وهذا حديث خاص حول العناية بالبنات ووجوب حفظهن من الفتنة وأسباب الانحراف؛ ذلك لأن الفتنة بالبنت عظيمة، وانحرافها إذا انحرفت خطير جد خطير، كما أن صلاح البنت واستقامتها هو عنوان الخير والفلاح لها ولمجتمعها، ودليل الرشد والنجاح، فهي مربية الأجيال، وصانعة الرجال، وقد قيل: "خلف كل عظيم امرأة".
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وخلفائه الراشدين وزوجاته وصحابته الأكرمين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
أيها الإخوة: إن من حكمة الله -عز وجل- وتقديره أنه (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:49، 50].
فله الحكمة في قبضه وبسطه وعطائه ومنعه، لا معقب لحكمه، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
أيها المسلمون: الأولاد -من بنين وبنات- نعمة عظيمة إن وجهوا توجيهًا إسلاميًا يرضي المنعم الوهاب، ونقمة وشقاء وعداوة وبلاء عندما ينحرفون عن الصراط السوي ويسلكون سبل أصحاب الجحيم.
وقد حذّر الله من هذا الصنف بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن:14]، إلى قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15].
لقد أمرنا الله -عز وجل- بأن نقي أنفسنا ومن تحت أيدينا عذاب النار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
أيها الإخوة الكرام: وهذا حديث خاص حول العناية بالبنات ووجوب حفظهن من الفتنة وأسباب الانحراف؛ ذلك لأن الفتنة بالبنت عظيمة، وانحرافها إذا انحرفت خطير جد خطير، كما أن صلاح البنت واستقامتها هو عنوان الخير والفلاح لها ولمجتمعها، ودليل الرشد والنجاح، فهي مربية الأجيال، وصانعة الرجال، وقد قيل: "خلف كل عظيم امرأة".
والتاريخ خير شاهد على هذا، فكم من إمام في العلم والعمل نفع الله به الأمة قامت على تربيته امرأة صالحة ربته تربية إسلامية في صغره، فأثرت هذه التربية في صلاحه فيما بعد!!
هذا الإمام الحافظ الثقة سفيان الثوري كان يتيم الأب، يسّر الله له أمًا صالحة قامت على تربيته وقالت له: "يا بني: اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي"، فكانت -رحمها الله- تغزل وتعمل وتنفق على ابنها اليتيم ليتفرغ لطلب العلم، وكانت مع هذا تتخوله بالمواعظ والنصائح، قالت له ذات مرة: "إذا كتبت أو قرأت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك، فإن لم يزدك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك".
وهذا الإمام الأوزاعي الذي أجمع العلماء على إمامته وجلالته، قال الوليد البيروتي: "قال الوليد بن مزيد البيروتي: ولد الأوزاعي ببعلبك، وربي يتيماً فقيراً في حجر أمه، تعجز الملوك أن تؤدب أولادها أدبه في نفسه. ما سمعت منه كلمة فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه، ولا رأيته ضاحكًا يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول: تُرى في المجلس قلب لم يبك!!".
هذه نماذج من قيام المرأة المسلمة بدورها في بذل الأسباب، بل وهذا إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- قامت أمه على تربيته وتوجيهه للعلم.
هذه نماذج، وثمة نماذج أخرى لمن سلفوا، بل وفي وقتنا الحاضر، ومن هنا وجب علينا -معاشر المسلمين- أن نهيئ لمجتمعاتنا أمثال هؤلاء البنات اللاتي هن غدًا الأمهات الحانيات والزوجات الصالحات والمربيات الفضليات.
لقد جاء الإسلام والمرأة مسلوبة الكرامة مهضومة الحقوق، حتى البنت الصغيرة كانت تقتل وتوأد بلا ذنب ولا جريمة: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:58، 59].
فرفع الإسلام مكانة المرأة، وأعاد لها كرامتها، وألغى طرائق الجاهلية، واعتبرها شريكة للرجل شقيقة له في الحياة، ذكرها الله في القرآن مع الرجل في أكثر من موضع: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى)، وأوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "استوصوا بالنساء خيرًا"، وقال: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم".
وأمر بالعدل بين الأولاد ذكورًا وإناثًا في نصوص كثيرة؛ قال الألوسي: "إن المعهود من ذوي المروءة جبر قلوب الإناث لضعفهن، ولذا يُندب للرجل إذا أعطى شيئاً لولده أن يبدأ بإناثهم".
كما حرم عليه أن يوقف على الذكور فقط دون الإناث، وكراهية البنات والتشاؤم بهن والحزن لولادتهن جاهلية بغيظه، بل هذا يدل على ضعف الإيمان؛ لكون هذا الكاره لم يرض بما قسم الله له، بل تسخّط على قضاء الله وقدره، وحرم نفسه الثواب الجزيل: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين". وضم أصابعه. رواه مسلم.
وقالت عائشة: دخلت عليّ امرأة ومعها ابنتان تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا فأخبرته فقال: "من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار". رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون: من كانت له ابنة أو أكثر فليعلمها أحكام دينها وكتاب ربها، وهذه الدور النسائية المباركة في بلادنا قد نفع الله -عز وجل- بها، وليحسن الإنسان في معاملة هذه البنت والنفقة والكسوة، فإذا بلغت سن الزواج فليبذل الأسباب في اختيار الزوج الصالح فليزوجها إياه برضاها، لتكون هذه البنت لك حجابًا من النار، ولتفوز بدخول الجنة.
وعلى الأم خاصة أن تتفقد ما تحتاجه البنت لتخبر بذلك والدها، كما يجب على الأم أن توضح لها ما يتعلق بطهارتها وأحكام حيضها إن كانت لا تعلم ذلك.
اللهَ اللهَ -عباد الله- في الرفق بالبنات لضعفهن، والعطف عليهن، والبعد عن كثرة اللوم والعتاب، فإن الأولاد -ولاسيما البنات- بحاجة إلى عاطفة حانية من الأبوين، وكم من مشكلة حصلت كان من أبرز الأسباب ما تواجهه البنت في البيت من العنف والغلظة.
أيها المسلمون: حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء فقال: "اتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
ومن هنا أدرك أعداء الإسلام من الغربيين والعلمانيين عظيم تأثير المرأة على الرجل، وصرحوا بأن عليهم أن يسعوا في إفساد المرأة وإغراقها بالشهوات المحرمة وخروجها إلى مجامع الرجال ليفسدوا المجتمع بأكمله، فقال أحدهم: "علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدت إلينا يديها ربحنا القضية". وقال آخر: "كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة الإسلامية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوا المرأة في حب المادة والشهوات".
ومع شديد الأسف غزوا بلاد المسلمين وتغلغلوا في ديارهم وهدفهم إفساد المرأة، وهدفهم نزع الحجاب، فأثروا الشبهات والتشكيكات حول موقف الإسلام من المرأة، وأقحموها في أعمال ليست لها، وتظاهروا بالدفاع عنها، وعقدوا لذلك مؤتمرات وندوات، وأجروا أبحاثًا ودراسات، وأنشؤوا جمعيات كلها تهدف النيل من أجساد المرأة وخروجها إلى مجامع الرجال، والله -جل وعلا- عليم بهم، وهو لا يصلح عمل المفسدين.
فيا أيها الأولياء ويا أيها الإخوة والآباء: الخطب جسيم، والخطر عظيم، فالبنت إذا فسدت أرخصت الدين والعرض.
أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض بالمال
وهذه أسباب هي في نظري أخطر ما يفسد البنات، لنأخذ منها العبرة، فإن الوقاية خير من العلاج.
فمن ذلك غفلة الآباء والأمهات عن التوجيه المستمر والإرشاد الدائم للبنت، وإغفال غرس خوف الله في القلب، فالخوف من الله حاجز عن المحرمات، فإذا خلا القلب من الخوف من الله تجرّأ صاحبه على الفساد والإفساد.
ومن هذه الأسباب مما يفسد البنات: صديقات السوء في المدرسة أو غيرها من قريباتها، فإن من البنات من تفسد وتنحرف عن الصراط المستقيم من تأثير زميلاتها السيئات، كما هو موجود عند الذكور أيضًا.
ومن الأسباب: التبرج والخروج إلى مجامع الرجال بكامل الزينة، لتصبح فاتنة مفتونة، تضاحك الرجال وتمازح سفهاءهم، فكيف إذا كانت تبيع مع الرجل في محل واحد وتحت سقف واحد!! أو كانت زميلة له في العمل تحادثه وتجتمع به!!
ومن هذا: استماع الموسيقى والغناء، فإنه باب من أبواب الفساد، وهو الداعي إلى الفجور، ويسميه العقلاء خمرة النفوس؛ لأنه يفسد القلب وينبت النفاق فيه ويزرع فيه الشهوة المحرمة، قال الإمام المربي العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء، كما يجنبهن أسباب الريب، ومن طرق أهله سماع رقية الزنا، فهو أعلم بالاسم الذي يستحقه! ومن الأمر المعلوم عند القوم: أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء، فحينئذٍ تعطي الليان!! فلعمر الله، كم من حرة صارت بالغناء من البغايا! وكم من حرّ أصبح به عبداً للصبيان أو الصبايا!! وكم من غيور تبدل اسماً قبيحاً بين البرايا! وكم من ذي غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا! وكم من معافى تعرض له، فأمسى وقد حلت به أنواع البلايا! وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان، فلم يجد بداً من قبول تلك الهدايا! وكم جرع من غصة، وأزال من نعمة، وجلب من نقمة، وذلك منه إحدى العطايا! وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة، وغموم متوقعة، وهموم مستقبلة!!".
فالغناء يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويقطع على السالكين سبيل النجاة. نسأل الله العفو والعافية، ونعوذ بالله أن نكون من الغافلين، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ومن أسباب فساد البنات: عضل البنت، وصد الخاطب الكفء؛ ما يترتب على هذا بقاء البنت عانسًا حبيسة الهموم والأحزان، حيث ظلمت وحرمت سعادتها بالحياة الزوجية، والسبب هو تعنت هذا الولي الذي لا يراقب الله -عز وجل- وفرضه لشروط تافهة، وطلبه لأموال باهظة، وتعلله بأسباب واهية، ولربما يجتمع على البنت -مع تأخير زواجها- ضعف في إيمانها، فتكون بذلك عرضة للفساد والانحراف والعياذ بالله، وقد قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
وإن من كمال النصح لموليتك من بنت وأخت وغيرها أن تبحث بنفسك عمن يصلح زوجًا لها كما فعل مثل ذلك الصالحون قبلنا.
أيها المسلمون: ومن أسباب فساد البنات وانحرافهن: المعاكسات عبر الهاتف والجوال ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، فهي خطر ينذر بشر، وقد يكون في البداية عبثًا ثم يتحول إلى فواحش، ساهم هذا العمل في تفكيك أسر وانتهاك أعراض وحدوث مشاكل، فلا شك في أن تواصل الرجال مع النساء خطير جد خطير، تدخل أهواء النفوس في هذا، وكيد الشيطان وطبيعة ميل الجنسين إلى بعض، أما مشاهدة قنوات الفحش والرقص والغناء واستغلال وسائل التواصل كتويتر وغيره في الفساد أمر في غاية الخطورة، فكم من مفسد ومفسدة جعلوا من هذه الوسائل طريقًا لتحقيق مآربهم الخبيثة، فيميلون ويُميلون وينشرون ويعلنون، ويتحدثون بخبث وفحش وفساد، فالله حسيبهم، وويل لهم يوم يكشف الله -عز وجل- المستور، ستر الله عليهم في الدنيا فأبوا إلا أن يفضحوا أنفسهم ويجاهروا بالشر: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين"، تبًا لمن لا يخاف من عار ولا نار!! كيف لا يفزعهم وعيد في سورة النور: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19].
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، نسألك أن تقطع دابر الفساد والمفسدين، اللهم عليك بمن أراد ببناتنا ونسائنا تبرجًا واختلاطًا وفتنة وسوءًا، اللهم لا تمكنهم من ذلك، اللهم حل بينهم وبين ما يريدون، اللهم أشغلهم بأنفسهم عن إفساد بنات المسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي