عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة

محمد ويلالي
عناصر الخطبة
  1. اتساع ظاهرة تفرق المسلمين وتمزقهم .
  2. بعض نصوص الكتاب والسنة الآمرة بالوحدة، ونبذ الفرقة .
  3. مظاهر اهتمام الشرع بالوحدة ونبذ الفرقة .
  4. النهي عن الافتخار بالمظاهر الشكلية .
  5. الوقاية من التفرق والتمزق .

اقتباس

أين هي هذه الأمة اليوم؟ توزعت إلى سبع وخمسين دولة إسلامية، منها اثنتان وعشرون دولة عربية، يتراوح دخل الفرد السنوي ما بين 72000 دولار في أغناها، وأقل من 400 دولار في أفقرها. ومع ذلك، فإن التبادل التجاري بين الدول الإسلامية لا يتجاوز 4% من مجمل تجارتها. أما الدول الغربية، ف...

الخطبة الأولى:

من المظاهر التي انتشرت هذه الأيام بين المسلمين: اتساع ظاهرة التفرق، وتأجيج التمزق، وتبجيل التحزب، وطي الحق في الذات، واعتقاد أن الآخر على الباطل.

وإنه لاعتقاد خطير، جعل الأمة الإسلامية -التي كانت مهيبة الجانب، قوية الجناح، يحسب لها ألف حساب، الأمةَ الوسط، التي جعلها الله -تعالى- شاهدة على الناس- أمةً مستضعفة في عمومها، صارت مختبرَ تجارب لنفايات الغرب، وأفواه استهلاك لمنتوجات الغرب.

يقول أحد الغربيين المعترفين[وهو برتلي سانت هيلر]: "وقد كان دينه -أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي دعا الناس إلى اعتقاده، جزيلَ النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته".

ويقول المفكر العالمي "سان سيمون": "إن الدارس لبنيات الحضارات الإنسانية المختلفة، لا يمكنه أن يتنكر للدور الحضاري الخلاق، الذي لعبه العرب والمسلمون في بناء النهضة العلمية لأوربا الحديثة"[رشدي فكار:"نظرات إسلامية للإنسان والمجتمع خلال القرن الرابع عشر الهجري"، ص 31].

ويقول ستانورد كب: "قليلون من هم على علم بما أسهم به العالم الإسلامي من جهود متميزة في تقدم الإنسانية".

أين هي هذه الأمة اليوم؟

توزعت إلى سبع وخمسين دولة إسلامية، منها اثنتان وعشرون دولة عربية، يتراوح دخل الفرد السنوي ما بين 72000 دولار في أغناها، وأقل من 400 دولار في أفقرها.

ومع ذلك، فإن التبادل التجاري بين الدول الإسلامية لا يتجاوز 4% من مجمل تجارتها.

أما الدول الغربية، فتحظى ب 96% من تجارتهم.

ونتساءل -بعد هذا- عن سبب ضعفنا.

إن القرآن الكريم مليء بالنصوص التي تدعو إلى الوحدة، ونبذ الفرقة، وتحث على التمسك بالعصمة من كل رياح مميلة، وزوابع مطيحة.

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت آحادا

قال الطبري في قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء): يقتل بعضكم بعضا، ويأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام، فألف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخوانا".

ويقول تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).

قال عبد الله بن مسعود: "الجماعة".

وقال القرطبي في التفسير: "فإن الله -تعالى- يأمر بالألفة، وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هَلَكَة، والجماعة نجاة".

قال ابن المبارك:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا *** منه بعروته الوثقى لمن دانا

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"[مسلم].

لقد شرع لنا ديننا كل ما يعيننا على هذه الوحدة؛ هذه الصلاة التي نجتمع لها كل يوم خمس مرات، إنما من أهدافها تثبيت الألفة بين الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية"[صحيح سنن أبي داود].

وجَعل للمصلين إماما واحدا، يحاكونه في حركاته وسكناته؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"[متفق عليه].

مخافة الاختلاف والفرقة، حتى إن من العلماء من منع الجماعة بعد جماعة الإمام.

قال الشافعي -رحمه الله- في كتابه الأم: "وإذا كان للمسجد إمام راتب، ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاةُ، صلَّوا فرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة .. وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة..".

وترسيخا لمبدأ الوحدة، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقيم الصلاة حتى تتراص الصفوف ويقول: "لَتُسَوُّنَّ صُفُوْفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوْهِكُمْ"[متفق عليه].

وعندما نعطي الفقير زكاته، نملأ صدره بالرضى، ونزيل من قلبه الانكسار، ونمنعه من الحقد والضغينة، ونحفظ بذلك وحدة الكلمة، وجمع الشمل.

والصيام يذكر الغني بجوع الفقير، فيعتني به، ويحسن إليه، فتذوب الفوارق، وتتطهر القلوب.

وما اجتمع الناس في الحج والعمرة بالملايين إلا بسبب هذه الألفة التي يزرعها الإسلام في النفوس، حتى يجتمع في السكن الواحد عشرات من الناس، اختلفت جنسياتهم، وتوحدت معتقداتهم.

بل حتى في باب الأكل، أمرنا بالاجتماع بدل التفرق، فهو أكرم وأبرك؛ فعن وحشي بن حرب أنهم قالوا: "يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع" قال: "فلعلكم تأكلون متفرقين" قالوا: "نعم". قال: "فاجتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه"[صحيح سنن ابن ماجة].

فالمسلم لا يعيش وحده، منعزلا عن الناس، لا يخالطهم، ولا يشاركهم، ولا يحس بهمومهم، بل المسلمون؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تتكافأ دماؤهم، وهم يدٌ على من سواهم"[صحيح سنن ابن ماجة].

عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: "يا أيها الناس إني قمت فيكم كمَقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فينا، فقال: "أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يُستحلَف، ويشهد الشاهد ولا يُستشهَد. ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثَهما الشيطان. عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة. من سرته حسنته، وساءته سيئته، فذلك المؤمن"[صحيح سنن الترمذي].

إن يختلف ماء الوصال فماؤنا *** عذبٌ تحدَّر من غمامٍ واحدِ

أو يفترق نسب يؤلف بيننا *** دين أقمناه مقام الوالد

الخطبة الثانية:

إنه لا مجال في ديننا ليفخر أحد على أحد بالمظاهر الشكلية، التي سرعان ما تذوب تحت سلطان التقوى، الذي به يقع التفاضل في الإسلام.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"[صحيح الترغيب].

لعمُركَ ما الإِنسانُ إِلا بدينهِ *** فلا تتركِ التقوى اتكالاً على النَّسَبْ

فقد رفعَ الإسلامُ سلمانَ فارسٍ *** وقد وَضَعَ الشِّرْكُ الشريفَ أبا لهب

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغيَ أحد على أحد"[مسلم].

فلماذا نرى بعض الناس اليوم يسهمون في القطيعة والتنافر والتدابر، ويريدونها عصبية مقيتة، تنتصر للغة، أو جهة، أو نسب، أو قبيلة، أو عرق، أو تراب.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر، ويقول: "يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَة -الكبر والفخر- الجاهلية، وتعاظمها بآبائها"[صحيح سنن الترمذي].

خَذَلَتْ أبا جهل أصالتُه *** وبلالُ عبدٌ جاوز السحبا

بل هي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرخة مدوية، تطرق أذن كل مستمسك بمثل هذه المظاهر الشكلية؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "كنا في غزاة، فَكَسَعَ رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار -ضربه برجله على عجزه-، فقال الأنصاري: "يا للأنصار" وقال المهاجري: "يا للمهاجرين" فسمعها الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما هذا؟" فأخبروه، فقال: "دعوها فإنها منتنة"[متفق عليه].

إن الوقاية من هذا الداء المقيت تكمن في الاعتصام بالوحيين: الكتاب والسنة، يقول  تعالى  (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال:46]

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"[صحيح سنن الترمذي].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي