أيها المسلمون: إنها نماذج تحيي في المسلمين حب التضحية لهذا الدين، وبذل الأنفس والأموال والجاه في سبيل الله، هكذا يعلمنا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. أيها المسلمون: إنها ليست نماذج غريبة، بل هي في حياة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ماثلة وواقعة، ويجب أن يقرأها الناس، وأن يمتثلوها إذا أرادوا أن يفلحوا، وإذا أرادوا أن تعود قيادة البشرية لهم، وإذا أرادوا أن يحيوا فوق الناس، لا تحت الناس، وأن...
سبحان من لو سجدنا بالعيون له *** على شبا الشوك والمحمى من الإبر
لم نبلغ العشر من معشار نعمته *** ولا العشير ولا عشراً من العشر
لا إله إلا الله، جل في علاه، الواحد الأحد الفرد الصمد.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، والقبول يا رب العالمين.
يا من له كل الوجود سجد، يا من له كل الوجود حمد، يا من له كل الوجود أثنى، سبحانك لا إله لنا غيرك، ولا رب لنا سواك، نسأل الله من فضلك العظيم.
اللهم صل وسلم على حبيبنا المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين، وحبيب الله -جل وعلا- رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-، أشهد أنه محمد رسول الله، وأنه القائد القدوة -عليه الصلاة والسلام-.
يا هذهِ الدُنيا أصيخي واشهدي *** إنّا بغَيرِ مُحمّدٍ لا نقتدي
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الدين بالعروة الوثقى، وكونوا عباد الله إخوانا.
أيها المسلمون: إنه لا حياة للأمة، ولا فلاح ولا نصر، ولا عز ولا تمكين، ولا رفعة إلا بعودتها إلى الله -جل وعلا-، وبعودتها إلى منهج حبيب الله -عليه الصلاة والسلام-.
لا فلاح للأمة، ولا سعادة ولا نجاة ولا فوز؛ إلا أن تتمسك بالكتاب والسنة، فتعمل بها على حد سواء، وترجع إلى سيرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وسيرة السلف الصالح الذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
الرجوع إلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كيف استنوا بحبيبنا -صلى الله عليه وسلم-؟
كيف كانوا يسيرون على نهجه؟
كيف كانوا في هذه الحياة؟ هل تمسكوا بها؛ تمسك الراكن إليها الذي يريدها أبداً وإلى أن تقوم الساعة؛ أم أنهم طلقوا الدنيا وودعوها، واختاروا ما أعد الله لعباده في الآخرة؛ فكانوا يتسابقون إلى الجنات تسابقا عجيبا؛ سبقهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمرهم أن يتسابقوا في ذلك، فحبب لهم أن يكونوا من أهل الآخرة؟.
حببت إليهم الدار الآخرة، وكرهت إليهم الدنيا، فلم يتمسكوا بها تمسك المتشبث بها، وإنما كانوا يعتبرونها دار انتقال، ودار زوال، دار ظل ومقيل.
أيها الأحباب: إنه لا فلاح للأمة إلا بعودتها إلى سلفها، وسيرها على منهجهم -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وقراءة سيرتهم، والتعرف على أحوالهم، كيف كانت حالهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف كانت حالهم بعده؟
أيها الأحباب: نضرب لكم صفحات من الماضي التليد، من التاريخ العظيم الذين مضوا بالعزة والشرف والكرامة، هم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يخرج أحدهم، وقد أوذي في ذات الله أيما أذى في سبيله، فلا يجد إلا أن تهون نفسه عليه في ذات الله -تعالى-، ويرغمونه على قول غير لا إله إلا الله، فلا يقول إلا: "أحد.. أحد".
وهو عبد حبشي مملوك، لم يكن يؤبه له في مكة، ولكن ثباته على هذا الدين، واستمساكه بــ "لا إله إلا الله" جعله مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وسمع قرع نعله صلى الله عليه وسلم في الجنة.
لقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلا لنا، يجب أن نهتدي به، وأن نجعله لنا نبراسا وقائدا؛ نجوس به خلال ظلمات الدنيا، لنصل إلى نور الآخرة، إلى الجنات العالية.
هكذا يجب أن نتعلم: "وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
أيها المسلمون: حوادث في عبق التاريخ؛ لو ذكرت لأناس غير مسلمين لمجدوها، يخرج عبد الله بن عمرو بن حرام، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المعركة مع من؟
مع الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في غزوته، وعندما يجن عليه الليل، يرفع يديه إلى السماء، فيقول: يا رب اللهم إني قد بلغت من السن ما بلغت -وقد تجاوز الثمانين-، يقول: اللهم إني تجاوز بي من السن ما تجاوز، اللهم خذني شهيدا في سبيلك غدا عندما ألقى العدو، مع رسولك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم إني قد جعلت أولادي وبناتي أمانة عندك.
ويخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتشتد المعركة، يقاتل ويصول ذلك الشيخ الكبير الذي باع نفسه لله -تعالى-، حتى يقع صريعا، مضرجا بدماء الشهادة، وتنتهي المعركة، فيجدوا أنه كان بين القتلى، ويذهب جابر وإخوته وأخواته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، يسألونه عن حاله، وعما كان منه، وكيف كانت حاله في المعركة، وبعد أن قتل؛ فماذا أجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أتوه باكين.
"ابكوا أو لا تبكوا، فو الله إنه الآن ليسبح في أنهار الجنة" رضي الله عنه وأرضاه.
سابق إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ففاز بها، هل أكتفى بذلك صلى الله عليه وسلم؟
كلا، بل قال: "يا جابر ألا أخبرك عن أبيك؟" قال: بلى يا رسول الله، قال: "ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحا، وقال: تمن علي يا عبدي".
فماذا قال العبد؟
أتراه قال شيئا مما يراد من أمور الدنيا.
كلا، بل قال: "أسألك أن تعيدني إلى الدنيا، لأقتل في سبيلك ثانية".
الله أكبر، يسأل الله أن يعيده إلى الدنيا ليقتل في سبيله مرة ثانية، ولكن الله قضى أنهم إليها لا يرجعون، وأمره أن يتمنى غيرها، فتمنى أن يبلغ من بعده من إخوانه بما ناله من أجر وغنيمة، وفوز وسعادة، فقال الله: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[آل عمران: 169].
بلغهم الله أنهم أحياء عنده يرزقون.
لقد تمنى الشهادة في سبيل الله، ودعا الله بها، فاستجاب الله له دعاءه.
أيها الأحباب: أو لا يكفينا الأمثلة أن ننظر إلى رجل يخرج لما يسمع: "حي على الجهاد" يخرج ويترك نفسه دون أن يشعر أنه على جنابة، وأن لم يغتسل، يخرج في سبيل الله، حتى يقتل، فتغسله الملائكة بين السماء والأرض، حنظلة غسيل الملائكة، وصاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وآخر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يلتفت إليه الناس، ولا يرونه شيئا؛ لأنه كان فقيرا معدما، لا يجد شيئا، ولكن حسبه أن حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وأنه حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمرء مع من أحب.
النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يحبه، أتدرون من هو؟
إنه جليبيب! اسم لم يكن دارجا بين الصحابة، ولم يكن مشهورا بينهم، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمره أن يذهب إلى بيت من بيوت الأنصار ليزوجوه، وهو يقول: من يزوج جليبيب يا رسول الله، لا مال ولا جاه؟ لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمره أن يذهب إلى فلان الأنصاري، فيقول: أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخطب ابنتكم، فظنوا أنه يخطبها للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: حبا وكرامة، لكنه قال: إنه يخطبها لي، فلما رأوا لوجهه وضعفه وسواده، وقلة ما يجده، قالوا: أنت؟!
فرأوا أنه ليس كفأ لها في نظرهم، فأرادا أن يردوه، ولكن البنت المؤمنة الصالحة، التقية النقية، التي سمعت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أرسله ليتزوجها، قالت: قبلت زواجه، ادفعوني إليه، فلن يضيعني الله، ما دام أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أمر!.
فتزوجها، ولما أرادوا أن يتموا مراسيم الزفاف والزواج، وأرادوا أن يزفوه إلى عروسه، سمع: "حي على الجهاد"، فما كان منه إلا أن ابتدر الغزوة، وخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نسي الدنيا، نسي زخارفها، ليبحث عن الآخرة، وعن ما فيها، فلما خرج قاتل قتالا مستميتا، حتى قتل سبعة من الكفار، ثم قتلوه، وتمرغ بدماء الشهادة.
فلما انتهت الغزوة، وبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تفقدون؟" فقالوا: نفقد فلانا وفلانا.. وبدؤوا يعددون بعض الأسماء المعروفة، ولكنهم لم يذكروا جليبيب؛ لأنهم لم يعرفوه، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكني أفقد أخي جليبيب، التمسوا جليبيب".
فالتمسوه فوجدوه على هذه الحال، فلما أخبروا النبي -صلى الله عليه وسلم- احتضنه بدمه عليه الصلاة والسلام على صدره، وأخذوا يحفرون له، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: "أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك" قتلت سبعة من الكفار ثم قتلوك".
حتى كانت نهاية البطل مع الحور العين بعد أن كان يريد من حور الطين، وشتان بين الثرى والثريا، يترك الدنيا ليجد زوجاته من الحور العين تنتظره، حتى أنه يشيح بوجهه صلى الله عليه وسلم لمعرفته بغيرته.
الله أكبر، صاحبي فقير، ضعيف مسكين، لا يعرف، ولا يؤبه له، يقدم نفسه، ويترك الدنيا بزخارفها وبهارجها، إنهم يمشون على ما مشى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلله درهم.
ولله كم ضرب لنا من الأمثلة؛ لو كنا من العاقلين، أو من أولي الألباب، أو من المستبصرين؟!.
أيها المسلمون: أهذه المواقف تمر علينا في الخيال فقط؟
لا والله إنها مواقف حقيقية، لما حضرت صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب سكرات الموت، كان قبلها بأسبوع قد وقف على الحجر الأسود، فماذا قال؟
قال: "اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك في بلد نبيك، أو مسجد نبيك"-صلى الله عليه وسلم-.
وبعد أسبوع يبتدره أبو لؤلؤة المجوسي، وهو يصلي بالناس الفجر، فيطعنه طعنات، كانت سبب استشهاده، كان بعض الصحابة، يقول: شهادة في بلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! يا أمير المؤمنين! من أراد الشهادة طلبها، قال: هكذا طلبت من ربي، والله يستجيب لي، فاستجاب الله له -سبحانه وتعالى-، وأناله ما تمنى -رضي الله عنه وأرضاه-، لكن تدرون ماذا كانت حاله؟ كان يقول: "فقال : "ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي -عز وجل-".
ويقول: "ذنوبي.. ذنوبي" رضي الله عنه وأرضاه، مع أنه قدم للإسلام ما لم يقدمه آلاف وآلاف مؤلفة من المسلمين.
أيها المسلمون: إنها نماذج تحيي في المسلمين حب التضحية لهذا الدين، وبذل الأنفس والأموال والجاه في سبيل الله، هكذا يعلمنا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون: إنها ليست نماذج غريبة، بل هي في حياة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ماثلة وواقعة، ويجب أن يقرأها الناس، وأن يمتثلوها إذا أرادوا أن يفلحوا، وإذا أرادوا أن تعود قيادة البشرية لهم، وإذا أرادوا أن يحيوا فوق الناس، لا تحت الناس، وأن يحيوا ب"لا إله إلا الله" في عمق، على رأس الزمن، يعلنوها كما أعلنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
حببت لنا الدنيا، وكره لنا الموت، فكان حرصنا على الدنيا أشد من حرصنا على الآخرة -نسأل الله العافية والسلامة-.
أيها المسلمون: ليس هذا في زمن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدهم فقط، وإنما حتى في الأزمان التي بعدهم، يخرج قائد من قادات المسلمين، فإذا منعه البحر لوصول ما وراءه، قال: "والله لو أعلم أن وراء هذا البحر أناسا لا يؤمنون بالله، لخضت البحر بفرسي".
هؤلاء هم سلف الأمة -رضي الله عنهم وأرضاهم-.
أيها المسلمون: ألم يمر بكم خبر محمد بن واسع العالم الزاهد، العابد المجاهد، الرجل الذي خرج مع قتيبة بن مسلم، فلما سمع قتيبة بن مسلم أن الإمام محمد بن واسع معه في الجيش، ماذا قال؟
"إن أصبع محمد بن واسع الأزدي أحب إليّ من ألف سيف شهير، يحملها ألف شاب طرير".
وكان إذا بدأت المعركة ابتهل إلى الله، وامتثل سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدعا دعاء عظيما، فرح به المجاهدون.
كان البراء بن مالك صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- لو أقسم على الله لأبره، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره" منهم البراء -رضي الله عنه-، وكان يقسم على الله أن ينصرهم فينصرهم بإذنه، ويقسم على الله أن يستجيب فيستجيب بإذنه.
وفي أمر يدل على أنه يحرص على الآخرة أكثر من حرصه على الدنيا، فكان يقول عمر: "لا تولوا البراء على سرية من السرايا، فإنه مهلكة من المهالك؛ لأنه كان لا يخاف إلا الله -رضي الله عنه وأرضاه-، وكان شجاعا.
فلما كانت خاتمته، وأتاه المسلمون وهم لم يستطيعوا أن يفتحوا حصنا من حصون النصارى، ماذا قال؟
قال: "اللهم افتح الحصن علينا، واجعلني أول شهيد في المعركة" أقسم عليك يا الله أن تفتح الحصن، وأن تجعلني أول شهيد في المعركة، فكان له ذلك -رضي الله عنه وأرضاه-.
وعلى مر التاريخ لا تزال ترى من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خيرة باقية، وسلفا صالحا.
ألم يمر بكم خبر التابعي الجليل "صلة بن أشيم" الذي لا يعرفه إلا القليل، لكنه عند الله معروف، يخرج معه أحد طلابه، إلى الجهاد في سبيل الله، وكان من العباد الزهاد، فلما رأى الناس ناموا؛ فر من بينهم خلسة، ليصلي تحت الشجر وحده، فتبعه أحد تلاميذه، ليرى ما يصنع، فوجده كبر، فلما كبر وخشع في صلاته، خرج له الأسد، وأخذ يدور حوله، يريد أن يأكله، أو لا؟
المهم: أنه يدور حوله، فلم يتحرك، ويقول من يراه وهو مختبئ ولم تطرف له عين، وكأنه لا يرى شيئا أمامه، حتى إذا انتهى من صلاته؛ سلم عن يمينه وعن شماله، ثم قال: يا حيدرة إن كنت أمرت بقتلي أو بأكلي فافعل، وإلا فانصرف راشدا، فانصرف راشدا ذلك الأسد، وحفظه الله بأنه كان من أولياء الله الأخفياء الأصفياء.
إن سلف الأمة مثل لا يضرب؛ لكي نقص عليكم الأخبار قصصا، لا.
إذ "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يرضهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك".
من هم أولئك؟
"من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" من كان على سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى سيرة أصحابه يسير على نهجهم، فإنه -بإذن الله سبحانه وتعالى- سيبلغ العزة، ويبلغ النصر والتمكين.
اللهم إنا نعوذ بك من شر أنفسنا والشيطان.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
يقول الله -جل وعلا-: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[العنكبوت: 1-3].
ايها المسلمون: سنة البلاء ماضية وجارية، ولا بد من التضحية حتى الفوز بالجنة، ولا بد من بذل العبادة والطاعة، والعمل الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان بكل صوره، حتى يرتفع الناس في درجات الجنان.
لما كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يبالون بالبلاء، كان لهم العز والتمكين، يؤتى بصاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقاد مسلسلا، حتى يوضع بين المشركين، ويقطع منه لحمة لحمة، وجزءً جزءً، وخبيب بن عدي يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً *** على أيّ جنبٍ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزعِ
حتى لما قيل له: هل تتمنى أن رسول الله مكانك وأنك آمن في أهله؟
قال: والله لا أتمنى أن تصيب صلى الله عليه وسلم شوكة وأنا في أهلي".
أيها المسلمون: إن الله يمتحن الأمة ويبتليها، ليخرج صالحها من طالحها، وليظهر خبثها، ولينفى عنها.
هكذا تكون، وهكذا يصطفي الله من عباده من يشاء، ليكونوا جسرا يعبر عليه المسلمون إلى النصر.
لقد ضحى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسه، حتى أنه أوذي في ذات الله، ورأى عمه وقد مثل به، فأحزنه ذلك، ولكن الله قال له: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران: 128].
وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد آذوا أصحابه، وبكى عليه الصلاة والسلام، ودعا لهم صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما خير بين الخلود في الدنيا والآخرة ولقاء الله؛ اختار لقاء الله -جل وعلا-، وأراد قرب الرحمن -عليه الصلاة والسلام-.
أيها المسلمون: إن من يتأمل في التاريخ يجد أن المسلمين كانوا ينتصرون، حتى في دعوة واحدة، أو ليس في المسلمين من إذا أقسم على الله لأبره؟ أو ليس في المسلمين من يكون ماله ومطعمه ومشربه حلالا، فإذا رفع يديه إلى السماء، وقال: يا رب؛ استجاب الله دعاءه؟
.
والله إن فيهم من أولئك من فيهم، ولكن أين هم؟!
ربما هم في الثغور، أو على أرض الجهاد، أو بين أولياء الله الصالحين، أو في الساجدين العابدين، أو في أولياء الله المتطهرين.
المهم: أنه لا يزال في الأمة من إذا أقسم على الله لأبره، وإذا دعا استجيب له.
أسأل الله أن يكثر في الأمة من الصالحين.
أيها المسلمون: حادثة أختم بها، وأذكرها لكم؛ ذكر أهل التفسير، ومنهم ابن كثير، ذكروا قصة عند قول الله -تعالى-: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)[النمل: 62].
ذكروا أن رجلا خرج بماله، وما معه من تجارة، فصادفه قاطع طريق، فقال: هات مالك؟ فأعطاه ماله كله، فقال: إني قاتلك؟ قال: أخذت مالي فما تريد من قتلي؟ قال: إني أقتلك؟ قال: فإذا كان ولابد فاتركني أصلي لله ركعتين، قال: دونك ذلك!.
فكبر هذا الرجل، فلما أراد أن يقرأ القرآن، لم يحضر عنده شيء منه، حتى أنه نسي سورة الفاتحة، ما السبب؟
القتل ينتظره، مع الانتهاء من صلاته، فماذا قال؟
أخذ يردد آية واحدة طول صلاته: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل: 62].
يرددها في قيامه وركوعه وسجوده، بكل أجزاء جسده، حتى تحرك معها وبكى، وكان يرددها، يقول في سجوده: "اللهم أنا المضطر، وهذا الظالم، وأنت المدعو والمجيب: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)[النمل: 62].
فسمع قعقعة خلفه، فلما سلم من صلاته، والتفت؛ فإذا الرجل صريعا، قد فصل رأسه عن جسده، وعلى صدره فارس ملثم، فقال: من أنت لله ردك؟ -يرويها أهل التفسير- فيقول: أنا من جند الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء.
فأين الأمة التي يحضر عندها الدعاء؟ وأين الذين إذا دعوا استجاب الله لهم؟
ادعوا الله سرا وجهرا، ادعوا الله في صلاتكم في قيام الله أن ينصر إخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يرفع البلاء عن المسلمين، وأن يعز الدين، وأن يقيم الشرع، وأن يذل الكافرين، وأن يمحق أعداء الدين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي