إن من آفات اللسان العظيم ضررها، الكبير خطرها، آفة النميمة الحالقة للدين، والموقِعَة للعداوة والقطيعة بين المسلمين.. النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. دافعها: الحسد وأساسها: الكذب والنفاق. ما دخلت مودة إلا أفسدتها، ولا عداوة إلا جددتها، ولا جماعة إلا فرقتها. كم جرَّت على الأبرياء من ويلات!! وكم أزهقت من أنفُس محرمات!! كم سلَبَت من أموال!! وشتَّتت من أُسَر!! وخربت من ديار!! وجلَبَت من مِحَن وأهوال!!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
فإن من آفات اللسان العظيم ضررها، الكبير خطرها، آفة النميمة الحالقة للدين، والموقِعَة للعداوة والقطيعة بين المسلمين. وإن من محاسن الإسلام وفضائله رعايته لسلامة المجتمع من كل سوء يحيل حياته مواتًا، وعمارته خرابًا، وسعادته وهناءه تعاسة وشقاء، فكان أن نهى وحذر من هذا الداء الوبيل، والشر الخطير المستطير.
النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. دافعها: الحسد وأساسها: الكذب والنفاق. ما دخلت مودة إلا أفسدتها، ولا عداوة إلا جددتها، ولا جماعة إلا فرقتها.
كم جرَّت على الأبرياء من ويلات!! وكم أزهقت من أنفُس محرمات!! كم سلَبَت من أموال!! وشتَّتت من أُسَر!! وخربت من ديار!! وجلَبَت من مِحَن وأهوال!!
النمام لا يعرف للشهامة سبيلاً، ولا للمروءة طريقًا، إن علِم خيرًا أخفاه، وإن درَى بشرٍّ أفشاه، وإن لم يعلَم هذا ولا ذاك اختلق الأكاذيب، واصطنع الأباطيل ليوقع العداوة والبغضاء بين الناس.
النمام شرٌّ من الساحر، فالنمام يفسد في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة. لذلكم ذمَّه الله تعالى بأشنع الصفات وخلد مذمته في كتابه، وحذر من طاعته والاستماع لوشايته، (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [القلم: 10- 13].
صفاتٌ مُتواليات، كل خصلةٍ منها أشد من الأخرى، حلاَّفٌ كثيرُ الحلِف؛ لعلمه من نفسه عدم صدقه وعدم تصديقه، مَهينٌ حقير، وإن يكن ذا جاهٍ أو مالٍ أو جمال.
هَمّازٌ غمَّاز للناس على حين غفلة منهم في حضورهم، ساعٍ بينهم بالنميمة في غيابهم. منَّاعٌ للخير عن نفسه وعن غيره، مُعتدٍ مُتجاوزٌ للحق والعدل والإنصاف، فضلاً عن أن يكون من أهل الإحسان ونشر الخير والمحبة بين الناس.
أثيمٌ واقعٌ في المحرمات، والغٌ في المعاصي، عُتُلٌّ فظٌّ قاسٍ مكروهٌ وإن بدا فيه لُطفٌ مُتصنَّع ورقَّةٌ مُتكلَّفة، زنيمٌ شرّير يحبُّ الإيذاء ويستمتعُ ببذل الشرور وزرع الأحقاد بين العباد.
(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [القلم: 10- 13].
تلكم - يا رعاكم الله - صفات النمامين وعلاماتهم الظاهرة التي لا تنفك عنهم ولا تبرح ساحتهم أينما ذهبوا أو ولوا مدبرين، ما داموا بالنميمة متصفين وبها بين الناس ساعين مفرّقين.
النميمة توجب الخزي والشقاء في الدنيا لصاحبها، والعار والذل والفضيحة والعقوبة في الآخرة؛ فالنمام متوعَّد بعذاب القبر، ففي الحديث: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة".
والنمام من شرار الناس يوم القيامة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تجدُ من شرار الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه".
وفي حديث آخر: "شرار عباد الله المشَّاءُون بالنميمة المفرّقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت".
والجنة على النمام حرام، لعِظم جرمه، وكبر ضرره وذنبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام".
النمام يعذب نفسه بنفسه يوم القيامة، ففي حديث معراجه - عليه الصلاة والسلام- يقول: "لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نُحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".
هذا واعلموا -رحمني الله وإياكم - أن نقل الكلام ونحوه إنما يُذَمّ إذا لم يكن فيه مصلحة شرعية راجحة، وإلا كان مستحبًّا أو واجبًا؛ كمن اطلع من شخص وتأكد أنه يريد الإضرار بالناس في أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم فحذر منه. فهذا لا يمنع منه الشرع فليس المراد به الإفساد، وإنما الغرض منه الدفع للشر والفساد.
ألا فلنحفظ ألسنتنا من هذا الداء، ولنحذر هذا البلاء، فقد فاز من حفظ لسانه من الزلات، وألزم جوارحه الطاعات.
الخطبة الثانية
الحمد لله...
فأما مَن تُنْقَل النميمة إليه فواجبه ألا يصدِّقَ النمام، لأنَّه فاسق مردود الشهادة، وإنما يتبين ويتثبت ليميز الناصح الأمين الذي يحذره من ضرر انعقدت أسبابه، يميزه من إنسان نمام غرضه الإفساد بين الناس، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].
على مَن تُنقل النميمة إليه، أن لا يسيء الظن بأخيه المنقولة عنه، وألا يتجسس عليه، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات: 12].
على مَن تُنقل النميمة إليه، أن يبغض هذا الصنيع والفعل الشنيع؛ لبغض الله إياه، وأن يعظ النمام وينصحه ويخوفه بالله، وأن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فيحكي نميمته للناس.
واعلم - عبد الله - أن مبلِّغ الشر إليك كباغيه لك، وأن من نَمَّ لك نَمَّ عليك، وأن من بلَّغك السبَّ فقد سبَّك، ومن أطاع الواشي أضاع الصديق، وشرٌّ مِن النمام مَن أنصتَ إليه.
وليختر العاقل لسره أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلاً، وليحذر أن يودع سره من يتطلع إليه، ويرغب في الوقوف عليه.
وليحذر كثرة المستودَعين لسره؛ فإن كثرتهم سبب للإذاعة، وطريق إلى الإشاعة.
المسلم يُصلح ولا يفسد، يقرّب ولا يبعد، يجمع بين القلوب إذا تنافرت، ويطفئ الفتن إذا استعرت، يمسك لسانه فلا يقول إلا خيرًا، ويَحفظ حسناته فلا يُضيّع منها شيئًا، يحرص على إخوانه فلا يحمل في صدره عليهم حقدًا، ولا يُصدِّقُ ما يقول الوشاة عنهم فيمتلأ قلبه عليهم غيظًا وبغضًا، قدوته في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "لا يُبْلغْني أحدٌ عن أحدٍ من أصحابي شيئًا فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر".
اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق، وأعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب والمراء والجدال، اللهم طهر ألسنتنا من الغيبة، وجنبنا الوقوع في الأعراض، اللهم جنبنا الوقوع في الأعراض.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي