عائشة رضي الله عنها

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

عناصر الخطبة

  1. حب النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها
  2. من فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
  3. علمها رضي الله عنها
  4. من أخلاق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
  5. تبرئة أم المؤمنين واعتقاد المسلمين فيها وفي الطاعنين فيها

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: إن الله -سبحانه وتعالى- امتن على أُناس من عباده، فاختصهم بالفضل والرفعة وعلو الشأن، وأجرى على أيديهم من الفضائل ما لا يقدر على وصفه واصف، ولا حصره متتبع، ومن هؤلاء النفر الكرام الذين اصطفاهم الله -سبحانه- بالتكريم والتعظيم، الطاهرة المطهرة، والصديقة بنت الصديق، المبرأة من فوق سبع سماوات؛ أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، فراش رسول الله وعفته، وريحانته وحبيبته؛ فكم لها من الفضائل!! وكم لها من المنازل العظيمة!!

كانت أحب الناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحين سُئل: من أحب الناس إليك؟! قال: “عائشة“، قالوا: من الرجال؟! قال: “أبوها“، وما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحب إلا طيبًا.

وكان خبر حبه -صلى الله عليه وسلم- لها أمرًا مستفيضًا؛ حيث إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عائشة من بين نسائه تقربًا إلى مرضاته، فقد جاء في الحديث الصحيح: “كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فاجتمع أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فقولي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت فلم يرد عليها، فعادت الثانية، فلم يردّ عليها، فلما كانت الثالثة قال: “يا أم سلمة: لا تؤذيني في عائشة؛ فإنه والله ما نزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها“.

لقد تبوأت أمنا عائشة بنت الصديق -رضي الله عنها- مكانة عالية في قلب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكانت أحب نسائه إليه، وكان بها لطيفًا رحيمًا على عادته -صلوات ربي وسلامه عليه-؛ استأذن أبو بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا عائشة ترفع صوتها عليه، فقال: يا بنت فلانة: ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فحال النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبينها، ثم خرج أبو بكر، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يترضاها، ويقول: “ألم تريني حلت بين الرجل وبينك؟!”. ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى، فسمع تضاحكهما، فقال: أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما.

وقالت عائشة -رضي الله عنها-: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيني العظم فأتعرقه، ثم كان يأخذه، فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي“.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يستأنس إليها في الحديث، ويسر بقربها ويعرف رضاها من سخطها، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لها: “إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليّ غضبى“، قالت: وكيف يا رسول الله؟ قال: “إذا كنت عني راضية قلت: لا ورب محمد، وإذا كنت عليّ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم“، قالت: أجل، والله ما أهجر إلا اسمك.

وكان يحملها على ظهره لترى لعب أهل الحبشة بالحراب في المسجد، ويطيل حملها ويسألها: “أسئمت؟”، فتقول: لا. وليس بها حب النظر إلى اللعب، ولكن لتعرف مكانتها عنده -صلوات ربي وسلامه عليه-.

معاشر المسلمين: كانت عائشة -رضي الله عنها- امرأة مباركة، ما وقعت في ضيق إلا جعل الله -تعالى- بسبب ذلك فرجًا وتخفيفًا للمسلمين، تقول -رضي الله عنها-: “خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، انقطع عقدي، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناس أبا بكر -رضي الله عنه-، فقالوا: ما تدري ما صنعت عائشة؟! أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء!

قالت: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن حضير -رضي الله عنه-: ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر! قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته، فقال لها أبو بكر حين جاء من الله رخصة للمسلمين: والله ما علمت يا بنية أنك مباركة، ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر”.

وكانت -رضي الله عنها- من أعلم الصحابة؛ قال أبو موسى -رضي الله عنه-: “ما أشكل علينا -أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علمًا“.

وكان مسروق -رحمه الله- إذا حدَّث عن عائشة قال: “حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، المبرأة من فوق سبع سماوات“.

وقال معاوية -رضي الله عنه-: “والله ما سمعت قط أبلغ من عائشة غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم“.

وكانت -رضي الله عنها وعن أبيها- من أحسن الناس رأيًا في العامة؛ قال الزهري -رحمه الله-: “لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل“.

فما بال أقوام عميت أعينهم، وطمست قلوبهم، أن يعرفوا لها قدرها؛ فهل مثلها تخفى شمائله وطيب خصاله؟! وهل من شهد له هؤلاء النفر الأخيار بالعلم والتقى، تبقى في قلوبنا ريبة نحوها، ولا نستشعر حبها؟!

أيها المؤمنون: لقد كانت عائشة -رضي الله عنها- موقَّرة من الصحابة، يعرفون لها قدرها وعلمها ومنزلتها بين الناس؛ نال رجل من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال له عمار: “أغرب مقبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!”، وقال عمار: “إنها لزوجة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة“، نشهد بالله إنها لزوجته.

أما إنه لا ينكر فضلها، وزنة عقلها، وطهارة قلبها، وأنها حطت في الجنة رحلها، لا ينكر ذلك إلا منافق مطموس القلب، يمشي كالبهيمة العجماء: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾[الفرقان:44].

عباد الله: وحين نتكلم عن ورع أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وزهدها وخوفها من خالقها تتلاشى عند ذلك الكلمات، وتهرب حينئذ المعاني خجلاً أن تدرك بلوغ الثناء الذي يليق بها.

لقد كانت -رضي الله عنها- رمزًا في الكرم، وغاية في العظمة وسخاء النفس، كيف لا وقد تعلمتها ممن كان أصل الكرم والوفاء، ومعلم البشرية كلها أخلاق الخير؟!

قال عطاء: “إن معاوية بعث لها بقلادة بمائة ألف، فقسمتها بين أمهات المؤمنين“.

وقال عروة -ابن أختها-: “إن عائشة تصدقت بسبعين ألفًا، وإنها لترقع جانب درعها“. رضي الله عنها.

تجود بالنفس إن ضن البخيل بها *** والجود بالنفس أغلى غاية الجود

وبعث إليها ابن الزبير -رضي الله عنه- بمال بلغ مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست، قالت: “هاتي -يا جارية- فطوري، فقالت: يا أم المؤمنين: أما استطعت أن تشتري لنا لحمًا بدرهم؟! قالت: لا تعنفيني، لو ذكرتيني لفعلت”. تعطي الناس وتنسى نفسها -رضي الله عنها وأرضاها-.

معاشر المسلمين: لقد كانت أمنا عائشة -رضي الله عنها- قمة التواضع، فلا ترى نفسها شيئًا، وهي من هي! وكانت تخاف ثناء الناس عليها، فلا تود سماعه مخافة الفتنة.

جاء ابن عباس -رضي الله عنهما- يستأذن على عائشة -رضي الله عنها- ، وهي في الموت، وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فعدد فضائلها ومناقبها في الإسلام، فما كان منها إلا أن ردت قائلة: “دعني يا ابن عباس، فوالله وددت أني كنت نسيًا منسيًا“.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

فاعلموا -عباد الله- أننا لما نتكلم عن عائشة يدفعنا لذلك عظيم حقها علينا، الذي جعله الله لها، وأوجبه على كل مسلم؛ فعائشة بنت أبي بكر الصديق ليست كغيرها من النساء، هي زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرض علينا حبها، واختارها زوجة لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، وسماها أم المؤمنين، قال -تعالى-: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾[الأحزاب:6].

وبرأها من فوق سبع سماوات مما رماها به المنافقون وورثتهم إلى عصرنا الحالي، الذين يرمونها بالفاحشة: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً﴾[الكهف:5]، شل الله ألسنتهم، وجازاهم بسوء صنيعهم، وهل يختار الله -سبحانه- لنبيه إلا طاهرة مطهرة نقية؟! فهل من متفكر؟! وحتى تعلموا شناعة القول، فليتخيل كل واحد منا أنه طعن في شرفه وعرضه، واتهمت زوجته بالفاحشة؛ فعلى أي حال سيكون؟! فكيف إذا كان المطعون فيها زوجة خير الورى -صلى الله عليه وسلم-؟! فهل أعراضنا أغلى من عرضه؟!

واعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنه مما يجب على كل مسلم اعتقاده أن عائشة مطهرة، ومن قول أهل الكذب والبهتان مبرأة، ولا نشك بأن الله -جل وعلا- لا يمكن أن يجعل تحت نبيه إلا مطهرة عفيفة مصونة.

هذا من صميم عقيدتنا، ومن زعم في عائشة غير هذا مما رماها به أهل البهتان، كرأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ووارثوه إلى هذا الزمان، كرميهم لها بالفاحشة، فهذا كافر بإجماع المسلمين، وغدًا عند ربهم يجتمعون، فيقتص المظلوم ممن ظلمه، فيا ويح من كان خصمه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-.. فالله الموعد.

فعليك -يا عبد الله- أن تعتقد هذه العقيدة الصحيحة في أمك الصديقة بنت الصديق، المبرأة من فوق سبع سماوات، وأن تبرأ من كل قول يقدح بها وبعدالتها، واعلم أن الطعن فيها طعن في فراش النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقدح في حكمة الله -سبحانه- الذي اختارها زوجة لنبيه.

كما أنه يجب عليك أن تبغض كل ملة تدين وتعتقد الطعن في عائشة -رضي الله عنها- واتهامها بالرذيلة، وإن تسمى أصحابها باسم الإسلام وتلفظوا بالشهادتين، فإن من اعتقد ذلك كافر، لا تجوز محبته ولا موالاته ولا أكل ذبيحته ولا الزواج منه ولا تزويجه.

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم اهدنا لصالح الأعمال والأقوال، لا يهدي لصالحها إلا أنت.

هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله…


تم تحميل المحتوى من موقع