معركة جالديران والخنجر الشيعي في قلوب المسلمين

أحمد بن ناصر الطيار
عناصر الخطبة
  1. إطلالة تاريخية على بعض جهود الدولة العثمانية .
  2. خنجر مسموم في جسد الأمة المسلمة .
  3. إسماعيل الصفوي وسيرة ملطخة بالخزي والعار .
  4. موقعة جَالْدِيْرَان وهزيمة الصفويين .
  5. اتفاق الروافض مع النصارى ضد أهل السنة من المسلمين .
  6. هبة الشعب العراقي لصد غارات الروافض. .

اقتباس

فما هي إلا لحظاتٌ حتى تقابل الجيشان: جيش الإسلام وجيشُ عُبَّادِ الأوثان, وكانت الأعداد غفيرةً وكبيرةً من الطرفين, واحتدم القتال, واسْتبسل الأبطال, وسالتِ الدماء, وعظُم الكرب والبلاء, فما هو إلا نصر الله يَنزل على أوليائه, فانْسحق جيش المجوس, وانهزموا شرّ هزيمة, وأوقع الهزيمةَ النكراءَ بإسماعيل الصفويِّ وجنودِه, وكانت هزيمة ساحقة حلت بالجيش الصفوي الشيعي على أرضه.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].

أمة الإسلام, سننتقل من هذا المكان الطاهر المبارك بقلوبنا وعقولنا, إلى عاصمة الدولة العثمانية القسطنطينيَّةِ؛ حيث يستعدُّ السلطانُ العثماني بايزيدُ الثاني, اسْتعدادًا عظيمًا لتحرير الأندلس من قبضة الأسبانِ الْمُحتلين, وذلك في أوائلِ القرن العاشرِ للهجرة, فنادى في الناس: حيّ على الجهاد, فاجتمع له أُلوفٌ من المسلمين المتعطشين للجهاد في سبيل الله, تأخذُهمُ الحميةُ الإسلاميةُ لنصرة إخوانهم في العقيدة, وخاصةً بعدما وردتْ رسائلُ الاستنجاد, لدى السلطان العثماني بايزيد الثاني، وممَّا وصلته هذه الأبيات التي هزَّته وآلمته:

فآها على تبديل دين محمد *** بدينِ كلابِ الروم شرِّ البرية

وآها على أسمائنا حين بُدلت *** بأسماء أعلاجٍ من أهل القيادة

وآها على أبنائنا وبناتنا *** يروحون لِلَّبَّاط في كل غدوة

يُعلِّمُهم كفراً وزوراً وفرية *** ولا يقدروا أن يمنعوهم بحيلة

وآها على تلك المساجد حُوِّلتْ *** مزابلَ للكفار بعد الطهارة

وآها على تلك الصوامع علقت *** نواقيسهم فيها نظيرُ الشهادة

وآها على تلك البلاد وحسنها *** لقد أَظلمت بالكفر أعظم ظلمة

وصارت لعُبَّاد الصليب معاقلا *** وقد أَمنوا فيها وقوع الإغارة

وصرنا عبيداً لا أَسارى فنفتدي *** ولا مسلمين مَنْطِقُهم بالشهادة

فلو أبصرتْ عيناك ما صار حالنا *** إليه لجادت بالدموع الغزيرة

فيا ويلنا يا بؤس ما قد أصابنا *** من الضر والبلوى وثوب المذلة

سألناك يا مولاي بالله ربنا *** وبالمصطفى المختار خير البرية

عسى تنظروا فينا وفيما أصابنا *** لعل إله العرش يأتي برحمة

فقولك مسموع وأمرك نافذ *** وما قلت من شيء يكون بسرعة

فما إنْ قرأها حتى أعدّ العدّة لنُصرتهم وغوثهم, ولكنْ عاجلته المنيةُ وهو في أتم اسْتعداد, فخلفه بعده ابنُه سليمُ الأول, فأكمل الاستعدادَ بإعلان الجهاد, وترتيبِ الجيوش الجرَّارة لغزو الأندلس.

ولكن, حدث ما لم يكن يخطر بباله ولا ببال المجاهدين, فصرف نظره عن غزو الأندلس ونُصرة أهلها, بسبب عدوٍّ كشَّر عن أنيابه, وأعلن عن عدائه, إنه الخنجر المسمومُ الْموجَّهُ لأهل الإسلامِ في كل زمانٍ ومكان, إنه خطر الدولة الصفوية, دولةِ الرافضةِ المجوس.

ويرجعُ نسب الصفويين إلى صفيِّ الدين الأرْدَبِيْليّ, الْمُتوفى عام سبعمائةٍ وخمسةٍ وثلاثين, الجدِّ الأكبرِ للشاه إسماعيلّ الصفوي, مؤسسِ الدولة الصفوية.

وقد عزمَ إسماعيلُ الصفويُّ على فرض المذهب الشيعي على شعبه, وأعلنه مذهباً رسمياً للدولة في إيران، وقضى بالقوة المسلحة على معارضيه, واستطاع الصفويون أن يجمعوا حولهم أعداداً غفيرة من الأتباع والرُّعاع.

وقد آلم ما فعله هذا الْمُجرمُ أهلَ الإسلام, وحزنوا لذلك حُزناً شديدًا بالغاً.

ولجأ الطاغوتُ إسماعيل الصفوي, إلى نشر المذهب الفاسدِ في أطراف الدولة العثمانية.

ولْنسمع ما قاله الإمام الشوكاني عن هذا الطاغوت: "كَثُرتْ أتبَاعه فغزا سُلْطَانَ شُرْوَان, فَكَانَ الغلب له, وَأسر جَيْشُه سُلْطَانَ شرْوَان, فَأَمرهمْ أَن يضعوه في قدر كَبِير ويأكلوه, ثمَّ افْتتح ممالك الْعَجم جَمِيعهَا, وَكَانَ يقتل من ظفر بِهِ, وما نهبه من الأموال قسمه بَين أصحابه وَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا, وَمن جملَة مَا ملك: تبريز, وأذربيجان, وبغداد وعراق الْعَجم, وعراق الْعَرَب, وخراسان, وَكَاد أَن يدعي الربوبية, وَكَانَ يسْجد لَهُ عسكره ويأتمرون بأَمْره".

قَالَ قطب الدَّين الحنفي في الْأَعْلَام: إنه قتل زِيَادَةً على ألف ألفِ نفس, قَالَ: بِحَيْثُ لَا يُعْهَد في الْجَاهِلِيَّة وَلَا في الإسلام, وَلَا فِي الْأُمَم السَّابِقَة مِن قبل مِن قتل النُّفُوس مَا قَتله الشاه إسماعيل, وَقتل عِدَّةً من أعاظم الْعلمَاء, بِحَيْثُ لم يبْقَ من أهل الْعلم أحدٌ في بِلَاد الْعَجم, وأحرق جَمِيع كتبهمْ ومصاحفهم, وَكَانَ شَدِيد الرَّفْض بِخِلَاف آبَائِهِ.ا.هـ كلامه.

نعم يا أمة الإسلام, هذا ما فعله هذه المجرمُ الخبيث, وهو الذي أسَّس التشيع في بلاد إيران السنيَّة!

لقد تزعم الشاه إسماعيل المذهب الشيعي, وحرص على نشره, ووصلت دعوته إلى الأقاليم التابعة للدولة العثمانية, وكانت الأفكار والعقائد التي ينشرُها هو وأتباعُه في تلك الأقاليم, يأباها المجتمع العثماني السُّنّي؛ حيث كان من عقائدهم الفاسدة: تكفيرُ الصحابة، ولعنُ العصر الأول، وتحريف القرآن الكريم، وغيرُ ذلك من الأفكار والعقائد الباطلة.

فما إنْ تواترت الأخبار لدى السلطانِ سليم رحمه الله, زعيم الدولة السنية، وهو في أوجِ اسْتعداده لفتح الأندلس, حتى صرف نظره عنها, وتوجَّهتْ أنظاره لدحر هذا الصائل على الإسلام وأهله.

انظروا إلى الأثر السيئ لهؤلاء الرافضة, كيف يُقتِّلون في أهل الإسلام, ويدعون أهل الأوثان؟! كيف كانوا ولا زالوا عائقاً أمام نصر المسلمين, وتوَحُّدِهم وعزّهم.

فما كان من السلطان السنيّ, إلا أنْ أعلن في اجتماعٍ لكبار رجال الدولة والقضاة, ورجال السياسة وهيئة العلماء, في عام تسعمائةٍ وعشرين, أن إيران بحكوماتها الشيعية ومذهبها الشيعي, يمثلان خطراً جسيماً لا على الدولة العثمانية فقط, بل على العالم الإسلامي كلِّه, وأنه لهذا يرى الجهاد ضد الدولة الصفوية, وكان رأي السلطان سليم هو رأي علماء أهل السنة في الدولة.

كيف لا, وقد قام الشاه إسماعيلُ عندما دخل العراق, بذبح المسلمين السنيين على نطاق واسع, ودمَّر مساجدهم ومقابرهم, فيا لِمُصاب أهل الإسلام من هؤلاء المجوس!! وما فعله هذا الطاغوت, قد جدَّده أحفاده في العراق هذا اليوم.

أعدَّ السلطانُ سليمُ الأول لمعركةٍ فاصلة مع الدولة الصفوية, فبدأ في التحرك من إسطنبول, تجاه الأراضي الإيرانية.

فتحرَّكَتْ جُيُوشُه الجرارةُ, فدخل في مشارف الدولة الصفوية, فلما سمع بذلك الشاه إسماعيل, ارْتعدتْ فرائصه, وخاف من مُواجهة أُسودِ أهل السنة, فطلب المهادنةَ وتجديدَ علاقات السلم والصداقة بين الدولتين، فلم يقبل سليمُ الأولُ هذا من شاه الصفويين، وأهان رسوله، بل وأمر بقتله أيضاً.

واستمر السلطان سليم في تحركه, ووصلته الأخبار أن إسماعيل الصفوي قد بدأ الاستعداد للقتال والحرب, بل إنه على وشك الوصول إلى صحراء جَالْدِيْرَان، فبدأ سليم الأول المسير نحوها فوصلها، واحتل المواقع المهمة بها.

فما هي إلا لحظاتٌ حتى تقابل الجيشان: جيش الإسلام وجيشُ عُبَّادِ الأوثان, وكانت الأعداد غفيرةً وكبيرةً من الطرفين, واحتدم القتال, واسْتبسل الأبطال, وسالتِ الدماء, وعظُم الكرب والبلاء, فما هو إلا نصر الله يَنزل على أوليائه, فانْسحق جيش المجوس, وانهزموا شرّ هزيمة, وأوقع الهزيمةَ النكراءَ بإسماعيل الصفويِّ وجنودِه, وكانت هزيمة ساحقة حلت بالجيش الصفوي الشيعي على أرضه.

ونَجا إسماعيل وفرَّ إلى داخل أراضيه، فتقدَّم المجاهدون الأبطال, ودخلوا مدينةَ تبريز, عاصمةَ الدولةِ الصفوية.

ثم رجع بعدها إلى بلده مُنتصراً فاتحاً, بفضل الله تعالى وحده, ثم بعقيدته السليمة ومنهجه الصافي، وأسلحته المتطورة, وجيشه القوي المتدرب، وعاد إلى بلاده بعد أن استولى على كردستان, وديارِ بكر، وبذلك صارت الأناضول آمنةً من الاعتداء من الشرق.

فهكذا -يا أمة الإسلام- صُرف المسلمون عن فتح الأندلس, بسبب الرافضة في بلاد فارس.

ومن العجيب بعد هذه المعركة الفاصلة, أنَّ السرور والفرح دخل على الأوروبيِّين النصارى, بسبب الحروب بين العثمانيين والصفويين, وعمل الأوروبيون على الوقوف مع الرافضةِ الصفوية, ضد الدولة العثمانية؛ لإرباكها حتى لا تستطيع أن تستمر في زحفها على أوروبا.

وهكذا هي علاقة الغرب بنا, قديماً وحديثًا, يفرحون بقتالِ بعضِنا مع بعض, وإذا رأوا فرصةً سانحةً قاتلونا واضْطهدونا, وأما الرافضة فلم يحدث شيءٌ من ذلك, لا يُعرَف في التاريخِ أنَّ الغرب قاتل الرافضةَ أبداً, بل هم من أحسن الناس علاقةً معهم؛ وذلك لأنهم يشتركون جميعًا في همٍّ واحد, وهو مُحاربةُ أهل الإسلام الصحيح, وإضعاف شوكة أهل العقيدة الصحيحة الصافية.

نسأل الله تعالى, أنْ يدحرَ أعداءَ الإسلام في كل مكان, وأنْ يكفّ شرهم بمنه وكرمه, إنه جوادٌ كريم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين, قضى أنْ ينصر الإسلامَ والمسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد.. أمة الإسلام, إن التاريخ يُعيد نفسه كما يُقال, وما حدث بالأمس هو نفسُه ما يحدث اليوم ولكن بلباسٍ مُختلف.

فالعلاقةُ الحميمةُ بين الشرق والغرب مع أتباع الدولة الصفوية, ونُصرتُهم لهم, وفرحُهم بانتصارهم على أهل الإسلام, هو ما نراه اليوم عياناً بياناً.

فهاهم يتفرجون على مذابح المسلمين في إيران, وقد ذكرتِ الْمُنظماتُ الحقوقيةُ العالميةُ أنّ أعلى نسبةِ إعدامٍ هي في إيران, وقد أعدموا في السنة الماضية ما يُقاربُ ثلاثمائة سني.

وها هي مجازرهم في بلاد الشام, فقد تكالب الرافضة على أهلنا من كل مكان, وقتَّلوا الشيوخَ والنساء والصبيان, ومع ذلك لم يُحركوا ساكناً, ولم نسمع إلا كلماتٍ فضفاضةٍ يطيرُ بها الهواء؛ لأنهم في مأمنٍ من انتصارهم على الرافضة.

ولكن, حينما ينتفضُ الشعب المسلمُ على الرافضة, وتقوى كفَّتُهم, وتلوحُ في الأفق انتصاراتهم, حينها يخرجون عن هذا الصمت, وتنقضّ مضاجعُهم, ولا يستعيضون بالكلام عن الفعال, ولا يرجعون إلى هيئاتهم الأممية وغيرها, ولا ينتظرون رأي أيِّ دولةٍ مهما علا شأنها, ولا يُبالون بحق نقض الفيتو وغير ذلك من الأسماء الخدَّاعة.

فهذا الشعبُ العراقيُّ السنيّ, انتفض على الْمحتلين الرافضة, الذين ساموهم سوءَ العذاب, وطردوا الكثير منهم خارج البلاد, فلم يقفِ الغرب عن صمته, بل توعّد وأزبد, وحرك جنودَه لحمايةِ أحبابه الرافضة, ولو كانوا مُعتدين ظلمةً!!

فلْنأخذ العبرةَ من هذا يا أمة الإسلام, ولْنعلم أن الغرب والشرق أصدقاء للرافضةِ والدولة الصفوية, ولا ننخدعْ بمعسول كلامهم, وعدالتهم وقيمهمُ الكاذبة.

نسأل الله تعالى, أنْ يُعجل بالفرج على المسلمين, وأن يُخلّصهم وينصرهم في العراق والشام, وسائر بلاد المسلمين, إنه على كل شيءٍ قدير.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي