دَاء آخر من الأدواء كبير، وَمَرَض آخر من أمراض القلوب خطير، دَاءُ الأُمَمِ، وَمَرَضُ الشعُوبِ، نهى الله عنه عباده وحذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- منه أمته.. إنه الحسد -وقانا الله منه- مَا تَحَكَّمَ فَي فَرْدٍ إِلا أَشْقَاهُ وَأَضَّلهُ، وَلاَ فِي مُجْتَمَعٍ إِلَّا شَتَّتَهُ وَأَذَلَّهُ، إنهُ المصدر للكثير من البَلَاءٍ، وَالشقاوة والعَدَاء، يفسد المودة ويقْطَعُ حبَالَ المَحَبَّةِ، بَلْ يَحْلِقُ الدِّينَ وَيَهْدِمُ الدُّنْيا، وَيَقْضِي عَلى بَوَاعِث الخَيْرِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ.
الحمدُ لله.....
أما بعد: فيا عباد الله، دَاء آخر من الأدواء كبير، وَمَرَض آخر من أمراض القلوب خطير، دَاءُ الأُمَمِ، وَمَرَضُ الشعُوبِ، نهى الله عنه عباده وحذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- منه أمته، فقال: "دَبَّ إِليكُمْ دَاءُ الأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ، الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ..". وقال أيضًا: "لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا" رواه البخاري ومسلم.
إنه الحسد -وقانا الله منه- مَا تَحَكَّمَ فَي فَرْدٍ إِلا أَشْقَاهُ وَأَضَّلهُ، وَلاَ فِي مُجْتَمَعٍ إِلَّا شَتَّتَهُ وَأَذَلَّهُ، إنهُ المصدر للكثير من البَلَاءٍ، وَالشقاوة والعَدَاء، يفسد المودة ويقْطَعُ حبَالَ المَحَبَّةِ، بَلْ يَحْلِقُ الدِّينَ وَيَهْدِمُ الدُّنْيا، وَيَقْضِي عَلى بَوَاعِث الخَيْرِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ.
الحسد: تمني زوال النعمة عن المحسود، أو السعي في إزالتها عياذاً بالله، أكثر ما يقع بين النظراء، المتشاركين في صفة من الصفات، داء يبخل الإنسان فيه بما ليس عنده، ويشحّ بما ليس كسبه وملكه.
النفس بطبيعتها تحب الرفعة والعلو، وترفض أن يفضل عليها أحد من جنسها، فإذا فاقها أحد شقَّ ذلك عليها، فاغتاظت على مَن لا ذنب له، وأحبت زوال النعمة عنه حتى ليخيل إليك أن الحاسد هو المظلوم، وإنما هو الظالم الغشوم.
الحسد داء يصيب الغني والفقير، والعالم والجاهل، والوجيه والوضيع. فلا يخلو جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يستره ويخفيه.
الحسد اعتراض على عدل الله وحكمته وقسمته بين عباده وخليقته.
يكفيه شناعة وعيباً أن الله تعالى أمر بالاستعاذة منه، كما أمر بالاستعاذة من الشيطان الرجيم: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [سورة الفلق].
الحسدُ أَولُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ، فَمَا الذِي أَوْقَعَ إِبْلِيسَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ إِلا حسدُهُ لأَِبِينَا آدَمَ عليهِ السَّلامُ. وَمَا الذي حَمَلَ قَابِيلَ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ هَابِيلَ إِلاَ الحَسَدُ؟!
وأسباب الحسد الباعثة عليه كثيرة أهمها وجماعها: التكبر والعداوة، والتعلق الزائد بالدنيا، ونسيان الموت والدار الآخرة.
وعلاج الحسد إنما يتأتى بقطع أسبابه، وبأن يعلم الإنسان أن الحسد ضرر عليه في دنياه وآخرته، وأنه مهما فعل فلن يبلغ في الضر بالمحسود غايته.
من علاج الحسد: أن يرضى العبد بقسمة الله له، وأن يتسلى عما لا يحصل له من النعم بما يتعلق بها من هموم الدنيا وحساب الآخرة.
من علاج الحسد: أن يكلف الإنسان نفسه عكس ما يأمره به الحسد، فإن أمره بالحقد والقدح في المحسود، كلَّف نفسه مدحه والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه، ألزم نفسه التواضع له، وإن بعثه على كفّ الإحسان إليه، ألزم نفسه زيادة في الإحسان والإكرام.
المؤمن نقي القلب، زكي الروح، مهذَّب المشاعر، طاهر الوجدان، سليم الصدر، سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الناس أفضل؟ فقال: "كل مخموم القلب، صَدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" أخرجه ابن ماجة وصحَّحه المنذري.
عباد الله، علام حسد المسلم لأخيه، وفضل الله واسع ليس بينه وبين أحد مانع أو حجاب. قال تعالى : (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [النساء: 32].
الخطبة الثانية
الحمد لله....
فأما شر الحسد وضرره، فيتقيه الإنسان بجملة أمور أرشد إليها الإسلام منها:
لزوم تقوى الله عز وجل بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وحفظ حدوده وشريعته، فمن اتقى الله وقاه، وحفظه ورعاه، يقول تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120]، وفي الحديث: "احفظ الله يحفظك".
التوكل على الله -عز وجل-، فمن توكل على الله كفاه، ورفع شأنه وأعلاه، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].
أن يفرغ الإنسان باله من التفكير في حاسده، وأن لا يحدث نفسه بأذاه أصلاً، ففي الله الكفاية ومنه الحفظ والرعاية.
ومن أشقها وأعظمها: مقابلة إساءة الحاسد بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وحسدًا وبغيًا، ازداد المحسود إحسانًا إليه وحلمًا وعفوًا وشفقة عليه، قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34 - 35].
وبالجملة فالشكر حارس النعم، فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكر الله عليها، ولا عرضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله.
عباد الله، ومن الحسد حسد الغبطة الذي لا يذمه الشرع، يتمنى المرء مثل ما عند غيره من غير رغبةٍ في زواله، الحامل لصاحبه عليه: كبر نفسه وحب خصال الخير والتشبه بأهلها، أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه وأقر مشروعيته فقال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي