من الآباء -عباد الله-: من قصَر مسؤوليته تجاه أبنائه على التربية البدنية، والتربية الصحية. أما التربية على طاعة الله، والبُعد عن الحرام، واجتناب الآثام، فإنه في ذلك مفرطٌ ومضيِّع. وعندما يكون الأب في نفسه مفرطًا في الواجبات الدينية، ولا سيما الصلاة، مضيعًا لها، متهاونًا بأدائها، فإن أبًا هذا وصفه ضرره على أبنائه جسيم؛ لأن التربية تقوم أول ما تقوم على التربية بالقدوة، بحيث يكون الأب متحليًا بما يريد من ابنه أن يتصف به، مُجانبا لكل ما يريد من ابنه أن...
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه جل في علاه في الغيب والشهادة، والسر والعلانية، مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه.
وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: إن من الواجبات العظيمة المنوطة بالوالدين تربية الأبناء، والعمل على تنشئتهم التنشئة الصالحة؛ بالاستقامة والطاعة، والبُعد عن المعصية، والإضاعة؛ إنه -معاشر المؤمنين- واجبٌ جسيم، ومسؤولية عظيمة، وهو وصية الله -تبارك وتعالى- للأبوين، قال الله -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[النساء: 11].
أي أن الأولاد أمانةً في أعناقكم -أيها الآباء- تُسألون عنهم أمام الله -تبارك وتعالى-، أمانةٌ وودائع مطلوبٌ من كل أبٍ وأم أن يقوم بحق ابنه عليه؛ فكما أن الله -جل وعلا- أوصى الأبناء بالآباء برًا وإحسانًا، وطاعةً وتأدُّبا، فإنه جل وعلا قد أوصى الآباء بالأبناء، عدلًا وتربيةً، وحُسن تنشئة.
وإذا وقف الأب ووقفت الأم أمام الله -عز وجل- سألهما عن ذلك، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أدِّب ابنك، فإنك مسؤول عنه يوم القيامة، ماذا أدبته؟ وماذا علَّمته؟ وهو مسؤول عنك عن برِّك، وطواعيته لك".
نعم -معاشر المؤمنين-: إنها مسؤولية عظيمة، وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
أيها المؤمنون -عباد الله-: إن هذا الواجب العظيم يتطلب من الأبوين عملًا جادًّا وجدًا، واجتهادا في تربية الأبناء، وتأديبهم، وأطرهم على الحق أطرا، وإبعادهم عن موجبات سخط الله، والأمور التي توقع في النار، يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
أي: قوا أنفسكم بالعمل والطاعة، وقوا أهليكم بالتربية والتأديب، من نارٍ هذا وصفها.
وهذا -عباد الله-: يُشعر بجسامة المسؤولية، وعِظم الخطب، وأن الأب يتحمل مسؤوليةً عظمى.
وإذا فرَّط الأب بواجبه خسر خسرانًا عظيما في دنياه وأخراه؛ لأن الأب إذا فرط في تربية ابنه، ونشأ الابن منحرفا لم ينتفع الابن حينئذٍ بحياته طاعةً وعبادة، ولم ينتفع الأب من ابنه أدبًا وبرًا وإحسانا.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وإن أعظم ما يكون مسؤوليةً في هذا الباب تربية الأبناء، وتنشئتهم على الصلاة، منذ أول النشأة، وحداثة السن، قال الله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].
وفي سنن أبي داود وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ".
ومن الآباء -عباد الله-: من قصر مسؤوليته تجاه أبنائه على التربية البدنية، والتربية الصحية.
أما التربية على طاعة الله، والبُعد عن الحرام، واجتناب الآثام، فإنه في ذلك مفرطٌ ومضيِّع.
وعندما يكون الأب في نفسه مفرطًا في الواجبات الدينية، ولا سيما الصلاة، مضيعًا لها، متهاونًا بأدائها، فإن أبًا هذا وصفه ضرره على أبنائه جسيم؛ لأن التربية تقوم أول ما تقوم على التربية بالقدوة، بحيث يكون الأب متحليًا بما يريد من ابنه أن يتصف به، مُجانبا لكل ما يريد من ابنه أن يبتعد عنه.
أما إذا كان يأمر ابنه بما لا يفعله، أو ينهاه عما يقع فيه؛ فإن هذا تناقض يؤدي بالأبناء إلى نوعٍ من الانحراف والانحلال.
أيها المؤمنون -عباد الله-: لنتقِ الله -جل وعلا- في أنفسنا وفي أبنائنا، ولنحرص على تربيتهم، وتأديبهم بآداب الإسلام، وأخلاقه العظام، فإنه ما نحل والدٌ ولده خيرًا من تربيته على الآداب الإسلامية، والأخلاق الفاضلة، والمحافظة على طاعة الله.
وما فرَّط والدٌ مع أولاده تفريطًا أشد من تفريطه في هذا الواجب، تاركًا لأبنائه دون تربيةٍ، أو تأديب.
اللهم يا ربنا نسألك بـأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا أن تعيننا بمنٍّ منك، ومدٍ وتوفيق على ما حمَّلتنا من مسؤوليةٍ تجاه الأبناء.
اللهم أعِنَّا على تربيتهم وتأديبهم.
اللهم يا رب العالمين، وأصلح لنا ذرياتنا أجمعين، واجعلهم لنا يا ربنا قرة عين، يا ذا الجلال والإكرام.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: وإن من أعظم المعونة، بل أساس الأمر في هذا الباب؛ اللجوء إلى الله بالدعاء، فإن الأمر كله بيد الله، التوفيق بيده وحده لا شريك له، فلن يصلح ابنٌ، ولن تصلح بنتٌ، إلا إذا أصلحهما الله -جل وعلا-؛ ولهذا يجب على الأبوين أن يعتنيا عنايةً دقيقة بأمر الدعاء للأبناء، والاجتهاد في هذا الأمر، والإلحاح على الله -تبارك وتعالى- فيه.
ومن دعاء خليل الرحمن: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)[إبراهيم: 40].
ومن دعاء زكريا -عليه السلام-: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)[آل عمران: 38].
ومن دعاء عباد الرحمن ما جاء في قوله: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
فالدعاء -عباد الله-: مفتاح كل خير، وأساس كل فضيلة في الدنيا والآخرة؛ فلنكثر من الالتجاء إلى الله -عز وجل- بأن يصلح أبناءنا، وأن يهديهم صراطه المستقيم، وأن يجعلهم من المقيمين الصلاة، وأن يعيذهم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وصلُّوا -رعاكم الله-: على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا، وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين، فإنهم لا يعجزونك.
اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال، وصالح الأعمال.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى، والعفة والغنى.
اللهم وأصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وأموالنا وأوقاتنا.
اللهم وأصلح لنا شأننا كله.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي