الانتقام منهم، وليكن شعارنا هو ما قاله نوح -عليه السلام- لقومه حين قال: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

نفعل ذلك ابتغاء الأجر من الله تعالى، لا نريد مدحًا ولا مكانة ولا مالاً، وليكن شعارنا ما قاله الأنبياء لأقوامهم: (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، وبذلك نحمي أنفسنا أولاً ثم نحمي مجتمعنا من غضب الله -عز وجل-.

الفائدة الثالثة: أن نحذر من أن نكون من الفئة الثالثة، وهم الناس الذين كرهوا المنكر، ولكنهم لم يتحركوا لإزالته، هذا الصنف من الناس موجود في عالمنا هذا اليوم، أناس صالحون، ولكنهم لضعفهم وخوفهم من الباطل وأهله وحبهم للدنيا قعدوا عن الإنكار، ووقفوا موقفًا سلبيًا تجاه المنكرات وأهلها، فهم -وإن كانوا يصلون ويصومون ويفعلون الخيرات- إلا أنهم لا تأثير لهم في الواقع مع قدرتهم على ذلك، وهم الذين يصفهم الكفار المنافقون في وقتنا الحاضر بـ"المعتدلين" أو "الحمائم".

وهؤلاء -على ما هم عليه من الصلاح- إلا أنهم يعكسون صورة سيئة للمسلم الحق، فقد يقتدي بهم الجاهل والضعيف، ويتوقع أن موقفَهم هو الموقفُ الصحيح، كما أنهم قد يكونون عنصرَ تثبيط للدعاة والمصلحين، سواء عندما ينتقدون الآمرين بالمعروف والناهين بالمنكر ويصفونهم بالمتشددين، أم عندما يوجهون النصح السلبي المباشر إلى المصلحين بعدم القيام بدورهم في المجتمع كما قال أسلافهم.

أيها الإخوة: إن هذا الصنف على خطر عظيم إذا لم ينتبهوا لأنفسهم، فربما يهلك مع الهالكين، ويندم حين يندم النادمون في يوم عظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله ولي الصالحين، خلق فسوى وقدّر فهدى، أمر الناس بالتعاون على البر والتقوى، وأشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

أيها المسلمون: الفائدة الرابعة: هي أن نؤمن بقدرة الله تعالى على تغيير نواميس الكون، فالكون -وإن كان يمشي وفق أسس ثابتة وحسابات دقيقة، ولا مجال لفوضى في تدبيره- إلا أن الله تعالى الذي خلقه قادر على تغيير تلك الثوابت بكلمة كن، فهو سبحانه لا يعجزه شيء، والقصة التي معنا يبرز فيها أمران خارقان للعادة، فالأول توجهُ الحيتان في يوم السبت بالذات إلى الشاطئ، واختفاؤها بقيةَ الأسبوع. والثاني: تحول العصاة إلى قردة يتعاوون، ويثب بعضهم على بعض.

أيها الإخوة: إن هذا الأمر ليس بصعب على المولى -تبارك وتعالى-، والتاريخ والواقع يشهد بأكبر من هذا، ولا مجال للصدفة والعبث في هذا الموضوع.

وعليه فالمؤمن لا يخاف من أهل الباطل مهما كانوا مادام على الحق ولو كان وحده، فربما قُضي عليهم في لحظة، كما حصل لقوم نوح وقوم لوط وقوم صالح وقوم فرعون وغيرهم من الظلمة والطغاة.

الفائدة الخامسة: هي أن القوانين والأنظمة لا تحرسها النصوص المكتوبة على الورق، إنما تحرسها القلوب الحية التي تستقر فيها التقوى والخشيةُ من الله تعالى، ولن تستطيع أي دولة مهما أوتيت من قوة أن تضع على رأس كل فرد حارسًا يلاحظه في تنفيذ القانون وصيانته، ما لم تكن خشيةُ الله تعالى مستقرة في القلوب، ومن أجل ذلك نلاحظ فشل الأنظمة والأوضاع التي لا تقوم على حراسة القلوب التقية، ومن أجل ذلك تفشل النظريات والمذاهب التي يضعها البشر للبشر بعيدة عن شرع الله.

فالطائفة المخذولة في تلك القرية لم يلتزموا بالنص المنزل عليهم بقوله تعالى: (لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ)، بل عملوا الحيلة بعد الأخرى على النص الإلهي، وقاموا بصيد الحيتان في يوم السبت رغم تحريم ذلك عليهم، أما أصحاب القلوب الحية فقد أنكروا ذلك الفعل ولم يشاركوا قومهم.

ولذا فإن علينا جميعًا -أيها الإخوة- سواء كنا آباءً أم معلمين أم مسؤولين أمران: نضع الخطط اللازمة لتربية من حولنا على مراقبة الله تعالى في السر والعلن، بقدر ما نستطيع، نربيهم على الإيمان بالله تعالى إيمانًا حقيقيًا، ولنحذر من صيحات المنافقين هنا وهناك التي تنادي بالحذر من التشدد في الدين والتنطع.

وعلينا أن نتعاون على إنكار المنكرات وفعل الخيرات، والأخذ على يد الظلم، حتى ننجو من عذاب الله.

ثم لننظر من حولنا، ونتساءل: ماذا قدم القادة العلمانيون للأمة؟! ماذا قدمت لنا القومية العربية؟! ماذا قدّم لنا حزب البعث؟! ماذا قدمت لنا الأحزاب والشعارات الأخرى؟! وماذا قدم المغنون واللاعبون والفنانون والمخترعون الذين أعرضوا عن دين الله، وتربوا على حب الدنيا وعدم الخوف من الله؟! هل وحدوا الأمة؟! هل هزموا الأعداء؟! هل وفروا للشعوب لقمة العيش الكريمة؟! الواقع أنهم لم يفعلوا شيئًا من ذلك، بل جلبوا على الأمة الذل والهوان على مدار التاريخ، وخدروا الأمة، وغيبوها عن أهم أمور حياتها، حتى تسلط علينا أحفاد القردة والخنازير، فأخذوا خيراتنا، وصرفوا الأمة عن دينها، وقتلوا وحاربوا أفضل رجال الأمة ونسائها، ولذلك علينا أن نهتم بالتربية الإيمانية كما شرع الله، وبذلك نحمي مجتمعنا من الويلات والنكبات الدنيوية، كما نحميه من عذاب الله يوم القيامة.

وحتى نقود أمتنا إلى العز والنصر والتمكين، كما قام به آباؤنا الأولون من الأنبياء والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.

أسال الله تعالى أن يمن علينا بالهداية، وأن يفتح على قلوبنا بالحق، وأن يجعلنا من عباده المخلصين، وأن يوفقنا لما فيه الخير، وأن يصلح نياتِنا وذرياتنا وأئمتنا وولاة أمورنا.

إخوة الإيمان: اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وقوموا إلى صلاتكم وفقكم الله.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي