شيء من السيرة العطرة

صالح بن عبد الرحمن الخضيري
عناصر الخطبة
  1. نشأة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  2. كيف بدأت دعوته قومه إلى الإسلام .
  3. إيذاء المشركين له ولأصحابه .
  4. تأييد الله له بالأنصار والمهاجرين .
  5. شجاعته وكرمه وعفوه .
  6. مدارسة السيرة تربي الفضائل في النفوس .

اقتباس

لقد بعث الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- على حين فترة من الرسل وغلبة من الشر والجهل، بعثه الله هاديًا إلى الحق، شاهدًا على الخلق، مبشرًا لمن أطاعه بالجنة والرضوان، ومنذرًا لمن عصاه وخالف أمره بالعذاب الشديد، فهو النبي الكريم، هو الرحمة المهداة والسراج المنير: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) [الأحزاب:46].

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وخلفائه الراشدين وزوجاته وصحابته الأكرمين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: لقد بعث الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- على حين فترة من الرسل وغلبة من الشر والجهل، بعثه الله هاديًا إلى الحق، شاهدًا على الخلق، مبشرًا لمن أطاعه بالجنة والرضوان، ومنذرًا لمن عصاه وخالف أمره بالعذاب الشديد، فهو النبي الكريم، هو الرحمة المهداة والسراج المنير: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) [الأحزاب:46].

وأيّده الله بالملائكة المقربين وبنصره وبالمؤمنين: (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)، وأجرى على يديه -صلى الله عليه وسلم- من خوارق العادات والآيات المعجزات ما يشهد بأنه رسول الله ونبيه بالحق والصدق.

فما أعظم ما هدانا الله به إلى الحق!! وما أكبر المنة ببعثته -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران:164]، (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ).

نبي كريم اختاره الله من بين العالمين، واصطفاه لحمل رسالته: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، أدبه ربه فأحسن تأديبه، ورباه فأكمل تربيته، نشأ -صلى الله عليه وسلم- يتيمًا فحفظه الله، وفقيرًا فأغناه الله عن الناس: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) [الضحى:1-8].

شرح الله له صدره ورفع ذكره: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح:1-4]، رفعه الله في الملأ الأعلى، ورفعه في الأرض، فجعل اسمه مقرونًا باسم الله كلما تحركت به الشفاه، فلا إله إلا الله محمد رسول الله.

ما أعظم هذه المنزلة!! وما أرفع هذه المكانة!! وما أسمى هذا المقام ولو كره الكافرون!! (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وكيف لا يحصل له هذا وقد قربه الله وأدناه وطهره وزكاه!! فقال سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وقال مصدقًا له: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:1-4].

يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أتى جبريل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه وأعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني مرضعته-، فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال لي أنس: فكنت أرى أثر المخيط في صدره". رواه مسلم.

أخرج الملك من صدره الغل والحسد، وأدخل فيه الرأفة والرحمة والسكينة: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128]، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159].

أيها المسلمون: نشأ النبي -صلى الله عليه وسلم- على أكمل الخصال وأشرف الأحوال، طهّره الله من دنس الجاهلية فلم يعظم صنمًا لهم في عمره قط، ولم يحضر مشهدًا من مشاهد كفرهم، ولقد كانوا يطلبونه لذلك فيمتنع ويعصمه الله من ذلك.

وكان يلقب بالأمين لما شاهدوا من أمانته وصدقه ونزاهته وطهارته، فلمّا بعثه الله بهذه الرسالة الكاملة وأنزل عليه هذا القرآن دعا الناس إلى دين الإسلام ودلّهم على خير ما يعلموه لهم.

في الصحيحين عن ابن عباس قال: "لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون قريش حتى اجتمعوا-، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟!"، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم!! ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ). رواه البخاري.

واستمر -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله ليلاً ونهارًا وسرًا وجهارًا مع تسلط الملأ من قريش وعداوتهم له بعد أن جربوا أسلوب الترغيب حينما قالوا: إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا جعلناك سيدًا لنا لا نقطع أمرًا دونك، وجهلوا أنها النبوة والرسالة، جهلوا دين الإسلام العظيم الذي جاء لتعبيد الناس لرب العالمين وخالقهم أجمعين، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وورثته من أهل العلم يترفعون عن حطام الدنيا الفاني، فليسوا طلاب جاه، إنما مرادهم أن تكون كلمة الله هي العليا، وهمهم أن يستقيم العباد على دين الله، عند ذلك قرر المشركون أن يسلكوا جميع طرق التضييق على هذا النبي الكريم وحصار دعوته وتنفير الناس عنه كما هو شأن الكافرين، وما كيد الكافرين إلا في ضلال.

فاتهموه بالجنون والسحر والكذب والكهانة وهو ثابت على دعوته، صابرًا محتسبًا على يقين من ربه، وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، حتى وصل بهم الحال إلى إيذائه في بدنه؛ في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو جهل: "هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟! فحلف الشقي باللات والعزى لئن رآه يفعل ذلك ليطأن على رقبته أو ليعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، وزعم الشقي أن يطأ على رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟! فقال: إن بيني وبينه خندقًا من نار وهولاً وأجنحة، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا"، قال: وأنزل الله (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى) [العلق:6-10].

فعصم الله نبيه من هذا الطاغية الذي ما زال يحرض على أذاه.

روى ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟! فانبعث أشقى القوم عقبة بن أبي معيط فأخذه، فلما سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض وأنا أنظر، أنظر لو كانت بي منعة طرحته عن ظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- والنبي -صلى الله عليه وسلم- ساجد لربه ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته رفع صوته وقال: "اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش".

فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط"، فوالذي بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر. رواه البخاري ومسلم. ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "وأتبع أصحاب القليب لعنة".

ومن أشد ما صنعوه أنه كان يصلي في حجر الكعبة، فأقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكبي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولوى ثوبه في عنقه فخنفه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر -رضي الله عنه- فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم".

ثم خرج -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف لعله يجد استجابة لدعوته وإيمانًا برسالته، فردوا عليه ردًا قبيحًا، وقالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا عراقيبه، وتخضبت نعلاه، فرجع من الطائف إلى مكة كسير القلب محزونًا ولسان حاله ومقاله: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟! قال: "لقد لقيت من قومك، فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد: إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين"، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا".

فأقرّ الله عين هذا النبي الكريم وجعل الله العاقبة له، فأيده بالأنصار والمهاجرين وبالملائكة المقربين، فدخل مكة البلد الذي أخرج منه فاتحًا منصورًا عزيزًا منيعًا، وتمت كلمة ربك وصدق الله وعده: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].

وفي هذا أعظم عبرة على أن الله -جل جلاله- ناصر دينه مهما حاربه الأعداء، وأن العاقبة للمتقين، وهم رسل الله وأتباعهم إلى قيام الساعة.

إن دين الإسلام دين الله القوي العزيز، ومسكين ذاك الذي يقف في طريق هذا الدين وأنصاره؛ لأنهم لن يتخلوا عنه مهما كلف الأمر، ومهما نالوا من أذى، فليسوا أكرم على الله من نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وقد حصل لهم ما سمعتم من الأذى، فصاحب الدين الحق، صاحب المبدأ القويم لا يتنازل عن دينه ودعوته، ولا يهادن الباطل لأن له في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم أسوة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال:64].

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلقد كان -صلى الله عليه وسلم- أعظم الناس خُلقًا وخلقًا، وأشدهم خوفًا من الله -جل وعلا-، قال عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.

وقال أنس: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "لم تراعوا لم تراعوا"، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج وفي عنقه سيف. متفق عليه.

وقال علي -رضي الله عنه-: "كنا إذا حمي البأس واشتد القتال ولقي القومُ القومَ اتقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يكون أحدنا أدنى إلى القوم منه".

أما كرمه وجوده فحدث عن البحر ولا حرج، فما سئل عن الإسلام شيئًا إلا أعطاه، جاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: "يا قومي: أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر".

وكان -صلى الله عليه وسلم- يعفو عند المقدرة، ويحلم عند الغضب، ويحسن إلى المسيء، كان نائمًا تحت شجرة في سفرة من الأسفار قد علّق سيفه بغصن من أغصانها، فجاء رجل مشرك فأخذ السيف منه، فاستيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- والسيف في يدي الرجل وهو يقول: "من يمنعك مني؟!"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله"، فقال في الثانية: "من يمنعك مني؟!"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله"، فرد السيف في غمده وجلس، فعفا عنه ولم يعاقبه.

وجاء أعرابي فجذب بردته حتى أثر ذلك في رقبته وقال: يا محمد: أعطني من مال الله الذي عندك، فإنك لا تعطيني من كدّك ولا من كدّ أبيك، فالتفت إليه وتبسم، ثم أمر له بعطاء.

الله أكبر يا أمة الإسلام!! هذا نبي الرحمة، هذا النبي الكريم الذي لم تعرف البشرية خلقًا كخلق هذا النبي الكريم وصفحه العظيم، قال الله -جل ذكره-: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

فأين نحن عن هديه وسيرته، أين نحن عن أخباره وطريقته!! (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].

مدارسة السيرة والحديث عنها يربي الفضائل في النفوس، ويشحذ الهمم، ولاسيما عند الناشئة، فيكون جيلاً صالحًا يحمل هذا الدين ويبلغه لأهل الأرض ويصبر على الأذى.

كان علي بن الحسين -رضي الله عنهما- يقول: "كنا نعلم مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما نعلم الصورة من القرآن".

ولا عجب!! فعلم السيرة مع ما سبق حوى علم الدنيا والآخرة كما قال الإمام الزهري: "علم السيرة علم الدنيا والآخرة"، وهو حديث محبب إلى النفوس مع أنه طويل المدى غزير المادة عريض الجوانب، لا يستطيع المتحدث أن يحيط به.

فيا رب الأسرة: إن من محبتك لنبيك -صلى الله عليه وسلم- ومن مسؤوليتك تجاه بيتك أن تربيهم على أخلاق الإسلام وعلى سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأن تقرأ لهم في كتاب مبسط في كتب السيرة، وأن توفر لهم المواد الصالحة لتزاحم موجات الفساد العارمة من غناء ماجن  وصور خليعة وأفلام ساقطة تذهب الغيرة وتجرئ على الفاحشة، وقنوات يشاهد فيها الكفر والإلحاد ويمارس فيها أنواع الفحش والفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم انفعني بالسنة، وبسيرة سيد المرسلين، اللهم اجعلنا بهم منتفعين يا ذا الجلال والإكرام.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي