إحسان الظن بالله

فهد بن سعد أبا حسين
عناصر الخطبة
  1. إحسان الظن بالله تعالى من واجبات التوحيد .
  2. من أنواع وصور الظن السيئ .
  3. الطريق إلى حسن الظن بالله .
  4. من إحسان الظن بالله .
  5. استصحاب الظن الحسن بالله تعالى أبدا .

اقتباس

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: والذي لا إله غيره! ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله -عز وجل-، والذي لا إله غيره! لا يحسن عبد بالله -عز وجل- الظن إلا أعطاه الله -عز وجل- ظنَّه، ذلك بأن الخير في يده" رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن.

الخطبة الأولى:

الحمد لله على آلائه...

وبعد: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: والذي لا إله غيره! ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله -عز وجل-، والذي لا إله غيره! لا يحسن عبد بالله -عز وجل- الظن إلا أعطاه الله -عز وجل- ظنَّه، ذلك بأن الخير في يده" رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن.

أمة الإسلام: إحسان الظن بالله من واجبات التوحيد، كما أن الظن السيئ بالله ينافي التوحيد، أو كماله.

والظن السيئ له أنواعٌ كثيرة:

فمن الظن السيئ: الظن بأن الله -تعالى- لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، أو أن الباطل ينتصر على الحق دائماً، فمن ظن أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق فهذا هو ظن المشركين والمنافقين الذين قال الله عنهم:  (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) [آل عمران:154]. وقال عنهم: (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) [الفتح:12].

نعم! قد يديل الله الكافرين على المؤمنين تارة، كما يديل المؤمنين على الكافرين تارة، كما يكون لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عدوهم؛ لكن العاقبة للمتقين، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51].

وإذا كان في المسلمين ضعفٌ وكان عدوهم مستظهراً عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطناً وظاهراً، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود الشرعية. قال -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165].

ومن تأمل في غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- تبين له أن الله -تعالى- قد يديل الكفار على المؤمنين، ولكن العاقبة للمتقين.

انتصر المسلمون يوم بدر  وهم قلة، ورجع عبد الله بن أبيّ بثلث الجيش يوم أحد، فما ضرهم في بداية المعركة، وهُزموا في نهايتها لما خالف الرماة كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزلوا من جبل الرماة، وتزلزلوا يوم حنين فما نفعتهم كثرتهم، فلله الحكمة البالغة!.

ومن الظن السيئ بالله: عدم الإيمان بالقدر، واعتقاد أن ما يحصل في هذه الدنيا ليس بتقدير الله -تعالى-، وهذا طعن في ربوبية الله -عز وجل-؛ لأن من تمام ربوبيته الإيمان بأن كل ما يجري في الكون فهو بقضاء الله وقدره.  (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49].

 ومن الظن السيئ بالله الاعتراض على قضاء الله وقدره، فإذا قدّر الله شيئاً قال بعضهم: ينبغي أن ننتصر، أو ينبغي أن يأتي المطر، أو ينبغي أن يأتي الرزق، وهذا من سوء الظن بالله؛ لأن الواجب على المؤمن أن يعتقد بأن الله قدر الأمور لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد،  وهذه الحكمة قد تكون معلومة لنا، وقد تقصر عقولنا عن إدراكها.

فمن ظن أن الله يقدّر الأمور بغير حكمة فهذا من سوء الظن بالله، لأن هذا يتضمن أن تكون تقديراته لعباً وسفهاً، والله -تعالى- يقول:  (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:27]، فمن قال إنها خلقت باطلاً لا لحكمة فذلك ظن الذين كفروا.

ومن الظن السيئ بالله قول بعضهم: ما الفائدة من كون هذا أعمى وهذا أعرج؟ أو: هذا الشخص لا يستحق ما حصل له من شر، أو: إن اختلاف الألوان لا حكمة فيه، وهذا ظن سيئ، وتعدٍّ لحدود الله -جل وعلا-، فإن الله -تعالى- له الحكمة البالغة.

 ومن أقبح الظن وأسوئه الظن بأن لله ولداً أو شريكاً، أو أن أحداً يشفع عنده بدون إذنه، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه.

 والظن السيئ بالله أنواع كثيرة لا تنحصر، وضابط الظن السيئ أن يظن بالله ما لا يليق به.

ومن وقع منه ظنٌ سيئ بالله فليراجع قلبه، وليرجع عن ظنه، وليستغفر الله -جل وعلا- من هذه المعصية.

ولنعلم جميعاً أن الطريق إلى حسن الظن بالله هو العلم برحمة الله، وعزته، وعلمه، وإحسانه، وقدرته، ومعرفة أسمائه وصفاته، فإذا تم العلم بذلك؛ أثمر ذلك حسن الظن بالله.

فكيف يُظن بالله -جل وعلا- ظن السوء وهو العزيز؟ فهو -جل وعلا- العزيز الممتنعُ الذي لا يُرامُ جنابه؛ لعظمة سلطانه وجليل كبريائه.

القاهر لكل شيء، فما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، ولا حول ولا قوة لأحد إلا بالله العلي العظيم، فلا يتحرك متحركٌ إلا بإذنه، ولا يسكن ساكن إلا بمشيئته، فهو الذي قهر كل شيء، وذل له كل حي، ونفُذت إرادته في كل شيء.

وهو الـعزيز فـلن يُـرام جـنابـه *** أنـى يـرامُ جـنابُ ذي الـسلطانِ

وهو الـقدير فلـيس يـعجـزه إذا *** مـا رام شـيئاً قـط ذو سـلطـان

وهو الـقوي لـه الـقـوى جمـعاً  تعا *** لى رب ذي الأكوان 

      

وكيف يُظن بالله ظن السوء وهو القدير، فلو اجتمعت الخليقة كلها على معارضته في شيء لم يكن لهم قدرة على معارضته، قال -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنه-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" رواه الترمذي.

ومن قدرته -جل وعلا- أنه يحيي الأرض الهامدة اليابسة بعد موتها. ومن آثار قدرته ما فعله بأمم المكذبين من أنواع العقوبات وحلول المثلات.

ومن آثار قدرته ورحمته نصره لأوليائه، وتثبيتهم، على قلة عددهم وعدتهم بالنسبة إلى أعدائهم:  (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249].

كيف يظن بالله الظن السيئ وهو -جل وعلا- العليم الذي قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [يونس:61]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [العنكبوت:62].

فكل حدَثٍ نراه في العالم إنما هو بعلم الله جل وعلا وتبارك وتقدس.

كيف يظن بالله الظن السيئ وهو -جل وعلا- الحكيم، فله الحكمة البالغة في أفعاله -جل وعلا-، وهو الذي أحكم جميع ما خلقه وأتقنه بأحسن خلق وأتم نظام، لا يمكن لأحد من الخلق أن يقترح أحسن منه، ولا يرى فيه عيباً ولا عبثاً، فكلُ ما خلقه فهو محكمٌ متقن، لم يخلق شيئاً عبثاً. قال -تعالى-:  (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ) [السجدة:7].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله على آلائه...

وبعد: فينبغي للمؤمن إحسان الظن بالله -جل وعلا- في كل شيء، في تقديره وحكمته وأفعاله سبحانه.

ومن إحسان الظن بالله فعل الطاعات على الوجه الشرعي، وإحسان الظن بالله في قبولها.

وإذا دعا المؤمن ربه فعليه بإحسان الظن بالله، وهكذا عند المرض  وعند الموت يحسن الظن بالله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله -تعالى-: أنا عند ظن عبدي بي" رواه مسلم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن حسن الظن بالله -تعالى- من حسن العبادة" رواه أبو داود.

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" رواه مسلم.

وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!" رواه مسلم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي