خطبة عيد الفطر لعام 1430هـ

صلاح بن محمد البدير
عناصر الخطبة
  1. تهنئة المسلمين بالعيد .
  2. لزوم اتباع الوحيين .
  3. محاربة البدع والمنكرات .
  4. الشرك والتحذير منه .
  5. خطورة الذهاب إلى السحرة والكهنة والمشعوذين .
  6. من الشرك تعلق بعض المسلمين بالأضرحة والأموات .
  7. وجوب طاعة ولاة الأمر .
  8. إدانة حادث الأمير محمد بن نايف .
  9. أهمية الأمر المعروف والنهي عن المنكر .
  10. التوبة ومحاسبة النفس .
  11. نصائح عامة .

اقتباس

احذروا المعاقب التي توجب في الشقاء الخلود وتستدعي شوي الوجوه ونضج الجلود، واعلموا أن الدنيا سم الأفاعي وأهلها ما بين منعيٍّ وناعِ، دجنة ينسخها الصباح وصفقة يتعاقبها الخسار أو الرباح، ما هي إلا بقاء سفر في قفر وإعراس في ليلة نفر كأنكم بها مطرحة تعبر فيها المواشي وتنبوا العيون عن خبرها المتلاشي.. فلا تغتروا فيها بقوةٍ أو فتوة؛ فما الصحة إلا مركب الألم ..

 

 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراَ، والحمد لله كثيراَ، وسبحان الله بكرةً وأصيلاَ.

الله أكبر جلَّ عن شريك وولد، وعز عن الاحتياج إلى أحد، وتقدس عن نظير وانفرد.. (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4]، ما قام مخلوق بحقه؛ المولي بفضله على جميع خلقه، أفاض علينا وجاد، وأنعم علينا وزاد، وخصنا بمواسم الأفراح والأعياد.

الله أكبر الله أكبر وقد وافتنا تباشير الفرح، الله أكبر الله أكبر وقد أظلتنا العطايا والمنح، الله أكبر كبيراَ، والحمد لله كثيراَ، وسبحان الله بكرةً وأصيلاَ.

الحمد خالق كل موجود، ومفيض الخير والجود، على قاصٍ من خلقه ودانٍ، أحمده على ما أسال من وابل الآلاء، وأزال من وبيل اللأواء، وأسبل من جميل العطاء، وأمال علينا من كثير الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من آمن به وأسلم، وفوَّض أمره إليه وسلم، وانقاد لأوامره واستسلم، وخضع لعزه القاهر ودان، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله.. سيد أصفيائه وخاتم أنبيائه محمد سيدِ معد بن عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: هذا العيد قد صدع فجره، وناح ووضح صبحه وباح، وأشرقت بهجته وظهرت فرحته، وحلت روعته وجلالته.. هنيئاً لكم هذا اليوم البهيج، هنيئاً لكم هذا اليوم البهيج، هنيئاً لكم هذا اليوم المجيد، هنيئاً لكم عيد الفطر السعيد، جعله الله مقروناً بالقبول ودرك البغية ونجح المأمول، وعاودتكم السعود ما عاد عيد واخضر عود، وجعلني الله وإياكم ممن رُزق العلمَ ووُفِّق للعمل وبلغ نهاية السول وغاية الأمل، وفسح له في المدة ونسئ له في الأجل في حسن دين وصلاح شأن، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: أحصن الجُنة لزومُ الكتاب والسنة على نهج سلف الأمة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني ترك فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي" أخرجه الحاكم، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لن تضِلَّ ما أخذت بالأثر"..

نور لمقتبـس، خير لملتمـس *** حماً لمحترس نعمـى لمبتئـس
فاعكف ببابه ما على طلابهما *** تمحُ العمى به عن كل ملتبـس
ورد بقلب عذب من حياضهما *** تغسل بمائهما ما فيه من دنس
تلك السعادة إن تمم بساحتها *** فحُق رحلك قد عوفيت من تعس

 

(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)، فاتبعوا نصوص الكتاب والسنة، وافهموها كما فهمها أعلام الهدى ومصابيح الدجى، أصحاب القرون المفضلة، السابقون الأولون المجمع على هدايتهم ودرايتهم، الذين لا يعدلون عن نصوص الكتاب والسنة، ولا يعارضونها، ولا يردونها، ولا يقدمون عليها رأي أحد من الناس كائناً من كان..

يقول الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: "إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله وخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتركوا قولي"، وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"، وقال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوا ما قلت"، وقال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "إنما الحجة في الآثار" وقال: "من رد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو على شفا هلكة".

فمتى قامت الحجة وظهر الدليل على خلاف قول المقلد، فلا يجوز ترك النص الصحيح لقول أحد من الناس.. قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "سمعت الحميدي يقول: "كنا عند الشافعي -رحمه الله تعالى- فأتاه رجل فسأله عن مسألة، فقال الشافعي: قضى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، فقال رجل للشافعي: فماذا تقول أنت؟ قال: سبحان الله! تراني في كنيسة؟ تراني في بيعة؟ ترى على وسطي زِنَّاراً؟ أقول لك: قضى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول ما تقول أنت؟!".

فعظِّموا نصوص الكتاب والسنة، وبجِّلوها وقدموها، وتمسكوا بها وأظهروها، وسلموا لها ولا تعارضوها، الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: من أصول الإسلام المحررة وقواعده المقررة محاربةُ البدع في الدين وردها والتحذيرُ منها، وخير أمور الدين ما كان سنة، وشرُّ الأمور مُحدثاتُ البدع؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه، وعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين..تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إياكم والتنطعَ، والتعمقَ، والبدع "، وقال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم ".

وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة "؛ لأن الله -تعالى- يقول: (.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً..) [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناَ "، وقال سفيان الثوري - رحمه الله تعالى-: "من أصغى بسمعه لصاحب بدعة، خرج من عصمة الله، ووُكِل إلى نفسه ".. فالحذرَ الحذرَ يا عباد الله؛ فكل عبادة لا دليل عليها من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهي طريقة مبتدعة وزيادة مخترعة، ولو استحسنها من استحسنها، فاحذروا أن تنتكسوا في حمئتها أو تتدنسوا بضلالتها، الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: عظموا الله حق تعظيمه، واقدروه حق قدره، واعبدوه حق عبادته، ووحدوه حق توحيده، ولا تصرفوا خالص حقه لغيره، ولا تعدلوا غيره به، ومن حلف منكم فلا يحلف إلا بالله - تعالى- أو أسمائه أو صفاته؛ فعن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " متفق عليه؛ فلا يجوز الحلف بنبيٍّ أو ولي أو جني، أو الكعبة أو الشرف أو رأس فلان؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.

ومن أصابه وجعٌ أو مرض أو هم، أو وقع به بلاءٌ وضر فليلجأ إلى مولاه يدعوه لكشف ضُرِّه، ودفع كُربته وشفاء مرضه، ودفع البلاء عنه، وليلتزم الأذكار النبوية والرُّقَى الشرعية، وليحذر ما يفعله الطُّغَام وبعض العوام من التعلق بالتمائم والعزائم؛ فيلبسون الحلق والخيوط، وينظمون الودعات ويعلقون الحروز والعظام والخرزات، ويحملون أنياب الذئاب وجلود الحيوانات يعلقونها على الرقاب والدواب والأبواب، معتقدين دفعَها الضراءَ ورفعها البلاء، ومنعها عين العائنين وحسد الحاسدين.. وكل ذلك شركٌ بالله - تعالى-؛ فإن تلك الخرافات والمعلقات لا تعصم من الآفات، ولا تحمي من الأمراض والبليات .. (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ..) [الأنعام: 17]، وعن عقبة بن نافع -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك، فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا فقال: "إن عليه تميمةً" فأدخل يده فقطعها، فبايعه -صلى الله عليه وسلم- وقال: "من تعلق تميمة فقد أشرك " أخرجه أحمد، وعن عيسى بن عبد الرحمن: "دخلت على عبد الله بن عتين أعوده وبه حمرة، فقلت:ألا تعلق شيئاً ؟ فقلت: الموت أقرب من ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلق شيئاً وكل إليه" أخرجه احمد والترمذي.

أيها المسلمون: احذروا الذهاب إلى السحرة والكهان والمشعوذين، والرمالين والعرافين والمنجمين، وأهل الفنجان والأبراج وقراءة الكف والحازرين الذين يدَّعون علم المغيبات، والكشف عن المغربات؛ فإنهم أهل غش وتدليس، وخداع وتلبيس؛ فاحذروا إتيانهم أو سؤالهم أو تصديقهم؛ فإنهم يشركون بالله ويستعينون بالجن، وينادونهم من دون الله ويذبحون لهم ويأمرون الناس بالذبح لهم من دون الله -عز وجل- إلى غير ذلك من دخائلهم الكدرة ودفائنهم القذرة؛ فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يدخلون الجنة.. مدمنُ خمر، وقاطعُ رحم، ومصدقٌ بالسحر" أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم، وعن صفية عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافاً وسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" أخرجه مسلم، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.

ومن البدع العظيمة والآفات الشنيعة والشرك الصريح تعلق بعض المسلمين بالأضرحة والأموات يستغيثون بهم ويدعونهم وينادونهم من دون الله ويسألونهم كشف الكربات ودفع البليات.. ففي العالم الإسلامي قبور تُحج وتُقصد ويُذبح لها ويُسجد ويُعفر عندها الوجه والخد، ويُطلب منها العون والمد والغوث والنهت، أفعال تناقض دين نبينا وسيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.. فيا سبحان الله.. كيف أوجبوا لها الشركة في العبادة وهي لا تملك نفعاً ولا ضراً ولا تجلب خيراً ولا تدفع شراً؟!

(.. ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 13 – 14]، (قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً) [الإسراء: 56]..

فما أحوجنا إلى إيضاح العقيدة الصحيحة وتبيينها وإظهارها وتقريرها وترسيخ معالمها وإشهار حججها وبراهينها.

الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: بالإمامة والسلطان تحفظ البيضة وتصان الحوزة وتحمى الشريعة وتؤمن السبل وينتظم الأمن ويعم الخير والعدل ويرتدع الظلمة وتندفع الفوضى وتسكن الدهنا ويعيش الناس آمنين مطمئنين.

والطاعة لإمام المسلمين فريضة، وطاعته في غير معصيةٍ من طاعة الله -عز وجل- فلا يجوز الخروج على ولاة أمر المسلمين ولا قتالهم ولا منابذتهم ولا إظهار الشناعة عليهم ولا تحريك القلوب بالفتنة والسوء ضدهم ولا إشاعة أراجيف الأخبار عنهم .. ومن فعل ذلك فهو مبتدعٌ على غير السنة وطريقة السلف؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من خلع يد من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" أخرجه مسلم.

وقد خالف هذا المنهج السلفي الأصيل عصبة غاوية وحفنة شاذة وسلالة ضالة شهرت سيوف الفتنة وجاهرت بالمحادة والمضادة بعقيدةٍ مدخولة وعقولٍ مغسولة؛ فكفروا وروَّعوا وأرعبوا وقتلوا وفجروا وخانوا وغدروا.. رموا أنفسهم في أتون الانتحار بدعوى الاستشهاد ودركات الخروج بدعوى الجهاد.. يقابلون الحجج باللجج والقواعد بالأغاليط والمحكمات بشُبهٍ ساقطة لا تزيدهم إلا شكًا وحيرةً واضطرابا.. خالفوا ما درج عليه السلف وامتهنه بعدهم صالح الخلف، وفارقوا ما نقلته الكافة عن الكافة الضافة عن الضافة والجماعة عن الجماعة..

وكان من آخر جرائمهم ومخازيهم وقبائحهم الجريمة النكراء والفعلة الخسيسة الشنعاء.. محاولة اغتيال الأمير/ محمد بن نايف ابن عبد العزيز آل سعود بعد أن انبعث أشقاهم وأظهر رغبته في العودة والتوبة غدرًا وكذبًا وخيانة، ولكن الله سلم وقتل الغادر بسلاحه واحترق بناره، وتردى ومن وراءه خاسرين خائبين..

وستظل المملكة العربية السعودية -بحول الله وقوته، ثم بعزيمة رجالها وصدق ولاتها ونصح علمائها وإخلاص أهلها- عزيزةً بعز الإسلام، منيعةً محفوظةً مصونةً بحفظ الدين، خادمةً للحرمين الشريفين وراعيةً للمسجدين العظيمين.. بلد إسلامٍ وسلامٍ وخيرٍ ووفاءٍ وعطاءٍ وعدلٍ ورحمةٍ ونماء..
وإن رغمت أنوفٌ من أناس فقل: يارب لا ترغم سواها..

الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصول الشريعة وركنٌ مشيدٌ من أركانها المنيعة .. رفع لوائه وإعلاء بنائه وإعزاز أهله واجبٌ معظّمٌ وفرضٌ محتم.. قال تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41]..

وإن ظهور المعاصي والمنكرات وفشوها هو الداء العضال والوباء القتال وسبب حلول العقوبات والنقمات.. يقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة" أخرجه أحمد..

وقال -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: "لا يحقر أحدكم نفسه"، قالوا: يا رسول الله.. كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: "يرى أمراً لله فيه عليه مقال ثم لا يقول فيه، فيقول الله -عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول الله: فإياي كنت أحق أن تخشى" أخرجه ابن ماجه..

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: "أما بعد.. فإنه لم يظهر المنكر في قومٍ قط ثم لم ينههم أهل الصلاح بينهم إلا أصابهم الله بعذابٍ من عنده أو بأيدي من يشاء من عباده، ولا يزال الناس معصومين من النقمات والعقوبات ما قمع أهل الباطل واستخفي فيهم بالمحارم"..

وقال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قيل: كل بلدةٍ يكون فيها أربعة فأهلها معصومون من البلاء: إمامٌ عادلٌ لا يظلم، وعالم ٌعلى سبيل الهدى، ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحرضون على طلب العلم والقرآن، ونساؤهم مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى"..

فلا ينجوا من البلاء إلا الناجون المصلحون، وخسر هنالك الخرص المداهنون الساكتون الملاينون..

الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: احذروا المعاقب التي توجب في الشقاء الخلود وتستدعي شوي الوجوه ونضج الجلود، واعلموا أن الدنيا سم الأفاعي وأهلها ما بين منعيٍّ وناعِ، دجنة ينسخها الصباح وصفقة يتعاقبها الخسار أو الرباح، ما هي إلا بقاء سفر في قفر وإعراس في ليلة نفر كأنكم بها مطرحة تعبر فيها المواشي وتنبوا العيون عن خبرها المتلاشي.. فلا تغتروا فيها بقوةٍ أو فتوة؛ فما الصحة إلا مركب الألم، وما الفتوة إلا مركب الهرم، وما بعد المقيل إلا الرحيل إلى منزلٍ كريم أو منزلٍ وبيل..

فأدلفوا إلى باب التوبة والإنابة، واقطعوا حبائل التسويف، وامحوا سوابق العصيان بلواحق الإحسان، وحافظوا على الصلوات الخمس المفروضة حيث ينادى بهن، ولا تتخلفوا عن الجماعة إلا عن عذر؛ فإن من الخيبة والشقاء أن يسمع الرجل النداء فيتخلف في بيته ولا يجيب..

يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم -صلى الله عليه وسلم- سنن الهدى.. وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف" أخرجه مسلم.

وأدوا زكاة أموالكم، وانفحوا بالعطاء وانضحوا بالبر والجود، وأعينوا الضعيف وأغيثوا اللهيف وارحموا الأرملة والمسكين واليتيم والفقير.. وبادروا بالحج ما استطعتم.. وصِلوا من قطعكم وأعطوا من حرمكم، واعفوا عمن ظلمكم؛ فليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل الذي إذا قُطِعتْ رحمه وصلها.. ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تمنعوا العمال والخدم والسائقين حقوقهم ورواتبهم.. لا تمنعوا العمال والخدم والسائقين حقوقهم ورواتبهم، ولا تظلموهم ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، وأعينوهم وعلموهم ما يحتاجون من أمور العقيدة والدين.

ولا تتعاملوا بصفقات الربا الخاسرة وزياداته الظالمة ومضاعفاته الفاحشة، واحذروا جحد الحقوق والتلاعب بأثمان السلع والغش والنجش والتطفيف في المكاييل والموازين.. واحذروا أموال اليتامى والأوقاف والوصايا ولا تأكلوها ظلما وعدوانا.. وأحسنوا إلى نسائكم وزوجاتكم وبناتكم، وقوموا على أولادكم بالتربية والتأديب والتوجيه والتهذيب والنفقة الشرعية اللازمة، وعاملوهم باللطف والعطف والمحبة والشفقة والرحمة.. وطهروا بيوتكم من المحرمات وآلات اللهو والطرب والشيشة والخمور والمخدرات والمجلات المحرمة والقنوات الخبيثة.. وصونوا ألسنتكم عن الغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن والطعن والقذف والزور والبهتان.. واحفظوا فروجكم عن الزنا واللواط وسائر الفواحش والآثام.. وطهروا قلوبكم من الغل والحق والحسد والكراهية والبغضاء.. وإياكم ومجالس الفسوق والفجور.. واحذروا الخصومات والمشاحنات، واقبلوا المعذرة وأقيلوا العثرة، ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناَ، واعلموا أنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار.

أيها المسلمون: هذا يوم التسامح والتصافح والتلاحم والتراحم؛ فتصافحوا يذهب الغل وتسامحوا تذهب الشحناء.. تآلفوا ولا تنافروا.. تقاربوا ولا تباعدوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين..

الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر ولله الحمد..

الحمد لله على سوابق نعمائه وسوالف آلائه.. أحمده أبلغ الحمد وأكمله وأتمه وأشمله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له اعتقاداً لربوبيته وألوهيته وإذعاناً لجلاله وعظمته وصمديته..

وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى من خليقته والمجتبى من بريته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً متضاعفةً دائمةً إلى يوم نلقاه.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -عز وجل- الذي لا يخفى عليه شيءٌ من المقاصد والنوايا ولا يستتر دون شيء من الضمائر والخفايا.. السرائر لديه بادية والسر عنده علانية، وهو معكم أينما كنتم، والله بما تعملون بصير.

أيها المسلمون: في زمنٍ مليء بالضجيج والعجيج كثر المنادون للمرأة المسلمة، وكم من منادٍ له ظاهر نصيحة متصل بغش سريرة، وظاهر مودة متصل بفساد نية ودغن طوية: (وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة: 107].

أيتها المرأة المسلمة: احذري أن تكوني مبعث إثارة أو مثار فتنة للأعين الشرهة والنظرات الخائنة الوقحة والنفوس السافلة الدنيئة والأفعال المشينة البذيئة.. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة.. لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها.. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" أخرجه مسلم والطبراني، وزاد: "العنوهن فإنهن ملعونات"..

هذا مصير من تبرجت وترجلت وبرزت وتكشفت؛ فاتقي الله يا أمة الله.. احتشمي ولا تبرجي.. تستري ولا تكشفي، وخافي عذاب الله وسخطه وغضبه ومقته ونقمته.

أيها الآباء والأولياء: صونوا نساءكم، احفظوا أعراضكم واحذروا التفريط والتشاغل وحاذروا التقصير والتساهل الذي لا تؤمن لواحقه وتوابعه وتواليه وعواقبه.. بيد أن عاقبته البوار وخاتمته الخسار..

كونوا أباة العار وحماة العرين.. كونوا كمحافظٍ متنبهٍ لا يغفل ومراعٍ متيقظٍ لا يهمل؛ فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، والله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع.. حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.

الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: ابتهجوا بعيدكم ولا تكدروا جماله وجلاله وصفائه وبهائه بالمعاصي والآثام واللهو الحرام، واستقيموا على الطاعة والإحسان بعد رمضان.. فما أحسن الإحسان يتبعه الإحسان! وما أقبح العصيان بعد الإحسان!

ومن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوالٍ كان كصيام الدهر، ومن لم يخرج زكاة فطره فليبادر إلى إخراجها فوراً، ومن أتى منكم من طريقٍ فليرجع من طريقٍ أخرى إن تيسر له ذلك اقتداءً بنينا وسيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

بشراكم يامن قمتم وصمتم.. بشراكم يامن تصدقتم واجتهدتم، هذا يوم الفرح والسرور والفرح والحضور..

ذهب التعب وزال النصب وثبت الأجر -إن شاء الله تعالى-.

تقبل الله صومكم وقيامكم، وأعاد الله عليكم هذه الأيام المباركة أعوامًا عديدة وأزمنةً مديدة ونحن في صحةٍ وعافيةٍ وحياةٍ سعيدة..

اللهم إنا خرجنا إلى هذا المكان المبارك نرجو رحمتك وثوابك؛ اللهم تقبل مساعينا وزكِّها وارفع درجاتنا وأعلها، اللهم أعطنا من الآمال منتهاها ومن الخيرات أقصاها، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا ياأرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين برحمتك يا قوي يا عزيز يا رب العالمين..

اللهم أدم على بلاد الحرمين الشريفين أمنها ورخاءها وعزها واستقرارها، ووفق قادتها لما فيه عز الإسلام والمسلمين.. اللهم من أراد بلادنا أو بلاد المسلمين بسوءٍ اللهم أشغله في نفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في تدميره، اللهم اكشف أمره وأهتك ستره وافضح سره واكفنا شره واجعله عبرة، اللهم اقتله بسلاحه وأحرقه بناره ياقوي ياعزيز يارب العالمين.

 

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك / عبد الله بن عبد العزيز لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح له بطانته، ومتعه بالصحة والعافية، واحفظه من كل شرٍّ وسوءٍ يارب العالمين، اللهم وفقه ونائبه ونائبه الثاني وإخوانهم وأولادهم لكل خيرٍ وادفع عنهم كل شر، ومتعهم بالصحة والعافية، واحفظهم يارب العالمين..

اللهم انصر بهم دينك وأعلِ بهم كلمتك، واجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين برحمتك ياأرحم الراحمين.

اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-..

اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين.. اللهم عليك باليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين فإنهم لا يعجزونك.. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم وألقِ الرعب في قلوبهم واجعلهم عبرة للمعتبرين..

اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود..

اللهم أبعد عن بلاد المسلمين شر الحروب والصراعات والفتن والنزاعات والصدامات والاختلافات..

اللهم عليك بمن زرعها وأشعلها يارب العالمين..

اللهم أعد إلى جميع بلاد المسلمين الأمن والاستقرار والطمأنينة واجعل ولايتهم فيمن يخافك ويتقيك يارب العالمين.

اللهم فرِّجْ هم المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وفك أسرانا وأسرى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين..

اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وأولادنا وإخواننا وقراباتنا وعلمائنا وولاة أمرنا ياأرحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين..

الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي