الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها.. بالصدق تُبرَم العهود والمواثيق، بالصدق تُحفَظ حقوق الناس وترعى مصالحهم، الصادق الأمين أحق من ائتمنه الناس على أموالهم وحقوقهم وأسرارهم؛ الصادق الأمين يطمئن إليه العدو والصديق والقريب والبعيد، إنه المؤتمن على الأحياء، والوصي على الأموات، لا تأخذه في الصدق لومة لائم.
الحمد لله....
الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها.
بالصدق تُبرَم العهود والمواثيق، بالصدق تُحفَظ حقوق الناس وترعى مصالحهم، الصادق الأمين أحق من ائتمنه الناس على أموالهم وحقوقهم وأسرارهم؛ الصادق الأمين يطمئن إليه العدو والصديق والقريب والبعيد، إنه المؤتمن على الأحياء، والوصي على الأموات، لا تأخذه في الصدق لومة لائم.
الصادق مع الناس صادق مع الله أولاً، لا يريد بفعله وتركه إلا الله -عز وجل-، صلاته وزكاته، وصومه وحجه، وصمته ونطقه، وحركته وسكونه لله وحده لا شريك له.
الصدق صفة من صفات ربنا القائل في كتابه: (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) [الأنعام: 146]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً) [النساء: 122]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا) [النساء: 87].
الصدق خُلق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي لم يزل به قبل بعثته وبعدها موصوفًا مشهورًا.
عرف الناس الصدق في وجهه قبل أن يعرفوه في قوله وفعله، يقول عبد الله بن سلام: "لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، جئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب".
شهد له بالصدق خصومه قبل أصحابه، بل شهد الله له بالصدق بما أوحى إليه فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3- 4].
الصدق عنوان الأنبياء ووسامهم جميعاً، أثنى الله به عليهم فقال عن نبيه إبراهيم -عليه السلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) [مريم: 41].
أمر الله عباده المؤمنين بالصدق فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119]، وقال تعالى: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد: 21].
وأثنى على الصادقين بصدقهم فقال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23].
الصدق في الأقوال طريق إلى الصدق في الأعمال والصلاح في الأحوال، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب: 70 - 71].
وفي الحديث: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقًا".
الصدق علامة التقوى، يقول الله تعالى: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) [الزمر:33].
الرؤيا الصادقة جزءٌ من النبوة، ولا يراها إلا مسلم تطهَّر قلبه من دنس الكذب واستضاء بنور الصدق والإيمان. ففي الحديث: "إذا اقتربَ الزمانُ لم تكدْ رؤيا المسلم تكذب، وأصدقُكُم رؤيا أصدقُكُمْ حديثًا، ورؤيا المسلمِ جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النُّبوَّة" الحديث رواه البخاري ومسلم.
الصدق منجاة من المضايق والمهالك، فما نجَّا الثلاثة الذين خُلّفوا يوم تبوك إلا صدقهم مع الله تعالى ورسوله، يقول الله فيهم: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].
الصدق سبب لراحة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، ففي الحديث: «الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ».
الصدق سبب للبركة في الرزق في البيع والشراء يقول -صلى الله عليه وسلم-: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».
الصدق سبب النصر والرفعة والتمكين، فالصادق لا يخذله الله أبدًا، أما الكاذب فمهما جنَى من كذبه، وترقى بباطله، وتكسب من بهتانه، فمصيره الخذلان، وعاقبته الخسران، تقول أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- مطمئنة النبي -صلى الله عليه وسلم- عما لاقاه من شدة وخوف أول نزول الوحي عليه: "كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، -واستدلت لقسمها فقالت- إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
الصدق سبب لاستجابة الدعاء: «مَنْ سَأَلَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ».
الصدق سبب لنيل رضوان الله والخلود في جنته، قال الله جلَّ وعلا: (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119].
الخطبة الثانية
الحمد لله ....
الكذب صفةٌ دنيئة وخُلقٌ ذميم، بالغ في القبح غايته وفي اللؤم شناعته، ففي الحديث: "يُطْبعُ المؤمنُ على الخلالِ كلِّهَا إلا الخيانةَ والكذِب إلا الخيانةَ والكذِب".
الكذب جماع كل شر، وأصل كل ذنب، وصغيره يجر إلى كبيره.. ففي الحديث: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا" متفق عليه.
الخَرَس خيرٌ من الكذب، وما من شيء أذهب لمروءة الإنسان وجماله من الكذب..
الكذب سبب لسوء السمعة، وسقوط الكرامة، ونزع الثقة، والكذاب لا يصدق وإن نطق بالصدق، فلا تُقبل شهادته، ولا يُوثق بمواعيده وعهوده.
والإنسان إذا اتصف بالكذبِ حتى يعرفه به الناس، يصبح عرضة لنسبة الأكاذيب المجهولةِ إليه، مهما كان منها بعيدًا، ومن افترائها بريئًا.
الكذب يُضعف ثقة الناس بعضهم ببعض، ويشيع أحاسيس الخوف والتناكر تجاه بعضهم البعض.
الكذب سبب لتضييع الوقت والجهد الثمينين، لتمييز الحق من الباطل، والصدق من الكذب.
الكذب سبب للحرمان من الهداية إلى صراط الله المستقيم: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 28].
الكذب عنوان النفاق وأمارته، ففي الحديث،: "آيةُ المنافقِ ثلاث: إذا حدَّث كَذب، وإذا وعدَ أخْلفَ، وإذا أؤتمِن خان"..
الكذب من أشد الأمراض إفسادًا للقلوب وإضرارًا بها، بذلك أخبر الله عن المنافقين فقال: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة: 10]، فأنى لقلب مريض أن يجد صاحبه الهناء والسكينة والسعادة والطمأنينة.
الكذب سبب لدخول النار عياذًا بالله تعالى؛ ففي الحديث: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار".
وكلما كان الكذب أعظم ضررًا، كان أكبر إثمًا وكانت عقوبته عند الله أشد خطرًا، فأعظم الكذب: الكذب على الله تعالى عياذًا به سبحانه؛ يقول تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 144].
وأعظم الكذب، الكذب على رسول الله - -صلى الله عليه وسلم - القائل: «إنّ كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار» متفق عليه.
والكذب في مصالح الأمة وقضاياها الكبار من أعظم الكذب وأخطره؛ لعموم فساد الكذب في تلكم الأمور وشمول ضرره وعظمه وشدته.
ومن حرص الإسلام على سيادة الصدق في مجتمعاته ونبذ الكذب والحجر عليه بمختلف ألوانه وأنواعه، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم - عن الكذب على الصغار حتى لا يعتادوا الكذب ويألفوه فتفسد تربيتهم وتسوء أخلاقهم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من قالَ لصبيٍّ: تعالى هاكَ ثم لم يعطِه فهي كذِبَة" رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
حتى الكذب للتسلية والمزاح نهى الشرع عنه نهيًا أكيدًا شديدًا، فقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم - يمزح ولا يقول إلا حقًّا .. ففي الحديث: "ويلٌ للذِي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحِكَ بهِ القوم فيكْذِب.. ويلٌ له.. ويلٌ له" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسنٌ صحيح.. ولفظ أبي داود: "ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيكذِب ليُضْحِكَ القوم.. ويلٌ له.. ويلٌ له".
هذا واعرفوا -رحمني الله وإياكم- للصدق مقامه وفضله، والزموه وتحروه، واعرفوا للكذب سوءه وشره واجتنبوه واحذروه وتحاشوه، يصلح الله أحوالنا ويغفر ذنوبنا ويعلي في الدنيا والآخرة مقامنا.
اللهم إنا نعوذ بك من الكذب سرّه وعلنه، ظاهره وباطنه جده وهزله. اللهم إنا نسألك الصدق في أقوالنا وأعمالنا وجميع أمورنا وأحوالنا، اللهم بلّغنا بالصدق أعالي جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي