اقتضت حكمة الله -عز وجل- في خلقه أن يكون هناك صراع بين الحق وأهله والباطل وجنده، صراع دائم، صراع أبدي، صراع مستمر منذ أن خلق الله الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يزال أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء الدين والعقيدة والشريعة يتحينون الفرص لتحقيق مآربهم في الصد عن الدين وإيذاء عباد الله المؤمنين.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فيا عباد الله: اجتهدوا في طاعة مولاكم -سبحانه وتعالى-، وجددوا إيمانكم وثقتكم وتوكلكم على ربكم -عز وجل-، واعلموا -رحمكم الله- أن قوة الإيمان وضعفه وسلامة المعتقد وفساده إنما تظهر في أيام الشدائد وساعات الأزمات والفتن والبلايا، فمن وجد قوة في إيمانه وسلامة في معتقده وثقة في ربه وتوكلاً على خالقه وحسن ظن به ورضاء بقضائه وقدره وتفويض أمره إلى ربه؛ فليحمد الله على ذلك.
ومن وجد خلاف ذلك فليحاسب نفسه، وليتب إلى ربه قبل حلول المنية، فيختم له على عقيدة فاسدة، أسأل الله -عزّ وجل- أن يوفقنا جميعًا لصالح الأعمال والأقوال، وأن يأخذ بنواصينا جميعًا للبر والتقوى.
أيها الإخوة المسلمون: اقتضت حكمة الله -عز وجل- في خلقه أن يكون هناك صراع بين الحق وأهله والباطل وجنده، صراع دائم، صراع أبدي، صراع مستمر منذ أن خلق الله الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يزال أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء الدين والعقيدة والشريعة يتحينون الفرص لتحقيق مآربهم في الصد عن الدين وإيذاء عباد الله المؤمنين.
وإذا كانت الأسباب المادية من عتاد وعدد مطلوبة شرعًا لصد عدوان المعتدين وحماية الدين والحق والدفاع عن المقدسات والأوطان، إذا كان ذلك كله مطلوبًا شرعيًا كما قال الله -عز وجل-: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، إذا كان ذلك الاستعداد المادي مطلوبًا شرعًا، وكان المسلمون ملومين متى ما قصروا في الاستعداد لصد عدوان المعتدين، فإن من أهم أسباب النصر على الأعداء قوة الصلة بالله -عزّ وجل- والاستجابة إليه -سبحانه وتعالى- وطاعته في الصغير والكبير؛ لأن طاعة الله -عز وجل- هي الحصن الذي يقي العبد المطيع من سخط الله -عز وجل- وعذابه في الدنيا والآخرة، ويحقق له رضاه -سبحانه وتعالى-.
ومن أجل ذلك كثر الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الكتاب والسنة؛ لأن الطاعة دليل الإيمان الحق، وهي سبب في تحقيق الاهتداء كما في قول الله -عز وجل- (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، أي يحصل لكم الهداية والتوفيق لكل ما فيه صلاح دينكم ودنياكم، صلاح معادكم ومعاشكم.
في تقوى الله -عز وجل- وطاعته تحصل الهداية، ومن ذلك هدايتكم لأحسن السبل والوسائل التي تصدون بها عدوان المعتدين.
وقد بيّن الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم أن في طاعته -سبحانه وتعالى- وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يكون الفوز والنجاح، وفي معصية الله ورسوله يتحقق الخسران والهزيمة والفشل، يقول الله -عز وجل-: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].
إنه الفوز في الآخرة بالنعيم المقيم في جنات عدن، والفوز في الدنيا بتحقيق الأهداف والغايات وانتصار المبادئ، ويقول الله -عزّ وجل- في كتابه مبينًا أثر معصيته: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء:14].
الطاعة -أيها الإخوة في الله- سبب لتحصيل رضا الله -عزّ وجل-، سبب لدفاع الله -عزّ وجل- عن المؤمنين، ومنحه سبحانه النصر لعباده المطيعين، ومن يكن الله -عز وجل- معه، من يكن الله ناصره، من يكن الله مؤيده، فلن تستطيع قوة -مهما عظمت- أن تنال منه، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، يقول الله -عز وجل-: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا).
أيها الإخوة في الله: إن مفهوم طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- التي بها يتحقق النصر على الأعداء وتحقيق الأهداف والغايات، إن مفهوم هذه الطاعة تقديم ما يحبه الله -عز وجل- ويحبه رسوله -صلى الله عليه وسلم- على كل ما سواه، تقديم مرادات الله -عز وجل- ومرادات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كل مراد للنفس والهوى؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
إن في كل فعل وقول مرادان: أحدهما مراد لله -عز وجل- ومراد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- محبوب، والآخر مراد للنفس الأمارة بالسوء، مراد للهوى والشيطان، فأي المرادين تقدم يا عبد الله!! إنك إن أردت النصر والفلاح في الدنيا والآخرة لا شك أنك تعمد إلى تقديم مراد الله -عز وجل- ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- على مرادات النفوس المخالفة لمراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
هذا هو ميزان الطاعة، هذا هو معيار الطاعة في كل فعل وقول في حياتك -أيها المسلم-، ومن الطاعة التي يستجلب بها نصر الله ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ذكر الله بالقلب وذكر الله باللسان وذكر الله -عز وجل- بالجوارح، يقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ) [الأنفال:45].
وما ذاك -أيها الإخوة في الله- إلا لأن ذكر الله -سبحانه وتعالى- يزود المؤمن بالطمأنينة والاعتماد على الله والثقة بنصره والاستهانة بقوة أعدائه.
إن ذكر الله -عزّ وجل- بمعناه العام يجعل المسلم مستحضرًا لمراقبة الله واطلاعه عليه، فلا يقدم على معصية ولا يتأخر عن فعل طاعة لأنه بذكره لربه -عز وجل- يعلم أن الله مراقب له ومطلع عليه.
ومن طاعة الله -سبحانه وتعالى- اللجوء إليه سبحانه بالدعاء والتضرع، وإظهار الفقر والفاقة إليه -سبحانه وتعالى-؛ لأن العبد يعلم يقينًا أنه مهما ملك من الأسباب المادية من عتاد وعدة وعدد فإنها لا تساوي شيئًا إذا حرم العبد توفيق الله ومعونته.
وقد نوّه الله -عزّ وجل- بأهمية التضرع والإنابة إليه وإظهار الفقر والفاقة إليه -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم كما قال: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:9، 10].
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- في غزواته التي خاضها مع الكفار كان شديد الإلحاح على ربه في الدعاء يسأله نصره، يسأله معونته، يسأله الإعانة على أعدائه لاسيما عندما تشتد الكربة ويعظم الأمر، حرصًا منه -صلى الله عليه وسلم- على نصر الله لعباده، لتعلو كلمة الله، وتعم عبادته الأرض كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وهو يناجي ربه ويتضرع إليه قبل ابتداء المعركة: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد..."، فأخذ أبو بكر بيده فقال: يا رسول الله: حسبك مناشدة ربك، فخرج -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). [القمر:45].
وعلى هذا درج أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في معاركهم التي خاضوها مع الفرس والروم، مع أعداء الله وأعداء رسوله، فكانوا يلجؤون إلى الله -عز وجل- ملحين عليه في الدعاء، طالبين نصرهم كما حصل لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- يوم اليرموك؛ إذ كان -رضي الله عنه- كلما سمع صوت القسيسين والرهبان في معسكر الكفر يقول: "اللهم زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وأنزل علينا السكينة، وألزمنا كلمة التقوى، وحبب إلينا اللقا وأرضنا بالقضا".
إن الدعاء -أيها الإخوة في الله- أعظم سلاح يتضرع به المؤمنون في مواجهة الشدائد والمصاعب، إنه يكسب النفس طمأنينة وأنسًا ورضا بالقرب ممن بيده ملكوت كل شيء، ممن بيده الأمر إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.
ومن طاعة الله -عزّ وجل- التي تكون سببًا في تنزُّل نصر الله: الثبات والصبر، وهما من أهم عوامل النصر مهما اشتدت الكروب، مهما تتابعت الفتن والمصائب والبلايا، الثبات على المبادئ والصبر على ما يصيب النفس.
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس ثباتًا عندما تزلزل الأقدام، وتطير القلوب، وينكشف الناس.
وبالجملة -أيها الإخوة المسلمون-: إن الجيش الذي تربى قادته وأفراده على طاعة الله -سبحانه وتعالى-، على تقدير مراد الله على كل مراد يخالف مراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- جيش موعود بالنصر والتمكين من الله، جدير بأن يكتب الله -عزّ وجل- له النصر والتمكين، جدير بأن يفي الله -عز وجل- بوعده بالنصر والتمكين.
وما إن وجد هذا الجيش الذي تربى تلك التربية على طاعة الله -عز وجل- وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا كان هو الغالب وأعداؤه المغلوبين: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا).
والذي يتأمل التاريخ البشري يجد ذلك واضحًا جليلاً، فعندما يبذل عباد الله -قلوا أم كثروا في العدد والعتاد- يبذلون جهدهم في إبلاغ دين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعداد العدة المستطاعة ينصرهم الله على عدوهم -قلت عدته أم كثرت-، إما نصرًا مباشرًا من عنده -سبحانه وتعالى- بدون أسباب مادية يبذلها عباده كما فعل سبحانه بكثير من الأمم التي حاربت أنبياءها كعاد وثمود، وإما بالأسباب المادية القليلة التي تقابل به الفئة المؤمنة القليلة جيوشًا كثيرة كما في قصة طالوت وجالوت: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249].
وكما حصل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في غزوة بدر والأحزاب وغيرهما، لقد أعطى الله لعباده المؤمنين حقًا وصدقًا هذا الوعد القاطع بالنصر والتمكين، ولم يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً، فإن حصل أن هزم المنتسبون للإسلام وصار للكفار الغلبة والدولة في فترة من الفترات فعلى المسلمين أن يفتشوا عن عيوب نفوسهم، وضعف إيمانهم، وبعدهم عن الله -عزّ وجل- ولزوم طاعته -سبحانه وتعالى-.
فرق بعيد بين من يملك حقيقة الإيمان التي تجعل حياة المسلم ومماته لله رب العالمين، وبين من يدّعي الإيمان وهو يفقد حقيقته ولو أدى بعض مظاهر الإيمان.
لقد حصل للصحابة ما حصل في غزوة أحد عندما خالفت طائفة منهم أمره -صلى الله عليه وسلم-، فعاقبهم الله على عصيانهم وانتزع النصر منهم، وقد شاهدوه بأعينهم أمامهم، وأصابهم بما لم يكن في حسبانهم.
ولقد دهش أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إدانة الكافرين عليهم، وبينهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يتنبهوا لخطر المعصية التي حصلت بينهم، فأنزل الله تعالى في كتابه الكريم آية تتلى تبين لهم ولغيرهم السر في ذلك: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
أسأل الله -عزّ وجل- بمنه وكرمه أن ينصر عباده المؤمنين المجاهدين في كل مكان، وأن يكفينا ويكفي المسلمين شر الأشرار وكيد الكفار ومؤامرات الفجار، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا، هو حسبنا ونعم الوكيل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اتبع هداه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: إن الطاعة المطلقة لله -عز وجل- هي أساس النصر والتمكين، وإن معصية الله هي سبب الهزيمة والخسارة، وقد وقر هذا المعنى في نفوس أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان.
لقد كان قادتهم يحثون جندهم على طاعة الله والبعد عن معصيته، وأن الهزيمة لا تأتي من قلة وإنما تأتي أولاً وقبل كل شيء من معصية الله -عز وجل- ومعصية رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
هذا هو ميزان النصر والهزيمة عندنا -نحن المسلمين-: كتب الأمراء إلى أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- يعلموهما بما وقع من الأمر العظيم، أي من كثرة جيوش الروم يوم اليرموك، والتي زادت على مائة ألف، وقلة جيوش المسلمين التي بلغت أربعة وعشرين ألفًا، فكتب إليهم أبو بكر -رضي الله عنه- أن اجتمعوا وكونوا جندًا واحدًا والقوا جنود المشركين، فأنتم أنصار الله، والله ناصر من نصره، وخاذل من كفره، ولن يؤتى مثلكم من قلة، ولكن من تلقاء الذنوب، فاحترسوا منها، وليصلِّ كل رجل منكم بأصحابه.
لقد أدرك أعداء الإسلام -أيها الإخوة المسلمون- سرّ انتصار العدد القليل من حزب الله المؤمنين مع قلة الأعداد على الأعداد الهائلة ذات القوة العظيمة من حزب الشيطان الكافرين، وهو أن حزب الله المؤمن ملتزم بطاعة الله، وحزب الشيطان مصر على الكفر والعصيان.
تذكر بعض كتب التاريخ أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء، فقال هرقل -وهو على أنطاكية لما قدمت الروم منهزمة-: ويلكم، أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، أليسوا بشراً مثلكم؟! قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثر أم هم؟! قالوا : بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن، قال: فما بالكم تنهزمون؟! فقال شيخ مسن من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتناصحون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغضب، ونظلم، ونأمر بالسخط، وننهي عما يرضي الله ونفسد في الأرض، فقال له هرقل: أنت صدقتني.
نعم عرف السلف الصالح سر انتصارهم ألا وهو ملازمة طاعة وتحقيق تقوى الله والوقوف عند حدود الله، فعضوا على ذلك بالنواجذ، فنصرهم الله نصرًا عزيزًا في كل معركة خاضوها في سبيل الله مع فارق القوة المادية، حيث المسلمون في كل معركة خاضوها على معركة التاريخ كانوا أقل عددًا وعتادًا ممن يقابلونهم من أعداء الله.
لقد عرف أعداء الإسلام هذا السر في سبب انتصار المسلمين، ألا وهو لزومهم لطاعة ربهم، وتمسكهم بدينهم، فخططوا تخطيطًا دقيقًا لانتزاع ذلك من المسلمين لإضعاف تماسك المسلمين وصرفهم عن دينهم، عن تقوى ربهم، وطاعة خالقهم، ونجحوا في ذلك بأساليب شتى، فابتعد المسلمون عن دينهم إلا من رحم الله، وعصوا ربهم، ولن يتنزل نصر الله على المسلمين إلا إذا رجعوا إلى ربهم وأنابوا إليه، وطهروا مجتمعاتهم من المنكرات والموبقات؛ لأن نصر الله لا يتنزل إلا على مجتمع يرفع راية التوحيد والسنة، ويقمع راية الشرك والبدعة، لا يتنزل نصر الله إلا على مجتمع يجعل السيادة لشريعة الله -عزّ وجل- في جميع جوانب الحياة وجميع مناحيها، لا على مجتمع يجعل السيادة للقوانين البشرية والقوانين الكفرية.
إنما يتنزل نصر الله -عز وجل- على مجتمع يعلي من راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا على مجتمع يهمش هذه الراية ويحارب القائمين عليها.
إنّ نصر الله -عزّ وجل- إنما يتنزل على مجتمع يحافظ على أوامر الله، يحافظ على أركان الدين من صلاة وزكاة وصيام وحج، إنك لتعجب من مجتمعات مسلمين يطلبون نصر الله -سبحانه وتعالى- وإذا فتشت عن مساجدهم رأيت ما يهولك، رأيت ما يحزنك!!
بالله عليكم -أيها الإخوة المسلمون- في هذا الفجر اليوم من أكرمه الله -عز وجل- بالصلاة مع جماعة المسلمين؟! كم حضر هذه الصلاة من جماعة المسلمين؟! وكم تخلف عنها من أعداد هائلة؟! آثروا لذة الفراش ولذة النوم على الصلاة المفروضة وإجابة داعي الله.
إنما يتنزل نصر الله -عزّ وجل- على أمة تعلي من شأن الصلاة، من شأن أوامر الله وطاعة الله -سبحانه وتعالى-، ونصر الله -والله- قريب، لكن لعباده المؤمنين: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
نسأل الله تعالى أن يردنا جميعًا إلى دينه ردًا كريمًا حميدًا، إنه على كل شيء قدير.
هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".
اللهم صل وسلم وبارك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي