من ثمرات المحن

أحمد بن ناصر الطيار
عناصر الخطبة
  1. من ثمرات المحن .
  2. تناسب المحن والإيمان .
  3. من آداب الجمعة .

اقتباس

ولذا كان نصيب المؤمنين من البلاء عظيماً، وذلك تأهيلاً لهم ليكونوا في الآخرة من الفائزين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي يوم القيامة".

الخطبة الأولى:

الحمد لله الرحيم في عطائه، الحكيم في ابتلائه، يبتلي من يحبه فيزيد الصابرين فضلاً، ويعظم الأجر للصابرين...

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام الصابرين، وسيد الشاكرين... صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتعاونوا على البر والإحسان والخير والفضل، واشكروا النعم العظيمة التي تتقلبون فيها صباحاً ومساءً.

عباد الله: لقد أنسى دوام النعم واستمرارها بعض الناس الشكر، وأمنوا العقوبة والمكر، وظنوا أن هذه النعم تدوم لأهلها، ولم يعلموا أن الحياة تتقلب بأمر الله وتصريفه.

إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، ولا يشعر بعظم الإنعام فيه إلا الذين رقدوا على الأسرة البيضاء.

وهكذا نعمة المال في يد العبد، لا يعرف قدرها إلا الفقراء الذين لا يجدون المأكل والمشرب والملبس والمأوى، يطمعون في القرش قبل الريال، وفي العشرة قبل المائة.

عباد الله: عجيب أمر هذا المخلوق الضعيف! ما دام في الأمن والاطمئنان فهو قليل الشكر، قليل الذكر، لا يتفكر فيما هو فيه ويحسب عواقبه؛ بل يرتع ويلهو وكأنه أخذ ضمانات على استمرار هذه الحال وعدم تغيرها عليه

ولكن انظر إلى هذا المخلوق نفسه حين يمرض أو يفتقر أو يصيبه ما يكدر عليه صفوه! هنا يتنبه من غفلته، ويندم على ماضيه، وكيف قصر في حق خالقه الذي جعله يتقلب في هذه النعم. وهكذا يعظم الندم، وتقوى الحسرة، حينما يكون الابتلاء عظيماً، والصدمة كبيرة.

ومن أجل ذلك نقول: إن في المحن منحاً، فكم ربت من أقوام! وكم غيرت من أجيال! وكم نبهت من غافلين، وأيقظت من راقدين، وجمعت من متفرقين، وأصلحت من بطالين!.

عباد الله: كم يكون في الحرمان عطاء! وكم يكون في الابتلاء عطاء! وكم يكون في الظلمة معرفة قدر النور!.

لو لم يكن في المحن إلا التذكير بالرجوع إلى المولى الرحيم، والخالق العظيم، وإحسان الظن به، والوقوف بين يديه، والالتجاء إليه، في خضوع وذل وانطراح صادق، يقطع العبد العلائق إلا مع الله، ويتجاوز المعوقات، ويصدق في دعائه وخضوعه ورجائه، ويسأل ربه أن يبدل العسر يسراً، والكرب فرجاً، والضيق مخرجاً.

وصدق الله إذ يقول: (أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:62]، فالغافل يتذكر، والشارد يتدبر، والجاحد يتبصر، والمؤمن الصادق يتفكر، فيدفعه ذلك للعمل بجد وإخلاص وصبر.

قال أحد التابعين، وهو يبين اللجوء إلى الله في الشدائد: ألم تركب البحر؟ قال: بلى. فقال: فهل هاجت بكم ريح عاصف؟ قال: نعم، قال: ألم يتقطع أملك من كل أحد حتى الملاحين ووسائل النجاة الأخرى؟ قال: بلى، قال: هل خطر ببالك أن ينجيك أحد غير الله؟ قال: لا، قال: فالزم طاعته، وأكثر من عبادته، واصدق في لجوئك إليه.

وصدق الله إذ يقول: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام:64].

عباد الله: وفي المحن يعرف الرجال، وينكشف الغطاء، ويتميز الأخيار من الفجار، والأطهار من الأنجاس؛ ولذا، إذا ابتلي الإنسان تبين له الصديق من العدو، والصادق من الكاذب، والوفي من المتملق، فالشدائد في بواطنها الخير؛ لأنها تمحص الأصدقاء والخلان.

وفي المحن تكفير وتطهير من الخطايا والذنوب، فيصبح العبد وقد محا الله عنه ما علق به من الذنوب والآثام، جاء في الحديث: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".

وفي المحن رفعة للدرجات، ومحو للسيئات؛ ولذا كان النصيب الأوفر منها للأنبياء، رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قال "إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة".

عباد الله: ولذا كان نصيب المؤمنين من البلاء عظيماً، وذلك تأهيلاً لهم ليكونوا في الآخرة من الفائزين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي يوم القيامة".

وفي المحن مراجعة... للنفس، ومحاسبة لها، يتدبر العبد موقفه، ويسترجع ما فيه، ويبصر تفريطه وتقصيره، ويقف على أخطائه، فيجاهد نفسه على الارتقاء إلى...، والابتعاد عن الأخطاء، وإنصاف أصحاب الحقوق، قبل أن يكون القصاص من الحسنات.

عباد الله: كنت بالأمس في المستشفى، وجلست مع مريض، ودار حوار أدركت من خلاله ثمرات المصائب، وكيف يكون ذلك دافعاً لمراجعة الحسابات، وتصفية الخلافات.

وقل مثل ذلك في مصائب الأمة الكبيرة، ففيها من المنح الإلهية ما لا يخطر بالبال.

فنسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا الشكر عند النعماء، والصبر عند البلاء، وأن يجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.

وصدق الله إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول

ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتعاونوا على الخير، واجتهدوا في طاعة الله، ومن أبوابها المفتوحة لكم هذا اليوم العظيم، فبادروا إلى صلاة الجمعة، واستمعوا بأدب وإنصات إلى الخطبة، وتهيؤوا لما تخاطبون به، واعملوا بما سمعتم، فالحجة قائمة، والله سائلكم.

وللاستفادة من الخطبة فعلى المصلين الحضور مبكرين...، والإنصات، وأن يأتي المسلم وقد تفرغ من الشواغل وليس له تفكير بشيء غير الخطبة والصلاة، وأن يأخذ قسطه من النوم قبل الحضور، وهذا مما يعينكم على الاستفادة والاتعاظ. ثم اعملوا بما سمعتم لتحقق لكم النجاة يوم التغابن.

ولذا أوصي بعض الإخوة أن يلاحظوا بعض الأطفال الذين يعبثون أثناء الصلاة، ويجتهدوا في إدخالهم الصفوف، ومتابعتهم، وإبلاغ أولياء أمورهم؛ لأن هذا من التعاون على الخير.

وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي