ما أكثر المحرومين في هذا الزمن الذي كثر فيه التكالب على الدنيا وشهواتها، وقلّت الرغبة في الآخرة عند كثير من الناس؛ حتى إنهم ما صبروا عن المعاصي في شهر الصبر، ولا صبروا عما تشتهي أسماعهم وأبصارهم مما حرمه الله تعالى في رمضان وغير رمضان؛ فإذا ما أفطروا تحلقوا وأسرهم أمام الشاشات، يأكلون نعمة الله تعالى، ويشاهدون ما تشتهي أبصارهم؟! فماذا يشاهدون؟ وماذا يسمعون؟! إنهم يشاهدون برامج صُنعت خصيصاً لرمضان؛ فيها مداعبة للغرائز، وإثارة للشهوات!
أما بعد:
أيها الناس: خلق الله تعالى البشر، وابتلاهم بعبادته، ووعدهم إن هم أطاعوه الجنة، وإنْ هم عصوا فالنار مثوى لهم.
وجعل على طريق الجنة دعاةً يدعون الناس إليها، ويرغّبونهم فيها، وجعل على طريق النار دعاة يجرون الناس إليها، ويقذفونهم فيها.
وطريق الجنة محفوفة بالمكاره، مليئة بالعوائق، محاطة بالابتلاءات، وطريق النار محفوفة بالشهوات، مزدانة بالزخارف، مليئة بما يرغب الناس في سلوكها؛ ولذا كان سالكوها أكثر من سالكي طريق الجنة، وأهل النار أكثرَ من أهل الجنة كما دلت على ذلك الأحاديث(كما ثبت في البخاري في الرقاق باب الحشر: 6529).
من أجل ذلك كان على العبد الذي يريد النجاة من العذاب، والفوز بالجنان أن يصبر نفسه على الطاعات، ويصابر عن الشهوات وفي الابتلاءات، ويرابط على ذلك، قائماً بأمور ربه، ثابتاً على دينه إلى أن يلقى الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].
وبالصبر على الحق ينالُ العبد الإمامة في الدين، ويمكّن له في الأرض؛ كما مكّن الله تعالى للمؤمنين من بني إسرائيل لما صبروا على ظلم فرعون وجبروته، وثبتوا على دينهم، فأورثهم الله تعالى الأرض بسبب صبرهم (وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف:137].
وبسبب صبرهم نالوا الإمامة في الدين، وشرفوا بهداية الناس إلى الحق؛ كما قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
ولما صبر يوسف عليه السلام على طاعة الله تعالى، وثبت على دينه، وصابر في الابتلاءات نال الإمامة في الدين والدنيا، ورفعه الله تعالى من مملوك يخدم في قصر العزيز، إلى أمين على خزائن الأرض، وقد نسب ما هو فيه من العز والرفعة إلى فضل الله تعالى بسبب صبره على البلاء وتقواه لله (قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ) [يوسف:90].
وأجر الصابرين عظيم، وثوابهم جزيل، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزُّمر:10]، والله تعالى مع الصابرين، يحوطهم بعنايته ورعايته، وينصرهم على أعدائهم، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249]، ولهم البشرى من الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155].
والصبرُ من عزم الأمور (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى:43]. قال سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى-: «يعني لمن حق الأمور التي أمر اللهُ تعالى بها، أي: من الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل، وثناء جميل» (تفسير ابن كثير (4/120).
وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الخير على الصبر بقوله لابن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر» رواه أحمد والترمذي 2516 وقال: حسن صحيح).
وقال عمر رضي الله عنه: «وجدنا خير عيشنا بالصبر»(أخرجه أبو نعيم في الحلية : 1/50).
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: «ما الإيمان؟" قال: "الصبر والسماحة» (رواه الترمذي (3579)، والنسائي (1/279).
وأخبر عليه الصلاة والسلام أن: «الصبر ضياء»(رواه مسلم: 223).
قال القرطبي في معنى ذلك: «هو الصبرُ على العبادات والمشاق والمصائب، والصبر على المخالفات والمنهيات، كاتباع هوى النفس والشهوات، وغير ذلك، فمن كان صابراً في تلك الأحوال، متثبتاً فيها، مقابلاً لكل حالٍ بما يليق به؛ أضاءت له عواقب أحواله، ووضحت له مصالح أعماله، فظفر بمطلوبه، وحصل له من الثواب على مرغوبه»(المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 1/477).
وأما في الآخرة فإن أهل الإيمان واليقين يُجْزَون الغرفة ويلقون فيها تحية وسلاماً؛ وذلك بسبب صبرهم على طاعة الله تعالى، ومجانبتهم ما يسخطه، ومقابلتهم الابتلاءات والإغراءات بالصبر والمصابرة، والثبات والمرابطة على ما يرضى الله عزَّ وجلَّ.
إن الصبر هو طريق الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وبه تحلوا وتجملوا، مُدحوا به في القرآن الكريم، وأثنى الله تعالى به عليهم (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الأنبياء:85]، وأيوب عليه السلام ابتلاه الله تعالى في جسده ابتلاءً شديداً ثماني عشرة سنة، حتى جفاه القريب والبعيد، وصبر هذه المدة الطويلة على هذا البلاء العظيم، وسأل الله تعالى أن يكشف ضره؛ فعافاه الله سبحانه، وأثنى على صبره فقال سبحانه: (وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص:44].
وإسماعيل عليه السلام أخبر أباه أنه صابر على ابتلاء الله تعالى لهما عليهما السلام بذبحه (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصَّفات:102] .
وإمام المرسلين، وخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بأن يصبر صبر أولي العزم من المرسلين (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) [الأحقاف:35]، فصبر عليه الصلاة والسلام على أذى المشركين، ثم على أذى المنافقين، ودعاهم إلى الله تعالى، وقابل صدودهم بالصبر، وأذاهم بالعفو، ويأتيه الملائكة عليهم السلام يستأذنونه في إهلاك المكذبين من قومه، فيأبى ويصبر، ويقول: «بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً» (رواه البخاري: 3231).
وكانت الحمى مضاعفة عليه، وتمسه كما تمس رجلين من أمته، حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً، قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم...» (رواه البخاري: 5648).
تلك هي طريق الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام: صبر في الابتلاءات، ومصابرة عن الشهوات، وثبات على الحق مهما كلف الأمر.
فمن رامَ مدارج السالكين، وابتغى منازل الصابرين، فعليه بالصبر على طاعة الله تعالى وعبادته، والصبر عن معصيته مهما زينها له الناس، والصبر على مكاره الدنيا ومصائبها، فمن حقق ذلك جُوزي على صبره بلا حساب.
جعلني الله وإياكم من الصابرين، وسلك بنا دروب الأنبياء والصالحين، وحمانا من سبل الهالكين إنه سميع مجيب.
(أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [لقمان:17]، (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [آل عمران:186].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
أمَّا بعد:
فاتقوا الله تعالى - أيها المسلمون- وتحلوا بالإيمان والصبر؛ فإنكم في شهر الصبر (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45]، قال الطبري رحمه الله تعالى: «أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله تعالى، وترك معاصيه، وأصل الصبر: منع النفس محابّها، وكفّها عن هواها؛ ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر؛ لكفّه نفسه عن الجزع، وقيل لشهر رمضان: شهر الصبر؛ لصبر صائمه عن المطاعم والمشارب نهاراً»(جامع البيان: 1/259 - 260).
وقد جاء في السنة النبوية النصُ الصريحُ على تسميةِ رمضان بشهر الصبر، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صوم شهر الصبر وثلاثة أيامٍ من كل شهر صوم الدهر» (رواه الإمام أحمد: 2/384، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 3803).
وجاء رجل من باهلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد هَزُل جسده، وتغير لونه، من ديمومته على الصيام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «من أمرك أن تعذب نفسك؟ صم شهر الصبر رمضان، وثلاثة أيام من كل شهر» (رواه أبو داود 2428 وصححه الألباني).
وجاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يذهب كثير من وَحَرِ صدره فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر»(رواه أحمد الألباني في صحيح الجامع: 3804)، قال الأصمعي والكسائي: وَحَرُ الصدر: غشه وبلابله. (لسان العرب: 5/281).
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، ويُذهب مَغَلَّة الصدر، قال: قلت: وما مَغَلَّةُ الصدر؟ قال: رجس الشيطان» (رواه أحمد : 4/154)
أيها الإخوة:
بان بهذه النصوص الكثيرة أن رمضان يُسمى شهر الصبر؛ وذلك لأن الصبر حبسٌ للنفس، والصائم يحبس نفسه عن مشتهاها من المأكل والمشرب والنساء؛ طاعةً لله تعالى، قال سبحانه في الحديث القدسي: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»، وأخبر سبحانه أن الصوم له فقال في الحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أجزي به»(رواه البخاري 1894).
وقد قال في الصبر: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزُّمر:10] ، فعلم بذلك أن من الصابرين الذين يُوفون أجورهم بغير حساب: الصائمين، الذين صبروا عن شهواتهم؛ طاعة لله تعالى، وتقرباً إليه، فما أعظمها من منزلة ينالها الصائمون أن توفى لهم أجورهم بغير حساب! وأن يتولى الكريم الجواد الذي وسع فضله العالمين، وعَمَّ إحسانه الخلق أجمعين، يتولى جزاءهم بلا مقدار يحدده، ولا ثواب يسميه؛ بل جعل ذلك إليه! والكريم يجزي على قدر كرمه، وربنا أكرم الأكرمين، ويعطي العطاء الجـزيل، خزائنه لا تنفد، وعطاؤه لا ينقطع، فالمحروم من حرم فضل الجواد الكريم جل جلاله.
وما أكثر المحرومين في هذا الزمن الذي كثر فيه التكالب على الدنيا وشهواتها، وقلّت الرغبة في الآخرة عند كثير من الناس؛ حتى إنهم ما صبروا عن المعاصي في شهر الصبر، ولا صبروا عما تشتهي أسماعهم وأبصارهم مما حرمه الله تعالى في رمضان وغير رمضان؛ فإذا ما أفطروا تحلقوا وأسرهم أمام الشاشات، يأكلون نعمة الله تعالى، ويشاهدون ما تشتهي أبصارهم؟
فماذا يشاهدون؟ وماذا يسمعون؟! إنهم يشاهدون برامج صُنعت خصيصاً لرمضان؛ فيها مداعبة للغرائز، وإثارة للشهوات! وأعظم من ذلك وأشدُّ أنهم يجتمعون على مشاهدة برامج هزلية، ومسلسلات فكاهية، تتندر بأحكام الشريعة، وتسخر من الملة، وتستهزئ بعباد الله تعالى في أشكالهم وألوانهم، أو في لهجاتهم ولغاتهم، أو في لباسهم وهيئاتهم، أو في تصرفاتهم وحركاتهم.
برامج ومسلسلات مأفونة، قد تآزر فيها الفُجْرُ مع النفاق، والشر مع الفساد، تعلن رفضها الصريح لولاية الرجل على المرأة، وقوامة الزوج على الزوجة، والمحرمية للمرأة في السفر، ومشروعية تعدد الزوجات، وتكرِّسُ تمرد البنات على آبائهن، والزوجاتِ على أزواجهم في مشاهد وحلقات هزلية، تسخر من حكم الشريعة، وتستهزئ بمظاهر السنة من إكرام للحى، وتقصير للثياب، والتزام بالسواك، فلا تعرض هذه المظاهر وأمثالها إلا في صور دراويش منغلقين، ومتخلفين رجعيين.
صورٌ ومشاهدُ قد انجبذ إليها كثير من الصائمين، فلا يفطرون إلا عليها؛ لما فيها من أقوال هازلة، وحركات ماجنة، وتصرفات لا يفعلها إلا البُلْه والمعاتيهُ من الناس، والأبله والمعتوه قد يأتي بما يضحك الناس، ولولا هذه المشاهد لما استحسنها الناس، وأقبلوا عليها!! وإضحاك الناس من خوارم المروءات عند الفقهاء، ومن شُهِرَ به فلا تقبل شهادته عند القضاة؛ لضعف عقله، وقلة مروءته، والقدح في عدالته.
ومع ذلك فكثير من الناس لا يتورع عن مجالس تحوي مثل هذا الخبال، ولا عن مسلسلات تعرضه، فكيف وفيها سخريةٌ بالدين وأهله، وحملته والمتمسكين به، واستهزاء بعباد الله تعالى؟!
والله تعالى قال في حق من سخروا من القراء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: (أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65- 66] ، فكيف بمن يسخر بالحجاب والتعدد، والمحرمية للمرأة في السفر، وأحكام القوامة والولاية، وغير ذلك مما أوجبته الشريعة؟!
ووالله الذي لا إله إلا هو إن من صام ثم حضر تلك المجالس، واستلذ بتلك المشاهد، ليخشى عليه من رد الصيام والقيام، وحبوط الأعمال، نسأل الله السلامة.
وقد جعل الله تعالى حضور مجالس المستهزئين بالدين وأحكامه مثل المستهزئين سواء بسواء إذا لم ينكروا عليهم، ويفارقوا مجالسهم، فقال سبحانه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140].
فإذا كان هذا هو الوعيد الشديد فيمن صادف مجلساً فيه استهزاء بالدين، فكيف بمن حضره قاصداً له، مصرّاً عليه، متفكهاً بمشاهد يُسخر فيها بشريعة الله تعالى؟! لا شك في أنه على خطر عظيم، ويبوء بإثم كبير، إن لم يبادر بتوبة عاجلة.
والعجب كل العجب من أناسٍ يدَّعون الحمية الوطنية، ويزعمون أن الوطن جامعٌ للناس، وأن الدين يفرقهم، ثم إذا هم بمشاهدهم الهزلية، ومسلسلاتهم الرخيصة؛ يكرسون الأحقاد، ويزرعون الضغائن، بالسخرية بلهجة أقوام من بني وطنهم، والهُزْءِ بعادات آخرين، وتصويرهم للمشاهدين في صور الحمقى والمغفلين، فهل يرضى هؤلاء وأولئك بأن تمس كرامتُهم، ويُسخرَ من لسانهم وعاداتهم؟! إنها مشاهد ومسلسلات تفرق ولا تجمع، وتفسد ولا تصلح، وتهدم ولا تبني، وتستجلب سخط الجبار جلَّ وعلا ونقمته، فمن أنكرها فقد برئ، ومن جلس إليها وشاهدها فقد رضي ووافق، ويخشى على دينه.
فاتقوا الله ربكم، وحافظوا على صيامكم مما ينقصه ويذهبه، واحفظوا دينكم من هُزْءِ المستهزئين، وسخرية الساخرين، وتلاعب الفسقة الماجنين؛ فإن ربكم جلَّ جلاله غيور يغار على حرماته، وغيرته سبحانه أن تؤتى محارمه، فكيف بمن يسخر بأحكامه التي شرعها، وشعائره التي أنزلها؟! نعوذ بالله من ذلك، ونبرأ إليه مما فعل السفهاء منَّا، اللهم لا تؤاخذنا بأقوالهم وأفعالهم، اللهم خصهم بنقمتك وعذابك، ولا تجعل ذلك عامَّـاً على عبادك.
اللهم إنا نبرأ إليك من كل فاسق وفاسقة، وفاجر وفاجرة، يسخرون بدينك، ويستهزئون بشريعتك، اللهم عاملهم بعدلك، وخصهم بعقابك، واحفظ المسلمين من شرهم ومكرهم إنك سميع مجيب.
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه،،،
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي