صوم شهر رمضان

عبدالله بن حسن القعود
عناصر الخطبة
  1. فرضية صيام رمضان .
  2. الوعيد لمن أفطر بغير عذر .
  3. حكم وأسرار الصيام .
  4. حقيقة الصيام. .
اهداف الخطبة
  1. الترغيب في صيام رمضان
  2. التحذير من الفطر بغير عذر
  3. بيان الحكم من فرض الصيام
  4. دعوة المسلم للمحافظة على صيامه

اقتباس

فالصوم الحقيقي ليس مجرَّد الإمساك عن الأكل والشرب والتمتع الجنسي فحسب؛ ولكنّه مع ذلكم إمساك وكف عن اللغو والرفث والصخب والجدال في غير حق؛ إمساك وكف عن الغيبة والنميمة وقول الزور وشهادة الزور؛ إمساك وكف عن الكذب والبهتان والهمز واللمز والأيمان الكاذبة؛ إمساك عن السباب وعن قذف المحصنين والمحصنات، إمساك وكفّ عمّا لا يحِلُّ سماعه من لهو وغيبة...

 الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفَّقنا لإدراك شهر الصيام والقيام، أحمده تعالى وأشكره وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله خير من صام وقام وعبدَ الله حقَّ عبادته، صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصْحابه وأتباعه، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

أمَّا بعد –أيُّها المسلمون- لَقد بُنَي الإسلام على شرائع وعبادات وفرائض وواجِبات، كان من جميل صُنْعِ الله فيها أن أقامَها على دعائم من الخير وقواعِد من البرِّ، تُفيدُ أهلَها في الدُّنيا وتنفعُهم في العقبى، وتسعدهم في الآخرة والأُولى.

وإنَّ أعظمَ تلكم الشَّرائع وأجلّها بعد الشَّهادتين والصلاة، والزكاة، هو صوم شهر رمضان المبارك الذي جعله الله فريضة على هذه الأمة، ووسيلةً عُظمى لِتَقواه تعالى، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183] إلى قوله: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ويقول رسول الهُدى -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله الله، وأنَّ مُحمداً رسول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجِّ بيت الله الحرام". وفسّر صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور، وفي حديث طلحة بن عبد الله الذي فيه أنَّ أعرابياً سألَ رسول الله عن الإسلام (بهذه الخمس). ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمد وأبو داود والبخاري تعليقاً؛ وغيرهم: "من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصةٍ ولا مرض؛ لم يقض عنه صوم الدَّهر وإن صامه كله".

أيُّها المسلمون: إنَّ الله لم يشرع صوم رمضان ولا غيره من التكاليف لحاجته إليه، كلا؛ فهو تعالى الغني عمّا سواه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15]، ولكن شرعه لصالحكم -أيُّها المسلمون- شرعه تربية للأجسام وترويضاً لها على الصبر وتحمُّل الآلام، شرعه تقويماً للأخلاق، وتهذيباً للنفوس وتعويداً لها على ترك الشّهوات، ومجانبة المنهيات، شرَّعه ليعلّمنا تنظيم معائشنا، وتوحيد أمورنا -نحن المسلمين-، شرَّعه ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً، وليُضفي عليكم تعالى بسبب الصوم من أفضاله وإنعامه، فالصوم وسيلة عُظمى لتقواه تعالى وتقواه جماع خير الدُّنيا والآخرة، فلقد أودع الله فيه من الحكم والأسرار والمصالح الدنيوية والأُخروية ما هو فوق تصوُّرات البشر؛ ورتب عليه تعالى من جزيل الثواب وعظيم الجزاء ما لو تصوَّرته نفْسٌ صائِمةٌ لطارت فرحاً وغبطةٍ، وتمَّنت أنْ تكون السنة كلها رمضان لتبقى دوماً ممتعة بهذا الروح والريحان؛ يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم -رحمهما الله-: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" قال الله تعالى: "إلاَّ الصَّوْم فإنَّه لي وأنا أجزي به".

فاتَّقوا الله -أيُّها النَّاس- وأدُّوا فريضة الصيّام بإخلاص ورغب وصبر وطواعيّة، أدُّوها كما يُؤَدِّيها المؤمنون الخُلَّص محفوظة عن كل ما يُشينُها. فالصوم الحقيقي ليس مجرَّد الإمساك عن الأكل والشرب والتمتع الجنسي فحسب؛ ولكنّه مع ذلكم إمساك وكف عن اللغو والرفث والصخب والجدال في غير حق؛ إمساك وكف عن الغيبة والنميمة وقول الزور وشهادة الزور؛ إمساك وكف عن الكذب والبهتان والهمز واللمز والأيمان الكاذبة؛ إمساك عن السباب وعن قذف المحصنين والمحصنات، إمساك وكفّ عمّا لا يحِلُّ سماعه من لهو وغيبة وغيرهما؛ إمساك عن إرسال النظر إلى ما لا يحلّ، فالصائم حقيقة من خاف الله في عينيه فلم ينظُر بهما نظرةً مُحَرَّمَة، واتّقاه تعالى في لسانه فكفَّهُ عن الكذب والشتم والغيبة وكلُّ قولٍ مُحَرم، وخشيَه في أُذْنِه فَلَم يسمع بِها مُنْكراً، خَشِيَهُ في يديه فمنعهما من السرقة والغضب والغشّ والإيذاء، خُشِيَهُ في رِجلَيْه فلم يَمْشِ بهما ليَرْتكب مُنْكراً؛ خشِيَهُ في قَلبِهِ فَطَهَّرَهُ من الحِقْدِ والغلّ والحسد والبَغْضاء. قال جابر رضي الله عنه: "إذا صُمْتَ فلْتَصُمْ سَمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم, ودَعْ أذى الجار ولْيَكُنْ عليك سكينة ووَقار, ولا تَجْعَلْ يَوْمَ صوْمك ويَوْمَ فطرك سواء", وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّور والعَمل به والجهل، فليسَ لله حاجة في أن يَدعَ طعامه وشرابه" وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يَومَ صَوْم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل, فإن امرؤٌ سابَّهُ فلْيَقُلْ: إنِّي امرؤٌ صائمٌ".

فالله الله -أيُّها الإخوة- في حفْظ الصيام فإنَّه نعمة كُبرى نعمة بِها تكفُر الذُّنوب، وتَرْفع الدرجات، وبه يقهر العبد الشيطان، لأنَّه يجري مع الشهوات وهي تَضْعُف بالصوم، وبه تَقوى صِلَة العبد برَبِّه لأنَّهُ عمل خفي, وكلّما كان العمل خَفِيًّا كان أقرب للإخلاص، فاحفظوه يُضاعَف لكُم ثَوَابَهُ، وتحْمدوا عُقْباه يوْمَ الْقُدوم على الله، يوم الفرحة العُظمى، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاءِ ربِّهِ".

أقول قولي هذا: وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، واستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي