الزكاة (2)

عبد الله بن ناصر الزاحم
عناصر الخطبة
  1. منزلة الزكاة وأهمية إخراجها .
  2. التحذير من منعها .
  3. بعض أحكامها .
  4. مصارفها .

اقتباس

إن الزكاة من الفرائض العظيمة التي فرضها الله على عباده، فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، عن ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ على خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"، وقُرنت بالصلاة في كثير من الآيات في كتاب الله -جل وعلا-.

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله اللطيف الخبير؛ فرض على عباده من الدِّينِ ما يُقرب إليه، وشرع لهم من الفرائض ما يُصلحُهم في الدنيا والآخرة، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره. 

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعمروا أوقاتكم بطاعته...

 

معاشر المؤمنين: إن الزكاة من الفرائض العظيمة التي فرضها الله على عباده، فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، عن ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ على خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"، وقُرنت بالصلاة في كثير من الآيات  في كتاب الله -جل وعلا-.

 

وهي عبادة مالية، تقي النفس شحها، وتطهرها من بخلها.

 

ولمكانتها عند الله -تعالى- جاءت بها الشرائع السابقة، وفرضت على الأمم الماضية، قال -تعالى- عن ذرية إبراهيم -عليه السلام-: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:73].

 

وامتدح بها إسماعيلَ -عليه السلام- بقوله -عز وجل-: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55].  

 

وقال تعالى حكاية عن عيسى -عليه السلام-: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُوَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31].   

 

وأخذ -عز وجل- الميثاق على بني إسرائيل في جملةٍ من الشرائعِ منها إيتاءُ الزكاة، فقال -سبحانه-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) [البقرة:83].   

 

ولأهميتها وعناية الشارع الحكيم بها فقد خاطب المؤمنين بها في أول الإسلام في مكة قبل الهجرة، وذكر -جل وعلا- أداءها من جملة صفات المؤمنين المفلحين، فقال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]، إلى  قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [المؤمنون:4].

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايع أصحابه على أدائها، روى جَرِيرُ بنُ عبدِ الله -رضي الله عنه- قال: "بَايَعْتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- على إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".

 

بل أمر الله بمقاتلة الكفار حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فقال -سبحانه-: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة:5]،  وجعل ذلك سببا للأخوة في الدين، فقال: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [التوبة:11].   

 

ونص النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الحكم العظيم فقال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فإذا فَعَلُوا ذلك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على الله".

 

وحين توفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وارتدت بعض قبائل العرب، ومنع بعضهم الزكاة؛ سَيَّر أبو بكر -رضي الله عنه- الجيوش لقتالهم، ولم يتهاون في أمرهم، وقال قولته المشهورة: "والله! لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ فإن الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، والله! لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا".

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -تعالى-: وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان.اهـ.

 

وجاء الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة لمانعيها، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهن"، وذكر منها: "ولم يُمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا".

 

وعَنْه -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ يُمَثَّلُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يَلْزَمُهُ -أَوْ يُطَوِّقُهُ- يَقُولُ لَهُ: أَنَا كَنْزُكَ. أَنَا كَنْزُكَ"...

 

وعن أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".

 

قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لاَ يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا،كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".

 

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ، تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".

 

فحري بالمؤمن أن لا يتهاون بهذا الركن العظيم، وأن يُخرِج زكاةَ ماله طيبةً بها نفسُه، مستحضراً أنَّ الله -تعالى- هو الذي أنعَمَ عليه بهذا المال، وأوجَبَ جزءاً يسيرا منه فريضة عليه، يُجزَى عليها يوم القيامَةِ أجراً عظيماً؛ إذا آمَنَ بفَرْضِهَا، وأَخْلَصَ لِرَبِّهِ في أدَائِها، واحْتَسَبَ ثَوابَها.

 

أسأل الله -تعالى- أن يُلهِمَنَا رُشْدَنا، وأن يقينا شُحَّ أنفُسِنَا، إنه سميع مجيب.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين؛ أنعم على عباده بهذا الدين العظيم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر... نحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...

 

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى.

 

أيها المسلمون: لقد جاءت النصوص بوجوب الزكاة في الذهب والفضة، فتجب في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم، فما كان أقل منه فلا زكاة فيه، والواجب فيه ربع العشر، والأوراقُ النقديةُ المتداولةُ في عصرنا هي بديل عن الذهب والفضة، فلها حُكْمُهُمَا.

 

وتجبُ الزكاةُ في الخارجِ من الأرضِ من الحبوبِ والثمارِ المُكالة المدَّخرة، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267].

 

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، فجعل العشرَ في الحبوب والثمار إن سقِيَت بلا كلفة، وجعل نصفَ العشر إن سُقيت بالمؤونة والمشقة.

 

ولا تجب في الخضروات والفواكه؛ لأنها لا تكال ولا تدَّخر.

 

وتجب الزكاة في بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، إذا كانت سائمةً ترعَى بنفسها الحولَ أو معظَمَه، ونصاب الإبل خمس، ونصاب البقر ثلاثون، ونصاب الغنم أربعون.

 

أما من اتَّخذها للدَّر والنسل، ويُنفق عليها معظمَ الحول، وقد يبيع منها إذا احتاج، ولم يجعلها للتجارة، إنما لمنفعته الخاصة، فلا زكاة عليها؛ لأنها ليست سائمة، ولم تُعد للتجارة.

 

أما العقارات المُعدَّةُ للسُّكنى أو التأجير فليس فيها زكاة، ولا فيما أعده الفلاح لحاجته من المعدات ونحوها.

 

وخلاصة ذلك أن كل ما أعده الإنسان لحاجته فلا زكاة فيه، وما أعده للاتجار والتكسب ففيه الزكاة.

 

أما الديون التي عند الناس، فلا يجب إخراج زكاتها حتى تقبض؛ فإذا قبضت فإن كان الدين على مليء وجب أن تُخرج عنه زكاة كل السنوات الماضية، وإن كان على فقير لم يجب أن تُخرج إلا عن سنة واحدة فقط.

 

إخواني: لا تنفع الزكاة، ولا تبرأ بها الذمة حتى تُخرج على الوجه المشروع، وصرفها في مصارفها الشرعية التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60].

 

عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ؛ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ".

 

وصلوا وسلموا على نبيكم...

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي