قبل مئات السنين كان هناك جماعات من اليهود متفرقة في بقاع الأرض ليس لهم مستقر ولا مأوى. أهل كذب ونفاق، أهل زور وبهتان، أهل خيانة وريبة، منبوذون من جميع الأجناس العرب والعجم كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا، ف(فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)[البقرة: 70]. يرسل الله إليهم الأنبياء والرسل، علّ ذلك أن...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
أيها الأحبة الكرام: هذه الخطبة ندرس فيها حقائق معلومات موثوقة عن أعداء الإسلام هل هم قائمون أم هل هم لاهون لاعبون عابثون؟
ومن هم الأعداء كيف يعيش عاقل والأعداء يطاردونه وهولا يعرف ماذا يراد به؟!
بل لا يعرف عدوه أصلاً من هو؟ ما أصله؟ كيف نشأ؟ إلى ماذا يخطط؟!
أسئلة كثيرة سنعرف أجوبتها من خلال هذه الخطبة، ومن خلال خطب قادمة -بإذن الله-.
أيتها الأمة الإسلامية المجيدة: هل يعقل بنا أن نقول أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- نسي أن ينبهنا إلى عدونا؟
لا.
هل ترك القرآن الإفصاح عن ذلك العدو؟
لا.
إذن فكيف لا نعرف أعداء الإسلام.
استمعوا -يا عباد الله-: إلى الإرشاد الإلهي والتبيان الواضح الصريح لجنس ذلك العدو.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[المائدة:82].
المشركون هم أصحاب أبي جهل وأبي لهب، لكن اليهود من هم؟ وما سر عداوتهم للإسلام؟!
قبل مئات السنين كان هناك جماعات من اليهود متفرقة في بقاع الأرض ليس لهم مستقر ولا مأوى.
أهل كذب ونفاق، أهل زور وبهتان، أهل خيانة وريبة، منبوذون من جميع الأجناس العرب والعجم كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا، ف(فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)[البقرة: 70].
يرسل الله إليهم الأنبياء والرسل، علّ ذلك أن يصلح حالهم ومآلهم: (فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)[الإسراء: 60] وشراً مستطيراً.
طغوا وبغوا، وأفسدوا وأجرموا، ولم يستمعوا كلام الله ولا رسله.
أرسل الله إليهم يوسف في مصر، ففعلوا به ما فعلوا حتى أمكنه الله، فرفع مقامه، وخضعوا له، فتحسنت حالهم، حتى توفي يوسف، فعادوا إلى ديدنهم وفسادهم، وملكهم فرعون الطاغية من الأقباط.
وبقوا فترة؛ فأرسل الله إلى فرعون وقومه موسى، فقام بالرسالة حق قيام، وآمن معه نفر: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)[يونس: 83].
يأمرهم الله بالأوامر؛ فيماطلون فيها ويتكاسلون، بل يتهاونون فيها، -قاتلهم الله أنّى يؤفكون-.
فأخذ موسى يحذرهم غضب الله عليهم إن هم استمروا في كفرهم وتمادوا في طغيانهم، فلم ينتهوا فأرسل الله لهم آية من آياته لعلهم يذكرون: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف: 130].
فأصيبوا بقحط ومجاعة، وجف النيل، وهلكت الأنفس؛ فسارعوا إلى موسى: (يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ)[البقرة: 134].
انظروا إلى قبح كلامهم -قبحهم الله- يقولون: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) لم يقولوا: ادع لنا ربنا، أو ادع لنا الله: (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا)[الفرقان: 21].
(يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)[البقرة: 134].
فيدعو موسى ربه، فيكشف الله ما حل بهم، وتعود الحياة لهم، فيعودوا إلى شر مما كانوا عليه، أعرضوا عما جاءهم من الحق، ولم يلتفتوا إليه فأرسلنا عليهم الطوفان، قال ابن عباس: "هو الماء الغزير والأمطار المهلكة، وأمر طاف بهم".
وقال مجاهد: "الطوفان، هو: الداء الطاعون، وكثرة الموت، طافت بهم فأهلكتهم، ففزعوا إلى موسى: يا موسى! يا موسى، فدعا ربه، فانكشف ما بهم، فعادوا، فأرسل الله عليهم جنداً من جنده: الجراد، فحصد زروعهم حصداً، حتى قال ابن إسحاق: "كان يأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فهلكوا، وعادوا لموسى: (يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)[البقرة: 134].
فدعا، ونجوا، ثم عادوا إلى كفرهم، فأرسل الله القمل، فدخل معهم البيوت والفرش، وانتشر فيهم، فلم يهنئوا نوماً ولا قوماً، ولا طعاماً ولا شراباً".
ويستمر فرعون وقومه في وعودهم الكاذبة كل مرة، ويدعو موسى، فيرفع البلاء، ويعودوا إلى طغيانهم وضلالهم، فأرسل الله الضفادع؛ فملأت البيوت والأطعمة، والآنية، فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً، إلاّ وجد الضفادع قد غلبت عليه، فلما جهدهم ذلك، قالوا لموسى مثلما قالوا، فدعا ربه، فكشف ما بهم، فلم يفوا بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم، فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر، ولا يغترفون من إناء ماءا إلاّ عاد دماً عبيطاً.
وأي بلاء هذا -يا عباد الله- لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد؟!
لكنها قلوب مريضة، أعرضت عن هدي الله، قلوب لعنت فلم ينفعها قول ولا هول: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ)[الزخرف: 48 -050].
وهكذا أهل الكفر والخذلان، أعداء الله ورسوله، في كل مكان وزمان، نكث وكذب وافتراء، فلا عهد لهم ولا أمان.
وكل الآيات السابقة، الجدب والطوفان، والجراد والقمل، والضفادع والدم، والحليم العظيم القدير ينظرهم، ولا يعجل عليهم، ويؤخرهم ويتوعد، ولكن وبما أنهم لم ينتهوا؛ فإن الله لا يرضى لعباده الكفر، وسنته قائمة بإهلاك المفسدين الطغاة، مهما استعلوا وتجبروا.
وبعد كل ذلك الإنذار؛ أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر: (وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر: 41- 42].
ومن أعظم المعجزات والعجائب: أن كل هذه الآيات والنذر والمصائب، لم تصب موسى، ولا من آمن معه من بني إسرائيل، وإنما كانت مسخرة على فرعون، ومن معه.
وأوحى الله إلى موسى أن يخرج بعباده من أرض فرعون، وخرج موسى، فشق الله له البحر الأحمر، وخرج موسى وقومه، فظن فرعون أنهم يستعدون للانقضاض عليه، فلحق بهم، فبدأت أول فتن بني إسرائيل: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء: 61].
وكأنهم شكوا في صدق وعد موسى لهم بالنجاة، فلما طلعت الشمس، كان موسى وقومه قد خرجوا من البحر، وفرعون وحاشيته في طريقهم إليهم، فلما اكتمل جنود فرعون في البحر، أطبق الله عليهم البحر، فماتوا جميعاً.
ونبدأ الآن رحلتنا مع يهود بني إسرائيل، فجر الله لهم العيون، وأنزل عليهم الطيبات، وساق لهم الغمام ليظلهم في الصحراء، فلم يشكروا الله على تلك النعم، بل جحدوا ربهم، وقالوا لموسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ).
فأجابهم موسى: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف: 138-139].
ولما ذهب موسى لميقات ربه، اتخذوا: (مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ)[الأعراف:148].
يعبدونه من دون الله.
ولم يكتفوا بذلك، بل طلبوا رؤية الله جهرة، فأرسل الله عليهم صاعقة من السماء؛ تأديباً لهم.
ثم شاء الله أن تنتهي حياة موسى وهارون بعد تكذيب لهم طويل من بني إسرائيل.
أيها الأحبة: استمر حال اليهود وتكذيبهم، بل وتحريفهم لكتاب الله: التوراة، فأرسل الله عيسى -على جميع رسل الله الصلاة والسلام-، فآمن بعضهم، وهم الحواريون، وكذب بعضهم، وهم بقية اليهود.
ثم حاولوا قتل عيسى، فرفعه الله إليه، واستمر عداء اليهود -لعنهم الله- للأنبياء والرسالات، وكان عند بعضهم بقية من علم، فعلموا بمقدم رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-، من خلال وصفه في الإنجيل والتوراة.
فلقد سافر أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الشام متاجراً، ومعه رسول الله وعمره اثنتا عشرة سنة، وفي الطريق قابل راهباً، يقال له: " بحيرى" فلما خرج الركب خرج إليهم وأكرمهم، وكان لا يخرج لأحد قبل ذلك، وعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفته، فقال الراهب، وهو يأخذ بيد رسول الله -صلى اله عليه وسلم-: هذا سيد العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال أبو طالب: ومن علمك هذا؟ فقال: إنكم حين أشرفتم، لم يبق حجر ولا شجر إلاّ خر ساجداً، ولا تسجد إلاّ لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة في ظهره، وإنا نجده في كتبنا، ثم سأل أبا طالب أن يرده ولا يدخله الشام، خوفاً عليه من اليهود، ففعل.
وعداء اليهود يكمن في أنهم كانوا يتوقعون أن يخرج رسول الله منهم، فلما خرج من العرب كذبوه، وشوهوا صورته، وألبوا عليه الرجال، وحاولوا قتله.
ومن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام خرج في نفر من أصحابه إلى يهود بني النضير لجمع بعض الديات، فقال اليهود لرسول الله: اجلس هاهنا، حتى نقضي حاجتك، فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم، ينتظر وفاءهم بما وعدوا، ولكن اليهود أهل مكر وخبث، حيثما حلوا وارتحلوا، فأعطوا أحدهم رحىً ليرميها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقضي عليه.
وبينما هم يخططون، إذ نزل الوحي يفضحهم، فهب رسول الله، وهب أصحابه معه، وخرجوا وأخبرهم بما أراد اليهود، فكانت غزوة بني النضير التي أعلى الله فيها كلمته.
ويواصل اليهود عداوتهم للإسلام وأهله، بل عداوتهم لله -سبحانه وتعالى-، حتى وصل الحال والكبر بهم إلى سب الله -تبارك وتعالى-، فلما أنزل الله قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)[البقرة:245].
قالوا: يا محمد افتقر ربك، فسأل عباده القرض! فأنزل الله: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)[المائدة: 64].
هم أهل البخل والتقتير.
هم أهل الشح الكبير -لعائن الله تترى عليهم إلى يوم القيامة-.
هل يليق بعاقل أن يقول: أن يد الله مغلولة؟! وهو يتقلب بين أنعم الله صباح مساء؟ (للَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم: 32- 34].
بل من أكبر طيشهم، أنهم نسبوا الابن إلى الله، ومن جعلوا الابن؟! قالوا: (عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)[التوبة: 30].
وقالوا أنهم: (أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)[المائدة: 18].
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعمان ابن آصا، وبحري ابن عمرو، وشاس ابن عدي، فكلموه وكلمهم، ودعاهم إلى الله، وحذرهم نقمته، فقالوا: يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه، وقال اليهود والنصارى: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[المائدة: 18].
أيها المؤمنون: ولا تزال سلسلة فضائحهم تتوالى، وستتوالى إلى يوم القيامة: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)[التوبة: 10].
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم...
الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى جميع الثقلين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً:
أما بعد:
فلا زلنا في عرض نماذج يسيرة من فضائح تلك الفئة الباغية، أعداء الله ورسوله، وأعداء رسالاته جميعاً.
ولو استعرضنا كل فضائحهم لطال بنا المقام، ولكننا نقتصر على بعض الوقائع فقط، لنعرف أعداءنا، كيف يكرهون الإسلام وأهله وشرائعه؟.
حسد اليهود رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حين سمعوا الأذان، وقالوا: ابتدعت شيئاً لم يكن للأنبياء، فمن أين لك الصياح كصياح العير؟ فما أقبحه من صوت؟! فأنزل الله: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)[المائدة: 58].
بل إنهم سخروا من القرآن، وكذبوا به، فقد جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: ألست تؤمن أن التوراة حق من عند الله؟! قال: بلى، فقالوا: فإنا نؤمن بها، ولا نؤمن بما عداها، فأنزل الله: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)[المائدة: 68].
وما أرسل إليهم من نبي مع كثرة أنبيائهم إلاّ سبوه أو شتموه، فآذوا موسى، واتهموا سليمان بالسحر، وأنه ساحر، واتهموا إبراهيم بأنه يهودي، وكذبوا بعيسى، وحاولوا قتله، وكذبوا محمداً -على أنبياء الله الصلاة والسلام- وحاولوا اغتياله.
فلعن الله اليهود ما أسخفهم، وأحقرهم.
عباد الله: وكان من أعظم ما فرح به المسلمون هو إنزال قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ)[المائدة: 60].
فكان المسلمون يعيرون اليهود بأنهم أبناء القردة والخنازير، وهم كذلك.
فيا أيها الأحبة: إنما سردت هذه الوقائع والقصص، لتعلموا قبح أفعال اليهود وحقدهم على أهل الإسلام، ولا تقولوا تغيروا أو تبدلوا، لا والله، هم على حقدهم وكفرهم، ولا تجوز موالاتهم، ولا حبهم، ولا الفرح لهم، ولا تهنئتهم بعيد، أو مناسبة، ولا مشاركتهم في ذلك، ولا تسليتهم في مصيبة، ولا استقدامهم في شيء إلاّ في شيء ضروري، عجز عنه المسلمون، بدليل أن عمر الفاروق علم أن أبا موسى الأشعري -رضي الله عنهما-، قد اتخذ كاتباً نصرانياً، وكان حفيظاً عليماً، فأمره عمر بطرده، فقال أبو موسى: إنه أفضل من في البصرة، فقال عمر: فكيف تصنع إذا مات!؟.
فاحذروهم -عباد الله-: واحذروا موالاتهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة: 51].
إن اليهود -يا عباد الله-: أهل شر وخبث، وإن تبسموا وصالحوا وعاهدوا، وقد روي في بعض الأحاديث عند ابن مردويه: "ما خلا يهودي بمسلم إلاّ هم بقتله".
ومن قبائح اليهود في زماننا هذا ما يفعلونه الآن من كتابة لفظ الجلالة على الأحذية، وما شابهها، وقيامهم بدهس المصاحف، ونشر الصور المشوهة للإسلام ولنبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام-.
ومع كل ذلك، فالمؤمنون غافلون أو متغافلون، كأن لم تحرك لديهم ساكناً -وما لجرح بميت إيلام- وتجد الكثير من المسلمين قد مسحوا اسم المسجد الأقصى من ذاكرتهم، وما فكر أحدهم يوماً أن يرفع يديه إلى العزيز القدير، ويرسل على اليهود سهاماً وصواريخ من سهام: "يا رب" تخترق الدنيا، لتمطر على اليهود النكبات والمصائب.
ومع كل هذا، فإن وعد الله لنا بالنصر والتمكين لا بد حاصل، فقد وعدنا الله بالنصر على أبناء القردة والخنازير: "حتى لا يبقى حجر ولا شجر إلاّ ويقول للمسلم:يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله".
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي