تعامل الحكماء مع البلاء

هلال الهاجري
عناصر الخطبة
  1. كيف فعل الفاروق عمر مع طاعون الشام .
  2. قواعد نافعة في التعامل مع الوباء .

اقتباس

لعلَّكم تُلاحظونَ في هذه القِّصةِ وفي حديثِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- قواعدَ نافعةً عظيمةً في التعاملِ مع الوباءِ إذا وقعَ في البِلادِ، وانتشرَ بينَ العِبادِ؛ منها: مشاورةُ أهلِ العلمِ والحِكمةِ في مثلِ هذه الأمورِ العظيمةِ والنوازلِ المُعاصرةِ التي تقعُ في المُجتمعِ، وقد يكونُ لها أثرٌ مُباشرٌ على النَّاسِ، فها هو عمرُ -رضيَ اللهُ عنه- يستشيرُ المهاجرينَ ثم الأنصارَ ثم مَشيخةَ قريشٍ في قُدومِه على الوباءِ أو الرُّجوعِ عنه حتى لا يُعرِّضَ حياةَ النَّاسِ للخَطرِ.

الخطبة الأولى:

إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْللْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ، لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْم،ِ فَقَالَ عُمَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ!! فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ!! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ"، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ.

لعلَّكم تُلاحظونَ في هذه القِّصةِ وفي حديثِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- قواعدَ نافعةً عظيمةً في التعاملِ مع الوباءِ إذا وقعَ في البِلادِ، وانتشرَ بينَ العِبادِ؛ منها: مشاورةُ أهلِ العلمِ والحِكمةِ في مثلِ هذه الأمورِ العظيمةِ والنوازلِ المُعاصرةِ التي تقعُ في المُجتمعِ، وقد يكونُ لها أثرٌ مُباشرٌ على النَّاسِ، فها هو عمرُ -رضيَ اللهُ عنه- يستشيرُ المهاجرينَ ثم الأنصارَ ثم مَشيخةَ قريشٍ في قُدومِه على الوباءِ أو الرُّجوعِ عنه حتى لا يُعرِّضَ حياةَ النَّاسِ للخَطرِ.

ومنها: الإجراءاتُ الوِقائيَّةُ، والوسائلُ الاحترازيَّةُ، فلا ينبغي الذهابُ إلى الأرضِ التي ظهرَ وباؤُها، وتلوَّثَ هواؤُها، وذلك أخذاً بالأسبابِ الشَّرعيةِ، وحِفاظاً على النَّفسِ البَشريَّةِ، وكما جاءَ في الحديثِ: "فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ"، ولا تَعارضَ بينَ هذه الأحاديثِ وبينَ حديثِ: "لا عَدْوَى"؛ لأنَّ العدوى المنفيَّةَ في الحديثِ هو ما كانَ يعتقدهُ أهلُ الجاهليَّةِ أن العدوى تنتقلُ بنفسِها، والصحيحُ: أن مخالطةَ المريضِ سببٌ من أسبابِ انتقالِ المرضِ، ولا يكونُ إلا بتقديرِ اللهِ تعالى، فلذلك ترى البيتَ تَدخلُ فيه الأمراضُ المُعديةُ، فيصابُ البعضُ ويسلمُ البعضُ الآخرُ -بإذنِ اللهِ-.

ومنها: منعُ خروجِ الناسِ من الأرَضِ الموبوءةِ فِراراً من المرضِ؛ لأنَّ خروجَهم قد يتسببُ في نقلِ الفَيروسِ إلى أماكنَ كثيرةٍ، ومساحاتٍ كبيرةٍ، فيصعبُ السيطرةُ على المرضِ إذا انتشرَ بعدَ ذلك في البُلدانِ، وهذا فيه الدلالةُ على ما يُسمى في زمانِنا بالحَجْرِ الصِّحِّيِّ، وقد قالَ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ". فيَجبُ أن يُحاصرَ المرضُ في مكانٍ واحدٍ، ويُتَّخذُ معه الإجراءاتُ المناسبةُ، مِنْ لِقَاحاتٍ لازمةٍ، وتوعيَّةٍ سَليمةٍ، وسُبُلٍ وِقائيَّةٍ، وعِلاجٍ مناسبٍ، حتى يتمَّ القضاءُ عليه في مكانِه وفي وقتٍ قصيرٍ -بإذنِ اللهِ تعالى-.

ومنها: التطبيقُ العمليُّ لقولِه تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، في عدمِ الخروجِ من أرضِ المرضِ، فما كتبَه اللهُ تعالى واقعٌ، لا يَردُّه الفِرارُ من الوَباءِ، وإنما هو التَّسليمُ بالأقدارِ والقَضاءِ، واتِّخاذُ الأسبابِ المشروعةِ لدفعِ البَلاءِ، مستشعراً قولَه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئَكَ"، فإن نجَا فبفضلِ اللهِ تعالى ورحمتِه، وإن أُصيبَ استحضرَ نصوصَ الأجورِ العظيمةِ في الصَّبرِ على الأقدارِ المُؤلمةِ، منها قولُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى"، بل إن هذا البلاءَ هو علامةٌ لمحبةِ اللهِ تعالى للعبدِ كما جاءَ في الحديثِ: "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"، فيرضى ويُسلِّمُ.

ومنها: البحثُ عن التَّطعيماتِ الوِقائيَّةِ لحمايةِ الأصِحَّاءِ، وعن الدَّواء المُناسبِ لعلاجِ الَّذينَ أصابَهم البلاءُ، قَالَتْ الْأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا نَتَدَاوَى؟! قَالَ: "نَعَمْ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا هُوَ؟! قَالَ: "الْهرمُ"، فينبغي الاستعانةُ بالأطِباءِ وأهلِ الخِبرةِ الأكْفَاءِ، لاكتشافِ الدواءِ الذي وضعَه اللهُ تعالى لهذا الدَّاءِ، ثُمَّ علاجٌ وتطعيمٌ، وفحوصاتٌ وتعقيمٌ، حتى يُصبحَ المرضُ ذكرى من الذِّكرياتِ، وتاريخاً حوى الكثيرَ من الحِكاياتِ.

ومنها: أن البقاءَ في أرضِ الوباءِ، يستلزمُ التوَجَّهَ إلى اللهِ تعالى بالدُّعاءِ الصَّادقِ والتَّوبةِ النَّصوحِ، خاصةً إذا علمنا أن من أعظمِ الأسبابِ لنزولِ البلاءِ هو ما يقتَرِفُه النَّاسُ من الأعمالِ التي يستحقونَ بها عذابَ اللهِ تعالى، كما روى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ أَوْ السَّقَمَ رِجْزٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدُ بِالْأَرْضِ، فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَقَعَ بِأَرْضٍ وَهُوَ بِهَا فَلَا يُخْرِجَنَّهُ الْفِرَارُ مِنْهُ".

ثُمَّ يتحصَّنُ بالأذكارِ الشَّرعيةِ التي تَقيه من كلِّ سُوءِ -بإذنِ ربِّه-، كأذكارِ الصَّباحِ والمساءِ، ففيها البرَكةُ والخَيرُ، وفيها الحِصنُ الحصينُ، فإذا اجتمعتْ الأسبابُ الكونيَّةِ والشَّرعيَّةِ، لِقاحٌ ودواءٌ، وأذكارٌ ودُعاءٌ، فانتظروا رحمةً قريبةً مِنَ السَّماءِ.

يقولُ ابنُ القيِّمِ -رحمَه اللهُ تعالى-: "بَلْ هَاهُنَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَشْفِي مِنَ الْأَمْرَاضِ مَا لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا عُقُولُ أَكَابِرِ الْأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهَا عُلُومُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ وَأَقْيِسَتُهُمْ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ، وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَقُوَّةِ الْقَلْبِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ، وَالِانْطِرَاحِ وَالِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدْيِهِ، وَالتَّذَلُّلِ لَهُ، وَالصَّدَقَةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّفْرِيجِ عَنِ الْمَكْرُوبِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَدْوِيَةَ قَدْ جَرَّبَتْهَا الْأُمَمُ عَلَى اخْتِلَافِ أَدْيَانِهَا وَمِلَلِهَا، فَوَجَدُوا لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي الشِّفَاءِ مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمُ أَعْلَمِ الْأَطِبَّاءِ، وَلَا تَجْرِبَتُهُ، وَلَا قِيَاسُهُ، وَقَدْ جَرَّبْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْ هَذَا أُمُورًا كَثِيرَةً، وَرَأَيْنَاهَا تَفْعَلُ مَا لَا تَفْعَلُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ".

اللهم ارفعْ عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمِحَنَ، وسُوءَ الفتنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ، عن بلدِنا هذا خاصةً، وعن سائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ، اللهم اصرفْ عنَّا كلَّ سُوءٍ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتَلانا، وارحم مَوتَانا، واجعل ما أصابَهم سببًا لرضوانِك عنهم يا ربَّ العالمينَ.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمْدُ لِله رَبِّ العَالمِيْنَ، خَلقَ فسَوَّى، وقدَّر فَـهَدَى، وأَمَاتَ وَأَحْيَا، وَأَضْحَكَ وَأَبْكَى، خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثَى، يَعْلَمُ السِّرَ وَأَخْفَى، لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى، أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، وَالصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ عَلى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبهِ أَجْمَعين.

وَبعدُ:

يقولُ تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًاً)، هذه الآيةُ نزلتْ في بعضِ المُنافقينَ وضُعفاءِ الإيمانِ الَّذين إذا سمعوا بأيِّ خبرٍ أذاعوه ونشروه، فأنكرَ اللهُ تعالى عليهم عَدمَ ردِّ الأمرِ إلى النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- أو العُلماءِ والأمراءِ مِن بَعدِه، حتى يتثبَّتوا من صحَّةِ الخبرِ أو كَذبِه، ثُمَّ هل يَصلحُ للنَّشرِ أم يجبُ كتمانه؟! فليسَ كلُّ خَبرٍ يُذاعُ ولو كانَ صَحيحاً.

وأما ما نراهُ اليومَ فهو فوضى إعلاميَّةٌ، على مستوى الأفرادِ وبعضِ وسائلِ الإعلامِ، فكلُّ شيءٍ يُنشرُ، حقيقةً كانَ أم كَذِباً، مُفرِحاً كانَ أم مُحزِناً، مُطَمئِناً كانَ أم مُقلِقاً، مُحفِّزاً كانَ أم مُثَبِّطاً، وقد قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "كفَى بالمرءِ كَذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ".

فليتقِ اللهَ تعالى، الَّذينَ ينشرونَ الإشاعاتِ والأخبارَ الواهيةَ في وقتِ وجودِ المرضِ، ونزولِ البلاءِ، فينتشرَ الفزعُ بينَ النَّاسِ، وتتعطلَ مصالِحُهم، وتتأثرَ أعمالُهم، ويتوقفَ تَعليمُهم، وليتركوا هذا الأمرَ لأصحابِ الاختصاصِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، ينشروا منه ما ينفعُ النَّاسَ ويحتاجونَه، واعلموا أن بلادَكم هي مأوى أفئدةِ الحُجَّاجِ والمُعتمرينَ والزائرينَ، وإن إثارةَ مثلَ هذه الشائعاتِ المُرعبةِ، قد يكونُ من الصَّدِّ عن المسجدِ الحرامِ، وقد قالَ تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).

اللهم آمنَّا في أوطانِنا وآمنَ المسلمينَ في أوطانِهم، اللهم احفظْ بلدَنا وجميعَ بلادِ المسلمينَ من كلِّ سوءٍ، اللهم أَدمْ علينا وعليهم نعمةَ الأمنِ والإيمانِ يا ربَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، اللّهُـمَّ إِنِّـا نَسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في الدُّنْـيا وَالآخِـرَةِ، اللّهُـمَّ إِنِّـا نَسْـأَلُـكَ العَـفْوَ وَالعـافِـيةَ في دينِنا وَدُنْـيانا وَأهْـلِنا وَمالِنا، اللّهُـمَّ اسْتُـرْ عـوْراتِنا وَآمِـنْ رَوْعاتـِنا، اللّهُـمَّ احْفَظْـنا مِن بَـينِ يَدَيْنا وَمِن خَلْفِنا وَعَن يَمـينِنا وَعَن شِمـالِنا، وَمِن فَوْقِنا، وَنَعـوذُ بِعَظَمَـتِكَ أَن نُغْـتالَ مِن تَحْتـِنا، اللّهُـمَّ عالِـمَ الغَـيْبِ وَالشّـهادَةِ فاطِـرَ السّماواتِ وَالأرْضِ رَبَّ كـلِّ شَـيءٍ وَمَليـكَه، نَشْهَـدُ أَنْ لا إِلـهَ إِلاّ أَنْت، نَعـوذُ بِكَ مِن شَـرِّ أَنَفْسِنا وَمِن شَـرِّ الشَّيْـطانِ وَشـركه، وَأَنْ نَقْتَـرِفَ عَلـى نَفْسِنا سوءاً أَوْ نَجُـرَّهُ إِلـى مُسْـلِمٍ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي