لقد شرع الله الاستغفار في ختام الأعمال الصالحة، تُختم به الصلاة والحجُّ وقيام الليل، بل وتختم به المجالس، فينبغي أن نختم به شهر الصيام، تجديداً للتوبة، وإقراراً بالضعف والحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فالاستغفار يعين النفس على التخلص من الكِبرِ، ويردَعُها عن العُجْب، ويُورثُها الشعورَ بالتقصير، مما يدفع العبدَ لمزيد العمل.
الحمد لله الذي هدانا للإيمان، ومنَّ علينا بإدراك شهر رمضان، وأعاننا على ما تيسر من الصيام والقيام.
أحمده حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشكره شكراً مزيداً على إنعامه وإفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله ...
أما بعد عباد الله: فاتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يؤمن أنه يعلم سره ونجواه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: إن من نعم الله العظيمة على العبد أن يبلِّغه شهر رمضان، وقد حُرم من هذه النعمة أناسٌ كثير، فاشكروا الله -تعالى- واسألوه أن يتقبّل منكم ما مضى، وأن يبارك فيما بقي، اللهم اجعلنا ممن غُفِرت زلتهُ، وقُبلت توبتُه، وأقيلت عثرته، وأعتق من النار.
أيها الأحباب: لقد شرع الله الاستغفار في ختام الأعمال الصالحة، تُختم به الصلاة والحجُّ وقيام الليل، بل وتختم به المجالس، فينبغي أن نختم به شهر الصيام، تجديداً للتوبة، وإقراراً بالضعف والحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فالاستغفار يعين النفس على التخلص من الكِبرِ، ويردَعُها عن العُجْب، ويُورثُها الشعورَ بالتقصير، مما يدفع العبدَ لمزيد العمل.
معاشر المؤمنين: لقد ختم الله آياتِ الصيام بقوله -عز وجل-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّروا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]، فقد شرع الله لكم التكبير من غروب شمس ليلة العيد، حتى حضور الإمام لصلاة العيد، يكبر المسلمون ذكوراً وإناثاً.
ويسن في حق الرجال الجهر بالتكبير في المساجد والأسواق والبيوت؛ إعلاناً لتعظيم الله وشكره، فقد كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يكبر ويقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
ومما شرع الله للمسلمين في ختام الشهر: زكاة الفطر، شرعها الله طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين.
وهي صاعٌ من طعام، عن الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، ويستحب إخراجها عن الجنين.
ولا يجوز إخراجها نقداً، فإن ذلك لا يجزئ؛ لأنه مخالف لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولعمل الصحابة -رضي الله عنهم- فقد كانوا يخرجونها صاعاً من طعام.
وتجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة العيد، وأفضل وقتٍ لإخراجها يومُ العيد قبل الصلاة، ويجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد بغير عذر، ومن أخرها فهي صدقةٌ من الصدقات.
ومما شُرع في ختام هذا الشهر صلاة العيد، فهي سنة مؤكدة عند الجمهور، واظب عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر بها الرجال والنساء، حتى الحيّض منهن؛ لقول أم عطية -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ"، والسنة أن تصلى خارج البلد.
ومن الحرمان العظيم أن ينام العبد عنها أو يتساهل في حضورها، فمن حضرها فقد شهد الخير ودعوة المسلمين، ولربما أصابته نفحةٌ من نفحات الخير يسعد بها دنيا وأخرى.
واعلموا -عباد الله- أنه يستحب للرجال في يوم العيد الاغتسال والتزين والتطيب.
أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن، لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب، وكذا يحرم على من أرادت الخروج أن تمسّ الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة، فإنها ما خرجت إلا لعبادةٍ وطاعة، فليس لها أن تعصي الله بتبرجٍ أو سفورٍ أو طيب يشمه منها الرجال .
ومن السنة أن يأكل تمراتٍ وترا قبل الخروج للصلاة، وأن يذهب إلى المصلى ماشيا، وأن يذهب من طريق ويعود من آخر.
نسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين الصيام والقيام، وصالح الأعمال، وأن يختم لنا ولجميع المسلمين بالغفران والعتق من النار، إنه جواد كريم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله...
أما بعد عباد الله: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
أحبتي في الله: ومما شُرع لنا عقب رمضان صيام ستة أيام من شوال؛ كما جاء في حديث أَبي أَيُّوب الأَنصَاريِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"، وفي حديث ثوبانَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ"، وفي رِوايةٍ: "جعل اللهُ الحسنةَ بعشرٍ؛ فشهرٌ بعشرةِ أشهرٍ، وستَّةُ أيامٍ بعدَ الفطرِ تمامُ السَّنَة".
ويجوز صِيامُها في أَوَّلِ الشَّهرِ أَو وَسْطِهِ أو آخِرِهِ، مُتَتَابِعَةً أو مُتَفَرِّقَةً.
ومَنْ كان عَليهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ قَدَّمَ القَضَاءَ عَلى السِّتِ ثُم صَامَهَا بعدَ ذَلك؛ لأَنَّ مَنْ بَقِيَ علَيهِ أَيَّامٌ من رَمَضَانَ لا يَصْدُقُ عَلَيهِ أَنَّهُ صَامَ رَمَضَانَ حَتى يَقضِيَها، وإبرَاءُ الذِّمةِ من الوَاجِبِ أَولَى مِن فِعلِ المَندُوب.
أيها الإخوة المؤمنون: إذا كنا على أبواب الفرحة بالعيد، ونحن بأمن وأمان واطمئنان، فلنتذكر إخواناً لنا في الدين والعقيدة يحلّ عليهم العيد وهم يعانون مرارة الويلات والفتن والمآسي والاضطهاد، يستقبلون العيد بدماءٍ تُسفك، وأرواحٍ تُزهق، وأعراضٍ تُنتهك، فلا تنسوهم -رحمكم الله- من دعواتكم، نسأل الله أن يُعجِّل لهم بالفرج، ويمُنَّ عليهم بالنصر والتمكين.
هذا وصلوا وسلموا على أفضل الأنبياء والمرسلين، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]....
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي