والرزق لا يُطلب إلا من الله كما قال -سبحانه جل في علاه-: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ)، وقال سبحانه: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22]، لا يطلب من الأولياء ولا من القبور ولا من أصحابها ولا من الأصنام والأوثان. وأمرنا سبحانه بطلب الرزق والسعي في البحث عنه كما قال سبحانه: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ)، وأمرنا بسؤاله ودعائه في طلب الرزق كما قال سبحانه: (وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)...
الحمد لله الرازق وحده، والحمد لله الذي جعل أسبابًا لبسط رزقه، وأشهد أن لا إله إلا الله يوسع الرزق على من يشاء، ويقتر الزرق على من يشاء بحكمته وعدله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم القيامة.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:3].
عباد الله: إن من أسماء الله سبحانه "الرزاق"، يرزق عباده ويعطيهم، وتارة يوسع على من يشاء، وتارة يقتر على من يشاء، وتارة يرزق من يشاء بغير حساب، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
قال سبحانه: (اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ)، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ).
الله سبحانه هو الرازق وحده كما قال سبحانه وبحمده: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58]، وقال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ) [الروم:40].
وأمر سبحانه بالأكل من رزقه فقال: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا)، وقال سبحانه: (كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [الأنعام:142].
والله سبحانه تكفّل بالأرزاق للمخلوقات فقال -جل وعلا-: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا)، وقال سبحانه: (وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ).
ورزق العبد مكتوب وهو في بطن أمه، كما في الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعًا وفيه: "فيأمر الملك ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد"، والرزق كل ما ينفع مما يؤكل ويُشرب ويُطعَم، والرَّزق بالفتح العطاء، والرِّزق بالكسر الحظ والنصيب، والرزق ما ينفع من حلال أو حرام، كل ذلك من رزق الله كما قال -جل في علاه- (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا)، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [البقرة:126]، قال السفاريني:
والرزق ما ينفع من حلالِ *** أو ضده فحل عن المحالِ
لأنـه رازق كـل الخلــقِ *** وليس مخلوقٌ بغير رزقِ
بخلاف المعتزلة فعندهم أن الرزق لا يكون إلا من حلال فقط، وأما أهل السنة والجماعة وما دل عليه الكتاب والسنة، فإن الرزق يسمى رزقًا حلالاً أو حرامًا، والله -جل وعلا- فاوت بين عباده في الرزق كما قال سبحانه: (وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ).
والرزق لا يُطلب إلا من الله كما قال -سبحانه جل في علاه-: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ)، وقال سبحانه: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 22]، لا يطلب من الأولياء ولا من القبور ولا من أصحابها ولا من الأصنام والأوثان.
وأمرنا سبحانه بطلب الرزق والسعي في البحث عنه كما قال سبحانه: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ)، وأمرنا بسؤاله ودعائه في طلب الرزق كما قال سبحانه: (وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، وفي الحديث: "اللهم ارزقني وارحمني واهدني وارزقني".
ومن دعاء إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)، وقال عن عيسى -عليه السلام-: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [المائدة:114].
والرزق -عباد الله- ينقسم إلى قسمين: الأول: الرزق الحلال، ورزق القلوب العلم والإيمان، والثاني: مطلق الرزق لسائر الخلق، وهو سوق القوت لكل مخلوق، وهذا يكون من الحلال والحرام، والله رازقه ذو الجلال والإكرام.
يقول ابن القيم في نونيته:
وكذلك الرزاق مـن أسمائـه *** والرزق من أفعاله نوعان
رزق على يد عبـده ورسـوله *** نوعان أيضًا ذان معروفان
رزق القلوب العـلم والإيمـان *** والرزق المعد لهذه الأبدان
والثاني سوق القوت للأعضاء في *** تلك المجاري سوقه بوزان
هذا يكون من الحلال كما يكون *** من الحرام كلاهما رزقان
والله رازقه بـهذا الاعتـبـار *** وليس بالإطلاق دون بيان
فالرزق رزق القلوب ورزق الأبدان، والأدعية شاملة للنوعين، والأول أهم وأعظم، وكثيرًا ما ينصرف الذهن في الرزق إلى رزق الدنيا، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فالرزق مكتوب للمرء وهو في بطن أمه، والرزق للمرء كظله لا يفارقه حتى تنقطع روحه، فما دام الأجل باقيًا فالرزق جارٍ.
وينبغي التوكل وصدق الاعتماد على الله في جلب الرزق، وأن الله رازقه، وأنه الرازق وحده، وأن الله تكفل بالأرزاق للمخلوقين كلهم، وأن الرزق مضمون مكفول، ولن ينقص منه لك ذرة واحدة.
وما أجمل ما قال الشافعي:
تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي *** وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
وما يكُ من رزقي فليسَ يفوتني *** وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ الغَوامِقِ
سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضلهِ *** ولو لم يكن مني اللسانُ بناطقِ
ففي أي شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرةً *** وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
وقال آخر:
وكيف أخاف الفقر والله رازقي *** ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم *** وللضب في البيداء والحوت في البحر
ويقول الثالث:
واللهِ واللهِ أَيمــَانٌ مُـكَرَّرَةٌ *** ثَلاَثَةٌ عَن يمِينٍ بَعْدَ ثَانِيهَا
لَوْ أَنَّ في صَخْرَةٍ صَمَّا مُلَمْلَمَةٍ *** في البَحْرِ رَاسِيَةٍ مِلْسٍ نوَاحِيهَا
رِزقًا لِعَبْدٍ بَرَاهَا اللهُ لاَنْفَلَقَتْ *** حَتَّى تُؤَدِّي إِلَيهِ كُلَّ مَا فيهَا
أَوْ كَانَ فَوْقَ طِبَاقِ السَّبْعِ مَسْلَكُهَا *** لَسَهَّلَ اللهُ في المَرْقَى مَرَاقِيهَا
حَتَّى يَنالَ الَّذِي في اللَّوْحِ خُطَّ لَهُ *** فَإِنْ أَتَتْهُ وإِلاَّ سَوْفَ يأْتِيهَا
والرزق -عباد الله- يجب السعي له، والبحث عنه إنما هو سبب فقط لما أعد الله لك من الرزق، فالسعي قد ينتج عنه الرزق وقد يتخلف عنه؛ لأننا نشاهد من يسعى في طلب الزرق ولكنه لا يرزق، فتجد ممن يجتهد ويطارد ليله نهاره، ونهاره ليله، في صباحه ومسائه، ولكن لا يدرك رزقه.
ونجد ممن هو أخرق لا يتقن صنعة، وأحمق لا يعرف عملاً، فيأتيه الرزق ويتسع رزقه، قال الغزالي: "ومن نظر إلى مجاري سنة الله تعالى علم أن الرزق ليس على قدر الأسباب".
سأل بعض الأكاسرة حكيمًا عن الأحمق المرزوق والعاقل المحروم، فقال:"أراد الصانع أن يدل على نفسه، إذ لو رزق كل عاقل وحرم كل أحمق لظن أن العقل رَزَقَ صاحبه، فلما رأوا خلافه علموا أن الرازق هو الله سبحانه وبحمده".
ولو كانت الأرزاق تجري على الحِجا *** هلكن إذًا من جهلهن البهائم
والله سبحانه يقول: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، وقال سبحانه: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات:22، 23].
فربط النطق بالرزق، والجامع بينهما أن النطق وأكل الرزق من مكان واحد، وكما قيل: مثلما أنك لا تستطيع أن تنطق بلسان غيرك لا تستطيع أن تأكل رزق غيرك، وكل هذه التأكيدات جعلت الأعرابي يقول مقالته المشهورة عندما قرأ الآية: (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ...): من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، لم يصدقوه في قوله حتى ألجؤوه إلى اليمين، قالها وتلا هذه الآية وخرجت معها نفسه.
فالسبب والسعي غير الرزق، والسعي لا ينتج الرزق حتمًا، وإنما هو سبب لا غير، فعليه التوكل والثقة والاعتماد، قال بعض العلماء: "لا يشغلك المضمون لك من الرزق عن المفروض عليك من العمل، فتضيع أمر آخرتك ولا تنال من الدنيا إلا ما كتبه الله لك".
ومن المتقرر أن المرء إذا بلغ مائة وعشرين يومًا أرسل الله إليه ملكًا، فكتب أربعة جمل: "رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد". وهذا كما في الصحيحين، وسؤال يطرح نفسه: ما دام الرزق مقسومًا ومعلومًا فكيف يبسطه الله ويوسعه ويكثره وينميه؟! ويسأل اللهَ العبدُ أن يوسع رزقه كما في أسباب بسط الرزق ومفاتيحه والوسائل التي من عمل بها المرء زاد رزقه وكثر، فهل هناك تعارض؟!
فالجواب -عباد الله-: ليس فيها تعارض، والرزق معلوم ومكتوب ومضمون، لكن ربنا قدر الأسباب والمسببات، فقدر لزيادته ونمائه أسبابًا إذا عمل بها المرء زاد ونما واتسع رزقه.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
عباد الله: فمن الأسباب ومفاتيح الرزق: الإيمان بالله -عز وجل- كما قال الله -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].
وقال سبحانه: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس:98].
والإيمان -كما هو معتقد أهل السنة والجماعة- قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وأركانه ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فبقدر ما يزداد إيمانك يزداد رزقك.
وثانيًا: تقوى الله؛ قال سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2، 3]، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)، وقال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم).
فالتقوى سبب لتفريج الهموم وكشف الغموم وسعة الأرزاق، قال القرطبي: "فجعل التقوى من أسباب الأرزاق، والتقوى أن تجعل بينك وبين الله وقاية تقيه من عذابه وعقابه، فهي في الأصل الوقاية"، قال ابن مسعود: "هو أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر".
وقال ابن عمر: "هو ألا ترى نفسك خيرًا من أحد". وقال علي -رضي الله عنه-: "هي فعل المأمور وترك المحظور"، وقال طلق بن حبيب: "هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله".
ويقول:
خلِّ الذنوب صغيرها *** وكبيـرها ذاك التـقـى
واصنع كماشٍ فوق *** أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
وثالث الأسباب: الاستغفار، قال الله عن نوح: إنه قال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10 - 12]، وقال -عز شأنه-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)، قال القرطبي في الآية الأولى والثانية: "دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار".
شكا رجل إلى الحسن البصري الجدب، فقال له: استغفر الله، وشكا آخر الفقر، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه رجلٌ جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله، فقالوا له في ذلك: أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار! فتلا هذه الآية.
والاستغفار: طلب المغفرة من الذنوب، والمغفرة وقاية من شر الذنب ومحو أثره، قال أبو ذر: "لكل داء دواء، وإن دواء الذنوب الاستغفار"، وقال قتادة: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دوائكم: فالاستغفار".
والاستغفار التام هو ما قارن عدم الإصرار، فيستغفر بلسانه، وينزع الذنب بجوارحه، أما التوبة باللسان فقط وهو مقيم على الذنب فهذه لا تنفع وإن استغفر ألف مرة، قال ابن عباس: "المستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه".
وقال الفضيل بن عياض: "استغفار بلا إقلاع: توبة الكذابين"، وقال بعض السلف: "من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره".
فاستغفروا الله من لفظة بدرت خالفت معناها.
هذا؛ وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.
اللهم أوسع لنا من الرزق الحلال...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي