اعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحرص على العشر الأواخر كل هذا الحرص إلا لما يعلم من أمرها وشأنها وجلالة قدرها ما الله عز وجل وحده به عليم، تقول عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي تصف لنا حاله في الثلث الأخير من رمضان كما في صحيح مسلم: "كان رسول الله يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها"..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا".
أيها الصائمون والصائمات: اختار الله العليم الحكيم أن يُودِع الثلث الأخير من شهر رمضان المبارك العشرَ الأواخر، تاج رمضان وبركته، وجعل الكريم في هذه العشر من الخير والأسرار والمنازل والفضائل ما يرفع به قدر عباده الصائمين والصائمات إذا ما هم جدّوا وطلبوا ما في هذه العشر من البركات إرضاء لرب السموات سبحانه وتعالى.
ولما كان قدوة الصائمين والصائمات هو نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولما كانت حياته كلها لله تعالى، ولما كان يعيش أحوال العبودية لله تعالى في كل الأمكنة التي يكون فيها، ولما كانت حياته في ليالي العشر الأواخر أغلب من يشهدها هم أهله المقربون، ولما كان بيته -صلى الله عليه وسلم- هو قدوة لبيوت المسلمين والمسلمات، كان لا بد لنا من وقفة ننقل فيها واقع بيت النبوة في الليالي العشر الأواخر؛ لعل الله تعالى يوفقنا لنتخذ منه -صلى الله عليه وسلم- القدوة البيتيّة في هذه العشر المباركة.
أيها الصائمون والصائمات: اعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يحرص على العشر الأواخر كل هذا الحرص؛ إلا لما يعلم من أمرها وشأنها وجلالة قدرها ما الله -عز وجل- وحده به عليم، تقول عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تصف لنا حاله في الثلث الأخير من رمضان كما في صحيح مسلم: "كان رسول الله يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها".
وتأمّلوا جيدا في كلامها إنها تصف اجتهاده -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر مقارنة باجتهاده في العشر الأوائل والثانية, بأنه يفوقهما ويزيد عليهما، مع علمنا بعظيم طاعته وحرصه وتعبده في أوائل وأواسط رمضان إلا أنه كان يزيد جهده ويضاعفه ويقويه في الأواخر؛ تقربا لربه وعبودية وطاعة له -سبحانه-, رجاء أن يظفر بالفضل والخير المودع فيها من قبل الله -سبحانه-.
ولذلك كانت حاله -صلى الله عليه وسلم- على النقيض من أحوال بعض الصائمين في زماننا, حيث يصيبهم الفتور مع قرب انتصاف رمضان، والمفروض أن عبادات الصائم وقرباته في أيام رمضان الأولى تشحنه وتدفعه وتقوي إيمانه وتزيد رغبته، فما أن يصل العشر الأواخر إلا وقد اشتاقت نفسه للظفر بليلة القدر.
أيها الصائمون والصائمات: تعالوا بنا ندخل الى بيت رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر، ندخله لنرى ليل النبي -صلى الله عليه وسلم- وليل مَنْ حوله من أهل بيته.
أيها الصائمون والصائمات: تصف لنا حال بيت رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر زوجُه الكريمة عائشةُ -رضي الله عنها- فتقول -كما في الصحيحين-: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره". وزاد مسلم: "وجَدَّ وشد مئزره". فقولها: "وشد مئزره": كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، ومعناه التشمير في العبادات. وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع. وقولها: "أحيا الليل": أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها والمراد أنه يحيي معظم الليل. وهذا كان في حق نفسه -صلى الله عليه وسلم-، نعم هذا هو شأنه في بيته في العشر الأواخر -صلوات ربي وسلامه عليه-.
أيها الصائمون والصائمات: وأما قول عائشة -رضي الله عنها-: "وأيقظ أهله" أي: أيقظ أزواجه للقيام، ومن المعلوم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يوقظ أهله في سائر السنة، ولكن كان يوقظهم لقيام بعض الليل، ففي صحيح البخاري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ ليلة فقال: "سبحان الله ماذا أُنزل الليلة من الفتن! ماذا أُنزل من الخزائن! من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة"، وفيه كذلك أنه كان -عليه السلام- يوقظ عائشة -رضي الله عنها- إذا أراد أن يوتر. لكن إيقاظه -صلى الله عليه وسلم- لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة.
أيها الصائمون: أيها الآباء الكرام: افعلوها اقتداءً بنبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فأيقظوا أبناءكم للتهجد في العشر الأواخر، وشجعوهم، وكونوا قدوة لهم، واعلموا -أيها الآباء- أنه لن يكون اقتداؤكم بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- في إيقاظ أبنائكم وبناتكم إلا خيرا لكم وبركة على أسرتكم وحياتكم ونفعا لآخرتكم.
وأما أنتم -أيها الأزواج- فلا تدعوا ليل زوجاتكم يذهب في عمل البيت، أو في النوم، بل شجع زوجتك على القيام في العشر الأواخر، وكن سباقا لها في العبادات، وكن قدوة لها، فإن الزوجة تتأثر بالزوج تأثرا كبيرا داخل البيت.
أيها الآباء والأمهات: ذكّروا أبناءكم وزوجاتكم بليلة القدر، وأنها في العشر الأواخر، وذكروهم بحال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهله في مثل هذه الليالي، ورتبوا لأنفسكم برنامجا عمليا من القيام ولذكر والدعاء وقراءة القرآن في العشر الأواخر تعملونها داخل بيوتكم، ليجعل الله منها بيوت رحمة وخير ونور وبركة.
أيها الآباء، وأيها الأزواج: إن صنيعكم الطيب هذا هو دليل رحمتكم وخيريّتكم بأهليكم.
يا عباد الله: لا تدعوا الليل يسرق منكم أبناءكم وبناتكم وزوجاتكم وأخواتكم وأمهاتكم، يسرقهم بالسهر على شاشة التلفاز وبحمى الانترنت والخلويات، فيضيع عليهم ليلهم، ويغرق البيت في ظلمات المعصية، والخمول، وفقدان بركة القيام والدعاء والتضرع وتلاوة كلام الله العظيم، فمثل هذه البيوت في العشر الأواخر هي بيوت خاوية على أهلها، هي بيوت كالمقابر، هي بيوت مظلمة معتمة خرجت منها أنوارُ وبركاتُ وخيراتُ العشر الأواخر، ويكفي هذه البيوت وأهلها خسرانهم لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
أيها الصائمون والصائمات: إن عمله -صلى الله عليه وسلم- هذا في بيته ومع أهله في هذه العشر الأواخر المباركة يدل على اهتمامه بطاعة ربّه، ومبادرته الأوقات، واغتنامه الأزمنة الفاضلة. فينبغي على الأسرة جميعها الجِدّ والاجتهاد في عبادة الله، وألا تضيّع ساعات هذه الأيام والليالي الفضيلة، فلا أحد يدري ماذا سيفعل به في قابل الأيام.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المجتبى، وبعد:
أيها الصائمون والصائمات: هذا هو نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو بيته في العشر الأواخر، وهذا هو ليله وليل أهله في العشر الأواخر، فهل نحن آخذين بطريقه وسالكين سبيله ومقتدين به صلوات الله وسلامه عليه؟.
"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي