التشاؤم خصلة جاهلية

عبدالله بن صالح القصير
عناصر الخطبة
  1. أساس دين الإسلام .
  2. أهمية الإخلاص .
  3. أهمية المتابعة .
  4. من لوازم الإخلاص والمتابعة .
  5. خرافات التشاؤم .
  6. التشاؤم من عادات الجاهلية. .

اقتباس

إن الاعتقاد الصحيح يفرض على المرء أن يكون مقبلاً على ربه، متوجهاً إليه، مؤمناً به، متوكلاً عليه، مخلصاً له في العبادة رغبة ورهبة إجلالاً له، ورجاء له ومحبة، وخوفاً منه ورهبة، ومن كان كذلك كان أجمل الناس سيرة، وأشكرهم لنعمة ربه، وأطيبهم حياة، وأحسنهم عاقبة، وأعظمهم مثوبة ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، أحمده سبحانه، من توكل عليه كفاه، ومن لاذ بجنابه حفظه وحماه، وسدده وتولاه، ومن تعلق بغيره فليس له من دونه ولي يتولاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الملك الكبير، السميع البصير، الحكيم الخبير، له ملك السماوات والأرض وما بينهما، وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، فثبت به قواعد الملة الحنيفية، وأقام به الدين، وهدم به معالم الوثنية وعقائد الجاهلية ومناهج المغضوب عليهم والضالين، وحرر به الإنسانية من رقّ العبودية للطواغيت من الكهنة والعرافين، والسحرة والمنجمين، والمترأسين من الشعوبيين، وأصناف المنحرفين، وترك الأمة على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك إلى يوم الدين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الصالحين بالهدى والدين إلى يوم يبعثون.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واغتبطوا بفضله ورحمته سبحانه واشكروه، إذ أكرمكم بدين الإسلام الذي أكمله وارتضاه، وأتمّ به النعمة على من له هداه، وجعله الدين الخالد إلى يوم لقاه، فلا يقبل من أحد ديناً سواه (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

فافرحوا بهذا الدين وانشروه بين العالمين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:57-58].

(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:161-163].

أيها المسلمون: إن أساس دين الإسلام أن يسلم المرء وجهه لله، وأن يتحرر من رق العبودية لمن سواه، قال تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [لقمان:22]. وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء:125]. وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].

وإسلام الوجه لله هو إخلاص القصد لوجهه، وإفراده وحده بعبادته، اعترافاً بربوبيته وإلهيته وكماله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ فلا ند له ولا سمي له ولا كفء له ولا شريك له في ألوهيته وعبادته، كما أنه لا شريك له في ربوبيته وكماله في ذاته وأفعاله وصفاته.

والإحسان في عبادته لا يتحقق إلا بالاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، ومتابعته؛ فلا يعبد إلا الله، ولا يعبد الله إلا بما شرع؛ فلا شرك ولا إلحاد، ولا بدع ولا إفساد، قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112]. وقال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [الشورى:15]. فشأن المسلم كمال الإخلاص لله، والتعبد له سبحانه بشرعه وهداه، والحذر من التوجه إلى غير الله أو أن يتخذ المرء إلهه هواه.

أيها المسلمون: إن الاعتقاد الصحيح يفرض على المرء أن يكون مقبلاً على ربه، متوجهاً إليه، مؤمناً به، متوكلاً عليه، مخلصاً له في العبادة رغبة ورهبة إجلالاً له، ورجاء له ومحبة، وخوفاً منه ورهبة، ومن كان كذلك كان أجمل الناس سيرة، وأشكرهم لنعمة ربه، وأطيبهم حياة، وأحسنهم عاقبة، وأعظمهم مثوبة. قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ) [الرعد:28-29]. وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

أيها المسلمون: إن من لازم الإخلاص لله تعالى وصدق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتجنب المرء كل ما يؤثر في اعتقاده أو ينافي إيمانه، ومن ذلك: الحذر من الخرافة بجميع صورها، وأن يبتعد عن الضلالة بشتى أشكالها، سواء منها ما كان تقليداً موروثاً له أصل في عقائد الجاهلية الأولى؛ كخرافة التشاؤم لشهر صفر أو يوم الأربعاء أو نحوهما من أجزاء الدهر، وأصوات الغربان والبوم وسوانح الطير، أو ما كان منها وليد اختراع من تلقينات العجائز الفاسدة، أو مفاهيم العوام الضالة؛ كالتشاؤم بصباح صاحب التعاسة، والمنظر المكروه، والحادثة السيئة، أو كلمة يسمعها المرء من شخص لا يعنيه كأن يسمع وهو في طريقه لحاجته من ينادي بالخيبة، أو يدعو على نفسه بالتعاسة، فيحز ذلك في نفس الشخص ويحدث له ضيقاً في صدره، وربما رده ذلك عن حاجته أو جعله يسيء الظن بربه، فيظل طوال يومه مهموماً، ويقبع في بيته بسبب تشاؤمه بما سمع من أصوات، أو ما رأى من حوادث وذوي عاهات، أو بالأزمنة واللحظات، وهذا كلّه ضلالة وجاهلية، لأنه في الحقيقة مما ينافي التوكّل على الله لما فيه من التعلق بغيره، واعتقاد مدبر في الملكوت سوى الله.

أيها المسلمون: إن التشاؤم من خصال الجاهلية، ومن فاسد عقائد أهل الشرك والوثنية، فلقد كان أهل الجاهلية يستسلمون للخيال، ويسلمون أمورهم لشرار الضلال، ويصدقون الأوهام، ويركنون إلى الموروثات عن الأسلاف أشباه الأنعام؛ ولقد عاب الله عليهم إذ يقول: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة:170].

فكانت الخرافة تفت من عزمهم وتحول اتجاههم، وتحول بينهم وبين حاجاتهم ومصالحهم، وتقطع عليهم آمالهم، فجاء الشرع المطهر بإبطال ذلك كله، وهدم بنيانه من أساسه، جاء بتحرير العقول من رق الوثنية وخرافات الجاهلية، وتوجيه القلوب إلى رب الأرباب ومسبب الأسباب الذي كل شيء بقضائه وقدره، فهو معلوم له وبإرادته، ومثبت في الكتاب عنده (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51].

وقال صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " متفق عليه.

وهذا منه صلى الله عليه وسلم إبطال لخرافات الجاهلية، ونفي لما كان يعتقده الجاهليون في هذه الأشياء من أنها يقين بالمكروه، أو أنها تدل على أنه سيحل بهم.

فبيّن -صلى الله عليه وسلم- أن هذه ليست مؤثرة في نفسها ولا دالة على ما قدره الله وقضاه؛ وفي التنزيل: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر:2]. وقال صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف".

 

فبهذه النصوص وأمثالها مما هو كثير في الكتاب والسنة تجتث جذور الوثنية، وتقطع أسباب الوهم التي طالما فتكت في البرية، وترشد إلى إخلاص التوحيد لله والاعتماد عليه دون ما سواه.

فاتقوا الله -عباد الله-، واتجهوا في جميع أموركم إليه، وأخلصوا له في عبادته، وتوكلوا عليه، واحذروا من التوجه لمن سواه أو الاعتماد عليه (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:17-18].

بارك الله لي ولكم في القرآن، وثبت في قلوبنا الإيمان، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلنا من الراشدين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي