أذى اللسان أعظم من أذى اليد.. فكم حدث بسببه من شقاق، وكم حصل بسببه من فراق،كم فرّق بين زوج وأهله وأولاده،كم فرّق بين الإخوة والأقرباء، والجيران والأصدقاء، وكم أشعل الحروب بين الأفراد والمجتمعات!! كم كلمة سلبت نعمة، وجلبت على صاحبها نقمة!! ومتى خرجت فلا يمكن استردادها، وصعبٌ تدارك خطرها؛ الملائكة كتبوا، والناس سمعوا، وآخرون علّقوا وشرحوا، وزادوا ونقصوا، ومَن خرجت من لسانه الكلمة، هو وحده الذي يتحمل جميع التبعات.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
وبعد: فإن مما خص الله به الإنسان من أنعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، نعمةَ اللسان التي أقدره بها على البيان عن مكنونات نفسه، وحاجاته وأغراضه، وإنها لنعمة كبيرة النفع والأثر إن هي سُخِّرت في جوانب الخير ومناحيه، وعظيمة الضر والخطر، إن هي استُعملت في محارم الله ومعاصيه.
باللسان ينطق المرء شهادة الإسلام، فيحظى بالسعادة في ظله وينال من الله الكرامة والرضوان، وباللسان ينطق كلمة الكفر -عياذا بالله- فيبوء بالإثم والخسران. باللسان يكسب المرء حسنات تملأ ما بين السماء والأرض، وباللسان يخسر حسنات أمثال الجبال. باللسان ينعقد البيع والشراء، وباللسان يفسخ وينحل. باللسان تُعقد رابطة الزوجية بين رجل وامرأة، وباللسان تُفسخ وتنحل.
اللسان أسهل الأعضاء حركة وأيسرها استعمالاً، سريعة طلقاته، لا تنفد ذخيرته ولا تنتهي سهامه. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، وأكثر خطايا ابن آدم في اللسان.
أذى اللسان أعظم من أذى اليد، فأذى اللسان يطال الحاضرين، والغائبين، والماضين والحادثين، لا يحده حد ولا يسده سد، أما اليد فأثرها قاصر على من يكون أمامها؛ لذلكم قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، فقدم اللسان على اليد لعظيم ضرره وشديد خطره.
كم حدث بسببه من شقاق، وكم حصل بسببه من فراق،كم فرّق بين زوج وأهله وأولاده،كم فرّق بين الإخوة والأقرباء، والجيران والأصدقاء، وكم أشعل الحروب بين الأفراد والمجتمعات.
وبالكلمة الكاذبة تُرمَى عفيفة بريئة، وتُقذف محصنة، ويُتهم بريء. ورُبّ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته.
كم كلمة سلبت نعمة، وجلبت على صاحبها نقمة، ومتى خرجت فلا يمكن استردادها، وصعبٌ تدارك خطرها؛ الملائكة كتبوا، والناس سمعوا، وآخرون علّقوا وشرحوا، وزادوا ونقصوا، ومَن خرجت من لسانه الكلمة، هو وحده الذي يتحمل جميع التبعات.
من أجل تلكم الآثار وغيرها للسان في دنيا الناس وآخرتهم، فقد أولاه الإسلام عظيم العناية، ومنحه كبير الاهتمام وجميل الرعاية.
حذر من استعماله في السوء والشر وبالغ في التحذير حتى قال نبينا – صلى الله عليه وسلم-: "وهل يكب الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم".
وقال أيضًا: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه" (موطأ مالك ج 2 / 985).
حث على استعماله في الخير فقال تعالى مخاطبًا نبيه: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء: 53] وقال سبحانه: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83].
حفظ اللسان، أصل كل خير وأساسه، فعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأركان الإسلام، وجملة خصال من الخير ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله» ؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: «كُفّ عليك هذا» (سنن الترمذي رقم 2616 وصححه الألباني). وأوصى رجلاً آخر فقال له: "أمسك عليك لسانك".
حفظ اللسان عنوان الاستقامة والأساس لصلاح القلب وسائر الأعضاء، ففي الحديث: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" (رواه أحمد).
وفي حديث آخر: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان (أي: تذل له وتخضع) فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» (سنن الترمذي رقم 2407 وحسنه الألباني).
حفظ اللسان علامة حُسن إسلام المرء وسيرته: ففي الحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (سنن الترمذي رقم 2317 وصححه الألباني).
حفظ اللسان دليل مروءة الإنسان وكمال إيمانه، ففي الحديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت» (صحيح البخاري رقم 6018)، وفي حديث آخر:" ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء".
الصمت فيما لا يعلم الإنسان خيره من شره، ولا نفعه من ضرّه هو النجاة والسلامة، والأمان والطمأنينة، ففي الحديث: "من صمت نجا". وفي حديث آخر: «كفَى بالمرء كذِبًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمِع» رواه مسلم.
يقول عمرُ رضي الله عنه: "من كثُر كلامُه كثُر سقَطُه، ومن كثُر سقَطُه كثُرت ذنوبُه، ومن كثُرت ذنوبُه فالنارُ أولَى به".
وصوم الإنسان عن الكلام ليس من دين الإسلام وشريعته، ففي الحديث: «لا صمات يوم إلى الليل» (سنن أبي داود رقم 2873 وصححه الألباني).
يقول سفيان الثوري: "ليس الورع في السكوت، لكن أن تتكلم فتعطي لكل ذي حق حقه".
ومن كان سكوتُه وكلامُه لله -عز وجل- مُخالِفًا هوى نفسِه، كان أجدر بتوفيقِ الله له، وتسديدِه في نُطقِه وصمته.
فكونوا رحمني الله وإياكم ممن أثنى الله عليهم بالإعراض عن اللغو ومجانبة الباطل من القول، فقال جل وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 1- 3]. وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان: 72].
الخطبة الثانية
حفظ اللسان سبب لعلو المنزلة ورفعة المكانة في الدنيا والآخرة، سئل صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين أفضل؟ فقال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".
حفظ اللسان سبب للفوز برضوان الله تعالى، ففي الحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه".
حفظ اللسان سبب لدخول الجنة، ففي الحديث: «إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام وصلى والناس نيام» (مسند أحمد رقم 22905. وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 2119) .
فالعاقل هو من يقدر لكلماته مواقعها كما يقدر لخطوات رجله مواضعها، العاقلِ هو من يحفظ لسانه إلا عما فيه خير ظاهر ومصلحة راجحة، يقول تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
فاتقوا الله - عِبَادَ اللهِ -، واحفظوا ألسنتكم، واقصروا كلامكم على الحسن من القول والجميل من الكلام، وصونوا أوقاتكم واعمروها بذكر الله الحميد المجيد، وكل قول سديد، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
اللهم جنب ألسنتنا السوء من القول، وطهرها من الزور والبهتان واللغو.
اللهم وأشغل ألسنتنا بما يرضيك من ذكرك وشكرك وكل قول حميد ونصح رشيد.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر هادين مهديين صالحين مصلحين لا ضالين ولا مضلين ولا فاتنين ولا مفتونين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وتصلح فيه أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم لا تفرّق جمعنا إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي